شكلت الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة عاملا محددا لموقف إدارة الرئيس بايدن من عملية طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر الماضى, حيث اعتبرت أن دعمها المطلق لإسرائيل سيكون إحدى أوراقها الرابحة للانتخابات لإرضاء اللوبى اليهودى المؤثر بشكل كبير فى المشهد السياسى الأمريكى, ولهذا أعطت الضوء الأخضر للحكومة الإسرائيلية فى حربها الشاملة ضد القطاع تحت مظلة الدفاع الشرعى عن النفس، وهو أمر لا ينطبق على إسرائيل باعتبارها قوات احتلال. وقد تبنت إدارة بايدن السردية الإسرائيلية فيما يتعلق بأحداث 7 أكتوبر على أنها تواجه تهديدا وجوديا وإرهابا داعشيا من الفصائل الفلسطينية الذين قاموا بقطع رءوس الأطفال واغتصاب النساء، وهو ما لم يحدث على أرض الواقع وثبت زيفه, وذلك لتبرير دعمها العسكرى والسياسى والقانونى غير المسبوق لقوات الاحتلال، حيث أرسلت حاملات طائرات وسفنا وبوارج حربية إلى الساحل الإسرائيلى على البحر المتوسط، وأرسلت مساعدات عسكرية طارئة، وتفعيل وتجديد القبة الحديدية وتزويد إسرائيل بالقنابل الذكية والصواريخ الدقيقة لاستهداف الأنفاق فى غزة، كما زار الرئيس بايدن ووزيرا الخارجية والدفاع إسرائيل لإعلان التضامن السياسى الكامل مع الحكومة الإسرائيلية، كذلك توفير مظلة حمائية فى مجلس الأمن الدولى وإجهاض أى مشروع قرار يصدر عن المجلس لا يتضمن حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها وإدانة ما تعتبره إرهاب حماس, وهو ما حدث بالفعل مع مشروعات القوانين التى قدمتها روسيا والبرازيل. كما تبنى الإعلام الأمريكى الرواية الإسرائيلية لحشد التعاطف الشعبى مع إسرائيل فى حربها على غزة. كما أن موقف الرئييس بايدن المنحاز بشكل غير مسبوق لإسرائيل جاء فى إطار المزايدة الانتخابية مع الحزب الجمهورى الذى اتهم بايدن بضعف دعمه لإسرائيل, خاصة أن الجمهوريين فى مجلس النواب تبنوا مشروع قرار لدعم إسرائيل عسكريا بقيمة 14 مليار دولار ورفضه الديمقراطيون فى مجلس الشيوخ.
لكن مع انهيار وزيف الرواية الإسرائيلية فيما جرى فى السابع من أكتوبر ومع العدوان الشامل لإسرائيل على سكان غزة والقصف الشامل لكل الأهداف المدنية، من استهداف المستشفيات والمدارس وهدم أحياء بكاملها على سكانها وارتفاع أعداد الشهداء الفلسطينيين إلى أكثر من 12 ألف شهيد إلى جانب أكثر من ثلاثة آلاف شهيد تحت الأنقاض وما يقارب 40 ألف مصاب وهدم أكثر من نصف مبانى القطاع، واتباع سياسة الحصار الشامل وقطع المياه والكهرباء الوقود والغذاء والدواء والمياه النظيفة، والتى تعد كلها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يعاقب عليها القانون الدولى, مع كل هذا بدأت ورقة غزة تنقلب سلبيا على الرئيس بايدن مع تزايد المعارضة له دوليا وإقليميا وداخليا، بل حتى داخل الحزب الديمقراطى وتزايد أعداد المظاهرات والاحتجاجات ضد دعمه المطلق لإسرائيل وإطلاق يدها فى انتهاك القانون الدولى الإنسانى، وهو ما أضر بسمعة ومصداقية الولايات المتحدة عالميا كدولة كانت تحمل راية الدفاع عن حقوق الإنسان والقيم الإنسانية والتى انهارت كلها فى اختبار حرب غزة.
والواقع أن قوات الاحتلال وحكومة الحرب التى يقودها نيتانياهو لم تكن لتجرؤ على ارتكاب هذه الجرائم وتحدى المجتمع الدولى ورفض الهدنة الإنسانية، ورفض قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذى وافقت عليه 120 دولة ويطالب بوقف فورى لإطلاق النار والتوصل إلى هدنة إنسانية وحماية المدنيين، وكذلك رفض قرار مجلس الأمن الأخير الذى يدعو إلى هدنة إنسانية فورية، لولا أنها أخذت الدعم الكامل والضوء الأخضر من الإدارة الأمريكية، بل إن هناك تنسيقا كاملا بين الجانبين على الأرض، كما يتماهى الموقف الأمريكى مع الموقف الإسرائيلى فى التخلص من حماس وتـأسيس مرحلة جديدة فى غزة رغم الخلاف حول سيناريوهات ما بعد الحرب ومن يحكم أو يسيطر على القطاع. ولذلك تمثلت الانعكاسات السلبية لموقف بايدن من الحرب فى تراجع شعبيته داخل الحزب الديمقراطى، وكذلك على المستوى الوطنى مقابل تزايد شعبية الرئيس ترامب، كما أظهرت استطلاعات الرأى مؤخرا. كما أعلنت المنظمات العربية والإسلامية فى الولايات المتحدة أنها لن تعطى أصواتها لبايدن بسبب موقفه من الحرب ودعمه لإسرائيل على حساب القانون الإنسانى وحقوق الفلسطينيين. ورغم أن العرب والمسلمين لا يشكلون سوى 1٫1 من سكان الولايات المتحدة إلا أن لديهم أصوات مؤثرة فى بعض الولايات المتأرجحة مثل ميتشجان وبنسلفانيا ونيفادا وأريزونا وجورجيا، ورغم أنهم لن يصوتوا لصالح ترامب إلا أن امتناعهم عن التصويت قد يكلف الرئيس بايدن خسارة هذه الولايات المتأرجحة لصالح ترامب.
ورغم أن إدارة بايدن عدلت من خطابها السياسى نحو أهمية حماية المدنيين واحترام القانون الإنسانى وضرورة التوصل إلى هدنة إنسانية لإدخال المساعدات وخروج المصابين ومزدوجى الجنسية وإطلاق سراح الرهائن, إلا أنه يأتى فى إطار محاولة استيعاب الضغوط المتزايدة عليها بسبب الوضع الإنسانى الكارثى فى غزة, لكنها لم تغير موقفها من الدعم المطلق لإسرائيل فى تحقيق أهدافها فى القضاء على قدرات حماس وتحرير الرهائن, كما لم تمارس عليها ضغوطا حقيقية لوقف إطلاق النار أو التوصل إلى هدنة إنسانية طويلة, ولذلك مع الفشل الإسرائيلى فى تحقيق أهداف الحرب وارتفاع التكلفة البشرية الإنسانية للفلسطينيين, فإن حكومة نيتانياهو باتت تشكل عبئا إستراتيجيا كبيرا على إدارة بايدن قد تكلفها خسارة الانتخابات الرئاسية, إضافة إلى فقدان تعاطف العرب والمسلمين وتأثر مصالح أمريكا الإستراتيجية فى المنطقة وتراجع نفوذها لصالح روسيا والصين.
المصدر : https://ecss.com.eg/38411/