ترجمة: ابراهيم قنبر
يجب على الاتحاد الأوروبي أن يستمرّ في عمله على اقتراح وساطاتٍ مفيدة، لدفع الرئيس الروسي للعمل بواقعية، وحثّه على الدفاع عن مبادئ الحرية التي يطالب بها المحتجّون في بيلاروسيا.
تشهد بيلاروسيا اضطراباتٍ داخليةٍ وموجةَ احتجاجاتٍ واسعة، حيث خرج البيلاروسيُّون في مظاهراتٍ، يحركهم طموحٌ لا حدود له. ذاتُ الطموح أسقط الستار الحديدي عام 1989- أول من استخدم عبارة الستار الحديدي تشرشل بعد الحرب العالمية الثانية، حيث أُسدل على شرق أوروبا، معلنًا حربًا باردة-.
كما دفع طموحٌ كطموح البيلاروسيين الإيرانيين للاحتجاج لمدة ستة أشهرٍ في عام 2009، وكذلك هو الطموح عينه الذي أطلق شرارة الربيع العربي عام 2011، الذي بدوره يشبه بقوّته وفشله المؤقت الربيع الأوروبي عام 1848م.
هذه الرغبة في الوصول إلى ما هو أفضل، هي ذاتُها التي جعلت هونغ كونغ تنهض، وهي الآن تمنح البيلاروسيين شجاعة نادرة لتحدي مستبدّهم لمدة ثلاثة أشهر، ثمّ دفعت – وبدون شكّ- إلى إيقاظ روسيا المُتعَبة.
من هنا لا يمكن لأي نظامٍ يسيطر عليه شخصٌ واحد كالرئيس الصيني مثلًا، أو لإيديولوجيا واحدة من اليمين الجديد، ولا لبوتين أو أوربان بتحدّي المُثل الكونية للديمقراطية، ولا بتجاوز سيادة القانون التي من المفترض أنها تشكّل أهم “قيم الاتحاد الأوروبي”.
عليه، يجب على الاتحاد الأوروبي، إن كان قد استفاد من الدروس، أن يدافع عن المطالبين بالحق بالحرية في كل وقتٍ وفي كل مكان، بل يجب على البشرية جمعاء أن تشارك طالبي العيش بحرية لأنهم يشكلون مصدرَ قوة للعالم بأسره.
كلّ هذا لا يعطي إلا جزءًا يسيرًا من الدروس التي تقدمها الحركة الاحتجاجية في بيلاروسيا، فالدرس الأهم هو أن النظام الروسي قد وصل هنا إلى أقصى حدوده.
لقد قام بوتين بضمّ شبه جزيرة القرم، لكنه بالمقابل خسر أوكرانيا بعد أن نقل الحرب إلى شرقها، الآن سيتعين عليه نتيجة لذلك إما الانسحاب أو تولّي مسؤولية إعادة إعمارها.
في أوكرانيا، قاد بوتين روسيا إلى طريقٍ مسدودة، بالضبط كما فعل في ليبيا، ثمّ يخسر النظامُ الإيراني حليفُه الحقيقي الوحيد في الشرق الأوسط، مواقفه العراقية واللبنانية، ويغرق داخليًّا (النظام الإيراني) في أزمةٍ اقتصادية تتزايد كلما تزايد انهيار شعبيته.
خراب البنية التحتية الروسية.
لا شكّ أنّ القوة الضارّة للنظام الروسي كبيرةٌ جدًّا، إلا أن الأسلحة هي فقط الحديثة في هذه القوة الضعيفة لروسيا، أما البنية التحتية الروسية ففي حالة خراب، ومستوى المعيشة آخذٌ في التدهور، وعائدات النفط في تراجع، وبسبب ذلك كلّه ينمو السخط الاجتماعي في روسيا، وتستمر شعبية الرئيس بوتين في التراجع.
في هذا كلّه يعيش الرئيس الروسي حالةً من القلق، يثيرها تزامن المظاهرات في خاباروفسك ومينسك، هذا النظام باختصارٍ شديد يضعف مع إصرار حركة الاحتجاجات في بيلاروسيا على إرغامه على الاختيار من بين خياراتٍ تنطوي كلها على مخاطر حقيقيةٍ عليه.
الأول هو التدخل العسكري في بيلاروسيا، الأمر الذي -إن حصل- قد يخلق في مينسك حالةً متقدمة من (الروسوفوبيا) كتلك التي سببتها روسيا من قبل في كييف. والثاني هو استمرار إرسال “الشرطة والمدنيين المساعدين” الذي لن يكون كافيًا لإنقاذ السلطات الحاكمة في بيلاروسيا.
أما الخيار الأخير، هو استبدال ألكسندر لوكاشينكو، الرجل الشعبوي الذي لم تعرف بيلاروسيا رئيسًا غيره منذ انفصالها عن الاتحاد السوفييتي.
بالنسبة لفلاديمير بوتين فإن الرهان صعبٌ للغاية، لدرجة أن وصل به الحال إلى مهاجمة أليكسي نافالني، أي الخصم الوحيد الذي كان يمكن أن يُجسّد مكان بوريس نيمتسوف منذ اغتيال الأخير قبل خمس سنوات.
حركة الرأي.
يبذل أصدقاء بوتين جهدًا كبيرًا في محاولة تنقية الأجواء، وهذا دليلٌ على القلق الشديد الذي يعيشه النظام.
أما بالنسبة للدرس الآخر من الاحتجاجات في بيلاروسيا، هو ما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، إذ يجب عليه أن يواصل الاهتمام -بقدر اهتمام البيلاروسيين- بالامتناع عن جعل بيلاروسيا فريسةً لتنافس القوى.
لذلك ومن خلال تقديم الوساطة، سيكون الاتحاد مفيدًا للبيلاروسيين ولمطالبهم بالحرية، فإذا كان بإمكان الاتحاد الأوروبي أن يلعب دورًا حقيقيًّا في هذه الأزمة، فعليه أن يطالب قيامًا وقعودًا بالإفراج عن السجناء السياسيين، وذلك بأن يدفع باتجاه حركة رأي في دوله ال٢٧.
كما يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يتوسط لحثّ بوتين وبشكلٍ عاجل ليدفع بدوره لوكاشينكو إلى التحلي بالواقعية والعودة إلى رشده.
إن كان بوتين يريد أن يكون له وزن، وإن كان يريد لبلاده أن تكون ذات قيمةٍ دوليةٍ حقيقية، عليه أن يدافع عن الحق والوئام في بيلاروسيا، بذلك يمكنه أن يدافع عن مصالح روسيا وصورتها وتأثيرها ودورها كقوةٍ مسؤولةٍ بدلًا من تقويضها باستمرار.
بيرنار غوتا ٣١ آب /أغسطس لصحيفة (ليبراسيون)
رابط المصدر:
https://barq-rs.com/%D8%AD%D8%AF%D9%88%D8%AF-%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A%D9%86/