اللواء محمد إبراهيم الدويري
سوف يظل حل الدولتين بمثابة الحل الوحيد للصراع الإسرائيلى الفلسطينى مهما يكن حجم العقبات المثارة أمام هذا الحل الذى يعتبر مفتاح الاستقرار فى المنطقة، وينهى تاريخاً طويلاً من الصراع استمر أكثر من سبعة عقود، أما كل ما يثار بشأن حلول أخرى وعلى رأسها حل الدولة الواحدة فهذا وهم كبير لايمكن أن يتحقق، بل من الخطأ التاريخى أن يتحقق، خاصة أنه سوف ينهى الهوية الفلسطينية ويجعل الفلسطينيين مجرد أقلية تعيش فى ظل دولة يهودية.
إن الساسة الإسرائيليين المتمرسين فى العمل السياسى ـ بعيدا عن التزامات ومزايدات الأحزاب الدينية المتطرفة ـ يعلمون أن الدولة الفلسطينية سوف تقام فى النهاية ولكنهم يحاولون بجميع الوسائل إما تأجيل إقامتها قدر استطاعتهم لأسباب انتخابية، أو من أجل وضع الأسس التى تقيد قدرات هذه الدولة خاصة فى المجالين الأمنى والعسكرى حتى لا تشكل أى تهديد للأمن الإسرائيلى. كما أن الساسة الإسرائيليين يعلمون أن الشعب الفلسطينى لن يقبل أن يظل تحت نير الاحتلال إلى مالانهاية وأن مقاومته سوف تتواصل بجميع الوسائل المشروعة وغير المشروعة وأن دوامة العنف لن تنتهى، كما يعلم هؤلاء الساسة أن المجتمع الدولى كله يؤيد بالإجماع مبدأ حل الدولتين بما فى ذلك الإدارة الأمريكية الحالية.
وهنا لابد لنا أن نقف كثيرا عند الخطاب الذى ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيلى يائير لابيد أمام الدورة 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة فى 22 الحالى عندما أعلن تأييده مبدأ حل الدولتين، مؤكدا أن قوة إسرائيل تتيح لها السعى لإقامة السلام مع الفلسطينيين على أساس دولتين لشعبين وبمايضمن أمن ومستقبل إسرائيل ولكن بشرط أن تكون الدولة الفلسطينية دولة سلمية ولا تصبح قاعدة للإرهاب تهدد وجود إسرائيل، مشيرا إلى أن أغلبية الشعب الإسرائيلى تؤيد هذا الحل . وفى رأيى أن هذا الموقف الذى اتخذه «لابيد» يعتبر متغيرا مهما فى الوقت الراهن وقد يغير من مسار القضية الفلسطينية إذا ما أحسن استثماره، خاصة أنه من المؤكد أن “لابيد” أعلن موقفه فى ضوء اقتناعه بأن استمرار الصراع لن يكون فى مصلحة إسرائيل، كما أنه يعلم أن اتفاقات التطبيع مهما تعددت فإنها لن توفر لإسرائيل الأمن والاندماج الإقليمى الذى تبحث عنه لاسيما مع تصاعد التوتر فى الضفة الغربية الذى يمكن أن يصل إلى انتفاضة ثالثة تنفجر فى وجه إسرائيل. ولابيد يعلم من خلال هذا الموقف أنه يخاطر بمستقبله السياسى فى مواجهة نيتانياهو الذى مازالت معظم استطلاعات الرأى تميل إلى صالحه وتمنحه فرصة تشكيل الحكومة القادمة، وفى رأيى أن موقف لابيد سوف يؤدى إلى تغييرات فى الساحة الداخلية الإسرائيلية قبل انتخابات الكنيست 25 المقررة بعد بضعة أسابيع والتى سوف تشهد زخما شديدا على مستوى جميع الأحزاب وتحالفاتها المتوقعة، وأعتقد أن لابيد قد راهن على أن معظم الشعب الإسرائيلى سوف يؤيد توجهاته. وحتى لانبتعد عن الواقع وتعقيداته فلابد أن نعترف بأن موضوع حل الدولتين يكتنفه العديد من الصعاب سواء مايتعلق بحجم وموقع المستوطنات أوبالمتطلبات الأمنية الإسرائيلية، وهنا أود أن أشير إلى أن هناك تقدما كبيرا قد حدث فى معالجة القضاياالأمنيةخلال المفاوضات التى تمت بين الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى على مدى سنوات طويلة قبل عام 2014 وبعضها بمشاركة أمريكية، ومن ثم لا ينبغى عند استئناف التفاوض البدء من نقطة الصفر بل الاستفادة من كل المقترحات السابقة الموثقة فى الملفات.
ومن المؤكد أن الجانب الفلسطينى على استعداد لطمأنة كل جيرانه وليس إسرائيل فقط بأن الدولة الفلسطينية المرتقبة لن تمثل أى تهديد لأى دولة، بل إن هناك قبولا مبدئيا بالإجراءات الأمنية التى تطمئن الجميع بشرط ألا تؤثر على سيادة الدولة الجديدة، حيث إن الشعب الفلسطينى الذى انتظر تحقيق حلم الدولة سنوات طويلة سوف يكون أكثر حرصا على استقرارها.
من الضرورى أن نتعامل مع خطاب لابيد بجدية تامة وألا ننظر إليه على أنه مناورة ـ حتى لو كان كذلك ـ وعلينا أن نستثمر هذا الموقف ونجعل منه نقطة انطلاق لتغيير الواقع الفلسطينى الراهن، خاصة أن الرئيس الأمريكى بايدن أسرع بتأييد هذا الموقف، كما أن الرئيس أبو مازن رحب به أيضاً فى خطابه أمام الجمعية العامة يوم 23 الحالى مطالبا بترجمته إلى مفاوضات بين الجانبين على أساس القرارات الدولية. وإذا كنا سوف نتحرك مستقبلا فى اتجاه حل الدولتين فإن هناك مسئولية ذات شقين تقع على الجانب الفلسطينى، الشق الأول وهو الاستعداد للمفاوضات فى حالة استئنافها وذلك بالتنسيق مع كل من مصر والأردن، والشق الثانى البدء فورا فى تحقيق المصالحة التى مازالت مفقودة والتى بدونها سوف يكون حل الدولتين معلقا حتى إشعار آخر.
ومن هذا المنطلق أقترح أربعة اقتراحات:
الأول: إعلان أكبر قدر من التأييد لموقف لابيد نظرا لتماشيه مع الرؤى المطروحة لحل القضية الفلسطينية مع العمل على تشجيعه على السير فى هذا التوجه .
الثانى: بلورة الدول العربية رؤية شاملة وواقعية لوضع الآليات المطلوبة والمقبولة لتنفيذ مبدأ حل الدولتين مع مواصلة دعم موقف الرئيس أبومازن.
الثالث: فى حالة نجاح لابيد فى تشكيل الحكومة يتم إطلاق المفاوضات بعد تشكيلها مباشرة وألا تتأخرعن بداية العام المقبل 2023 .
الرابع: فى حالة نجاح نيتانياهو يجب العمل على استمرار قوة الدفع التى تولدت من أجل إجباره على الدخول فى مفاوضات، وهى معركة لابد أن نخوضها وأن نفرض عليه السلام الذى نأمله.
نقلا عن جريدة الاهرام بتاريخ 28 سبتمبر 2022
.
رابط المصدر: