حقوق الانسان في عهد بن سلمان: انتهاكات بالجملة

عبد الامير رويح

 

يواصل ولي العهد السعودي الشاب محمد بن سلمان، تعزيز سيطرته على مقاليد السلطة في المملكة العربية السعودية، من خلال تشديد الاجراءات والقوانين الحكومية والعمل على اقصاء الخصوم والمعارضين، فقد سعى بن سلمان الذي يتبوأ ايضاً منصب وزير الدفاع ونائب رئيس مجلس الوزراء. كما يرأس مجلس الشؤون السياسية والأمنية وكذلك مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية السعودي. ومنذ توليه مقاليد الحكم الى اجراء تغيرات حكومية عاجلة

واصدر بن سلمان وكما نقلت بعض المصادر العديد من الاوامر الخاصة باحتجاز عشرات الامراء من الاسرة الحاكمة بتهم مختلفة ومنها الفساد والتخطيط لانقلاب الاتصال بدول اجنبية،

ليعزز بهذه الاعتقالات قبضته على السلطة بالكامل. كما سعى ايضا الى اعتقال الكثير من المعارضين او تصفيتهم كما حدث مع الصحفي المعارض جمال خاشقجي في الثاني من تشرين الأول 2018 بالقنصلية السعودية في اسطنبول.

وهو ما اثار ردود افعال دولية غاضبة حتى من اقرب حلفاء المملكة، وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على 17 سعوديا في تشرين الأول/ أكتوبر بسبب مقتل خاشقجي وسعى الكونغرس فيما بعد لتحميل ولي العهد مسؤولية قتله وإنهاء الدعم الأمريكي للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن. لكن الرئيس الأمريكي ترامب هب لنجدة حليفه الأمير محمد بن سلمان، رغم صدور تقرير من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي اي ايه) يفيد بأن بن سلمان أمر بقتل خاشقجي، وهو أمر رفضته السعودية ونفته.

كما يواجه ولي العهد السعودي اليوم وكما يرى يعض المراقبين، تحديات اضافية قد تكون سببا في عرقلة مشاريع وخطط هذا الامير الشاب ومنها اخطط الاقتصادية التي اعلن عنها سابقاً، فقد اعتبر مركز “صوفان” الاستشاري للشؤون الأمنية أن “انخفاض أسعار النفط بشكل قياسي وزيادة الضغوطات الديمغرافية تشكل تحديات كبرى أمام خطط الأمير محمد المستقبلية”. ويرى المركز أن “الحكومة ستكون لديها أموال أقل لتوزيعها (..) لإرضاء المواطنين السعوديين. وسيؤدي تآكل العقد الاجتماعي بين الحكام والمحكومين إلى مشاكل كبرى خاصة في مجتمع قبلي”.

اعتقالات مستمرة

وفي هذا الشأن قالت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان إن السلطات السعودية احتجزت في الآونة الأخيرة الأمير فيصل بن عبد الله وإنه يبدو أنه ”بمعزل عن العالم الخارجي“. وكان الأمير ضمن من شملتهم حملة لمكافحة الفساد وأُفرج عنه في أواخر 2017. وقالت المنظمة التي مقرها الولايات المتحدة نقلا عن مصدر على صلة بالعائلة المالكة إن قوات الأمن احتجزت الأمير فيصل بن عبد الله، وهو نجل العاهل الراحل الملك عبد الله، في 27 مارس آذار عندما كان في حجر صحي ذاتي بسبب جائحة كورونا في مجمع عائلي شمال شرقي العاصمة الرياض.

وقالت مصادر إنه في وقت سابق من مارس آذار احتجزت السلطات الأمير أحمد بن عبد العزيز، شقيق الملك سلمان، كما احتجزت ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف الذي أُبعد عن ولاية العهد في 2017 ووُضع رهن الإقامة الجبرية بالمنزل. وقالت المصادر، وهي على صلة بالعائلة المالكة، في ذلك الوقت إن هذه خطوة استباقية لضمان الانصياع داخل عائلة آل سعود قبل انتقال السلطة في حال وفاة الملك أو تخليه عن العرش.

ولم يتضح بعد إن كان احتجاز الأمير فيصل الذي تحدثت عنه المنظمة متصلا بالخطوات المماثلة التي أشارت إليها المصادر في أوائل مارس آذار وشملت أيضا الأمير نايف ابن الأمير أحمد والأمير نواف شقيق الأمير محمد بن نايف. ولم تعلق السلطات السعودية على تقارير احتجاز هذه الشخصيات والتي جاءت بعد حملة على المعارضة شهدت اعتقال رجال دين ومفكرين ونشطاء في الدفاع عن حقوق الإنسان وتلت أيضا حملة لمكافحة الفساد في 2017 تم خلالها احتجاز العشرات من الأمراء والوزراء ورجال الأعمال. بحسب رويترز.

وقال منتقدون إن تلك الحملات تأتي في إطار تحركات من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ابن الملك والحاكم الفعلي للمملكة، لإحكام قبضته على السلطة. وقال مايكل بيج، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش ”علينا الآن إضافة الأمير فيصل إلى مئات المحتجزين في السعودية بدون أساس قانوني واضح“. ونفت المملكة مرارا مزاعم تنفيذها اعتقالات تعسفية. وقالت السلطات العام الماضي إن الحكومة تنهي حملة لمكافحة الفساد بعد 15 شهرا لكنها ستواصل ملاحقة المتورطين فيه.

حقوق المرأة

الى جانب ذلك دعت منظمة العفو الدولية “أمنيستي”، العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى إطلاق سراح ناشطات سعوديات، وصفتهن بـ”مدافعات بارزات عن حقوق المرأة”، بعد عامين من احتجازهن. وأشارت العفو الدولية إلى اعتقال مجموعة من الناشطات السعوديات في 15 مايو/أيار عام 2018، قائلة: “لقد كن يدافعن سلمياً منذ سنوات عن حق المرأة في المملكة في قيادة السيارات، فضلاً عن إجراء إصلاحات أوسع نطاقاً تتعلق بنظام ولاية الرجل القمعي”. وأضافت المنظمة: “في الأيام والأسابيع التي تلت ذلك، اعتقل المزيد من زملائهن الناشطات السلميات كجزء من حملة القمع والتشهير التي تشنها السلطات السعودية”، بحسب بيان على موقع العفو الدولية.

وقالت مديرة البحوث للشرق الأوسط في المنظمة لين معلوف إنه “من المحزن أن عامين قد مرا الآن وما زالت هؤلاء النساء الشجاعات خلف القضبان، لا سيما وأن النساء السعوديات خلال هذه الفترة يتمتعن ببعض الحقوق الجديدة التي ناضلن من أجلها ببسالة”. وأضافت: “وفي السجن، عانى العديد منهن من الضغط النفسي والبدني، بما في ذلك التعذيب، والاعتداء الجنسي، والحبس الانفرادي. ولا يزال عشرات أخريات، رغم الإفراج عنهن، يواجهن المحاكمة استناداً إلى تهم تتعلق بنشاطهن السلمي”.

وتابعت بالقول إنه “قد حان الوقت لأن تتوقف القيادة السعودية عن استخدام القضاء كسيف مسلط على رقاب الناشطات”، مؤكدة أنه “لا يمكن اعتبار (حملة الإصلاح) في المملكة العربية السعودية ذات مصداقية طالما أن هؤلاء النسوة وغيرهن من الناشطات السلميات ما زلن مستهدفات بسبب عملهن”. بحسب CNN.

وطالبت منظمة العفو الدولية المملكة العربية السعودية بـ”الإفراج فوراً، ودون قيد أو شرط” عن جميع سجناء الرأي والمدافعين عن حقوق الإنسان المحتجزين لمجرد ممارستهم السلمية لحريتهم في التعبير، وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، والتجمع، وفقا للبيان. وأشارت المنظمة إلى أن 5 ناشطات من بين الـ13 ناشطة اللاتي اعتقلن قبل عامين ما زلن محتجزات وهن: لجين الهذلول، وسمر بدوي، ونسيمة السادة، ونوف عبد العزيز، ومياء الزهراني، بينما تم الإفراج مؤقتا عن 8 آخرين بينهم إيمان النفجان وعزيزة اليوسف وهتون الفاسي.

إرهاب الدولة

ي السياق ذاته تَعرقَل مشروع مدينة “نيوم” الضخم التي من المقرر أن يتم إنشاؤها في شمال غرب البلاد لتطل على البحر الأحمر، بعد مقتل شخص من قبيلة الحويطات رفض تسليم أرضه للمشروع. واحتجت القبيلة على المشروع الذي يشكل جزءا حيويا من الرؤية الاقتصادية الطموحة لولي العهد محمد بن سلمان، وسيكلف 500 مليار دولار. ويظهر هذا مقاومة داخلية نادرة للحكومة السعودية في وقت تعاني المملكة من صعوبات اقتصادية بسبب التدهور التاريخي في أسعار النفط والإغلاقات بسبب انتشار فيروس كورونا.

ونشر هذا الشخص، واسمه عبد الرحيم الحويطي، قبل مقتله سلسلة فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي انتقد فيها إجبار قبيلته على الرحيل من الأرض التي عاشوا فيها لأجيال في موقع المشروع في محافظة تبوك، واصفا إياه بـ”إرهاب دولة”. من جهته، أكد الأمن السعودي مقتل “المطلوب للعدالة” في تبادل إطلاق النار مع قوات الأمن، مشيرا إلى العثور على عدد من الأسلحة في منزله، فيما قال نشطاء إنه تم احتجاز عدد من أفراد القبيلة التي تنتشر فيها ملكية السلاح بسبب شعارات مناهضة للترحيل ورفضهم التوقيع على أوراق لنقلهم إلى مكان آخر. وأكد مصدر سعودي مطلع على سير المشروع أن الحكومة السعودية تعرض “تعويضات نقدية سخية” للذين سيتعرضون للترحيل بسبب المشروع، بالإضافة إلى “عقارات جديدة” داخل المملكة.

وقال إن “نيوم” أطلقت أيضا “برامج مسؤولية اجتماعية” للسكان المحليين، بما في ذلك منح دراسية للجامعات وبرامج تدريب مهني. ويؤكد نشطاء رفض العديد من رجال قبيلة الحويطات ما وصفوه بعروض تعويضات “غامضة”، على الرغم من نشر وسائل إعلام سعودية بيانا صادر عن القبيلة جدد البيعة والولاء للعاهل السعودي محمد بن سلمان وولي عهده. كما أنهم يشددون على أن مشروع “نيوم” مصمم لجذب الزوار الأجانب في مملكة محافظة، ولا يتوقع أن يستفيد منه السكان المحليون.

وحسب “نيوم”، سيتوجب على 20 ألف شخص الرحيل والانتقال إلى مكان آخر من أجل إفساح المجال لأعمال البناء. ويفترض استكمال أول جزء من المدينة بحلول 2030. وكتب العضو في المجلس الاستشاري لـ”نيوم” علي الشهابي على تويتر: “ما حدث في نيوم كان موتا مأساويا لأحد سكان قرية يجري نقلها”. وقارن الشهابي ذلك بالقوانين في الدول الغربية التي تسمح للحكومات بمصادرة الأراضي الخاصة لاستخدامها لمشاريع، موضحا “هذا يحدث كل الوقت في كلّ أنحاء العالم عند بناء الطرق وسكك الحديد والسدود”.

وتحضر الحكومة السعودية خطة طوارئ لاقتطاع النفقات، بينما حذر وزير المالية محمد الجدعان من “اتخاذ إجراءات صارمة قد تكون مؤلمة” لمواجهة التراجع الاقتصادي بسبب تفشي فيروس كورونا وانهيار أسعار النفط.لكن مراقبين يحذرون من أن ترحيل السكان بشكل قسري قد يعود بنتائج عكسية، خصوصا مع تزايد الضغوط الاقتصادية.

أحكام الإعدام

على صعيد متصل قالت منظمة العفو الدولية إن السعودية نفذت أحكام الإعدام بحق 184 شخصا في 2019 – وهو رقم قياسي للمملكة – بالرغم من التراجع في تنفيذ عمليات الإعدام حول العالم. وتضاعف عدد عمليات الإعدام في العراق العام الماضي ليصل إلى مئة عملية. وظلت إيران في المركز الثاني، من ناحية عدد الأحكام التي نفذت، بعد الصين. وانخفضت عمليات الإعدام المؤكدة حول العالم للسنة الرابعة على التوالي لتصل إلى 657 عملية – أي أقل بنسبة 5% بالمقارنة مع 2018.

ولا تتضمن حصيلة المنظمة الحقوقية إحصائيات حول الإعدامات في الصين، حيث لا يزال العدد – الذي يُعتقد أنه بالآلاف – من أسرار الدولة. ويبدو أن دولا أخرى، من بينها إيران وكوريا الشمالية وفيتنام، تخفي الحجم الكامل لتطبيق عمليات الإعدام. وقالت مديرة الأبحاث في منظمة العفو الدولية كلير آلغار إن استخدام السعودية المتنامي لعقوبة الإعدام يمثل “تطوراً مثيراً للقلق”، فقد نفذت المملكة الإعدام بحق 178 رجلاً وست نساء في 2019، أكثر من نصفهم من الرعايا الأجانب. وتحدثت منظمة العفو الدولية عن “استخدام متنامي لعقوبة الإعدام كسلاح سياسي ضد المعارضين من الشيعية”.

الى جانب ذلك قالت هيئة حقوق الإنسان السعودية المدعومة من الحكومة في بيان نقلا عن أمر ملكي إن المملكة لن تطبق بعد الآن عقوبة الإعدام على مرتكبي الجرائم وهم قصر. وقال رئيس الهيئة عواد العواد في بيان ”الأمر الملكي يعني أن أي شخص حُكم عليه بالإعدام في جرائم ارتكبها عندما كان قاصرا لم يعد يواجه الإعدام. بدلا من ذلك، سيتم الحكم بسجن الفرد مدة لا تزيد عن 10 سنوات في منشأة احتجاز للأحداث“. بحسب رويترز.

وقال العواد ”هذا يوم مهم للسعودية“. وأضاف أن الأمر الملكي ”يساعدنا على صياغة قانون للعقوبات أكثر عصرية ويظهر التزام المملكة بمواصلة تنفيذ إصلاحات أساسية في جميع قطاعات بلدنا“. وجاء الإعلان بعد يومين فقط من إلغاء المملكة فعليا لعقوبة الجلد، في قرار للهيئة العامة للمحكمة العليا. وسيُستبدل الجلد بالسجن أو الغرامة. ويتعارض تطبيق عقوبة الإعدام على جرائم ارتكبها أشخاص في عمر أقل من 18 عاما مع اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل التي صادقت عليها السعودية.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/rights/23884

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M