ثقافة التغيير عند العراقيين

إن متابعة بسيطة لبعض احوال العراقيين تجد ان ثقافة التغيير ضعيفة عندهم ، ولا يعرف ان كان لذلك سبباً نفسياً ام هو حالة متأصلة ومتجذرة لدى العراقيين ، وهذا الضعف في هذه الثقافة تكلفه أثماناً باهضة لانهم يبقون على حالة حتى وإن كانت سيئة لانهم لا يرغبون كثيرا في التغيير .
قد يكون منشأ هذه الثقافة نفسي خصوصاً بعد مرور العراق والعراقيين بفترة محنة قاسية عاشها ايام النظام العفلقي فولدت امراضاً نفسية كثيرة ، وأياً كان السبب فالحالة موجودة من خلال استقراء بعض الحالات مثل انتشار موديل معين من الملابس او موديل ونوع من السيارات او اجهزة النقال او تصميم منزل مخالف للخرائط المتعارف عليها او غير ذلك .
فالعقل الجمعي نجده حاضراً بقوة في امتلاك سيارة او جهاز نقال او خريطة بيت ، وهذا يعني ان هناك مشكلة نفسية يعاني منها البعض تتضمن عقد نفسية وعدم الثقة بالنفس والتأثر بالاخرين والاهتمام برأيهم اكثر من اهتمام الشخص بنفسه ، وربما تتضمن ايضاً الشعور بالدونية والحقارة بحيث نرى الغير افضل منا دائماً ، ونعتبر رأينا وذوقنا وما نحمله دائماً اقل من الاخرين ، فلو قارن شخص بين فكر يحمله عراقي وفكر يحمله آخر فإننا سنميل الى فكر الآخر ونعتقد بأنه افضل .
فعادة نجد الكثيرين لا يمتلكون الشجاعة في تبني نهج معين اذا اختلف عن الاغلبية ، لأنهم يعتقدون – اضافة الى ما تقدم – ان الحق مع الاغلبية في الاعم الاغلب ان لم نقل دائماً ، وهذه فكرة خاطئة لان الحق قلما يلتقي مع الاكثرية ، وهذا موضوع تناولناه في مقالة سابقة ، بدليل  قول الباري عز وجل واكثرهم للحق كارهون وغيرها من الادلة .
فعندما يجد شخص صعوبة في اختيار منهج او طريق – او حتى سيارة او بيت او غيرهما – يلجأ الى اختيار اكثرية الناس ، فإن اختارت المنهج (أ) سار معهم وان اختارت الطريق (ب) كان معهم من دون ان يتعب نفسه في معرفة الحق في أي جهة لان هذا يحتاج الى جهد ومتابعة وهذا لا يحبذه الكثيرون .
هذه الثقافة ألقت بظلالها على المشهد السياسي وعلاقة المواطن به ، ونحن على أعتاب انتخابات تشريعية يقع المواطن امام حيرة في انتخاب من يمثله للدورة القادمة فهو بين نارين نار الحيرة ونار التكليف الشرعي الذي ركزت عليه اغلب المرجعيات الدينية .
فبعدما سئم المواطن إخفاقات السياسيين وتلكؤ الخدمات والوعود الكاذبة من جانب وتوصية المرجعية الدينية بضرورة المشاركة في الانتخابات واختيار الاصلح من جانب اخر ، قام الكثيرون بالرجوع لما هو سائد ولما هو موجود حتى لو لم يجدوا في ما وجدوا مبتغاهم ، حتى وإن كان في ما وجدوا مخالفاً لمبادئهم ، حتى وإن وجدوا في ما وجدوا نصرة للظالم وتنكيلاً للمظلوم ، ويضعوا الحجج والمبررات المقبولة وغير المقبولة والمعقولة وغير المعقولة .
بعد ما تقدم فلا نتوقع ان نلمس تغييرات ملحوظة على المستوى السياسي ، فبدل ان يتسلم رئاسة الوزراء (س) من السياسيين سيتسلمها (ص) منهم ولا يختلف (س) عن (ص) كثيراً الا من حيث انتماؤه لغير حزب . وإن كانت هناك اسباب اخرى مهمة تحول دون إحداث تغيير مثل قانون الانتخابات الذي يضمن بقاء الكتل القوية في الصدارة والكتل الصغيرة ضعيفة ، وإذا كتب أن يحدث تغيير فيكون تدريجياً يحتاج الى عقود من الزمن ويبقى بأيدي مجموعة من الكتل .
لكن سبب بقاء قانون الانتخابات هذا هو تمسك الكثيرين من العراقيين بكتل معينة ولا ترغب بتغييرها للاسباب التي ذكرناها سابقاً ، فالكتل الموجودة حالياً لم تسيطر فقط على الجانبين التنفيذي والرقابي السيئين وإنما امتدت سيطرتهما لتشمل الجانب التشريعي وهو ما غفل – او بالأحرى تغافل عنها – العراقيون ، وأقرب مثال لسيطرتهم على الجانب التشريعي – اضافة الى قانون الانتخابات – قانون التقاعد الموحد الذي انصفهم ولم ينصف اكثر من مليوني متقاعد .
هذه الرغبة في عدم التغيير عند العراقيين التي بدأت بالموديلات الخاصة بالسيارات والنقالات والالبسة ولم تقف عند اختيار ممثليهم في مجلس النواب بسبب تأثرهم بالعقل الجمعي والشعور بعدم امكانيتهم على تغيير اي شيء وعدم ثقتهم بما يحملون من مشاريع للتغيير انتقلت لتصل الى الشخصيات الدينية التي اعتلت مناصب حزبية وسياسية معينة ، فنرى ان بعض الاحزاب الاسلامية ذات قيادة علمائية معينة ولا يرغب مؤيدو هذه الأحزاب بتغيير هذه القيادات لانهم يعتبرون هذا امر معيب وتجاوز على الدين ، خصوصاً اذا كانت هذه القيادة من نسل مرجعية دينية ، وبالتالي فإن تغييرها يعني تجاوز على المرجعية التي ايضاً من الصعب تغييرها لان ذلك من الخطوط الحمراء التي لا يجوز تعديها ، ولا يمكن بهذه البساطة ترك المرجعية المعروفة والانتقال الى مرجعية أخر لأن ذلك مستهجن من الناحية العرفية حتى لو كان المرجع الآخر أفقه وأورع وأنشط وأعلم من المرجع المعروف ، لأن من غير المعقول أن كل هذه الناس التي تتبع المرجع المعروف على خطأ ، ولكن من المعقول ان يكون المرجع الآخر على خطأ ، ليس لأنه على خطأ وإنما لأن الأكثرية لا تتبعه .
هذا الابتلاء الذي يمر به العراقيون هو بسبب ضعف ثقافة التغيير عندهم ، وهذا طبعاً لا يعني اننا نريد التغيير مهما كانت أسس ونتائج هذا التغيير ، وانما نريد التغيير اذا كان هناك مبرر للتغيير ، ونريد التغيير اذا كانت هناك ضرورة ملحة للتغيير ، ونريد التغيير اذا كان التغيير وفق أسس علمية وعقلية وموضوعية ونتائجه نتائج مقبولة عقلاً وشرعاً ، فالتغيير كغاية ولأجل التغيير مرفوض وإنما يجب ان يكون وسيلة وان تكون مقدماته صحيحة ومقبولة ، فالتغيير ليس موضة لا بد منها مثلما يفعل الفنانون والرياضيون .

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M