ترجمة: ابراهيم قنبر
بدايةً من زيادة الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية، إلى الاتهامات حول أصول كوفيد-١٩، مرورًا بزيادة الميزانية العسكرية الأسترالية، ثم الضغط على الصحفيين الصينيين في أستراليا، تدهورت العلاقات بين كانبيرا وبكين أكثر، بشكلٍ يشبه الهبوط داخل دوامة.
لذلك، لا يكاد يمرّ أسبوع بدون أن تُسمَع كلمات جديدة، وعقوبات صارمة وتهديدات مبطّنة، تغذّي مناخًا ضارًّا بالفعل بين أستراليا والصين. وعليه يُشير مدير معهد العلاقات الأسترالية الصينية في جامعة سيدني للتكنولوجيا جيمس لورنسون إنه: “منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية في ١٩٧٢، تمرّ العلاقات السياسية بين البلدين بشكل غير مسبوق بأسوأ حالاتها”.
امتلأ هذا الصيف بالأحداث والتصريحات، من اعتقال الصحفيين الأستراليين أو الضغط عليهم في الصين، ثمّ عَلقت كانبيرا معاهدة تسليم المجرمين مع بكين، وأعلنت ترحيبها بهونج كونج التي تريد الهروب من قانون الأمن القومي، وأفصحت أستراليا كذلك عن زيادة بنسبة ٤٠٪ في ميزانية الدفاع على مدى عشر سنوات، ذلك للرد على العمليات الصينية في “المنطقة الرمادية”، ذلك وفقًا لرئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون.
حول الدفاع:
في الربيع كانت الصين قد فَرضت تعريفةً بنسبة ٨٠٪ على الشعير الأسترالي، كما خفّضت وارداتها من لحوم البقر، وحثّت طلابها على مقاطعة أستراليا. كلّ هذه الإجراءات الصينية تمّ إطلاقها في نيسان/أبريل.
وفي خضمّ أزمة فيروس كوفيد-١٩، قام رئيس الوزراء سكوت موريسون بالتواصل مع العديد من قادة الدول للمطالبة بإجراء تحقيق في أصول الوباء في الصين، وأطلق حملةً للمطالبة كذلك بحصول مسؤولي منظمة الصحة العالمية على صلاحياتٍ واسعة مماثلة لتلك الممنوحة لمفتشي نزع السلاح التابعين للأمم المتحدة.
في هذا الموضوع، قال جيمس لورنسون إن: “هذه التصريحات أثارت غضب الصينيين الذين اعتبروا أن أستراليا لا تتصرف بمفردها، إنما نيابة عن الولايات المتحدة، وهذا غير صحيح”.
في الواقع، ضَعُفت بكين بالفعل بسبب الحرب التجارية مع إدارة ترمب، وظهرت في موقف دفاعي بعد أن تمّ توجيه أصابع الاتهام لها بسبب “أكاذيبها وسوء إدارتها لفيروس كورونا”.
لكن كوفيد-١٩ هو واحد من الأعراض الأخيرة لموجة البرد الشديد في العلاقات بين أستراليا والصين، فحسب لورنسون “منذ عام ٢٠١٧، لم يشهد البلدان تبادلاتٍ وزارية مكثفة، وهو مؤشرٌ على تدهور واضح للغاية في العلاقات”.
ويتابع لورنسون إن “الأجهزة الأمنية الأسترالية وثّقت بعد ذلك علاماتٍ على تدخّل أجنبي غير مسبوق” ويُضيف “بدأنا نسمع لغة وخطابات أكثر حزمًا تجاه الصين، كتلك التي أطلقتها وزيرة الخارجية السابقة في مارس ٢٠١٧، عندما تحدّثت عن الحاجة إلى مؤسسات ديمقراطية”.
تهديدات راسخة:
في نهاية عام ٢٠١٧، صدر قانون بشأن التدخل الأجنبي يستهدف على وجه الخصوص نشاط الحزب الشيوعي الصيني في أستراليا، وعندما تولى سكوت موريسون منصبه في العام التالي بقي على نفس المسار فيما يخصّ الصين.
هنا يوضح لورنسون أن “التهديد الصيني حقيقي بدون شكّ، لكن موريسون أظهر نفسه بكلماتٍ ومواقف ليست ضرورية دائمًا وغير دبلوماسية”.
أصبحت أستراليا أول دولة تحظر هواوي من المشاركة في شبكة ( five G) لأسباب تتعلق ب”الأمن القومي”، وتذهب كانبيرا إلى أبعد من ذلك، من خلال تكليف خبراء لتحذير الأمريكيين والبريطانيين من المخاطر التي يشكلها عملاق الاتصالات، وكدليلٍ على أن التهديدات لها ما يبررها، أصبح البرلمان والأحزاب هدفًا لهجومٍ إلكتروني هائل في انتخابات ٢٠١٩.
في هذه الأثناء، بدأت صورة الصين تفسد في الرأي العام الأسترالي، تشكّلت مجموعة من الحزبين الرئيسيين في البلاد، أُطلق عليها اسم (ولفرينز)، وهو اسم مجموعة من طلاب المدارس الثانوية الأمريكية الذين قاتلوا الغزو السوفييتي في فيلم (الفجر الأحمر) عام ١٩٤٨، هدف مجموعة البرلمانيين هذه التحذير من القوة المتنامية للصين.
مع ذلك ومن المفارقات أن هذا التبريد الكبير لم يؤثر على العلاقات التجارية بين القوتين العظميين في آسيا اللتين وقعتا في عام 2015 اتفاقية تجارة حرة طموحة، ثمّ استمرت التجارة الثنائية في النمو منذ عام 2017، ولا تزال الصين -المتعطشة لخام الحديد- أكبر شريك لأستراليا حتى الآن. لذلك وفي مجال الأعمال التجارية، وجدت كانبيرا وبكين أرضية مشتركة بينهما لا تتأثر بأيّ من مجالات العلاقات الأخرى.
رابط المصدر: