حدود وآفاق متقلبة للدعم الأمريكى لأوكرانيا

خالد عكاشة

 

خلال أيام قليلة، صدر عن باراك أوباما الرئيس الأسبق للولايات المتحدة والعضو الأشهر بالحزب الديمقراطى، بعض الإشارات التى تطرح بقلق تساؤلا حول حدود الدعم الأمريكى لأوكرانيا. نفس المعنى وجد طريقه قبل يوم واحد من هذا التصريح، على ألسنة بعض المرشحين الجمهوريين خلال لقاء جماهيرى استعدادا لخوض انتخابات التجديد النصفى للكونجرس، استغرق الحديث عن ميزانية المساعدات الأمريكية للحرب فى اوكرانيا ما تجاوز الساعة، ذكرت فيه نصا عبارات من نوع ضرورة تحديد السقف الزمنى لهذا الأمر، فضلا عن أهمية مراجعة ما تم إنفاقه وجدواه فى تحقيق وانفاذ المصالح الأمريكية المباشرة. اللافت أن يجتمع الصوت الديمقراطى والجمهورى معا، وفى هذا التوقيت الذى يسبق الانتخابات بأيام، كى يفتح ما يدور تحت السطح منذ شهور.

مجلة «بوليتيكو» الأمريكية، نشرت مؤخرا تقريرا تناول المخاوف الأوروبية من إمكانية تراجع الولايات المتحدة عن دعمها لأوكرانيا، أشارت فيه إلى أن بعض الجمهوريين قد يدفعون لو فازوا فى انتخابات التجديد النصفى، لخفض الدعم الأمريكى للحرب، فى وقت تزيد فيه واشنطن من الضغوط على أوروبا كى ترفع من نفقاتها الدفاعية. فقد تجدد إلقاء الضوء بين أعضاء حلف الناتو على الفجوة بين الدعم الأمريكى والأوروبى، قبلا كان إقناع الدول الأوروبية الأعضاء فى الناتو يدور حول تخصيص 2% من دخلها الاقتصادى للدفاع أمرا صعبا، فيما تتعرض الآن لضغوط أكبر من الولايات المتحدة كى تنفق أكثر. يأتى ذلك وسط نقاشات أوروبية حول كيفية إعادة ملء ترسانة أوكرانيا العسكرية المتقلصة والمساعدة على إعادة بنائها، واشنطن ترى أن هناك حكومات تتعامل مع هذا الوعد بجدية، إلا أن إدارة بايدن طوال الوقت تريد من حلفائها الأوروبيين المزيد، لهذا استحث وزير الدفاع لويد أوستن نظراءه العسكريين أن يولوا أهمية لذهاب الدول لأبعد من نسبة 2%، وفق رؤيته، التى نقلها لهم بداية هذا الشهر، الخاصة بتوسيع القواعد الصناعية العسكرية، حتى يطمئن الحلف إلى استقرار تعويض متدفق لما قدموه إلى أوكرانيا. ما تتحرك فيه إدارة بايدن؛ يبدو فى الظاهر يستهدف ضبط إيقاع توافر المساعدات العسكرية خدمة لمتطلبات جهد جبهة القتال، لكنه فى جانب أهم يبدو موجها لتسكين أصوات الداخل الأمريكى القلقة التى تصاعدت مؤخرا فى اتجاه عكسي. ففى الوقت الذى تواصل إدارة بايدن الطلب من الكونجرس توفير الدعم اللازم لأوكرانيا، فإن السائد بين الأعضاء هو الشك فى إنجاز سلس لتلك الطلبات خلال الأشهر المقبلة. على الأقل توقف كثيرون أمام حديث لـ«كيفن ماكارثي» زعيم الجمهوريين فى مجلس النواب، حين ذكر صراحة: «أعتقد أن الناس سيواجهون ركودا اقتصاديا وشيكا، لذلك لن يكتبوا شيكات مفتوحة لأوكرانيا!» آراء مسئولى إدارة بايدن بحسب صحيفة بوليتيكو يعتقدون أن مكارثى مخادع، لكنهم لم ينفوا أن هناك مخاوف بشأن إطالة عمر التحالف الغربى، بالنظر إلى أعراضه الجانبية غير المسيطر عليها بالنظر إلى مكاسب اليمين المتطرف فى دول مثل إيطاليا.

الألم الاقتصادى الداخلى الذى أفاض فيه النائب مكارثى وآخرون، شكل دافعا مهما لإسراع بايدن بالإعلان خلال نفس الاسبوع، عن خطة لبيع 15 مليون برميل من مخزونات نفط الاحتياطى الاستراتيجى الأمريكي. فى خطوة تمثل جزءا من الاستجابة لتخفيضات الإنتاج الأخيرة التى قررتها منظمة أوبك بلس، على أن تلحقها خطة أخرى لإعادة ملء احتياطى الطوارئ فى السنوات المقبلة، بأسعار تقف عند مستوى يتراوح بين 67 دولارا إلى 72 دولارا للبرميل، وهو المعيار السعرى للنفط الأمريكي. هذه الخطة ليست الأولى التى يلجأ فيها بايدن، ففى مارس الماضى تقرر سحب 180 مليون برميل من الاحتياطى البترولى الاستراتيجى، لمواجهة أزمة إمدادات محتملة رجحت تقديرات الأسواق بأنها ستنجم عن العقوبات التى فرضت على روسيا حينها. لكن حتى تلك الإجراءات لم تسلم من النقد اللاذع فى ظل الموسم الانتخابى، سرعان ما اتهم قيادات الحزب الجمهورى الإدارة الديمقراطية بأن هذه الخطة الأخيرة وضعت للاستفادة من الاحتياطى لأسباب سياسية، لا علاقة لها بحالة الطوارئ الواردة بقانون 1975 الذى أنشئ بموجبه الاحتياطى الاستراتيجي.

إدارة ملف النفط داخل الولايات المتحدة؛ تمثل قضية شائكة ودقيقة باعتبارها ذات بعد فيدرالى تحتاج للتحرك داخل دهاليزها بحرص بالغ، ففضلا عما سبق من اتهامات للادارة الحالية، هناك خشية أن السحب الكبير خلال الأشهر الماضية أدى إلى وصول الاحتياطى الاستراتيجى الأمريكى إلى أدنى مستوى له منذ عام 1984. فيما يطالب منتجو النفط الأمريكيون إدارة بايدن؛ بفتح المزيد من الأراضى الفيدرالية للحفر والموافقة على إنشاء خطوط الأنابيب، مع تقديم حوافز ضريبية إلى الشركات، ترد الإدارة بأن هذا لا يمثل حلا عمليا، باعتبار أن التصاريح الجديدة تستغرق سنوات لإنتاج النفط، فمن غير الواقعى حدوث أى تأثير على الأسعار الحالية. على جانب آخر تواجه الإدارة تربصا من المجموعات البيئية، التى ساعدت فى فوز بايدن، حيث تطالبه فى خضم تلك الأزمة بأن يفى بتعهدات حملته الانتخابية، بمنع عمليات الحفر الجديدة على الأراضى الفيدرالية. هذا التعقيد الذى واجهه بايدن خلال الأشهر الماضية؛ يفسر حالة الضيق الشخصى الشديد الذى استقبل بها قرار أوبك بلس الأخير، ليخرج بعده بتلك اللهجة المتشنجة بحق السعودية فى تصريحات، وجدها الكثيرون تجنح للمبالغة. الهواجس التى بدت تتشكل على خلفية تلك الأصوات الانتخابية، فى جانب منها، وفى آخر بسبب ضغوط اقتصادية جدية، هل تدفع واشنطن قريبا إلى مراجعة متوقعة لحجم الانفاق والمساعدات الموجهه إلى أوكرانيا، مما قد يفضى بنتائج الحرب إلى مفترق غامض فى ظل التحشيد الروسى المقابل.

نقلا عن جريدة الاهرام بتاريخ 22 أكتوبر 2022

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/21333/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M