حدود التوافق: العدوان الإسرائلي على غزة بين الموقفين الإسرائيلي والأمريكي

ظهرت مجموعة من الخلافات في الرؤى ووجهات النظر بين إسرائيل والولايات المتحدة حول بعض الموضوعات بشأن تطورات الأوضاع في غزة، وعلى رأسها ملف “اليوم التالي” في القطاع.

يمكن تقدير بعض هذه النقاط بهدف الوصول إلى المدى الذي تتفق أو تختلف فيه وجهات النظر الإسرائيلية والأمريكية.

تُقسّم إسرائيل سيناريو “اليوم التالي” إلى شقين اثنين؛ الأول هو الشق العسكري، ثم الشق السياسي، ويمكن تقديره على النحو التالي:

  1. اليوم التالي (الشق العسكري):
    1. القضاء على مفهوم “وحدة الساحات” بين وكلاء إيران في المنطقة، وبالتحديد فيما يتعلق بقطاع غزة، عبر قطع الصلة العسكرية والتسليحية بين غزة ولبنان واليمن، وسوريا والعراق.
    2. القضاء على البنية العسكرية لكتائب القسام (الذراع العسكري لحركة حماس)، وذلك يعني أن إسرائيل ترغب في تحويل كتائب القسام إلى مجموعة متفرقة من الميليشيات المسلحة لا يربطها قيادة مركزية أو أركان عامة ذات بنية هيكلية عسكرية. فيصبح بذلك من السهولة بمكان استهداف تلك الميليشيات أو التمهيد لتناحرها فيما بينها.
    3. إعادة احتلال أجزاء من قطاع غزة بهدف إقامة مناطق عازلة بين غزة والحدود الإسرائيلية، وتأمين شن عمليات عسكرية محدودة مستقبلًا داخل القطاع.
    4. تشكيل قوة استخباراتية أمنية في غزة تكون أساسها قوات الشاباك. ولكن من المحتمل أن يتم النظر في أن تشمل قوات مشتركة من الشاباك والموساد والأمان، بعد النجاح في تأسيس المجتمع الاستخباراتي الإسرائيلي.
    5. التهجير الطوعي/القسري لسكان قطاع غزة إلى دول عربية، وأوروبية، وأفريقية؛ عبر تقديم امتيازات مالية واستثمارية.
    6. قطع الصلة الجغرافية بين قطاع غزة وسيناء المصرية، عبر احتلال محور فيلاديلفيا.
    7. إقامة حواجز أمنية إلكترونية على المعابر التي تربط مصر وقطاع غزة بعد احتلال محور فيلاديلفيا.
    8. السيطرة الإسرائيلية على تشغيل موانئ قطاع غزة.
    9. تشكيل قوات عربية خالصة أو بالتعاون مع قوات دولية تكون مسئولة عن أمن قطاع غزة.
    10. مطاردة العناصر القيادية (العسكرية بالأساس) لحركة حماس داخل وخارج قطاع غزة، أي الاستخدام المكثف لسياسة الاغتيالات.
    11. تنسيق ترتيبات أمنية ودفاعية مع الولايات المتحدة لترميم منظومة الردع الإسرائيلية على المستوى الإقليمي ضد إيران ووكلائها في المنطقة.
  2. اليوم التالي (الشق السياسي):
    1. القضاء على حكم حركة حماس في قطاع غزة.
    2. محاولة تفتيت قطاع غزة إلى مقاطعات منعزلة بعد إعادة توزيع خريطة السكان الفلسطينية.
    3. استمرار التنسيق مع العواصم الأوروبية وكندا والولايات المتحدة بشأن تهجير سكان غزة طوعًا، وتوطينهم في بعض الأقاليم.
    4. تشكيل حكومة تكنوقراطية فلسطينية مدنية مسئولة عن إدارة القطاع وإعادة إعمار غزة، يشرف عليها الحاكم العسكري الإسرائيلي على غرار السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
    5. عدم الاعتراف بدولة فلسطينية على أراضي الضفة الغربية، وقطاع غزة.
    6. إعادة احتلال بعض أجزاء من قطاع غزة من جهة الشمال وإقامة مستوطنات إسرائيلية.
    7. أما فيما يتعلق بعودة السُلطة الفلسطينية إلى غزة، فتنقسم إسرائيل إلى مجموعتين:
      1. الأولى: تشمل حزب الليكود والأحزاب الدينية والتي ترفض تمامًا منح السلطة الفلسطينية إدارة غزة. وتوافق على تشكيل حكومة مدنية تشرف على عملها السلطات الإسرائيلية، ودول أخرى من بينها مصر.
      2. أما الثانية: فتشمل الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية وتوافق على تحديد فترة انتقالية يتم فيها إعادة تأهيل السلطة الفلسطينية وأذرعها الأمنية لاستلام إدارة القطاع.
    8. التنسيق مع الولايات المتحدة لعمل آلية مراقبة المنح والتمويلات التي تُقدم للكيانات الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس.
  1. لا يتفق الموقف الأمريكي كثيرًا مع محددات الموقف الإسرائيلي لليوم التالي في شقه السياسي، ويعود ذلك إلى:
    1. ترفض الولايات المتحدة ملف التهجير القسري أو الطوعي لسكان غزة.
    2. عدم الموافقة الأمريكية على إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة تحت أي مسمى.
    3. ضرورة الشروع في إطار مبدئي لعملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وفقًا لمبدأ حل الدولتين، حتى وإن تبدّى عدم وضوع رؤية شاملة لدى الجانب الأمريكي بشأن عملية السلام. لذلك يبدو أن الموقف الأمريكي يستند على منطق سياسي لترميم نفوذه في المنطقة العربية ولا يستند على منطق أخلاقي جاد بشأن القضية الفلسطينية.
  2. بحسب الطلب الأمريكي فإن المرحلة الأخيرة من الحرب الإسرائيلية في غزة، ستكون مفاوضات سياسية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ربما في إطار مؤتمر دولي وتحت رعاية إقليمية عربية ودولية.
  3. يقترح الأمريكيون أن تكون هناك قوة شُرطية دولية غير أمريكية في قطاع غزة.
  4. الرفض الأمريكي لسياسة التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية ورفض استمرار الانتهاكات الإسرائيلية في القدس الشرقية.
  5. دراسة فرص تسمية بعض الكيانات الإسرائيلية اليمينية المتطرفة بـ “الإرهاب”، خاصة تلك المحسوبة على الصهيونية القومية مثل حزب عوتسماه يهوديت (زعيم الحزب إيتامار بن جفير).
  6. ضرورة تشكيل آلية مستدامة لإنفاذ المساعدات الإنسانية إلى كامل قطاع غزة، بشرط عدم وقوعها في يد حماس.
  7. التنسيق مع الأطراف الإقليمية والدولية ذات الصلة بهدف تشكيل تكتلات أمنية لمواجهة خطر النفوذ الإقليمي الإيراني؛ لتقليل مؤشرات الخطورة حول احتمالات انفجار أزمة إقليمية عنيفة.

يبدو أنه حسب محددات المواقف ليس هناك تطابق تامّ بين الجانبين الإسرائيلي والأمريكي، ويظهر ذلك بصورة جلية في الموضوعات التالية:

  1. القضاء على حماس:

على الرغم من الاتفاق على المبدأ وهو القضاء على حركة حماس على المستويين السياسي والعسكري، إلا أن الجانب الأمريكي لم يعد يرى واقعية الطرح سواء على المستوى السياسي أو العسكري؛ أي أن فكرة القضاء على حكم حماس في غزة والقضاء على بنيتها العسكرية سيتطلب ثمنًا ثقيلًا ليس بمقدور الولايات المتحدة دفعه، وذلك للعوامل التالية:

  1. تزايد احتمالات تفجر أزمة إقليمية، تهدد أمن إسرائيل، وتهدد أمن الممرات الملاحية، وتهدد القواعد الأمريكية العسكرية في سوريا والعراق وربما دولًا أخرى مثل الأردن.
  2. تآكل مخزون السلاح الأمريكي وخاصة في مجال الصواريخ الموجهة “جدام” التي تسببت في انخفاض الدعم الأمريكي للجيش الأوكراني في حربه أمام روسيا؛ وقاد ذلك إلى استسلام الولايات المتحدة لفكرة التنازل عن أراضي أوكرانيا وضمها لروسيا.
  3. انخفاض الدعم الشعبي الأمريكي لاسرائيل

ومع ذلك لا تزال المستويات السياسية والعسكرية الإسرائيلية ترى ضرورة استكمال الحرب لآخر مراحلها في قطاع غزة حتى تحقق أهدافها الاستراتيجية، وهي: أولًا القضاء على حكم حماس. ثانيًا: تصفية قيادات حماس والقسام. ثالثًا: عودة المحتجزين الإسرائيليين لدى الفصائل.

  1. السلطة الفلسطينية الجديدة:

لا تتفق إسرائيل مع الولايات المتحدة كلية بشأن عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، حتى وإن كانت السلطة بدأت في إصلاح سياسي جديد بهدف تجديد الدماء السياسية؛ وذلك لأن الائتلاف الحكومي الإسرائيلي حاليًا يرفض رفضًا تامًّا منح السلطة إدارة القطاع.

وجدير بالإشارة إلى أن المعارضة الإسرائيلية مثل حزب معسكر الدولة (بيني جانتس) لا تتحمس كثيرًا لفكرة منح السلطة الفلسطينية ملف إدارة قطاع غزة؛ لأنه يمهد إلى الشروع في عملية سلام مع الفلسطينيين في إطار مبدأ حل الدولتين، وهو ما لا يلاقي ترحيبًا كبيرًا لدى ذلك الحزب المحسوب على تيار (وسط-يمين).

في المقابل، تجد الولايات المتحدة حسب محددات موقفها أنه يجب أن تكون هناك فترة انتقالية في قطاع غزة تديرها حكومة فلسطينية مدنية تكنوقراطية تمهد لانتقال الحكم إلى السلطة الفلسطينية بعد انتهائها من مسار الإصلاح السياسي. ويعني مسار الإصلاح السياسي عقد انتخابات عامة ورئاسية ومحلية في أنحاء الضفة وقطاع غزة.

  1. هوية إسرائيل:

لا تتفق الولايات المتحدة مع سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية التي تقودها الأحزاب الدينية برئاسة “بنيامين نتنياهو”؛ (1) كونها لا تمثل كافة التيارات المجتمعية الإسرائيلية. (2) تتسبب في مزيد من العنف داخل إسرائيل وفي حدود الإقليم مما يرفع درجة التهديد. (3) جر إسرائيل إلى حافة التطرف الديني مما يُغير وجه إسرائيل (في نظر الأمريكيين) من دولة ديموقراطية إلى دولة ثيوقراطية جديدة في الشرق الأوسط.

وعليه، ستبدأ الولايات المتحدة في البحث عن بدائل عقلانية لـ نتنياهو في إسرائيل، وستكون في الأغلب قيادات محسوبة على التيار الوسط اليمين مثل بيني جانتس، الذي تتوفر له حظوظ شعبية وسياسية وعسكرية كبيرة للغاية.

ولكن سيؤثر هذا الاتجاه على مسارات الحرب الحالية في غزة ومسارات اليوم التالي بشكل أو بآخر؛ إذ تسبب الشعور السائد لدى الأحزاب الدينية أن الولايات المتحدة تفضل بيني جانتس وتراه بديلًا عن نتنياهو، في التالي:

  1. نجحت ضغوط الأحزاب الدينية على نتنياهو برفض نقاش اليوم التالي في مجلس الحرب الذي يضم بيني جانتس، مما تسبب في تهديد الأخير بالانسحاب من المجلس.
  2. قد يتسبب انسحاب بيني جانتس من مجلس الحرب في زيادة الفجوة في المواقف ووجهات النظر بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية في مسارات الحرب الحالية واليوم التالي.
  3. بالفعل بدأت الولايات المتحدة في رفض إرسال بعض التعزيزات العسكرية، مثل إرسال الأباتشي وبعض القنابل إلى الجيش الإسرائيلي؛ بهدف الضغط على إسرائيل لبدء المرحلة الثالثة من الحرب وتقليص استهداف المدنيين العُزل في غزة.

ختامًا، يمكن القول إن عدم سعي إسرائيل لتقليص الفجوة بينها وبين الإدارة الأمريكية الحالية في المواقف ووجهات النظر المتعلقة بالحرب الحالية واليوم التالي في غزة، من المرجح أن تكون له عواقب سلبية على مستوى العلاقات السياسية والعسكرية بين الطرفين تظهر ملامحها الأولية بالفعل. وفي حالة تحقق ذلك سيكون متغيرًا سلبيًّا في منظومة الردع الإسرائيلية إقليميًّا.

المصدر : https://ecss.com.eg/42727/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M