مي صلاح
صعد الرئيس الأمريكي” جو بايدن” على منبر مبنى الكابيتول في الأول من مارس عام 2022 ليلقي خطابه الأول أمام جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ بالكونجرس في العام الـ 245 كأمة أمريكية، مستعرضًا حال بلاده، وواضعًا تصورات واضحة للأجندة التشريعية والأولويات الوطنية، تحت مسمى “خطاب حالة الاتحاد” مستحدثًا هذه المرة الموقف الأمريكي من الهجمات العسكرية الروسية لأوكرانيا، ووضع بلاده مع جائحة كورونا، وسط تهديدات بفقد دعم الكونجرس، وتراجع شعبيته، ومخاوف من قيادته البلاد.
الخطاب الأول بعد سلسلة من الانتقادات
ألقى بايدن أول خطاب له من مبنى الكابيتول بعد المظاهرات التي دمرت أرجاءه يوم 6 يناير 2021، بسبب المعارضين الذين حشدهم الرئيس السابق” دونالد ترامب” اعتراضًا منه على نتيجة الانتخابات الرئاسية والتي انتهت معلنةً فوز “بايدن”.
وقد ألقى بايدن خطابًا عن حالة اتحاد دولة تشكك إلى حد كبير في قيادته في الوقت الحالي، إذ يلوم الجناحان الأيمن والأيسر لحزبه بعضهما البعض، ومعدلات الرضا عن أدائه في أدنى مستوياتها؛ إذ غرق الأمريكيون منذ توليه الرئاسة في الوباء وتدهور الاقتصاد وركوده، والآن الغزو الروسي لأوكرانيا الذي يتطلب اهتمامًا ودعمًا مُنصبًا ومكثفًا من الولايات المتحدة.
خطاب “حالة الاتحاد” الذي تم تصميمه ليكون تحفة فنية على المسرح السياسي الأمريكي أعاد لبايدن فرصة لتذكير الناخبين كيف استخدم الديمقراطيون سلطتهم بعد أشهر للترويج لإنجازاتهم، فبايدن بالفعل في وضع لا يحسد عليه، فهو مخير بين الشفافية والوضوح وإعلان الحقائق أو طمأنة الناس والتهدئة من روعة غضبهم، لا سيّما وأنه يعي أن الشعب الأمريكي سأم الوضع الحالي.
ووفقًا لاستطلاع أجراه مركز “نورك” لأبحاث الشؤون العامة بوكالة آسوشيتد برس “Associated Press-NORC Center for Public Affairs Research”، فإن معدل الموافقة على أداء بايدن قد وصل إلى مستوى متدنٍ جديد، حيث قال 37% فقط إنهم يوافقون على العمل الذي يقوم به مقابل 55% قالوا إنهم غير راضين.
وبشكل عام، قال 44% إنهم لا يوافقون بشدة. وبشكل متوقع، لا يوافق الجمهوريون بشكل كبير على أداء بايدن بنسبة 86%، إلا أن نظرة أغلب المستقلين له أيضا كانت سلبية بنسبة 61%. وبين الديمقراطيين، منح 77% منهم لبايدن علامات إيجابية.
الاتحاد والغزو الروسي لأوكرانيا
الأزمة الأوكرانية كانت في مقدمة الموضوعات التي أثارها بايدن في خطابه، فقد استغل حالة التعاطف الواسعة التي يشعر بها أبناء شعبه تجاه الأوكرانيين، لينسوا، أو يتناسوا غضبهم المنصب على سياساته في العام المنصرم. ففي بداية خطابه أكد بايدن أن الحرية ستنتصر دائمًا على الطغيان، مشيرًا إلى محاولة الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” زعزعة أسس العالم الذي وصفه بأنه “حر”، مضيفًا أن بوتين يعتقد أن بما يفعله من تهديدات يمكن أن يجعل العالم ينحني لطريقته، ولكنه أخطأ التقدير بشكل سيئ، وأن رفضه أن يسلك طريق الدبلوماسية معتقدًا إن بإمكانه التدحرج إلى أوكرانيا، فهو واهم، لأنه سيصطدم بجدار من القوة لم يكن ليتخيله أبدًا، وقصد بايدن هنا “الشعب الأوكراني”.
وكان الخطاب مناسبة مهمة للإشادة بجهود الأوكرانيين جيشًا وشعبًا، فقد أكد بايدن أن شجاعتهم وتصميمهم وتصديهم للدبابات والمدافع بأجسادهم وأرواحهم، تلهم العالم.
والجدير بالذكر أن سفيرة أوكرانيا لدى واشنطن “أوكسانا ماركاروفا” كانت من أوائل المدعوين لحضور الخطاب تحت ضيافة السيدة الأولى، وأكد لها بايدن من خلال خطابه أن بلاده تدعم بلادها وشعبها بما أوتيت من عداد وقوة، وستواصل مساعدة الشعب الأوكراني ذو الإرادة الحديدية وتخفيف معاناته، فهو الشعب الذي عرف 30 عامًا من الاستقلال، ويجب عليه ألا يتسامح مع أي شخص يحاول إعادة بلاده إلى الوراء، فقد يطوق بوتين مدينة كييف بالدبابات، لكنه لن يربح قلوب وأرواح الشعب الأوكراني، ولن يطفئ حبهم للحرية أبدًا.
موقف “الناتو” من الأزمة الحالية
ذكّر بايدن في خطابه بأهمية حلف الناتو الذي يضم الولايات المتحدة و29 دولة أخرى، من أجل تأمين السلام والاستقرار في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، مشددًا على أهمية العزيمة والدبلوماسية الأمريكية.
ويرى بايدن أنه إن كان بوتين يعتقد أن بأفعاله يستطيع أن يهمش دور الناتو، أو أن الغرب لن يستجيب له وسينقسم، فهو مخطئ، إذ أكد أن الولايات المتحدة أمضت شهورًا في بناء تحالفات مع الدول الأخرى المحبة للحرية من أوروبا والأمريكيتين إلى آسيا وأفريقيا لمواجهة بوتين فقط، كما لو كان متيقنًا أن بوتين كان يخطط لشيء كبير.
وحسم بايدن الجدال حول تدخل الناتو في المشهد الحالي، فقد أكد أن قواته لن تذهب إلى أوروبا للقتال في أوكرانيا، ولكنها ستكون مستعدة لذلك فقط للدفاع عن كل شبر من أراضي حلفائها في الناتو حال قرر بوتين مواصلة التحرك غربًا، مشيرًا إلى أنه تمت تعبئة القوات البرية الأمريكية، والأسراب الجوية، ونشر السفن لحماية دول الناتو بما في ذلك بولندا ورومانيا ولاتفيا وليتوانيا وإستونيا.
على روسيا أن تدفع الثمن.. غاليًا
“لقد واجهنا أكاذيب روسيا بالحقيقة”، يرى بايدن أن الوقت لمحاسبة روسيا قد حان، فقد اجتمع الجميع على هدف واحد، وهو إلحاق الألم بروسيا، وعزل رئيسها “بوتين” عن العالم أكثر من أي وقت مضى.
وربما أراد بايدن أن يتفاخر بقوته وبمقدرته لردع الرئيس الروسي ونظامه، فأشار بتفاخر إلى العقوبات الاقتصادية التي استطاعت الولايات المتحدة والحلفاء فرضها، والتي من شأنها أن تشل الحركة الاقتصادية لروسيا، فذكر أن بلاده بصدد فصل أكبر البنوك الروسية عن النظام المالي الدولي، ومنع البنك المركزي الروسي من تحسين وضع الروبل الروسي الذي انخفض بـ 30% من قيمته، ليصبح “صندوق الحرب” الروسي البالغ قيمته 630 مليار دولار بلا قيمة.
وأضاف بايدن أن إدارته تخنق وصول روسيا إلى التكنولوجيا، والتي ستضعف قوتها الاقتصادية وجيشها لسنوات قادمة. ولم يكتف بايدن أن يصدر قراراته بمعاقبة المؤسسات والاقتصاد الروسي وحسب، بل أعلن أنه سيعاقب الأثرياء الروس ورجال الأعمال “الذين جمعوا مليارات الدولارات من هذا النظام العنيف الدموي”، فضلًا عن الاستيلاء على يخوتهم الخاصة وممتلكاتهم وتجميد جميع حساباتهم.
وأعلن بايدن في خطوة قد تضر ولا تنفع بأنه سيقوم بإغلاق المجال الجوي الأمريكي أمام الرحلات الجوية الروسية، ما يزيد من عزلة روسيا، ويضيف ضغطًا إضافيًا على اقتصادهم الذي يترنح الآن، ولكن دون أن يدرك أن هذه الخطوة قد تفتح عليه وابلًا من النيران، قد تكون بداية للحرب العالمية الثالثة.
الحرب مكلفة.. ولكننا سنكون بخير
وجه بايدن كلمة إلى جميع الأمريكيين الذين مروا معًا ومعه بظروف يراها قاسية، وآخرها تأثير ما يحدث في أوكرانيا على العالم بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص، إذ أكد أن محاربة هذا الديكتاتور الروسي ستحمّل البلاد مزيدًا من التكاليف، ولكنه يعد باتخاذ إجراءات صارمة للتأكد من أن آلام العقوبات الأمريكية ستستهدف قلب الاقتصاد الروسي، وأنه سيفعل كل ما يلزم لحماية الشركات والمستهلكين الأمريكيين.
ولهذا، أعلن بايدن أن الولايات المتحدة عملت مع 30 دولة أخرى لإطلاق 60 مليون برميل من النفط من الاحتياطيات حول العالم، منهم 30 مليون برميل من احتياطي البترول الأمريكي وحده، في خطوة من شأنها تقليل أسعار الغاز.
واختتم بايدن حديثه عن أوكرانيا بتأكيدات مهمة، وهي أنه عندما يكتب التاريخ ما حدث في هذه الحقبة، سيذكر أن حرب بوتين على أوكرانيا قد جعلت روسيا أضعف وبقية العالم أقوى، فبوتين استطاع أن يوحد قادة الدول شرقًا وغربًا، في رسالة واضحة أن العالم يختار جانب السلام والأمن.
جائحة كورونا.. المعاناة التي أنهكت الشعب الأمريكي
بعد الحديث عن معاناة أوكرانيا، انتقل بايدن إلى السياسة الداخلية، وتناول معاناة شعبه على مدار عامين، فذكر أن الوباء عاقب ملايين العائلات، ويتفهم جيدًا كيف أثقل عاتقهم بتكاليف إضافية، ما جعلهم يكافحون من أجل ارتفاع تكلفة الغذاء والغاز والسكن وغير ذلك بكثير، وهذا ما جعله يؤكد أن أول الأشياء التي حرص أن يقوم بها بعد تسلمه مقاليد الرئاسة هو تمرير “خطة الإنقاذ الأمريكية”، وتمرير القليل من التشريعات التي فعلت الكثير لإخراج الشعب الأمريكي من الأزمة.
وأشار بايدن إلى الإغاثات الاقتصادية الفورية لعشرات الملايين من المتأثرين بـ COVID-19، والمجهودات الكبيرة المبذولة من أجل توفير اللقاحات لهم، وتأمين غذائهم، وخفض التأمين الصحي، فضلًا عن خلق الملايين من الوظائف، وذكر أنه تم توفير أكثر من 6.5 مليون وظيفة جديدة في العام الماضي فقط، وأن هذا الرقم من الوظائف خلال عام واحد هو أكثر من أي وقت مضى.
وأعلن بايدن أنه بالتقدم الكبير الذي أحرزته إدارته في احتواء ملف الجائحة أصبح الآن من الممكن العودة إلى الحياة الطبيعية ما قبل الوباء، حيث انخفضت حالات الإصابات، وتم إصدار إرشادات جديدة بشأن ارتداء الأقنعة في جميع الأماكن المختلفة، وجاء الوقت ليصبح الأمريكيون أحرارًا من الأقنعة، ويعودون إلى أعمالهم ومدارسهم بكل طاقة وحرية.
ولعلنا رأينا أن بايدن أول المقدمين على هذا القرار، فلم يلبس كمامة أثناء سيره إلى المنصة أو أثناء حديثه. وكذا لم ترتدِ رئيسة مجلس النواب “نانسي بيلوسي” ونائبة الرئيس “كامالا هاريس” أقنعة أثناء جلوسهما خلفه، بينما ارتداها عدد قليل من أعضاء الكونجرس من الحاضرين.
وقد أصدر البيت الأبيض استراتيجية جديدة بشأن التعامل مع الوباء الفترة المقبلة، والتعامل مع أي أوبئة مستقبلية، وتجنب سياسة الإغلاق، مع التشديد على أهمية تلقي اللقاح والعلاجات، لكافة الأعمار، وتم الإعلان عن مبادرة” اختبار العلاج”، حتى يتم اختبار الأشخاص في الصيدليات ، وإذا كانوا إيجابيين ، فسيتلقون حبوبًا مضادة للفيروسات على الفور دون أي تكلفة. وأكد بايدن أن بلاده ستواصل مهمتها في تلقيح العالم ضد الفيروس، فذكر أنه تم إرسال 475 مليون جرعة لقاح إلى 112 دولة، أكثر من أي دولة أخرى قد تفعل ذلك.
رؤية اقتصادية جديدة لأمريكا
أدى التضخم المرتفع الذي تفاقم بسبب الحوافز المالية الكبيرة التي وقعها بايدن إلى تدمير مكانته كمسؤول اقتصادي، ولكنه أشار في خطابه إلى النمو الاقتصادي للبلاد، فذكر أنه نما بمعدل 5.7% عن العام الماضي، وهو أقوى نمو منذ ما يقرب من 40 عامًا، وهي الخطوة الأولى في إحداث تغيير جوهري في اقتصاد لم ينجح مع العاملين في هذه الأمة لفترة طويلة، مشيرًا إلى أنه قام هو ونائبته “هاريس” بالركض نحو رؤية اقتصادية جديدة لأمريكا، وهي الاستثمار في أمريكا، وتعليم الأمريكيين، وتنمية القوى العاملة، ما يجعل الاقتصاد يتم بناؤه من الأسفل إلى الأعلى ومن المنتصف إلى الخارج وليس العكس، يقينًا منه أنه عندما تنمو الطبقة الوسطى، يكون للفقراء سلمًا للأعلى.
وتحدث بايدن عن التطور الذي شهدته البنية التحتية الأمريكية، فذكر أن بلاده تحتل الآن المرتبة الـ 13 عالميًا، وتتجه نحو مزيد من التقدم، بتحديث الطرق والمطارات والموانئ والممرات المائية في جميع أمريكا، لهذا كان من المهم تمرير قانون البنية التحتية للحزبين، الذي سيغير أمريكا ويضعها على طريق الفوز بالمنافسة الاقتصادية للقرن الحادي والعشرين، مشيرًا إلى “الصين”.
ولم ينس بايدن أن يتحدث عن الموضوع الأبرز هذا العام، وهو “قضية المناخ”، فأكد أنه سيفعل كل شيء لتحمل الآثار المدمرة لأزمة المناخ وتعزيز العدالة البيئية، مستعرضًا الخطط المستقبلية لحماية البيئة، والتحول نحو الاقتصاد الأخضر، فذكر أنه سينشئ شبكة وطنية مكونة من 500 ألف محطة لشحن السيارات الكهربائية، وسيتم استبدال أنابيب الرصاص السامة; ليحصل كل أمريكي على مياه نظيفة للشرب، وأكد توفير إنترنت عالي السرعة بتكلفة معقولة في جميع أنحاء البلاد، وأنه بالفعل تم الإعلان عن 4000 مشروع.
صنع في أمريكا.. المستقبل القادم
أكد بايدن أن خطته المستقبلية هو وإدارته تهدف إلى دعم الوظائف والشركات الأمريكية، مؤكدًا أيضًا أن كل شيء سيكون في القريب العاجل أمريكي الصنع من سطح حاملة الطائرات إلى الفولاذ على حواجز حماية الطرق السريعة، وهو ما سيزيد المنافسة على أفضل الوظائف في المستقبل، وهذا ما سيفعله “قانون الابتكار” الذي سيتم تمريره من الحزبين في الكونجرس، والذي من شأنه أن يجعل هناك استثمارات قياسية في التقنيات الناشئة والتصنيع الأمريكي، ودعا جميع الشركات والمستثمرين أن يتكاتفوا من أجل زيادة القدرة الإنتاجية للاقتصاد الأمريكي، من أجل بناء أمريكا.. أفضل”.
خطة بايدن طويلة الأجل للتخفيف من التضخم
استعرض بايدن في خطابه خطة من شأنها أن تخفف من الضغوط التضخمية طويلة الأجل، مؤكدًا تلقي دعم كبير من كبار قادة الأعمال ومعظم الأمريكيين لهذه الخطة، والتي تهدف إلى خفض التكاليف وتقوية الاقتصاد من خلال منح فرص عمل عادلة، وتنص على:
أولا: خفض تكلفة الأدوية الموصوفة
أشار بايدن إلى خطته التي من شأنها أن تنفذ ملايين العائلات الأمريكيين، وهي خطة “قانون الرعاية الميسرة” والتي ستساعد في توفير 2400 دولار سنويًا من أقساط الرعاية الصحية الخاصة بهم، وذلك عن طريق جعل شركة “MediCare” تقوم بالتفاوض بشأن أسعار أقل للأدوية التي تستلزم وصفات طبية.
ولكنه نسي أن مشكلة تكاليف الرعاية الصحية الخارجة عن السيطرة هي أكثر تعقيدًا بكثير من هذه الوعود الموجزة إلى حد ما، فالأمريكيون غارقون ليس فقط بسبب التكلفة العالية للأدوية ولكن أيضًا بسبب بيروقراطية الرعاية الصحية باهظة الثمن والتي يصعب اختراقها والتي غالبًا ما تكون غير قابلة للتغلب عليها والتي ترى المرضى مجرد مصدر آخر للتمويل.
ثانيًا: خفض تكاليف الطاقة للأسر بمتوسط 500 دولار سنويًا من خلال مكافحة تغير المناخ.
اقترح بايدن أن يتم تقديم استثمارات وائتمانات ضريبية لتحويل المنازل والشركات والمحلات بأن تكون موفرة للطاقة وتحصل على ائتمان ضريبي؛ موضحًا أهمية مضاعفة إنتاج أمريكا من الطاقة النظيفة في مجالات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغير ذلك الكثير؛ كخفض سعر السيارات الكهربائية مثلًا.
ثالثا: خفض تكلفة رعاية الطفل.
ذكر بايدن أن العديد من العائلات تقوم بدفع ما يصل إلى 14 ألف دولار سنويًا لرعاية الأطفال لكل طفل، أي أكثر من 7% من دخل الأسر المتوسطة، ولهذا تتضمن خطة بايدن تخفيض التكلفة إلى النصف بالنسبة لمعظم العائلات وتساعد الآباء، بما في ذلك ملايين النساء، الذين تركن العمل خلال الوباء لأنهم لا يستطعن تحمل تكاليف رعاية الأطفال، حتى يتمكن من العودة إلى العمل. وأقر بايدن “قانون إنصاف الراتب وإجازة مدفوعة الأجر”، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 دولارًا في الساعة، ومد الائتمان الضريبي للأطفال.
رابعًا: إصلاح النظام الضريبي
أكد بايدن أنه لن يدفع أي شخص دخله السنوي أقل من 400 ألف دولار سنويا فلسًا إضافيًا كضرائب جديدة، مشددًا على أهمية إصلاح النظام الضريبي الذي يراه بأنه “غير عادل”، ويجب علينا التأكد من أن الشركات والأمريكيين الأغنياء يدفعون نصيبهم العادل من الضرائب، ولهذا فقد اقترح 15% حد أدنى لمعدل ضريبة الشركات.
ونوّه إلى أن إدارته تلاحق المجرمين الذين سرقوا المليارات من أموال الإغاثة المخصصة للشركات الصغيرة والملايين من الأمريكيين، وأعلن أن وزارة العدل ستعين رئيسًا للمدعي العام بتهمة الاحتيال الوبائي، بعد أن حققت الكثير من الشركات الأرباح الوهمية مستغلة الوباء وضعف حاجة الأمريكيين.
وأخيرًا أكد بايدن أنه بحلول هذا العام، سينخفض العجز إلى أقل من نصف ما كان عليه قبل أن يتولى منصبه، مفتخرًا بأنه الرئيس الوحيد الذي خفض العجز بأكثر من تريليون دولار في عام واحد، وربما الحديث عن الإصلاح الضريبي قد عزز من قوة خطابه بشكل كبير.
مكافحة الإرهاب.. وأجندة الوحدة من أجل الأمة
أعلن بايدن أنه سيقوم بالاستثمار في منع الجريمة، من أجل حماية المجتمع واستعادة الثقة بالشرطة، ومحاسبة جهات إنفاذ القانون إذا قاموا بالتقصير، وذكر أنه قدم “خطة الإنقاذ الأمريكية”، بقيمة 350 مليار دولار يمكن للمدن والولايات والمقاطعات استخدامها لتوظيف المزيد من رجال الشرطة والاستثمار في استراتيجيات أثبتت جدواها مثل مقاطعة العنف المجتمعي، فضلًا عن بذل المجهودات المستميتة للقضاء على تهريب الأسلحة والمخدرات من وإلى البلاد، بالإضافة إلى تأمين الحدود وإصلاح نظام الهجرة; لاستضافة المزيد من اللاجئين وتأمين حدودهم.
وفي محاولة لإعادة كسب الثقة، أعلن بايدن عن تمرير قانون “حرية التصويت”، و”الإفصاح”، حتى يتمكن الأمريكيون من معرفة مصدر تمويل الانتخابات، وقانون “العنف ضد المرأة”، وأعلن كذلك عن “أجندة الوحدة من أجل الأمة”، والتي تتكون من:
أولًا: التغلب على وباء المواد الأفيونية
وذلك عن طريق زيادة التمويل للوقاية والعلاج وتقليل الضرر والتعافي من المواد المخدرة غير المشروعة، وملاحقة السلطات لتجار هذه المواد.
ثانيًا: الصحة العقلية للأطفال
تحدث بايدن عن التكافؤ التام بين الرعاية الصحية الجسدية والعقلية، وخص بالذكر الأطفال الذين انقلبت حياتهم وتعليمهم رأسًا على عقب، ولهذا فقد أعطت خطة الإنقاذ الأمريكية دعمًا من المال للمدارس لتوظيف المعلمين، ومساعدة الطلاب على تعويض ما فقد من التعليم.
وأشار بايدن إلى الأضرار التي يواجهها الأطفال من التنمر والعنف والصدمات إزاء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرًا إلى “فرانسيس هوجن” المديرة التنفيذية السابقة لـ “فيسبوك”، والتي كشفت عن انتهاكات تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي لخصوصية الأطفال من أجل التربح، مؤكدًا انه حان الوقت لتعزيز حماية الخصوصية، وحظر الإعلانات الموجهة للأطفال، ومطالبة شركات التكنولوجيا بالتوقف عن جمع البيانات الشخصية.
ثالثًا: دعم قدامى المحاربين
يعتقد بايدن أن الولايات المتحدة لديها التزام مقدس تجاه كل من يتم تجهيزه وإرساله إلى الحرب، والعناية بهم وبعائلاتهم عند عودتهم إلى الوطن، خاصة بعد أن واجهوا العديد من المخاطر في العراق وأفغانستان. ووجه دعوته للكونجرس بإصدار قانون للتأكد من أن المحاربين القدامى الذين دمرهم التعرض للمواد السامة في العراق وأفغانستان يحصلون أخيرًا على الفوائد والرعاية الصحية الشاملة التي يستحقونها.
رابعًا: القضاء على السرطان
ذكر بايدن أن هذا لمرض اللعين هو السبب الثاني للوفاة في أمريكا، بعد أمراض القلب، ولهذا فقد أعلن عن خطة لزيادة فعالية برنامج “Cancer Moonshot” والذي يهدف إلى خفض معدل وفيات السرطان بنسبة 50% على مدى السنوات الـ 25 القادمة، بالإضافة إلى زيادة تمويل مشاريع الأبحاث المتقدمة للصحة ARPA-H، وهو مشروع وزارة الدفاع المبني على تحقيق اختراقات في مجال السرطان والزهايمر والسكري للقضاء عليها تمامًا.
رسائل مفقودة في حالة الاتحاد
وفقًا لما سبق، تناول الرئيس جو بايدن كل شيء من حرب روسيا على أوكرانيا إلى ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة إلى تشريعات مراقبة الأسلحة، والأجندة التشريعية القادمة في أول خطاب له عن حالة الاتحاد لمدة 62 دقيقة، ولكن كانت هناك بعض الكلمات الرئيسة البارزة والمواضيع المتوقعة المفقودة من خطابه، فقد حرص على تجنب –بل ومراوغة- بعض القضايا من أولويات إدارة بايدن إلى الأحداث التاريخية التي شكلت الديمقراطية الأمريكية، ورئاسته.
فلم يذكر اسم “دونالد ترامب”، ولم يذكر 6 يناير، على الرغم من عقده هذا المؤتمر الطويل في ذكرى الهجوم على مبنى الكابيتول، ويأتي هذا الإغفال أيضًا مع استمرار ترامب، في نشر الادعاءات حول الانتخابات التي خسرها قبل أكثر من عام، ومع جهود القادة الديمقراطيين في التحقيق ومعاقبة المشاركين في أعمال الشغب في الكابيتول العام الماضي.
كان بايدن أيضًا مترددًا بشكل ملحوظ في الخوض في موضوعات “العنصرية النظامية” التي ميزت الكثير من التصريحات العلنية للديمقراطيين البارزين منذ احتجاجات Black Lives Matter في عام 2020، ومن المثير للدهشة أنه لم يذكر هو ولا الحاكم “رينولدز” بشكل مباشر المناقشات حول نظرية العرق النقدية، والتي تحتدم في أنظمة المدارس في جميع أنحاء البلاد.
ولم يذكر بايدن أن الحرب الروسية على أوكرانيا هي حرب مأساوية على الجميع، فتجاهل الاعتراف بمعاناة المواطنين الروس في مواجهة العقوبات الاقتصادية، والجنود الروس الشباب الذين لم يرغبوا في المشاركة في هذا الصراع، ولكنهم مضطرون لذلك.
بالإضافة إلى أنه لم يتطرق إلى إجابة بعض من أصعب الأسئلة التي يفكر بها الجميع بصوتٍ عالٍ، حول إلى أين ستذهب أمريكا بعد الحرب؟ وكيف ستخرج في النهاية من جهود السيد بوتين الجريئة لتفكيك نظام عالمي مصمم ومحكم؟ وماذا سيحدث إذا فشلت محاولات زعزعة استقرار العملة الروسية وحرمانها من الوصول إلى التكنولوجيا الغربية وتجميد أصول رجال الأعمال وعائلاتهم في إجبار بوتين على التراجع؟ وماذا لو بمجرد انتهاء بوتين من أوكرانيا، استمر الزعيم الروسي مصممًا على إعادة تأسيس مجال النفوذ الذي تخلى عنه آخر قادة الاتحاد السوفيتي؟
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، استخدم بايدن الجزء الأكبر من خطابه للتركيز على هجوم الرئيس الروسي على دولة ذات سيادة، وجهود الولايات المتحدة لحشد العالم ردًا على ذلك، ولم يكن هناك ذكر “للصين”، التي قال الرئيس عنها مرارًا إنها التحدي الرئيس للولايات المتحدة، بل اكتفى بوصف “أزمة المناخ” بأنها أكبر تهديد للأمن القومي.
لم يكن هناك كذلك أي ذكر للانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وهو الموضوع الذي يواصل العديد من الجمهوريين ضرب بايدن فيه، فيرون أنه “إغفال مؤلم للغاية” من قبل بايدن بعد ستة أشهر من الانسحاب الكارثي، وعدم الاعتراف أو ذكر أطول حرب مرت على أمريكا.
.
رابط المصدر: