لم يكن كتاب صمويل هنتغتون في: صراع الحضارات 1996 نتاجاً فلسفيا خارج بطون صدام الجغرافية السياسية حول العالم دون محركات ايديولوجية مختلقة او موروثة تتلازم مع حركة النظام الراسمالي المركزي العالمي نفسه، فالعولمة الثقافية لنهاية التاريخ بسيادة اقتصاد السوق الحر لم تنفىِ هي الاخرى الارث المتراكم للنهب الاستعماري كرماد فوق جمرات العقائد والموروثات المتجذرة في ثقافات الامم، لاسيما عندما تستدعي المصالح الامبريالية موروثاتها لاستدامة هيمنتها لتدوير الفائض الاقتصادي ونهبه ذلك عبر اشعال نيران المصالح حيث تستخدم الراسمالية سلاحها الثقافي (الايديولوجي التفكيكي) لضمان الفوز بثروة الامم .
فالنظام الاستعماري بشكله الاول الذي رافق الماركنتالية الراسمالية او مدارسها الراسمالية التجارية القديمة Merchatalism (كمفتاح للعهد الاستعماري المبكر) لم يبتعد عما يُسيير المدرسة الليبرالية الجديدة حالياً في مسألة ترابط التجارة بالقوة والحرب و التي ظل ديدنها شعارا واحدا لاغير وهو :(اينما تصل الرايات تصل التجارة وان الراية والتجارة يتحركان معاً flag and trade move together ).
وعلى الرغم مما تقدم، فان الهيمنة الراسمالية المركزية تواجه اليوم في مقدمات صراعاتها سلاحاً تصادمياً ثقافيا واديولوجياً في ميدان معركة نهب الثروات والارض والاستيلاء على الفوائض واستدامة التراكم الراسمالي من محيط العالم واطرافه في معركة النفوذ على الدوام .
فالعولمة الموازية parallel globalization وتجارب حروبها الحالية الموازية قامت على ساحات اختبار التعصب الاديولوجي وصدام الحضارات الفرعية للحصول على موديل تجزيئي جاهز للاستعمال عند توافر فرص الصدام والنهب المباشر، اذ يقوم ذلك الموديل على اظهار درجات معمقة من التوحش وحروب الابادة البشرية بغية تفسير العقائد الايديولوجية الاخرى وتشويه محتوياتها وموروثاتها الانسانية في نطاق صراع الحضارات الجزئي او الكلي.
فوحشية المجموعات التي صنعتها الامبريالية في العالم الموازي وداخل الحضارات القديمة الاصيلة، قد ابتدات سواء في دارفور ورواندا في أفريقيا وانتهاءً بداعش الأرهابي عبر الشرق الاوسط ومرتكزه الاسلامي، أذ جرى أطلاق مبدأ التوحش والابادة تحت تنظيم اصطناعي ديني امبريالي عنوانه داعش، لتشكل مقدمات مختبر صراع الحضارات في العالم الموازي أو الظلي ليسوغ اليوم التوحش الاسرائيلي نفسه .
فبعد ان رأى هنتغتون ان هناك عدة حضارات كبرى في العالم تشمل الحضارة الغربية والإسلامية والصينية والهندية والأفريقية واللاتينية، وأن هذه الحضارات يمكن أن تتصادم في مجملها أو في أجزائها . وأن عوامل مثل الدين والتاريخ واللغة تؤدي أدوارًا حاسمة في تشكيل هذه الصراعات، نجد بلا ريب ان مايريده الغرب الامبريالي في صراعات العولمة الموازية conflicting of parallel globalization ان يضع القضية الفلسطينية وحق الدفاع الشرعي عن ارض فلسطين في اطار جزئيات تصادم الحضارات بل تصغيرها ليؤدي الى تطبيقات تماثل (نمذجة التوحش) التي جرت في مختبرات معسكر العولمة الموازية، كي يجسد مايجري في غزة (ومشروعية الدفاع عن الارض) على انه احد ادوار قوى التوحش في الصراع الجزئي للحضارات الموازي (وعده كلعبة داعش الارهابي التي صنعها الغرب في مختبرات راس المال).
أذ يأتي ذلك لتسريع الاستيلاء على الجغرافيا السياسية الفلسطينية وغيرها، وتسويغ القتل الوحشي غير الرحيم لشعب غزة الحر باسم ازالة ثقافة الدين الموازي ونزع مضمون التوحش. وان سيناريو الحرب على غزة بات يجير على نحو يتيح للاجرام الاسرائيلي باساطيره البالية والمسنودة امبرياليا بذبح الشعب الفلسطيني وبدم بارد دون ان يثير غضب حضارات الارض الاخرى على الأقل، بل هي محاولة لقلب صراع الحضارات من التصادم الشامل المضاد للامبربالية الى تصادم( منمذج ) يجري في المعسكرات الخلفية للعولمة الموازية أو الظلية.
ولكن في هذه المرة يتم عبر رايات وتجارة موازية parellel flag and trade together اي في عالم موازي غامض ( رمادي اللون ) قائم على النهب وأستعباد الشعوب ختاماً، إن حرب غزة تبرهن خفايا اديولوجيا هنتغتون عن ادوار مختبرات العولمة في توليد أنموذج التوحش في ثقافات الشعوب لتسويغ النفوذ الامبريالي والتغلغل في المصالح العالمية لمعسكر راس المال بشكله الصريح هذه المرة عبر صراع الحضارات . انها بلا ريب العودة الطوعية لصدام الحضارات بشكل رسمي يسوغ الحروب الامبريالية الشاملة ونهب الفائض العالمي والتذرع بفرضية هنتغون بأن الصراعات في العالم ستنشأ بشكل رئيس من التفاعلات بين مجموعات ثقافية وحضارات مختلفة بدلاً من الصراعات الاقتصادية أو الصراعات السياسية التقليدية لتبرير رغبات نهب الأمم وثرواته رسمياً .
المصدر : https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/37206