مصر وتركيا: قضايا وإشكاليات

 د. عصام عبد الشافي

 

أجرت وكالة الأناضول التركية حواراً مع الدكتور عصام عبد الشافي، مدير المعهد المصري للدراسات حول السياسة الخارجية المصرية بعد انقلاب 2013 الذي شهدته مصر ، وأبعاد العلاقات المصرية التركية وأهم القضايا والتحديات التي تواجهها.

وتم نشر الحوار باللغتين الإنجليزية والتركية على المواقع الرسمية للوكالة، وينشره المعهد المصري للدراسات باللغة العربية.

١- يستمر مصر التوقيع الاتفاقيات مع اسرائيل، اليونان وقبرص الجنوبيّة على رغم أن يخسر ساحات من حدوده البحرية في منطقة شرق المتوسط. كيف توصفون هذا سياسة مصر؟

قام نظام السيسي بالتوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود مع قبرص، عام 2013، وتم التصديق عليها عام 2014، وكذلك قام بالتوقيع على اتفاقيات تنازلت فيها عن مساحات كبيرة من المياه الاقتصادية الغنية بالغاز الطبيعي لصالح إسرائيل، وبعد أن تنازل عنها وقع اتفاقيات لشراء الغاز من إسرائيل بقيمة 15 مليار دولار، عبر إحدى الشركات التابعة لجهاز المخابرات المصرية.

ثم قام السيسي بالمشاركة في تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، بهدف محاصرة تركيا في المنطقة، ثم جاء مؤخراً التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع اليونان في 6 أغسطس 2020، والتي تنازل فهيا عن أكثر من 11 ألف كم مربع.

كل هذه الاتفاقيات يسعى السيسي من ورائها إلى تحقيق عدة أهداف:

1ـ استمرار الحصول على الدعم السياسي والمالي والاقتصادي لنظامه من جانب الإمارات والسعودية وإسرائيل التي دعمت انقلاب 2013، وتريد من السيسي أن يكون أداة لها في مواجهة تركيا.

2ـ رغبة السيسي في الانتقام من تركيا بسبب رفض تركيا الاعتراف بانقلابه على الرئيس المدني المنتخب الدكتور مرسي، ووجد في ملف شرق المتوسط، وملف الغاز فرصة لذلك.

3ـ أن السيسي يستخدم هذا الملف كورقة من أوراق الضغط على تركيا حتى تغير من مواقفها من نظامه، ومواقفها من المعارضة المصرية التي توجد في تركيا منذ سنوات.

٢- لماذا الحكومة المصرية تتبع هذا السياسة على رغم مصالح اقتصاديّة الشعب المصري؟

النظام في مصر لا يعنيه الشعب المصري ولا يفكر فيه بالأساس، وغير مهتم بالقضايا الأساسية للشعب أو للدولة. كل ما يهتم به نظام السيسي هو الحفاظ على نظامه والبقاء والاستمرار والاستقرار في الحكم فقط، ولذلك ارتفعت ديون مصر الخارجية إلى أكثر من 130 مليار دولار، بعد أن كانت فقط 40 ملياراً عام 2013، كما انهارت العملة المصرية أمام العملات الأجنبية، وبعد أن كان الدولار يعادل 7.3 جنيهاً مصرياً وصل إلى 20 جنيهاً والآن حوالي 16.5 جنيهاً، وارتفعت أسعار كل السلع والخدمات، وتصاعدت معدلات الفقر والتضخم وكذلك معدلات البطالة.

بل إن عبد الفتاح السيسي اتجه لفرض العديد من الضرائب والزيادات المستمرة في أسعار الكهرباء والماء والغاز دون مراعاة لظروف المواطنين.

وبدلاً من أن يستفيد من الثروات الضخمة من الغاز والنفط التي تم الكشف عنها في البحر المتوسط، لزيادة ثروات مصر ومواجهة المشكلات الاقتصادية يقوم بالتنازل عنها والتفريط فيها لصالح إسرائيل وقبرص الجنوبية واليونان، بل ويقوم بشراء الغاز بأسعار مرتفعة من إسرائيل.

الإشكالية الكبرى في مثل هذه الاتفاقيات أن السيسي في الوقت الذي يشكل اتفاق تركيا مع ليبيا دعماً كبيراً للمصالح الاقتصادية لمصر في البحر المتوسط، ويوفر على مصر نحو 15 ألف كم مربع، هذا باعتراف لجنة الخبراء في وزارة الخارجية المصرية، نجده يعارض الاتفاق التركي الليبي، ويذهب للتوقيع مع اليونان، بما يتعارض مع مصالح مصر، لمجرد العداء لتركيا.

3- مرسي لم يدعم المعادلة التي تريد اسرائيل تأسيسها في المنطقة عبر خط أنابيب شرق البحر المتوسط. ما دور الطاقة في الانقلاب على مرسي؟

الرئيس محمد مرسي كانت مواقفه واضحة ومعلنة من إسرائيل، ويرى فيها العدو الاستراتيجي للأمة الإسلامية، والعدو الاستراتيجي الأول لمصر، ولذلك كان حريصاً كل الحرص على بناء توجهات سياساته الخارجية على أساس إعادة التوازن في العلاقات الدولية لمصر، والتحرك في دوائرها الإسلامية، وخاصة مع تركيا وباكستان، بجانب تعزيز العلاقات مع كل الأطراف الإقليمية والدولية، سعياً نحو تحقيق الاستقلالية في هذه السياسة، كما عمل على تعزيز العلاقات مع قطاع غزة باعتباره خط الدفاع الأول عن الأمن القومي المصري، وباعتبار أن غزة تنهض بعبء مواجهة إسرائيل، نيابة عن الأمة الإسلامية، ولذلك كان دوره الحاسم في وقف العدوان الذي تعرضت له غزة من جانب إسرائيل في نوفمبر 2012.

وأمام موقفه من غزة، وموقفه من سوريا وثورتها، وموقفه من إسرائيل، وموقفه من ثروات مصر من النفط والغاز، ورفضه التعاون مع إسرائيل في أي قطاع من القطاعات وعلى أي مستوى من المستويات، تم الترتيب للانقلاب عليه، وقد صدرت عشرات التصريحات الرسمية والتقارير والدراسات العلمية عن شخصيات ومؤسسات إسرائيلية، تؤكد أن مواقف مرسي من إسرائيل كانت أهم أسباب ترتيب الانقلاب عليه، ونظراً لكونه ينتمي إلى تيار سياسي ذي مرجعية إسلامية، فقد وجدت إسرائيل في الإمارات والسعودية حلفاء استراتيجيين لدعم الانقلاب والتخلص من الدكتور مرسي، والقضاء على طموحه الكبير في ترسيخ وتعزيز التعاون بين الدول العربية والإسلامية في شرق المتوسط.

٤- في اللحظة التي وصلنا إليها اليوم، هل حصلت اليونان وإسرائيل ما تريد من مصر في شرق المتوسط؟

اليونان وإسرائيل لن تتوقفا عن ابتزاز عبد الفتاح السيسي، وإذا كانتا قد وقعا اتفاقات على ترسيم الحدود البحرية، والحصول على مساحات واسعة من مياه مصر الاقتصادية، الغنية بالنفط والغاز، فإنهما سيسعيان لاستخدام عبد الفتاح السيسي أداة في صراعاتهما ضد التركية، وستسعى اليونان لاستخدام السيسي لتوقيع اتفاقيات ترسيم حدود بحرية مع ليبيا عبر بوابة خليفة حفتر، بهدف إفشال الاتفاق التركي مع حكومة الوفاق الشرعية، ولذلك تعددت التقارير حول احتضان مصر لمشاورات ومفاوضات بين أطراف يونانية وإسرائيلية مع عقيلة صالح، ممثلا عن برلمان طبرق الليبية، حول ترسيم ما يقولون عنه الحدود البحرية والمياه الاقتصادية الليبية.

كما ستسعى هذه الدول أيضاً، لاستخدام السيسي وعلاقته الجيدة مع بشار الأسد في سوريا، ومع روسيا، لترسيم الحدود البحرية والمياه الاقتصادية مع سوريا، والتي ستكون على حساب المصالح التركية أيضاً.

الأمر أكبر من ترسيم حدود مع السيسي، وتنازل السيسي عن جزء كبير من مياه مصر الاقتصادية، ولكنه يشمل خطة استراتيحية لكل دول المنطقة بهدف حصار تركيا ومنعها من استغلال ثرواتها في البحر المتوسط، وحرمانها من مياهها الاقتصادية، والمستفيد الأكبر إسرائيل واليونان.

وهو ما يتطلب خطة مضادة لمواجهة مثل هذه المخططات والحيلولة دون توقيع اتفاقات مشابهة لتلك التي تمت أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى.

 

رابط المصدر:

https://eipss-eg.org/%d9%85%d8%b5%d8%b1-%d9%88%d8%aa%d8%b1%d9%83%d9%8a%d8%a7-%d9%82%d8%b6%d8%a7%d9%8a%d8%a7-%d9%88%d8%a5%d8%b4%d9%83%d8%a7%d9%84%d9%8a%d8%a7%d8%aa/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M