توجيهات المرجعية المقبولة وتوجيهاتها المرفوضة

بهاء النجار

توجيهات المرجعية المقبولة وتوجيهاتها المرفوضة
تحاول المرجعية الدينية العليا بمقدار جهدها أن تقدم للأمة كل ما عندها من توجيهات وتوصيات كي تقلل من معاناة الشعب وترفعه الى أفضل حال ، فتوجيهات سياسية مرة وتوجيهات أمنية أخرى وتوجيهات اجتماعية تارة وتوجيهات اقتصادية أخرى وهكذا ، وبعضها إستراتيجية وبعضها تكتيكية مرحلية ، فمنذ السقوط وجّهت المرجعية بالإعداد لكتابة الدستور من قبل لجنة مشكلة من قبل ممثلي الشعب ، فتقبل الشعب والسياسيون ذلك وطبقوا التوجيه ، ودعت المرجعية الى الانتخابات وفق الستور الجديد وسارع السياسيون والشعب معهم لإجراء انتخابات لتمثل الشعب أفضل تمثيل ، وعندما دعت المرجعية لجهاد داعش هب المؤمنون ومعهم السياسيون لتشكيل أفواج وسرايا لإعداد خطط عسكرية وميدانية لمواجهة داعش .
هذا من جانب التأييد والقبول ، أما من جانب الرفض أو (التغليس) فهناك مواقف عديدة مثل المطالبة بالغاء تقاعد البرلمانيين والوزراء والدرجات الخاصة ، وأريد أن أذكر أحدثها وأبرزها وهي مكافحة الفساد ، حيث دعت المرجعية للقضاء على الفساد وطالبت الحكومة بإجراء إصلاحات حقيقية تغير الوضع الفاسد ، مثل هذه التوجيهات لم تلقَ آذاناً صاغية وقلوباً طائعة ، وإذا أردانا أن نبحث عن السبب فهناك عدة احتمالات منها :

1) الاحتمال الأول / أن السياسيين لا يأخذون إلا ما يرونه مناسباً :
فالسياسة فن الممكن وتدار بها المصالح ، فعندما تكون توجيهات المرجعية تصب في مصلحة السياسيين استفادوا منها إعلامياً وشعبياً ، أما إذا كانت هذه التوجيهات تخالف هواهم ومصالحهم فبالتأكيد سوف لن يأخذوا بها ، لأنهم حقيقة لا يرجعون الى المرجعية حتى الإسلاميون منهم ، لأنهم لا يريدون أن يرهنوا مصالحهم ومستقبلهم بيد المرجعية .
وللسياسيين أساليب مكر متعددة كي يضربوا عصفورين بحجرة ، فيكسبوا رضا المرجعية والناس سوية ويحافطون على مصالحهم في الوقت نفسه ، فعلى سبيل المثال طالبت المرجعية بتثبيت فقرة (لا يجوز سن قانون يخالف الثوابت الإسلامية) ، ومثل هذه الفقرة قد تضع السياسيين – حتى الإسلاميين – في موضع حرج تجاه شركائهم السياسيين (العلمانيين) وتجاه التزماتهم مع الدول الداعمة لهم ، ولكنهم بدون تثبيت هذه الفقرة سيقعون في إحراج ثانٍ وهو سخط المرجعية والناس ، لذا وافقوا على تثبيت هذه الفقرة إلا أنهم لم يضعوا آلية مناسبة لتطبيقها عملياً ، وعندما طرِح قانون المحكمة الاتحادية الذي يمكن أن يكون الآلية المناسبة لضمان تطبيق هذه الفقرة التي ركزت المرجعية على وضعها في الدستور للحفاظ على مستقبل الأجيال اللاحقة ، تلاعب بعض السياسيين (الإسلاميين) ووقفوا مع شركائهم (العلمانيين) كي يكون هذا القانون بصيغة معينة يمكن سن قوانين تخالف ثوابت الشريعة من خلالها ، وبذلك حققوا أمنيتين تكادان تكونان متعارضتين ، لأن المرجعية العليا لم تطالب السياسيين بأن يكون قانون المحكمة الاتحادية وفق نسق وسياق معين يضمن تطبيق تلك الفقرة الدستورية المهمة ، وفي الوقت نفسه لا تمتلك ممثليين عنها في غرف الطبخ السياسية حتى ينقلون لها ما ينوى فعله بما يعارض توجيهاتها ، ولا الإعلام – بما فيه الإعلام الإسلامي – سلّط الأضواء عليها بما يكفي وبالنتيجة فإن الشعب لا يعلم ماذا يخبأ له في دهاليز السياسة المظلمة ، فعاث السياسيون في الأرض فساداً .

2) الاحتمال الثاني / أن السياسيين يقبلون بتوجيهات المرجعية ولكن ينتظرون الوقت المناسب :
لم أجد مثالاً واضحاً يبين هذا الاحتمال ، فلا يوجد موقف للسياسيين تطابق مع موقف المرجعية إلا بعد أن وجدوه مطابقاً لمصالحهم .

3) الاحتمال الثالث /  أن المرجعية تطالب بمطالب غير واقعية من وجهة نظر السياسيين فلا يطبقوها :
ولا أعتقد أن هذا الاحتمال مقبولاً لأننا لم نسمع بموقف من مواقف المرجعية غير واقعي ، لأن أغلب مواقفها – إن لم نقل جميعها – منطقية قبل أن تكون شرعية ، فالمطالبة بالقضاء على الفساد مطالبة واقعية لا يختلف فيها عاقلان ، أو الدعوة للمحافظة على وحدة العراق هي دعوة تدعو لها الفطرة قبل الدين ، والدعوة لإعداد خطط أمنية محكمة لمنع التفجيرات والحفاظ على حياة المواطنين دعوة إنسانية قبل أن تكون دعوة دينية ، فأي دعوة أو مطالبة غير واقعية ؟!!

مما سبق نستنتج أن الاحتمال الأول هو الأكثر واقعية ومقبولية ، وأن السياسيين ومعهم جهات أخرى تفلتر وترشح توجيهات المرجعية ، فما كان يصب في مصلحتهم روجوا له وأخذ صدى إعلامياً وبالتالي تعاطفاً شعبياً ، وأما ما لا ينفعهم فيضيقون عليه لذلك نرى مواقف للمرجعية تأخذ ارتدادات إعلامية وشعبية واسعة وبعضها لا يسمعها إلا من يحضر صلاة الجمعة ، وربما يكون الموقف الثاني أهم من الأول ، ولكن المرجعية تريد والسياسيون يريدون وما يكون إلا ما يريده السياسيون !!! للأسف .

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M