حوافز مختلفة: تشريعات الاستثمار في مصر والمغرب والسعودية

بعد جائحة كورونا عام 2020 واندلاع الحرب الأوكرانية الروسية عام 2022، تعرض الاقتصاد العالمي لعدة صدمات تتعلق بتوقف سلاسل التوريد والتضخم العالمي مما تسبب في أزمة اقتصادية عالمية لا يزال العالم يعانيها حتى يومنا هذا. وقد أدت الأزمة إلى تغير كبير في سلوك وحركة الاستثمارات العالمية ملحقة ضررًا كبيرًا بالاقتصادات الصاعدة([1])، مما استوجب إعادة تنظيم البيت الداخلي للأسواق الناشئة من أجل جذب الاستثمارات ودفع الاقتصادات الوطنية إلى الاعتماد على الطاقة المتجددة والصناعة والإنتاج والبحث العلمي وضمان عدم تأثرها في المستقبل بتقلبات الاقتصاد العالمي.

تقع دول مصر والمغرب والسعودية في القوائم الأولى من ضمن الاقتصادات الجاذبة للاستثمارات في الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط. فوفقًا لبيانات البنك الدولي، تتقارب الدول الثلاث في نسبة صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لعام 2021 بما يعادل 1.30%، و1.20%، و2.30% على التوالي ([2]). وإن كانت اختلفت في تقرير مؤشر التنافسية العالمي لعام 2020([3]). ففي الوقت الذي سجلت فيه المملكة العربية السعودية المركز 36 من إجمالي 140 دولة، سجلت المغرب ومصر المراكز 75 و93 على التوالي. لذلك، عملت الدول الثلاث على إعادة النظر في القوانين والتشريعات المنظمة لبيئة الاستثمار الداخلي بهدف استقطاب الاستثمارات الأجنبية وتحقيق استراتيجياتها الوطنية.

في عام 2017، صدر قانون الاستثمار المصري رقم 72 والذي تم تعديله في أغسطس عام 2019 لقانون “ضمانات وحوافز الاستثمار”، مستهدفًا رفع معدلات النمو الاقتصادي للبلاد، وزيادة معدلات الإنتاج المحلي وتوفير فرص العمل، وتشجيع التصدير، وزيادة التنافسية، بما يسهم في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة([4]). وقد تضمن القانون عددًا من المبادئ الخاصة بدعم الاستثمار منها: المساواة في الفرص الاستثمارية، ودعم الشركات الناشئة وريادة الأعمال والمشروعات متناهية الصغر، ومراعاة البعد الاجتماعي وحماية البيئة والصحة العامة، وحرية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية وحماية المستهلك، واتباع مبادئ الحوكمة والشفافية، وسرعة إنجاز معاملات المستثمرين والتيسير عليهم.

وهي المبادئ ذاتها التي نص عليها ميثاق الاستثمار الجديد بالمغرب رقم 03-22 الصادر في نوفمبر 2022، وإن كان قد زيد عليها في الرؤية الاستراتيجية، حيث تهدف المغرب إلى تعزيز جاذبيتها الاستثمارية واستحداث فرص عمل دائمة، ووجود المقاولات والاستثمارات المغربية على الصعيد الدولي إلى جانب تقليص الفوارق بين أقاليم المملكة في مجال جذب الاستثمارات([5]).

لم تحلق المملكة العربية السعودية بعيدًا عن هذا الإطار عندما أعلنت في إبريل عام 2022 عن اضطلاعها بتعديل نظام الاستثمار الأجنبي الصادر عام 2001 ليشمل تنظيم حركة الاستثمارات الأجنبية والمحلية، والذي نص بين ثناياه على أهداف تتعلق بدعم مبدأ الحياد التنافسي وضمان تكافؤ الفرص، وتيسير إجراءات دخول الاستثمارات المباشرة إلى السوق السعودي، إلى جانب المساواة في التعامل مع الاستثمارات المباشرة من المستثمرين المحليين والأجانب([6]).

تتفق التشريعات الثلاثة في مجملها في تقديم ضمانات تتعلق باستمرارية المشروعات من حيث المعاملة العادلة، وضمان حرية وأمن الاستثمار، وحرية التجارة الداخلية والخارجية، والمعاملات المصرفية، واستقدام الخبرات الأجنبية وسهولة الدخول والخروج من الأسواق. وتعد تلك الضمانات هي حجر الأساس، إلى جانب الحوافز التي تقدمها الدولة، في جذب الاستثمارات الأجنبية إلى الأسواق المحلية. حيث تضمن القانون المصري نصوصًا تتعلق بالمساواة بين الاستثمارات الأجنبية والوطنية من حيث حمايتها من الإجراءات التعسفية والتأميم ونزع الملكية وفرض الحراسة أو الحجز على أموال المشروع إلا بعد صدور حكم قضائي، كما منع إلغاء التراخيص الممنوحة للمشروع إلا بعد الرجوع للهيئة العامة للاستثمار مع منح الحق في التظلم، إلى جانب الحرية الكاملة في المعاملات المصرفية والحركة التجارية.

ولا تختلف الضمانات السعودية أو المغربية عن تلك الواردة في القانون المصري إلا أنها قد زادت عنها في توفير البيانات والإيضاحات والإحصاءات اللازمة لإقامة المشروعات، وحماية حقوق الملكية الفكرية وسرية البيانات، وإن كان ميثاق المغرب قد تميز في إلزام الدولة مسئولية اتخاذ تدابير النهوض بأنشطة البحث والتطوير وتسهيل الولوج للتكنولوجيا الحديثة وتسهيل الوصول إلى التمويل، وكذلك تبسيط الإجراءات الإدارية إلى جانب التخلي عن مركزية القرارات الإدارية من أجل تسهيل الإجراءات وفقًا للباب الثالث من الميثاق.

رغم اتفاق القوانين الثلاثة ضمنيًا في أهداف وضمانات الاستثمار، إلا أنها تباينت في سرد أشكال الاستثمار وحوافزه. ففي الوقت الذي خلا فيه نظام الاستثمار السعودي من ذكر حوافز الاستثمار تاركًا هذا الجزء لمهام وزارة الاستثمار، قدم كل من القانون المصري والميثاق المغربي سردًا مفصلًا لنظم دعم المشاريع الاستثمارية وفقًا للأهداف الاستراتيجية لكل دولة كما هو موضح في الجدول التالي. ففي المغرب يرتكز ميثاق الاستثمار على ثلاثة محاور: وهي أنظمة دعم الاستثمار، وتحسين مناخ الأعمال، وحكومة موحدة لا مركزية، تقدم من خلالها منحتين إضافيتين لدعم الاستثمار وهما: “المنحة الترابية” بما يساوي 10% أو 15% لصالح مشاريع الاستثمار المنجزة في الأقاليم الأقل حظًا في الاستثمار، إلى جانب “المنحة القطاعية” وتُمنح لفائدة الاستثمار في القطاعات ذات الأولوية.

في المقابل، ركز قانون الاستثمار المصري على تفصيل حوافز الاستثمار، والتي قام بتقسيمها إلى حوافز عامة تختص بالإعفاءات الجمركية والضريبية، وحوافز خاصة تركز على تقديم تخفيضات على التكاليف الاستثمارية لصالح المشروعات ذات الطبيعة الاستراتيجية، مثل: مشروعات إنتاج الطاقة الشمسية ومشروعات إنتاج الكهرباء، وصناعة السيارات، والصناعات الخشبية والكيماوية، وصناعة المضادات الحيوية، والصناعات الغذائية وإعادة التدوير، والصناعات الهندسية، أو المشروعات كثيفة العمالة أو تلك التي تخدم المناطق الأكثر احتياجًا للتنمية الاقتصادية.

ولضمان ذلك، قدّم القانون نُظمًا للاستثمار الداخلي قام من خلالها بإلزام الجهات المختصة بإصدار خطة استثمارية يتم ترجمتها لخريطة استثمارية، تحدد نوعية ونظام الاستثمار والمناطق الجغرافية والقطاعات ذات الأولوية، ويتم مراجعتها كل ثلاث سنوات، كما نص على تأسيس مركز خدمة المستثمرين يكون مقره الهيئة العامة للاستثمار لتقديم خدمات تأسيس الشركات، وإنشاء فروعها، وزيادة رأس المال، وتغيير النشاط وأعمال التصفية، وغيرها من المسائل المتصلة بالشركات.

  قانون الاستثمار المصري رقم 72 نظام الاستثمار السعودي ميثاق الاستثمار رقم 03-22 (المغرب)
 المبادئ العامة المساواة في الفرص الاستثمارية.دعم الشركات الناشئة وريادة الأعمال. حرية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية وحماية المستهلك.اتباع مبادئ الحوكمة والشفافية.سرعة إنجاز معاملات المستثمرين. تيسير إجراءات دخول الاستثمارات المباشرة وحمايتها.المساواة في المعاملة بين المستثمر المحلي والأجنبي. تحديد حقوق المستثمر والتزاماته.دعم مبدأ الحياد التنافسي وضمان تكافؤ الفرص. تقليص الفوارق بين أقاليم وعمالات المملكة.توجيه الاستثمار نحو قطاعات ذات الأولوية. تشجيع الصادرات ووجود المقاولات المغربية على الصعيد الدولي.تشجيع تعويض الواردات بالإنتاج المحلي. الرفع من مساهمة الاستثمار الخاص، الوطني والدولي، في مجموع الاستثمارات الوطنية.
 الضمانات المعاملة العادلة لجميع المشروعات، وعدم الخضوع للإجراءات التعسفية.حظر تأميم المشروعات أو نزع الملكية أو فرض الحراسة. منع إلغاء التراخيص الممنوحة للمشروع إلا بعد صدور حكم قضائي.الحق في استقدام العمالة الأجنبية بنسبة (10-20%).حرية المعاملات المصرفية. المعاملة المحايدة وغير التمييزية.حرية إدارة المشروع الاقتصادي والمعاملات التجارية. تيسير الإجراءات والتسهيلات.حرية المعاملات المصرفية. حماية حقوق الملكية الفكرية. حماية البيانات الشخصية. الحق في التقاضي. حرية المعاملات المصرفية.حماية حقوق الملكية الفكرية. ضمان سرية البيانات ذات الطابع الشخصي والتجاري.
 الحوافز أولًا: الحوافز العامة إعفاءات ضريبية من رسوم توثيق عقود تأسيس الشركات لمدة خمس سنوات. توحيد ضريبة جمركية (2%) من قيمة الآلات والمعدات.الإعفاء من الرسوم الجمركية الخاصة بمستلزمات الإنتاج للمشروعات الصناعية. ثانيًا: الحوافز الخاصة خصم 50% من التكاليف الاستثمارية لصالح الاستثمارات في المناطق الأكثر احتياجًا للتنمية. خصم 30% من التكاليف الاستثمارية لصالح المشروعات كثيفة العمالة، وذات الطابع الاستراتيجي. ثالثًا: الحوافز الإضافية إنشاء منافذ جمركية لصالح صادرات المشاريع. تحمل الدولة تكلفة توصيل المرافق وجزء من تكاليف التدريب. رد نصف قيمة أراضي المشروعات الصناعية في حال البدء بعد عامين. تخصيص أراضٍ بالمجان لبعض الأنشطة الاستراتيجية. لم يتضمن النظام نصًا على أي من الحوافز تقديم “منحة ترابية” بما يساوي 10%-15% لصالح الاستثمارات في العمالات الأقل حظًا. تقديم “منحة قطاعية” للاستثمارات في القطاعات ذات الأولوية. تقديم نظام دعم يعتمد على ثلاث ركائز: المشاريع التي يفوق تمويلها 50 مليون درهم، وتستحدث 50 فرصة عمل.المشاريع ذات الطابع الاستراتيجي التي لا يقل تمويلها عن 2 مليار درهم. الاستثمارات المغربية خارج حدود المغرب.([7])

وأيًا كانت نقاط التلاقي أو الاختلاف في التشريعات الثلاثة، إلا أنها في مجملها تعمل على تمهيد البيئة الوطنية، وفقًا للظروف الداخلية للدولة، من أجل ضمان إضفاء طابع التنافسية على أسواقها؛ مما يمكّنها من جذب الاستثمارات الأجنبية، والقدرة على امتصاص الصدمات الاقتصادية التي قد تحدث لا مناص بين الفينة والأخرى. وهو ما يكسب اقتصاداتها مرونة التعامل مع الأزمات الدولية كلًا وفق خطته الاستراتيجية والتنموية.

المصدر : https://ecss.com.eg/42827/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M