جدول الكميات لبناء دولة

محمد عبد الجبار الشبوط

 

ليس عندي حلول سحرية للتخلف والفساد والبطالة والفقر وتردي الخدمات وعيوب التأسيس والانحراف عن الديمقراطية وجائحة كورونا، والميل الاخير الى تصنيع عبادة الشخصية، لكني ازعم ان كل ذلك هو تعبيرات خارجية للخلل الحاد الذي يعاني منه المركب الحضاري للمجتمع العراقي.

ومن نماذج الخلل في المركب الحضاري الجهل في علم بناء الدولة، او الهندسة السياسية. لذا فان مقالي هذا موجه الى الرئاسات الثلاث، والاحزاب السياسية، والمهتمين من المواطنين، آملا منهم، على ضعف هذا الامل، ان يأخذوا بما يشير اليه المقال.

إن بناء الدولة مثل تشييد بناية كبيرة جدا كناطحات السحاب، تحتاج الى “جدول كميات” موضوع بناء على دراسة مستفيضة تتناول جميع جهات البناء ومتعلقاته، ويتضمن حساب الكلف، والزمن المطلوب للإنجاز، والقوة البشرية التي تحتاجها عملية البناء، فضلا عن الادارة الحكيمة لعملية البناء كلها.

يضع جدول الكميات “عقل ستراتيجي” او “مهندس سياسي”. العقل الاستراتيجي ليس فردا واحدا، انما مجموعة عقول مفكرة عالمة في مختلف الاختصاصات ذات العلاقة ببناء الدولة.

تتولى الحكومة الجانب التنفيذي في خطة بناء الدولة، وتتشكل على اساس متطلبات جدول البنا، وليس على اساس بدعة الاستحقاق الانتخابي، المحاصصة الطائفية او العرقية او الحزبية، وليس على اساس الفوضى الشعبوية، او اليسار الطفولي او اليمين الجاهل. فيما يتولى البرلمان تشريع القوانين اللازمة.

يتضمن جدول الكميات التصميم الاساسي للدولة، مكتوب بطريقة يمكن للكومبيوتر ان يرسمها كنموذج كما يفعل في رسم المباني الضخمة او المكائن الكبيرة.

ويتضمن التصميم الاساسي تصميمات فرعية للنظام السياسي، والنظام الاقتصادي، والنظام التربوي، والنظام الصحي، والنظام الامني، والنظام العسكري، والنظام القضائي، وغير ذلك مما يدخل ضمن التصميم الاساسي للدولة.

واضافة الى المبادئ العامة، يجب ان يتضمن التصميم الاساسي والتصميمات الفرعية ارقاما تفصيلية، مثلا: عدد المستشفيات والمستوصفات المطلوب، وعدد المدارس بمختلف مراحل الدراسة، وعدد رجال الشرطة المطلوبين لفرض الامن وتطبيق القانون، وعدد القضاة، وعدد السجون، وعدد خريجي الجامعة في الاختصاصات المختلفة، وعدد الموظفين الذين يتطلبهم الجهاز الاداري للدولة، وكمية الماء الصالح للاستخدام البشري التي يحتاجها كل مواطن، وطول الطرق الخارجية، والموارد المالية اللازم توفيرها للدولة، وغير ذلك، وكله محسوب لغاية عام ٢٠٣٠ على اقل التقادير، او عام ٢٠٥٠. وكل ذلك ضمن جدول زمني يحدد مراحل العمل منذ لحظة الانطلاق الى عام ٢٠٣٠ او عام ٢٠٥٠.

ويجب ان يراعي التصميم الاساسي الحالة النفسية للمجتمع العراقي، وتحقيق التوازن بين الطموحات والامكانيات، بين الواجبات والحقوق، بين الاستيراد والتصدير، بين الانتاج والاستهلاك، بين الولادات والوفيات، بين القطاع الخاص والقطاع العام، وغير ذلك، وكل ذلك، ليكون العراقيون أمةً وسطا بين الناس.

ولتسهيل الامر على المعنيين، سواء من الطبقة الحاكمة ام من المحكومين، فإني اقترح على الجميع التعرف إلى الهندسة المعمارية بسبب الشبه الكبير في المنهجية بينها وبين الهندسية السياسية، برغم اختلاف التخصص، حيث تختص الاولى بتشييد المباني، فيما تختص الثانية ببناء الدول.

ومن فوائد هذا الاطلاع، ان يعرف المعنيون الشبه الكبير بين مواصفات المهندس المعماري، والمهندس السياسي، والتي من بينها ان يكون مُفكِّرا جيدا، واسع الخيال، مُتحمِّسا، ويتقبَّل النقد، محبا للفنون، موهوبا، ومبدعا، مُحبا للعمل الميداني، لديه حسّ المسؤولية، يُتقن مهارة التخطيط، مُنفتِحا للحياة وعمليا، ويعمل بروح الفريق الواحد، دقيقا ويهتم في التفاصيل، قادرا على التعامل مع المشاكل لا ان يخلق مشاكل جديدة، يمتلك مهارات شخصية، ومهارات تواصل جيدة، خاصة على مستوى اللغة ودقة التعبير، يمتلك ذوقا فريدا، قادرا على ابتكار تصاميم حديثة. تذكروا ان هذه المواصفات لا علاقة لها بما وضعه البعض من شروط!.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/23911

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M