مها علام
ألقت الحرب الروسية الأوكرانية، التي اندلعت في 24 فبراير الماضي، بظلالها على ساحة النظام الدولي والدول فرادى على السواء، بل وفرضت نفسها كمتغير في حسابات الدول لسياساتها الداخلية والخارجية. وعلى الرغم من الصورة شديدة البراجماتية التي تغلف مشهد الحرب، وما تحمله من حسابات للمكسب والخسارة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية، ظهر الدين في مشهد الحرب الروسية الأوكرانية في مواضع ونطاقات مزدوجة، وربما متناقضة؛ مثل: تفسير أسباب ودوافع الحرب، وبناء الأسانيد المتعلقة بالتعامل مع الحرب، وكذا الاستناد إليه كمحدد لموقف الداخل الأمريكي من الحرب.
نطاقات توظيف الدين:
اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية في إطار كونها حرب بين دولتين تنتميان لذات الدين، ما يعني أنه لم يكن من المفترض أن يظهر الدين على نطاق واسع في خضم هذا المشهد، إلا أن الواقع قد شهد نطاقات لتوظيف الدين، سيما المسيحية؛ الأمر الذي حمل قدر من الانعكاسات المتناقضة التي أكدت أن الدين لا يزال يمثل عنصرًا مهمًا في تفسير بل وتفكيك التفاعلات الدولية. فقد ظهر الدين في تفسير دوافع روسيا تجاه الحرب كعنصر محفز على إندلاع الحرب، في مقابل تيار يرى أن الحرب لم تجري وفق إرادة روسية وإنما وفق إرادة إلهية انطلاقًا من كونها مقدمة لنهاية الحياة. وفي سياقٍ موازٍ، ظهر الدين ضمن أدوات عقاب روسيا وتدعيم عزلتها الدولية، في مقابل ظهوره ضمن محاولات التهدئة التي تسعى لإحتواء المشهد ووقف تصعيده. علاوة على ذلك، فقد ظهر الدين كمحدد مزدوج في تفسير موقف الشارع الأمريكي من الحرب، إذ تم اعتباره سبب في تأييد روسيا تارة، وسبب في معارضتها تارة أخرى. وهو ما يمكن تفكيكه على النحو التالي:
الدين بين الهيمنة الروسية ونبؤات آخر الزمان
ظهر الدين بقوة في جانب من تحليلات الحرب الدائرة على الساحة الأوكرانية، انطلاقًا من اعتباره دافعًا ومحركًا أساسيًا للرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في سياسته تجاه أوكرانيا. فبعد عدة محاولات، أعلن الرئيس الأوكراني السابق “بيترو بوروشينكو” في ديسمبر 2018 إنشاء كنيسة أرثوذكسية أوكرانية مستقلة عن الكنيسة الروسية، معتبرًا أن “الأمن الوطني الأوكراني يعتمد إلى حدٍ كبير على الاستقلال الديني عن روسيا”. وقام بتقديم التماس إلى بطريرك القسطنطينية المسكوني “برثلماوس الأول”، في محاولة لإستغلال التوترات القديمة بين الكنيسة في موسكو والقسطنطينية حول السلطة العليا على الأرثوذكسية العالمية. وارتباطًا بذلك، ألمح الرئيس “بوتين” في خطابه قبل الغزو إلى الروايات الدينية التي تدعم المعركة؛ قائلًا أن أوكرانيا “جزء لا يتجزأ من تاريخنا وثقافتنا ومساحتنا الروحية”.
وهو ذات المنوال الذي سار عليه البطريرك “كيريل”، أسقف الكنيسة الأرثوذكسية الروسية وبطريرك موسكو وعموم روسيا، فقد صور الحرب، خلال خطبته الخاصة ببداية الصوم الأربعيني الأرثوذكسي في 6 مارس الجاري، بعبارات روحية؛ قائلًا “لقد دخلنا في صراع ليس له أهمية جسدية، بل ميتافيزيقية”. معتبرًا أن الحرب صراع “من أجل الخلاص الأبدي” للروس. وهذه ليست المرة الوحيدة التي يتخذ فيها البطريريك “كيريل” هذا الموقف؛ إذ جاء رده على “إيوان سوكا”، القس الروماني الأرثوذكسي الذي يشغل منصب الأمين العام بالنيابة لمجلس الكنائس العالمي، في 10 مارس الجاري، على نحو مماثل. قائلًا أن قوات “الناتو” تريد أن تجعل “الشعبين الشقيقين” في روسيا وأوكرانيا “أعداء”. واستنادًا إلى ذلك، قال “أولكسندر جيتشينكو”، عميد مدرسة أوديسا اللاهوتية، وفقًا لموقع “كريستيانتي توداي”، إن “معظم الخبراء مخطئون عندما يقولون إن هذه الحرب حرب بوتين”؛ معتبرًا أن الحرب مدعومة من قبل “جزء كبير من الشعب الروسي”؛ في إشارة منه إلى المؤسسات والمجتمعات الدينية الروسية التي يتواصل معها. وتعليقًا على ذلك، قال “جورج ميشيلز”، أستاذ التاريخ في جامعة “كاليفورنيا ريفرسايد”، لشبكة CNN، إن رؤى الرئيس “بوتين” مدعومة من قبل البطريرك “كيريل”، الذي شدد في بداية الحرب، خلال أحد عظاته، “على الوحدة التي وهبها الرب لأوكرانيا وروسيا”.
وفي مقابل ذلك، ظهر الدين في خضم البحث عن دوافع الحرب، ولكن في إطار زاوية متناقضة تمامًا ترى الحرب في إطار كونها مقدمة لسلسلة من الأحداث الإلهية المرتبطة بآخر الزمان. إذ دفع الغزو الروسي لأوكرانيا بعضًا من أبرز القادة الإيفانجيلكيين (الإنجليين الأصوليين) في الولايات المتحدة إلى طرح سؤال عما إذا كان العالم الآن في “أيامه الأخيرة” التي تنبأ بها الكتاب المقدس والتي قد تتوج بنهاية العالم والمجيء الثاني للمسيح. إذ قال القس “روبرت جيفريس”، مخاطبًا أتباعه في “فيرست بابتيست دالاس”، “لماذا يسمح الرب لهذا الشر أن يستمر؟ …. هل نقترب من هرمجدون ونهاية العالم “. مضيفًا أن “نحن نعيش في الأيام الأخيرة منذ 2000 عام. لا نعرف هل هذه هي النهاية؟ هل هذه بداية النهاية أم نهاية البداية؟ “
كما جاءت أحد التأويلات الأكثر تفصيلاً من الإيفانجيليكي “بات روبرتسون”، الذي أكد أن الرئيس “بوتين” قد “أجبره الرب” على غزو أوكرانيا كمقدمة لتطورات حرجة في نهاية المطاف؛ معتبرًا أن آيات من سفر حزقيال بالعهد القديم تدعم هذا السيناريو. لافتًا إلى أن “بوتين” قد يكون “فقد عقله”، لكنه اعتبر في ذات الوقت أن “الرب قد أجبره على ذلك”. مشيرًا أن “بوتين” توجه نحو أوكرانيا، لكن هدفه هو التحرك ضد إسرائيل. وهو تنبؤ مشابه لما قدمه القس الأمريكي”جريج لوري”، في رسالة إلى أتباعه عبر “فيس بوك” بعد اندلاع الحرب بيوم واحد، ذكر أنه “بالنسبة إلى كثيرين في جميع أنحاء العالم، قد تبدو الأحداث الحالية وكأنها مكائد لسلطوية مصابة بجنون العظمة تهدف إلى الاضطراب في جميع أنحاء العالم؛ ولكن بالنسبة للمسيحيين، يمكن النظر إلى الحرب على أنها شيء آخر تمامًا: علامة على المجيء الثاني للمسيح”.
هذا وقد أزعج الإيحاء المتكرر من قبل البعض بأن الرب يستخدم الحرب الروسية الأوكرانية – بطريقة ما – لتحقيق نبوءات الكتاب المقدس بعض رجال الدين، مثل القس المعمداني “رودني كينيدي”، في نيويورك، الذي ندد في أحد مقالاته بهذا التوجه؛ قائلًا إن “هذا الإصرار الإيفانجيليكي على إقحام سيادة الرب في شرور “بوتين” يعد أمر مناف للعقل”. كما قال “راسل مور”، عالم اللاهوت العام بمجلة “كريستيانتي توداي”، إنه من الخطأ محاولة ربط الأحداث العالمية بنبوءة نهاية الزمان، مشيرًا إلى أن يسوع نفسه قال إن “مجيئه الثاني سيكون غير متوقع وغير مرتبط بـالحروب والشائعات عن الحروب”.
الدين بين العقوبات والإحتواء
ولم يتوقف الحديث عن الدين عند حدود تفسير أسباب ودوافع الحرب فقط، وإنما إمتد أيضًا لكيفية التعاطي مع الحرب الدائرة سواء من خلال تشديد العقوبات وتضييق خناق العزلة على موسكو أو الدعوة للتهدئة من خلال دعم الحوار والقنوات الدبلوماسية. فقد اتجهت بعض الرموز الدينية وكذا المؤسسات الدينية إلى التنديد بالسلوك الروسي، الأمر الذي أضر بصورة روسيا ومكانتها الروحية على الساحة الدولية. إذ رفض العشرات من العلماء ورجال الدين الأرثوذكس في جميع أنحاء العالم الدعاية الروسية في رسائل متعددة ومتكررة. وندد مجلس الكنائس العالمي بإعتداء “بوتين”؛ كما كتب “إيوان سوكا”، القس الروماني الأرثوذكسي الذي يشغل منصب الأمين العام بالنيابة لمجلس الكنائس العالمي، في 2 مارس الجاري، إلى البطريرك الروسي “كيريل” طالبًا منه التدخل ضد الحرب. علاوة على ذلك، أصدر المجلس بيانًا قال في أنه “مرعوب من التأثير المتصاعد للنزاع في أوكرانيا على المدنيين، وما يبدو أنه هجمات عشوائية على نحو متزايد”. مشددًا على أنه يدين جميع انتهاكات القانون الدولي الإنساني، سيما حماية المدنيين، والتي قد ترقى إلى مستوى “جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية”. ودعا إلى “وضع حد فوري للهجمات العشوائية، واحترام المبادئ الإنسانية الدولية والكرامة الإنسانية التي وهبها الله وحقوق كل إنسان، ووقف إطلاق النار و مفاوضات لإنهاء هذا الصراع المأساوي”.
كما أعلنت الرابطة الوطنية للإيفانجيليكيين بالولايات المتحدة أن الحرب “غير مبرر”. كما أضاءت جامعة “ليبرتي” التي يقودها “جيري فالويل” برج الحرية الذي لديها بألوان العلم الأوكراني. ووصف اللاهوتي “راسل مور” الرئيس “بوتين” بأنه “قاتل وطاغية”. هذا، وقد تغير موقف “بريان فيشر” من رابطة الأسرة الأمريكية، الذي دافع في الماضي عن “بوتين” وأشاد بالقوانين الروسية المناهضة للمثليين، إلى الإشادة بالأوكرانيين الآن معتبرًا إياهم يقاتلون من أجل “ثورة مسيحية”.
وفي ذات السياق، ظهر الدين في إطار تضييق الخناق على روسيا، ومحاولات عزلها على الساحة الدولية. فوفقًا لموقع “كريستيانتي توداي”، في 14 مارس الجاري، توقفت ستة أبرشيات على الأقل في أوكرانيا عن تقديم الصلوات الرسمية للاعتراف بالبطريرك الروسي “كيريل”: في لفيف، تشيركاسي، روفنو، سمهي، إيفانو فرانكوفسك، وموكاتشيفو. علمًا بأنه في عام 2019، بعد اعتراف البطريرك المسكوني “برثلماوس الأول”، بالاستقلال الوطني للكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا، رفضت العديد من الأبرشيات في أوكرانيا ذلك، واختارت البقاء تابعة لموسكو. وكذا، دعا نداء المائدة المستديرة للحرية الدينية في أوكرانيا في 17 مارس الجاري، الذي وقعته جمعية الكتاب المقدس الأوكرانية، ومنظمة شباب من أجل المسيح، وقادة من الطوائف المعمدانية والأرثوذكسية والمسلمة واليهودية إلى قطع العلاقات مع البطريرك الروسي”كيريل”. هذا وقد أعلنت كل من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في أمستردام والفرع الإستوني للكنيسة الأرثوذكسية الروسية الانفصال عن البطريركية الروسية ردًا على الحرب.
وفي المقابل، ظهر الدين في إطار محاولات التهدئة والاحتواء في مواجهة التحركات التصعيدية. فعلى الرغم مما بدا كتنديد من قبل “فيتالي فلاسينكو”، زعيم التحالف الإيفاجيليكي الروسي، بالحرب الروسية الأوكرانية، إلا أنه اتخذ عدد من خطوات التهدئة قبل بدأ الحرب؛ إذ أصدر بيانًا قبل يومين من الحرب يؤيد مناشدة الزعماء الدينيين الأوكرانيين من أجل حل سلمي، كما قاد روحيًا المبادرات الروسية للصوم والصلاة، وكذا عقد لقاءات مشتركة مع نظرائه الأوروبيين والأوكرانيين للصلاة والسعي إلى المصالحة. ومنذ بدء الحرب، قال إنه نسق تقديم المساعدات إلى 500 عائلة لاجئة فرت إلى روسيا. كما قام البابا “فرنسيس” بابا الفاتيكان، فيما مثل خروجًا عن البروتوكول، بزيارة إلى السفارة الروسية ولقاء السفير “ألكسندر أفدييف” للتعبير عن قلقه بشأن الحرب في أوكرانيا. إضافة إلى ذلك، قد أجرى وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” ووزير الخارجية بالفاتيكان الكاردينال “بييترو بارولين”، في 8 مارس الجاري، اتصالاً هاتفيًا حول تطورات الأوضاع في أوكرانيا. ودعا “بارولين” الى “وقف الهجمات المسلحة وضمان الممرات الإنسانية للمدنيين والاستعاضة عن عنف السلاح بالمفاوضات”. في غضون ذلك، تجنب بيان التحالف المعمداني العالمي (BWA) الصادر في 10 مارس الجاري – الذي وقعه “بيتر ميتسكيفيتش”، رئيس الاتحاد الروسي للمسيحيين الإيفانجيلكيين – المعمدانيين، توجيه اللوم؛ وبدلاً من ذلك، أعرب عن أسفه لـ “الصراع العنيف”، ودعا إلى إنهاء “الأعمال العدائية”، والتفاوض من أجل “الأمن المتبادل”، والحد من “الضرر واسع النطاق”، مع العمل على تقديم المساعدة والحماية “للمدنيين (بما في ذلك أكثر من 2 مليون لاجئ أوكراني)، والملايين من المواطنين الروس المتضررين من العقوبات”.
الدين وتباين موقف الداخل الأمريكي
لم ينعكس الدين فقط في محاولات تفسير دوافع الحرب والتعاطي معها، وإنما وصل أيضًا إلى اعتباره كمحدد مزدوج لموقف الداخل الأمريكي من الحرب، سيما بين المتدينين. فقد ظهر الدين كسبب لتفسير الدعم الذي يقدمه بعض الأمريكيين لموقف روسيا من الحرب؛ وفي ذات الوقت ظهر كسبب لتفسير العداء الذي يكنه البعض لروسيا بسبب الحرب. مثّل الدور الذي لعبته القيادة الأرثوذكسية الروسية في حركة القيم الأسرية العالمية رمزًا جذابًا لبعض المتدينين، ومنهم اليمين العنصري. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تطور إلى قيام البعض منهم بالدفاع عن الأرثوذكسية باعتبارها “الموطن الروحي للقومية البيضاء”، وفق تحليل لصحيفة “واشنطن بوست”، والتي اعتبرت فيه أن السبب وراء قيام الإرهابي بقتل تسعة من السود في كنيسة في “تشارلستون”، هو كون معلمه الروحي كاهن أرثوذكسي شرقي. وفي هذا السياق، يمكن النظر إلى التقدير الذي يقدمه بعض المحافظين المسيحيين في الولايات المتحدة لــــ”بوتين” وروسيا في إطار صورتها كداعم عالمي للقيم العائلية.
بعد إنهيار الاتحاد السوفييتي، رحبت روسيا بحرارة بتدفق المبشرين، بما فيهم الأمريكيين، الذين درسوا الكتاب المقدس في المدارس العامة، وعملوا على إنشاء جامعات مسيحية، ونظموا مجموعة من الخدمات الإنجيلية؛ وقد أشاد الكثير منهم بــ”بوتين”، الذي أعاد بناء الكنائس ودعم دورها. وخلال السنوات الماضية، عبر بعض القادة الإيفانجيلكيين البارزين في الولايات المتحدة عن إحساس مشترك بالهوية مع روسيا، وسعوا إلى التواصل مع القادة الروس بما في ذلك الرئيس “بوتين”. في عام 2014، ظهر “بوتين” على غلاف المجلة الإيفانجيليكية Decision في مقال أشاد فيه الإيفانجيليكي البارز “فرانكلين جراهام” بأسلوبه في التعامل مع دورة الألعاب الأولمبية الشتوية وحمايته للمسيحيين. كما زار “فرانكلين” روسيا في عام 2015، وروّج لــ”بوتين” كقائد “ورع”. وقبل أيام قليلة من الحرب، طلب “فرانكلين” من الناس “الصلاة من أجل بوتين” ولكن ليس من أجل الأوكرانيين. وهو سلوك مشابه لما قام به آخرون تعليقًا على الحرب؛ فقد ذكر الإيفانجيليكي “بات روبرتسون” أن الرئيس “بوتين” قد “أجبره الرب” على شن الهجوم. كما عبرت “لورين ويتزكي”، المرشحة الجمهورية لمجلس الشيوخ في ولاية ديلاوير، عن دعمها لحق “بوتين” في حماية القيم المسيحية لروسيا؛ مضيفة أنها “تتعرف على القيم المسيحية لبوتين أكثر من جو بايدن”.
وفي المقابل، تبرز أوكرانيا اليوم، من بين جميع البلدان التي انضوت تحت مظلة الاتحاد السوفييتي، ضمن أكثر الدول تنوعًا دينيًا، وتتمتع بحضور كبير للمسيحيين الإيفانجيليكيين، بما في ذلك المعمدانيين. الأمر الذي قد يكون ساهم بدوره في وضع قيود على التقارب مع روسيا من قبل الإيفانجيليكيين البيض في أمريكا. فبينما وجد الإيفانجليكيون الأمريكيون في السابق تقاربًا مع روسيا في معارضة الإجهاض والمثلية الجنسية، يبدو أنهم غير مستعدين للتضحية بالحرية الدينية التي رأوها في أوكرانيا. وفقًا لموقع “أخبار المعمدانية العالمية BAPTIST NEWS GLOBAL”، زار عدد ضخم من الأمريكيين أوكرانيا ضمن رحلات تبشيرية برعاية الكنيسة في معظمها. فبالرغم من التاريخ الطويل لتفاعل الكنائس المعمدانية الأوكرانية مع الغرب الذي يعود إلى القرن التاسع عشر، إلا أنها ازدهرت على مستوى جديد منذ استقلال أوكرانيا في عام 1991؛ هذا التفاعل الذي وطّد الروابط بين الأوكرانيين والأمريكيين، وهو ما انعكس أيضًا في تعزيز التعاطف الحالي مع أوكرانيا.
واستنادًا إلى ذلك، أوضحت بعض استطلاعات الرأي أن دعم الداخل الأمريكي لروسيا محدود، لكن يظل هذا الدعم مرتبط ببعض الإيفانجيلكيين. ففي أحدث استطلاع لمجلة إيكونوميست / يوجوف The Economist/YouGov Poll، في الفترة 5-8 مارس الجاري، ظهر أن الغالبية العظمى من الأمريكيين (73٪) يتعاطفون أكثر مع أوكرانيا، بينما تعاطف 6٪ فقط مع روسيا؛ ونسبة شبه مماثلة (5٪) ممن يعتبرون إيفانجيلكيين يتعاطفون مع روسيا. يُظهر هذا الاستطلاع أنه في حين أن عددًا من أبرز مؤيدي روسيا في الولايات المتحدة قد يقعون تحت مظلة الإيفانجيليكية، إلا أن هناك القليل من الأدلة على وجود دعم واسع النطاق لروسيا أو لزعيمها بين الإيفانجيلكيين الأمريكيين بشكل عام. بعبارة أخرى، قد ظهر الدين في صورة مزدوجة فيما يتعلق بموقف الداخل الأمريكي من روسيا وأوكرانيا، لكن يبدو أن الكفة الأوكرانية هي التي تم تغليبها.
مجمل القول، يبدو أن الدين لا يزال عامل مؤثر وبعد رئيس في تفكيك التفاعلات الدولية، بطريقة تتطلب وضعه في الاعتبار؛ ويتضح أن الحرب الروسية الأوكرانية ليست استثناء من ذلك، كما يبدو أنها لن تكون الحالة الأخيرة التي يظهر فيها الدين بهذا الشكل.
.
رابط المصدر: