د. حسين أحمد السرحان
في إطار ردة الفعل المحلية الرافضة للضربة الاميركية في محيط مطار بغداد الدولي في 3 كانون الثاني/2020 والتي استهدفت نائب رئيس هيئة الحشد ابو مهدي المهندس وقاسم سليماني، صوتت اغلب “القوى السياسية الشيعية” في مجلس النواب العراقي يوم الاحد 5 كانون الثاني/ 2020 لصالح قرار “يلزم الحكومة العراقية بإنهاء وجود أي قوات أجنبية على الأراضي العراقية لأي سبب كان”. واشترطت بعض التيارات السياسية والفصائل المسلحة على المكلف بتشكيل الحكومة المؤقتة -حتى قبل الترشيح– ان يتعهد ما وصى به مجلس النواب في اخراج القوات الاجنبية.
القرار فئوي انفعالي وغير مدروس ولا محسوب النتائج، وتنفيذا لموقف خارجي، ولا يتوافر متخذوه على أدنى تصور حول معادلة الصراع والتنافس في الساحة الاقليمية، أُريد منه فقط مجاراة حيز من الرأي العام الفئوي والحزبي من جماهيرهم المطالبة بإخراج القوات الاجنبية. وهم يدركون جيدا أن القوات الأميركية جاءت في إطار التحالف الدولي بناء على دعوة من الحكومة العراقية عام 2014 وسمحت لها بالقتال على الأراضي العراقية للقضاء على تنظيم داعش الإرهابي. كما انهم يدركون ان تصويتهم على قرار نيابي لن يكون له الاثر القانوني ولاسيما في ظل اوضاع حكومة مستقيلة ومهمتها تصريف الامور اليومية.
يبقى ملف وجود القوات الاجنبية ومنها الاميركية ذو بُعد سياسة خارجية وعلاقات دولية، وبُعد يرتبط بالشأن الامني للدولة العراقية، وكلا البُعدين يرتبطان بالسياسة العامة للدولة وهي من مهام الحكومة وفقا للدستور العراقي لعام 2005 النافذ، على ان تكون حكومة وطنية ناتج مجلس نواب منتخب ويتمتع بنسبة كبيرة من الشرعية عبر انتخابات غير متأثرة بقوة المال والسلاح. ولذلك فأن مطلب بعض القوى والتيارات السياسية والفصائل المسلحة بتعهد المكلف بتشكيل الحكومة المؤقتة بالعمل على اخراج القوات الاجنبية في برنامجه الحكومي هو في غير توقيته.
وعليه يبقى ملف اخراج القوات الاجنبية هو مَهمة حكومة ما بعد الانتخابات المبكرة وعليها ان تتوافر على قراءة واقعية براغماتية لصالح الدولة العراقية لطبيعة المعادلة الدولية والاقليمية، وطبيعة التنافس والصراع الاقليميين واستراتيجيات وتكتيكات الفواعل فيهما.
على المستوى المحلي، وبعد التغيير السياسي عام 2003، والذي برز للسطح المخاوف وعدم الثقة فيما بينها بشكل جلي، وما نتج عن هذا التخوف وانعدام الثقة من تطورات سياسية وامنية، اوجدت حالة من توازن القوة بين “القوى السياسية” للمكونات الطائفية والقومية وبالذات الشيعية والسنية والكردية، وان هذا التوازن أصبح له تواصلاته الاقليمية والدولية المباشرة بفعل ارتباطات وولاءات تلك القوى.
وما حصل من دخول تنظيمي القاعدة وداعش الارهابيين هو بفعل الاخلال بهذا التوازن او بفعل التخوف من الاخلال بهذا التوازن. ولذلك القوى السياسية من المكون الكردي والمكون السني تخشى بشكل كبير من ان اخراج القوات الاجنبية وبالذات القوات الاميركية سيؤدي الى الاخلال بتوازن القوة بين المكونات بفعل غياب الضامن لهذا التوازن في المرحلة الحالية ولاسيما بعد تزايد القوة السياسية والعسكرية للمكون الشيعي خلال القتال ضد تنظيم داعش الذي افرز فصائل مسلحة اصبح لها دورها على ارض الواقع وهي منتشرة في مناطق عدة ومنها المناطق السنية، فضلا عن انها اصبح لها دورها في فرض واقع سياسي كما حصل في محافظة نينوى وفرض المحافظ الجديد منصور المرعيد خلفا للمقال نوفل العاكوب.
على مستوى الوضع الامني، لازالت معالم الهشاشة والوهن هي المخيمة على الاوضاع الامنية على الرغم من انتهاء القتال ضد داعش واعلان النصر وتحرير الاراضي من سيطرة داعش في كانون الاول 2017. فالتنظيم الارهابي لايزال يعمل على شن هجمات ضد نقاط عسكرية تابعة للجيش العراقي وقوات الحشد في محافظات ديالى وصلاح الدين وجنوب الموصل على الرغم من انطلاق مراحل من عمليات النصر في محافظة الانبار ومناطق الجزيرة.
ولهذا، نرى ان القوات الامنية بحاجة الى الجهد الاستخباري والتنسيق المشترك مع قوات التحالف الدولي والذي كان له دوره في هزيمة التنظيم الارهابي عبر العمليات المشتركة. كما ان القوات الأمنية العراقية لازالت بحاجة الى المساعدة الدولية في التدريب والتسليح والمعلومات الاستخبارية والجهد التقني، فضلا عن ذلك، لازال العراق بحاجة الى استمرار الجهد الدولي في تجفيف منابع تمويل التنظيمات الارهابية وتعطيل ماكناتها الاعلامية بشكل كامل لضمان عدم تجدد نشاط تلك الجماعات.
رابط المصدر: