جدوى اقتصادية: مكاسب الاقتصادين اللبناني والاسرائيلي من اتفاق ترسيم الحدود البحرية

بسنت جمال

توصل كلٌ من لبنان وإسرائيل إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية بينهما بما يتيح للدولتين التنقيب عن الغاز والنفط في المنطقة المتنازع عليها تاريخيًا من مياههما الإقليمية، حيث تنص الاتفاقية على احتفاظ إسرائيل بالحقوق الكاملة لتطوير حقل “كاريش” بينما يحتفظ لبنان بكامل الحقوق الخاصة بحقل “قانا”، ولكن باشتراط حصول إسرائيل على تعويض من مشغل المربع “تسعة” –شركتي “توتال” و”إيني”- الممتد جنوبًا خارج المياه الإقليمية اللبنانية وفقًا لمفاوضاتها مع الشركتين لقاء الحقوق العائدة لها من أي مخزونات محتملة في “المكمن المحتمل”.

وتمكنت تلك الاتفاقية من إنهاء النزاع التاريخي بين الدولتين المستمر منذ عام 2007 عقب تعثر المفاوضات مرات عديدة، قبل أن تتسارع التطورات المرتبطة بالملف وقبل عقد لقاءات واجتماعات بين الطرفين، إلى أن سافر الوسيط الأمريكي للاتفاق “آموس هوكشتاين” إلى لبنان وإسرائيل عدة مرات لإقناع البلدين بالتوصل إلى اتفاق مقدمًا إليهما النسخة الرسمية النهائية للاتفاقية التي أعلنا تباعًا موافقتهما عليها.

ويُعول الجانبان اللبناني والإسرائيلي على إمكانية مساهمة تلك الاتفاقية في تعزيز الأوضاع الاقتصادية الداخلية في كليهما وخاصة في ظل الضغوطات التي تفرضها البيئة الاقتصادية العالمية بسبب الانعكاسات الاقتصادية والجيوسياسية الناتجة عن الحرب الأوكرانية.

الانعكاسات على الاقتصادين اللبناني والإسرائيلي

يسعى الجانب الإسرائيلي واللبناني إلى تحقيق مكاسب جمة من التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية إلا أن كل جانب يمتلك رؤية مختلفة لتلك المكاسب، حيث يعتبر لبنان الذي يمر بأزمة اقتصادية متفاقمة أن المنافع الناجمة عن الاتفاقية اقتصادية بالأساس فيما ترى إسرائيل إنها منافع سيادية أمنية، كما يتبين تاليًا:

• تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية اللبنانية: يُمر لبنان بأزمة اقتصادية طاحنة تتمثل أبرز معالمها في ارتفاع المستويات العامة للأسعار بوتيرة سريعة ومستمرة ساهمت في الضغط على المواطنين عبر تآكل قوتهم الشرائية، فضلًا عن تراجع الاحتياطي من العملات الأجنبية وما يترتب عليه من انهيار في قيمة العملة المحلية، إلى جانب وجود عجز تاريخي في الميزان التجاري، وتعدد أزمات قطاع الطاقة والكهرباء، وهو ما يُمكن استعراضه على النحو الآتي:

موجة تضخمية مستمرة: ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين في لبنان بنحو 1265.6% من 118 نقطة في يناير 2020 إلى 1611.43 نقطة بحلول سبتمبر 2022 انطلاقًا من مبدأ “التضخم المستورد”، ونظرًا لارتفاع أسعار الغذاء العالمية والتي انعكست بدورها على التضخم المحلي حيث تبلغ نسبة واردات المواد الغذائية من إجمالي واردات السلع حوالي 19.7%، ويُبين الشكل أدناه تطور معدل التضخم في لبنان شهريًا:

الشكل 1- مؤشر أسعار المستهلكين (شهريًا)

Source: Central Administration of Statistics in Lebanon.

انهيار سعر الصرف: سجلت الليرة اللبنانية أدنى مستوياتها مقابل الدولار في السوق السوداء بحلول السابع عشر من أكتوبر ليلامس مستوى 40 ألف ليرة مقابل الدولار، وجاء ذلك عقب اتخاذ البنك المركزي قرارًا أواخر سبتمبر بالاعتماد على سعر صرف قدره 15 ألف ليرة مقابل الدولار بدلًا من 1507 ليرة مقابل الدولار المطبق منذ عام 1997، في خطوة تهدف لتوحيد سعر الصرف في البلاد.

تآكل الاحتياطي النقدي: تراجعت العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي في لبنان نتيجة لتراجع كافة مصادر العملة الأجنبية كالسياحة وتحويلات العاملين بالخارج، بالتوازي مع ارتفاع فاتورة الواردات، ولهذا نجد أن الاحتياطي النقدي قد بلغ نحو 10.63 مليار دولار فقط بحلول أغسطس 2022 مقارنة مع 28.96 مليار دولار في يناير 2020، وهو ما يمثل تراجعًا ملموسًا قدره نحو 63.29% خلال عامين فقط، وهو ما يُبينه الشكل أدناه:

الشكل 2- الاحتياطي النقدي (مليار دولار)

Source: central bank of Lebanon.

أزمة في القطاع المصرفي: يشهد القطاع المصرفي اللبناني أزمات متجذرة منذ سنوات، بدأت تتجلى معالمها مع قيام عدد من المواطنين باقتحام المصارف المحلية تحت قوة السلاح من أجل سحب ودائعهم، كما كشفت مصادر مصرفية أبريل الماضي أن أصحاب الودائع، قاموا ببيع ودائعهم المجمدة في البنوك منذ بداية عام 2020 عبر شيكات مصرفية تقل عن قيمتها الحقيقية بنسب تصل إلى 50%.

وفي ضوء الأزمة الحالية، يراهن لبنان على أن الاتفاق يتيح للبلاد مجالًا أكبر في المستقبل لتهدئة أزماتها المالية والطاقوية عبر توفير مصدر دخل رئيسي ومستدام مع فتح مجالات جديدة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتوفير فرص عمل جديدة وتأمين احتياجاته من الطاقة حيث يُعد الاتفاق بمثابة ضوء أخضر لشركتي “توتال” و”ايني” للبدء في عملية الاستكشاف. كما إنه من الممكن أن تساعد العوائد الأجنبية الناتجة عن حقل الغاز الطبيعي في تحسين النظرة الائتمانية المتدنية للبنان خاصة في ظل تعثرها عن سداد الديون.

ورغم ذلك التفاؤل، إلا أنه من غير المحتمل أن تستفيد لبنان من تلك الفوائد بشكل فوري أو حتى في الأجلين القصير والمتوسط، حيث لا تمتلك الحكومة دراسات مؤكدة عن حجم الاحتياطات الغازية بحقل “قانا”، ناهيك عن احتياجها لسنوات عديدة لبناء البنية التحتية اللازمة لاكتشاف الغاز، كما لا يُمكن للبنان أن يعوّل على الأرباح التي قد يحققها جراء اكتشافات الغاز المحتملة حيث إنها قد لا تغطي إلا جزءًا بسيطًا من الديون المتراكمة على الاقتصاد اللبناني، حيث صنف البنك الدولي الانهيار الاقتصادي اللبناني على أنه “الأسوأ في العالم منذ عام 1850”. وفي هذا الشأن، من الممكن أن يعظم لبنان استفادته الاقتصادية من الاتفاقية فقط في حالة البدء بتطبيق برنامج شامل للإصلاح الاقتصادي بما يقتضي تفعيل إصلاحات نقدية ومالية والقضاء على الفساد الإداري.

•  تعزيز وضع إسرائيل على خريطة الطاقة العالمية: تحاول إسرائيل  استغلال أزمة الطاقة الأوروبية الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي وتراجع إمداداتهما لصالحها؛ إذ أكدت على الدور الذي يُمكن أن تلعبه لمساعدة أوروبا في التخفيف من حدة الأزمة عن طريق بدء العمل في حقل كاريش للغاز الذي من شأنه أن يشكل مفتاحًا لتعزيز صادراتها إلى أوروبا –والتي ارتفعت هذا العام بحوالي 22%- حيث تنوي توريد ما تصل نسبته إلى نحو 10% من الغاز الروسي للقارة العجوز، وقال متحدث باسم الشركة البريطانية “Energean Plc” المقرر أن تعمل في الحقل إنها من المقرر أن تبدأ في الإنتاج في غضون الأسابيع القليلة المقبلة. ولهذا حرصت إسرائيل على ضمان إمكانية الاستفادة من احتياطيات الغاز الوفيرة بحقل كاريش دون أي مساس قانوني بحقوق الإنتاج أو حدوث خلافات مع حزب الله يُمكن أن تحبط عملية التنقيب.

ومن ناحية أخرى، من الممكن أن يعود الاتفاق بالنفع على الخزينة العامة في إسرائيل بحلول السنوات القادمة نظرًا لاحتمالية حصولها على 17% من عائدات حقل قانا، بالتوازي مع البدء في العمل بحقل كاريش دون انتظار، فضلًا عن تمكينها من تحقيق أقصى استفادة ممكنة من الاتفاقيات الموقعة مؤخرًا مع الشركات الدولية لاستخراج الغاز من الحقل.

وبالإضافة إلى ذلك، تحاول الحكومة الإسرائيلية الحالية تحقيق أكبر قدر ممكن من الاستقرار الأمني جهة الشمال مع اقتراب الانتخابات –كما ذكرنا سلفًا- بما يحقق حماية لمصالحها الأمنية الإسرائيلية ويضمن لها عدم حدوث صدامات مباشرة مع الجانب اللبناني، وفي هذا الشأن، صرح رئيس الوزراء أن الاتفاقية تعزز أمن إسرائيل، وستعزز اقتصادها وتضمن استقرار حدودها الشمالية بما يعني أنها تساهم في تحقق المصالح الاقتصادية والأمنية لإسرائيل في آن واحد، وتساعدها في تحقيق خططها الهادفة للعب دور أكثر فعالية في أمن الطاقة العالمي.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/21411/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M