حرق القرآن في السويد ـ تخادم اليمين المتطرف والإسلام السياسي

إعداد : أندي فليمستروم Andie Flemström ، باحثة في قضايا التطرف والإرهاب – ستوكهولم

ماجستير آداب – علاقات دولية – جامعة ستوكهولم  ـ @AndieFlemstroem

 

مازالت السويد ودول أوروبا تعيش تحت وقع اليمين المتطرف والجماعات الإسلاموية المتطرفة، وهذا مايعقد مهام الحكومات في محاربة التطرف والإرهاب من الداخل وسط  نقص في المعالجات الحقيقة. إن حرق القرأن من قبل اليميني المتطرف بالدوان، من شأنه ان يخدم الجماعات الإسلاموية المتطرفة وبالعكس.

أدان رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون حرق سياسي يميني نسخة من في ستوكهولم. وكتب كريسترسون تغريدة يوم 22 يناير 2023 قال فيها “حرية التعبير جزء أساسي من الديمقراطية، ولكن ما هو قانوني ليس بالضرورة أن يكون ملائما”. وأضاف “حرق كتب تمثل قدسية للكثيرين عمل مشين للغاية. وأريد أن أعرب عن تعاطفي مع جميع المسلمين الذين شعروا بالإساءة بسبب ما حدث في ستوكهولم”.وكان راسموس بالودان، زعيم حزب “الخط المتشدد” اليميني المتطرف في الدنمارك، قد حصل على تصريح بحرق نسخة من المصحف الشريف أمام السفارة التركية بالعاصمة السويدية ستوكهولم.

شهدت السويد  خلال شهر أبريل 2022 موجة من أعمال الشغب والعنف لم تشهدها البلاد منذ عقود كردة فعل على حرق القرآن من اليميني المتطرف راسموس بالودان. الاضطرابات كانت قد استهدفت رجال الشرطة وأوقعت إصابات بينهم تجاوزت أكثر من 100 جريح. هذه ليست هي أول مرة يهين فيها راسموس المسلمين ويحرق القرآن في السويد. لكن هذه هي أول مرة يؤدي فيها حرق القرآن إلى مثل هذا العنف على نطاق واسع.

كيف تُمكن قراءة الحدث، ومن هم المستفيدون من تصعيد أعمال الشغب والعنف؟

من هو راسموس بالودان

راسموس بالودان هو سياسي دنماركي وزعيم حزب “سترام كورس” اليميني المتطرف، معروف بعدائه للمسلمين والإسلام. راسموس يريد طرد المسلمين وغير البيض من الشمال، وكان قد أدين سابقًا بالعنصرية والتحريض على العنف في الدنمارك بعد مقطع فيديو على Youtube حيث أدلى فيه بتصريحات مهينة حول معدل الذكاء لغير البيض.

هذه ليست أول مرة يحرق فيها بالودان القرآن، ففي عام 2020، تقدَّم بطلب للحصول على تصريح لتظاهرة في عدة أماكن في البلاد. لكن خلال أزمة كورونا رفضت الشرطة منحه التصريح على أساس احتمال نشوء وضع ينطوي على تهديدات خطرة للنظام العام والأمن. على الرغم من ذلك، تم حرق مصحف في رينكيبي، وأصدرت الشرطة بلاغًا بتهمة التحريض ضدّ الجماعات العرقية، لكن القضية أُسقطت لأن الحادثة لم تعتبر جنائية.

القوانين والتشريعات حول ازدراء الأديان وحرية التعبير

حرية التعبير وحق التظاهر هي حقوق أساسية محمية من الدستور في السويد. ولا يوجد قانون في السويد يحظر التجديف أو انتقاد الدين أو التشكيك فيه، وهذا ينطبق على جميع الأديان على قدم المساواة. لا يوجد قانون يجرم حرق الكتب الدينية، أو ما يطلق عليه جريمة التجديف. في السابق كانت توجد مثل هذه القوانين، لكنها أُزيلت من القوانين السويدية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.

يقول مورغان يوهانسون، وزير العدل والداخلية، في تعليق على أحداث الشغب والعنف من جراء حرق القرآن، إن حرية التعبير حقّ تشريعي أساسي يتمتع فيه كل فرد، وإن كل فرد له الحق في السخرية من الدين وانتقاده وأيضًا التعبير عن الأشياء التي يعتبرها كثير من الناس مسيئة للغاية، ولكنها أيضًا جزء من العيش في نظام ديمقراطي، وعلى المرء أن يتقبلها. ويوضح أنه ليست لديه خطط لتقديم أي مشروع قانون من شأنه تقييد حرية التعبير، ويضيف أنه إذا أراد المرء العيش في بلد ديمقراطي مثل السويد يجب عليه أن يقبل أن الناس لديهم هذه الظاهرة التي غالبًا ما يكون الهدف من ورائها إثارة هذا النوع من العنف، لذلك على المرء أن يدير ظهره لها ويتجاهلها، بدلًا من اللجوء إلى العنف وأعمال الشغب.

وفي السويد الشرطة هي المسؤولة عن إعطاء تصاريح للتظاهرات، وتقوم بإجراء تقييم في كل حالة على حدة. وبحسب توماس بول، المدعي العام للمحكمة الإدارية العليا، فإن الشرطة يجب أن تنتبه في المقام الأول إلى ما يفعله أو قد يفعله من يريدون التظاهر.

هل سيكونون عنيفين؟ الحكم على ما يفعله الآخرون هو مسألة ثانوية.

المشاركون في التظاهرات 

ترى الشرطة دلائل على أن أعمال الشغب كانت منظمة إلى حد ما ومتزامنة للغاية في عديد من المناطق، وأيضًا مع فئة الأشخاص نفسها، حيث كان معظمهم من الشباب وبعضهم لا تزيد أعمارهم على خمسة عشر عامًا. ويرى مورغان يوهانسون، وزير العدل والداخلية، أن هناك روابط بين هؤلاء المتظاهرين ومجرمي العصابات، بينما تذهب عضو البرلمان عن حزب “المعتدلون” Moderaterna- إلى حدِّ وصفهم بـ “الإرهابيين المحليين” بدوافع مختلفة.

الأسباب وراء تظاهرات العنف وأعمال الشغب 

أصبحت تداعيات حرق القرآن مادة دسمة تستعمل في خطاب اليمين المتطرف، حيث يُعيد حزب “ديمقراطيو السويد” الأسباب وراء موجة العنف وأعمال الشغب إلى الهجرة الجماعية الى السويد، التي تسبِّب هذا النوع من الانقسام في المجتمع. حيث يصرح توبياس أندرسون، عضو البرلمان عن حزب “ديمقراطيو السويد” قائلًا: لدينا  ضواحٍ لا تعتبر نفسها جزءًا من مجتمع الأغلبية، وإنما تعارض وتكره ما تمثِّله السويد والسويديّون. وطبعًا هذا التحليل ليس بعيدًا عن منطق اليمين المتطرف الذي يستخدم منهج التعميم ويعزو أخطاء ومشكلات المجتمع إلى الأجانب، ويعزز الانقسام المجتمعي من خلال استخدام لغة “نحن” و”هم”.

بينما ترى ليندا سنيكر، عضو البرلمان عن حزب اليسار، أن السبب وراء أعمال العنف والشغب يكمن في سفر شخص يميني متطرف في السويد إلى الضواحي ذات الأغلبية من الأجانب، وهي التي تعاني من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، أو التي يمكن وصفها بالمناطق المهمشة، واستغلاله حالة القلق وانعدام الأمن الموجودة هناك. كما أن الشرطة أيضًا لم تكن مستعدة حقًا لما حدث، هذا الوضع تم استغلاله من المجرمين والعصابات.

تداعيات حرق القرآن؛ من هم المستفيدون؟

تسبب الإساءة للمقدسات الدينية وحرق الكتب الدينية بلا شك حالة من الاستفزاز والغضب لدى كثير من الناس من مختلف الأديان. ولكن الرد على هذا الفعل بالعنف وأعمال الشغب والتخريب ليس سوى تفريغ لشحنات الغضب، وإظهار حالة الضعف لدى هؤلاء الأشخاص وعدم المقدرة على التعامل ومعالجة مثل هذه الظواهر “حرق القرآن” بطريقة تتماشى مع قيم الديمقراطية، كحرية التعبير وحق التظاهر المدعومة في الدستور السويدي، والتي تسمح بحرق الكتب الدينية سواء أكانت الإنجيل أو القرآن. إن استعمال العنف مرفوض بكل أشكاله مهما كان السبب ولا يساهم في تقديم أو إيجاد الحلول للمشكلات، وإنما يعزِّز الصور النمطية التي يحاول اليمين المتطرف تعزيزها عن الأجانب والمسلمين بشكل خاص كمصدر للعنف والتطرف في المجتمع، والتي تصب في الاخر في مصلحة وأهداف اليمين المتطرف المعادي للأجانب.

هذه ليست أول مرة يتجاوز فيها راسموس على المسلمين ويحرق القرآن في السويد. لكن هذه أول مرة يؤدي فيها حرق القرآن إلى مثل هذا العنف على نطاق واسع. تكمن إجادة تفسير لهذا التصعيد من العنف في رؤية وتحليل الحدث من خلال مراقبة التطورات السياسية والأمنية على الساحة الإقليمية والعالمية في ظل تنامي اليمين المتطرف والإسلام السياسي في أوروبا بشكل عام، والسويد بشكل خاص. وكيفية تعامل الدول مع التطرف بجميع أطيافه واستراتيجيات محاربته.

التقييم

ـ  الهجرة ورقة سياسية: استطاعت الأحزاب اليمينية في السنوات الأخيرة فرض نفسها لاعبًا مهمًا في اتّخاذ القرارات السياسية المهمة مثل الهجرة وسياسة الهجرة. واستطاع بعضها الوصول إلى دفة الحكم عبر أجندتها المعادية للأجانب وتعصبها القومي، عبر ائتلاف مع أحزاب أخرى لم تكن على وفاق معها سابقًا، أو حتى تعترف بشرعيتها.

ـ  علاقة تزامنية بين حرق القرآن والانتخابات لهذا العام:  تسعى الأحزاب اليمينية المتطرفة لتحقيق أهدافها الأيديولوجية والسياسية من خلال الخطاب القومي الشعبوي الممنهج القائم على أساس العرق والقومية. وتهدف هذه الأحزاب والجماعات إلى تقسيم المنطقة والمجتمع من خلال تعزيز مشاعر القومية والعرقية ونشر التطرف والكراهية تجاه الأجانب، وتحمِّلهم مسؤولية جميع المشكلات القائمة في المجتمع. وتلعب على وتر الهجرة ورفضها للأجانب في تجنيد واستقطاب قاعدة انتخابية أكبر من أجل فرض سياساتها وتحقيق أجندتها السياسية. المتطرفون اليمينيون مثل بولدان وآخرين هم أدوات لبلوغ أهدافها. لذلك ليس من المستبعد أن توجد علاقة تزامنية بين حرق القرآن في هذا الوقت والانتخابات لهذا العام.

ـ  استفزاز لمشاعر المسلمين: إن تجاوز المسلمين بحرق القرآن من جانب اليمين المتطرف هو استفزاز لمشاعر المسلمين بشكل عام، والمسلمين في السويد بشكل خاص، حيث يعيش معظم المسلمين في السويد في الضواحي التي تعاني من الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، وغير مندمجة في المجتمع السويدي، ويمكن القول إنها تعيش في مجتمع موازٍ لمجتمع الأغلبية، لها تقاليدها وقيمها الخاصة بها، والتي هي في النهاية انعكاس لفشل سياسة الاندماج في السويد.

ـ تزايد دور الإسلام السياسي: هذا الفشل في سياسة الاندماج عزَّز مكانة ودور الإسلام السياسي في هذه المجتمعات، حيث  استغلّ الإسلاميون الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لسكان بعض الضواحي، خاصة الجاليات المسلمة، ولعبوا على التناقضات لنشر الفكر المتطرف و”التكفيري” بين أبنائهم وشبابهم. إن جماعات الإسلام السياسي تعمل على تلقين أفكار العنصرية والتطرف الديني كما تحرِّض على الكراهية والعنف من خلال استغلال الشعارات الدينية. وهنا نجد أن حادثة حرق القرآن هي بمنزلة مادة دسمة للإسلامويين للتحريض على الكراهية والعنف والتطرف وتجنيد أعضاء جدد من الشباب واليافعين.

ـ علاقة تخادمية مابين اليمين المتطرف والجماعات الإسلاموية: إن العلاقة بين اليمين المتطرف والإسلام السياسي، الإسلاموية، بناء على حادثة حرق القرآن هي علاقة تخادمية، فعل الطرف الأول يخدم الطرف الثاني، وردة فعل الطرف الثاني تخدم هدف الطرف الأول.

توصيات 

ـ إن أشكال العنف بكل أشكالها مرفوضة وغير أخلاقية، وتعتبر إجرامية عندما تكون غايتها هي القتل المتعمد. كما أن لكل دولة الحق في تشريع القوانين الخاصة بها، لأن القوانين وضعية وتتماشى مع عمليات التمدن والتقدم.

ـ يجب احترام القوانين والتشريعات.

ـ السويد بلد ديمقراطي علماني،  يتمتع بحرية الرأي وحرية التظاهر والحقوق محمية في الدستور.

ـ أن نقبل العيش في بلد ديمقراطي لا يعني أن تقبل بعض قوانينه وحرياته ورفض بعضها الآخر، هناك أيضًا قيم وعادات يجب أن تقبلها.

ـ تحسين الأوضاع المعيشية والخدمية في الضواحي.

 ـ وضع استراتيجيات فاعلة وحقيقية لتحقيق درجات أعلى من الاندماج في المجتمع، ودعم برامج التوعية ضد العنف والكراهية والتطرف بجميع اتجاهاته وأشكاله.

ـ تعزيز الإجراءات القانونية،  ودعم قدرات وإمكانية الشرطة من خلال زيادة الموارد والأدوات لتصبح أكثر قدرة على معالجة الأزمات وإرساء الأمن والاستقرار.

ـ منح الشرطة صلاحيات أوسع حول تصاريح التظاهر.

 

هوامش

Aktuellt/SVT Play. 2022

https://bit.ly/3w4S5aY

Aftonbladet.2020. ”Koran bränd i Rinkeby – polisen söker danskskyltad bil”

https://bit.ly/3PpJreW

BBC News. 2020. “Danish far-right leader Paludan jailed for racism”

https://bbc.in/3soBJb1

Refugees.DK.2019. “Paludan’s hate speech is illegal”

https://bit.ly/3M5MPJD

Riksdagen.2022.”Så funkar riksdagen/Demokrati/Grundlagar”

https://bit.ly/3wF5juj

SVT. /nyheter/inrikes.2022

https://bit.ly/3N292bE

نقلاً عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات

 

.

رابط المصدر:

https://www.europarabct.com/%d8%ad%d8%b1%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a2%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d9%8a%d8%af-%d9%80-%d8%aa%d8%ae%d8%a7%d8%af%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%85%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84-2/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M