دفع فاتورة الأخطاء: كيف تعاطت الحكومة اليمنية مع التبعات الاقتصادية لأزمة توقُّف صادرات النفط؟

تواجه الحكومة اليمنية والبنك المركزي في العاصمة المؤقتة عدن تحديات كبيرة نتيجة توقف تصدير النفط الخام منذ شهر أكتوبر الماضي بسبب الهجمات التي شنتها جماعة “أنصار الله” الحوثية على ناقلات النفط وموانئ التصدير، وتهديداتها المتوعدة باستهداف أي محاولة لاستئناف التصدير؛ إذ تُمثِّل عائدات تصدير النفط الخام 70% من إيرادات الحكومة (قياساً على ميزانية العام الماضي 2022)، كما أنها المصدر الرئيس لتمويل المزادات الأسبوعية التي يقيمها البنك المركزي في عدن لبيع العملة الصعبة من أجل تثبيت سعر صرف العملة المحلية في مناطق سيطرة الحكومة.

 

تُلقي هذه الورقة الضوء على أداء الحكومة اليمنية والبنك المركزي، على المستويين الاقتصادي والمالي، بعد مرور قرابة نصف عام على توقف صادرات النفط، بالتركيز على ثلاثة محاور رئيسة، هي: جهود استئناف التصدير؛ والعجز في الميزانية العامة؛ وسعر صرف العملة المحلية.

 

استئناف تصدير النفط الخام

سعت الحكومة اليمنية إلى استئناف تصدير النفط الخام من مناطق سيطرتها بالرغم من هجمات جماعة الحوثي وتهديداتها، وحاولت في الشهور الأولى إقناع ملاك ناقلات النفط بعدم التجاوب مع تلك التهديدات، ومضت في استئجار وتسيير ناقلات بهدف تصدير الشحنات المتراكمة، لكن جميع محاولاتها اصطدمت باستمرار هجمات جماعة الحوثي، والتي ألحق بعضها أضراراً كبيرةً في مرافق ميناء التصدير الرئيس في محافظة حضرموت.

 

ويمكِن تفهُّم عجز الحكومة عن التصدي لتلك الهجمات الحوثية المنفذة بالطائرات المُسيَّرة والصواريخ الجوالة، وذلك في ضوء عدم امتلاكها لمنظومات دفاع جوي قادرة على التعامل مع هجمات من هذا القبيل، إلا أن الحكومة بدت عاجزة أيضاً عن اتخاذ تدابير أخرى بديلة من أجل تدارك هذا الموقف بسبب عدم معالجتها الاختلالات المتراكمة في القطاع النفطي.

 

فقد كان من الممكن، مثلاً، تعويض نسبة كبيرة من عائدات الحكومة من صادرات النفط الخام من خلال نقل أكبر كمية ممكنة إلى مصافي عدن لتكريرها وتسويق الناتج من المشتقات النفطية في السوق المحلية، وهي خطوة كانت ستُغطي حاجة مناطق سيطرة الحكومة من المشتقات النفطية بشكل كامل، ومع أنها لن توفر إيرادات بالعملة الصعبة لكنها تعفي الحكومة من تمويل استيراد المشتقات النفطية، وبالتالي فإنها ستحقق نفس الغرض الذي تؤديه إيرادات الحكومة بالعملة الصعبة على مستوى ميزان المدفوعات، إضافةً إلى أن عائدات بيع المشتقات النفطية بالعملة المحلية ستساعد الحكومة على الوفاء بأهم التزاماتها، وبالتحديد دفع رواتب موظفي القطاع العام.

 

ومما يُعزز جدوى هذا الخيار، ضآلة احتمال استهداف جماعة الحوثي عمليات نقل شحنات النفط الخام إلى مصافي عدن بالنظر إلى اقتصار هجماتها على عملية تصدير النفط الخام إلى خارج اليمن، حيث تمتنع الجماعة عن استهداف حقول النفط ومصفاة صافر بمحافظة مارب رغم استمرارهما بالعمل، بل إن الجماعة سمحت بنقل شحنة من النفط الخام من محافظة شبوة لتموين محطات الكهرباء في عدن، من منطلق ادعائها بأنها تتجنب إلحاق الضرر بالمواطنين في مناطق سيطرة الحكومة وإنما تستهدف فقط حرمان خصومها من عائدات عملية التصدير التي لا يستفيد منها المواطنون.

 

وبغض النظر عن التناقض بين مزاعِم جماعة الحوثي والحقائق الدالة على تسبُّبها في مفاقمة معاناة المواطنين في مناطق سيطرة الحكومة بفعل دورها الرئيس في إيقاف تصدير النفط منذ أكتوبر الماضي، فإن السبب الأساسي الذي يحول دون إمكانية توجيه الشحنات المتراكمة من النفط الخام نحو مصافي عدن يتمثل بتوقف العمل فيها جراء عدم استكمال الحكومة أعمال الصيانة التي بدأت قبل عدة سنوات، وذلك من دون وجود أسباب واضحة أو موانع حقيقية تبرر هذا التأخير.

 

تقليص العجز في الميزانية العامة

بسبب توقُّف تصدير النفط، سعت الحكومة اليمنية إلى تقليص العجز الطارئ في إيراداتها من خلال اتخاذ مجموعة قرارات واجراءات، كان أبرزها الآتي:

 

1. رفع سعر صرف الدولار الجمركي: أعلنت الحكومة في بداية يناير الماضي عن رفع سعر صرف الدولار الجمركي من 500 إلى 750 ريال يمني، في خطوة لتقليص العجز الطارئ في الميزانية العامة، عبر زيادة الإيرادات الجمركية بنسبة 50%، غير أن هذا القرار قوبل بمعارضة واسعة من أعضاء في الحكومة نفسها، ومن التجار والمستوردين والمواطنين، بدعوى أنه سيؤدي إلى مفاقمة الظروف المعيشية الصعبة أساساً في مناطق سيطرة الحكومة، ويُلحِق الضرر بالموانئ هناك لصالح الموانئ الواقعة في مناطق سيطرة جماعة الحوثي.

 

ومن ناحية مبدئية، فإن تعديل سعر صرف الدولار الجمركي من أجل مواكبة أسعار الصرف في السوق يعد خطوة موفقة بالنظر للاختلالات الكثيرة التي ستترتب على اتساع الفارق بين أسعار الصرف المعتمدة، خصوصاً أن سعر صرف الدولار الأمريكي الواحد في مناطق سيطرة الحكومة يتراوح بين 1230 و1270 ريال، إضافةً إلى حقيقة أن السلع الأساسية من المواد الغذائية معفية من الرسوم الجمركية ولن تتأثر بالتعديل، بينما يتوقع أن يتسبب هذا القرار بزيادة بسيطة في أسعار بقية السلع المستوردة.

 

أما بالنسبة إلى المخاوف من تقلُّص نشاط الموانئ الواقعة في مناطق سيطرة الحكومة لصالح تلك الموانئ الواقعة في مناطق سيطرة الحوثيين بسبب أفضلية الأخيرة على مستوى سعر صرف الدولار الجمركي، لاسيما مع وجود زيادة فعلية في معدل نشاط الموانئ الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي بعد هذا القرار، فإنها مخاوف يُغفِل أصحابها المعطيات الآتية:

 

  • أن جماعة الحوثي عملت في الأسابيع الماضية، على إرغام المستوردين على التوقيع على تعهُّدات تقضي باستخدام الموانئ الواقعة في مناطق سيطرتها عند استيراد البضائع إلى هناك مستقبلاً، ولو كان الفارق في سعر صرف الدولار الجمركي مَثَّلَ دافعاً كافياً لما اضطرت إلى إرغامهم على هذا النحو، عدا عن كون الفارق محدود جداً في الحقيقة (يعادل 15% فقط).
  • تزامن ضغوط الحوثيين على المستوردين في مناطق سيطرتهم مع مجموعة جديدة من التسهيلات المقدمة من التحالف العربي في إطار آلية تفتيش سفن الشحن التجارية المتوجهة إلى هناك، وهي تسهيلات قدَّمها التحالف كبادرة حسن نية لدعم المساعي المبذولة لتجديد الهدنة، وقد ساهمت بطبيعة الحال في زيادة نشاط الموانئ الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
  • أن جماعة الحوثي تسعى إلى زيادة نشاط الموانئ الواقعة تحت سيطرتها من منطلق حرصها على تحصيل أكبر قدر ممكن من الجبايات وليس بغرض التخفيف على المواطنين والحد من تكلفة استيراد البضائع، حيث كانت الجماعة تتحصل على دخل أقل عند استيراد البضائع عبر موانئ تقع خارج مناطق سيطرتها بسبب الرسوم الجمركية والضريبية التي تفرضها الحكومة (وتترك هامشاً صغيراً بالنسبة للجماعة)؛ أي أن قرارات الحوثيين وتوجهاتهم نابعة من دوافع مختلفة تماماً.
  • تعذُّر إمكانية انتقال التجار في مناطق سيطرة الحكومة للاستيراد عبر الموانئ الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، ليس فقط نتيجة القيود السياسية أو الخوف من رد فعل الحكومة، وإنما أيضاً بسبب الجبايات والرسوم الإضافية التي يفرضها الحوثيون والتي تتجاوز تكلفتها أي أرباح يمكن إحرازها من الفارق في سعر صرف الدولار الجمركي.

 

ومن ثمّ، يمكن القول إن الزيادة الأخيرة في معدل نشاط الموانئ الواقعة في مناطق سيطرة جماعة الحوثي تعود إلى ضغوطها على المستوردين هناك بالتضافر مع التسهيلات الجديدة والمقدمة من التحالف العربي، وليس إلى قرار تعديل سعر صرف الدولار الجمركي على الواردات عبر الموانئ الواقعة تحت سيطرة الحكومة. كما أن مساعي الجماعة من أجل زيادة نشاط الموانئ الواقعة تحت سيطرتها تنطلق من دوافع مختلفة تماماً، وهي دوافع تجعل من الصعب التأثير على الجماعة حتى في حال إلغاء قرار تعديل سعر صرف الدولار الجمركي، إلا أن هذا التحول – على الأقل – لن ينسحب على الواردات إلى مناطق سيطرة الحكومة.

 

لكن، وعلى الرغم من كل ما ذُكِر، من الصعب قبول المنطق الذي ارتكزت عليه الحكومة لاتخاذ قرار تعديل سعر صرف الدولار الجمركي، ولجوئها إلى مضاعفة أعباء المواطنين عند كل أزمة من هذا القبيل، في الوقت الذي تمتنع عن اتخاذ خطوات جدية على مسار معالجة الاختلالات الكثيرة التي تعاني منها، لاسيما على صعيد النفقات العامة، من قبيل تمويل وقود شبكة الكهرباء العامة داخل مناطق سيطرتها الذي يستحوذ على 100 مليون دولار شهرياً بسبب استخدام وقود الديزل مرتفع الثمن، بالتوازي مع اعتماد تسعيرة متدنية مقابل الخدمة، وعدم استبدال محطات التوليد وشبكات التوزيع المتهالكة التي رفعت الفاقد في التيار إلى مستويات قياسية، وهي مسائل لم تتمكن الحكومة من معالجتها منذ العام 2016 رغم عدم وجود أسباب وعوامل ملموسة تمنعها من ذلك.

 

كما أن الحكومة لم تُظِهر تقدماً حقيقياً في مسار مكافحة ممارسات الفساد المالي والإداري المتفشية في مختلف مؤسساتها، والتي تسببت في تضخم حجم النفقات العامة من دون أن تنعكس إيجاباً على مصالح المواطنين، بل إنها مع مرور الوقت أفقدتهم الثقة في مصداقية الحكومة، وفي جدوى أي إصلاحيات اقتصادية تعتزم العمل على تنفيذها، خاصةً أن قرار تعديل سعر صرف الدولار الجمركي، على سبيل المثال، جاء بعد أسابيع قليلة من كشف فضيحة فساد جديدة طالت مسؤولين كبار في الحكومة نفسها.

 

وينطوي تصحيح أوضاع الحكومة وترشيد النفقات العامة ومكافحة مظاهر الفساد المالي والإداري على أهمية أكبر في هذا التوقيت تحديداً، بالنظر إلى حقيقة أن الزيادة المتوقعة على الإيرادات العامة بفضل قرار تعديل سعر صرف الدولار الجمركي ليست كافية لسد العجز الطارئ في الميزانية بعد توقف تصدير النفط، وذلك بناءً على تراجع إيرادات الحكومة من الرسوم الجمركية منذ بداية الهدنة في شهر أبريل الماضي بسبب عوامل ومتغيرات عديدة.

 

2. رفع أسعار المشتقات النفطية والغاز المنزلي: أصدرت الحكومة في بداية يناير الماضي أيضاً قراراً يقضي برفع تسعيرة المشتقات النفطية والغاز المنزلي المنتجين محلياً في محافظة مأرب، إذ نصَّت مسودة القرار على رفع تسعيرة لتر البنزين من 175 إلى 487.5 ريال يمني بشكل أولي، ثم تعديلها تدريجياً بما يتناسب مع الأسعار العالمية وفي بقية المحافظات المحررة. كما نصت مسودة القرار على رفع تسعيرة أسطوانة الغاز المنزلي من 2100 إلى 3000 ريال يمني.

 

ووفقاً للمعلومات المتوفرة حول حجم إنتاج محافظة مأرب من المشتقات النفطية والغاز المنزلي حالياً، كان من المتوقع أن يُفضي هذا القرار لزيادة إيرادات الحكومة من مبيعات المشتقات النفطية من 43 مليار و435 مليون ريال يمني سنوياً في الوقت الحالي إلى 124 مليار و556 مليون خلال المرحلة الأولى، وبحيث تصل إلى 242 مليار و725 مليون ريال يمني سنوياً بعد اعتماد التسعيرة المتداولة في السوق العالمي.

 

وبالتالي، كان يُفترض أن يُفضي القرار إلى رفع حجم مساهمة مبيعات المشتقات النفطية المنتجة محلياً في تغطية النفقات العامة من 1.6% فقط حالياً إلى حوالي 4.7% بفضل أول تعديل للتسعيرة، لتصل لاحقاً إلى قرابة 9.1% عند اعتماد تسعيرة السوق العالمية أثناء المراحل المتقدمة من تطبيق القرار (بلغت النفقات في العام الماضي 2661.1 مليار ريال يمني، بحسب تقديرات البنك المركزي في عدن). أما بالنسبة إلى مبيعات الغاز المنزلي، فقد كان من المتوقع أن يُفضي هذا القرار إلى زيادة إيرادات الحكومة من 126 مليار و885 مليون ريال يمني سنوياً، حالياً، إلى حوالي 181 مليار و222 مليون ريال يمني، وبحيث تزداد مساهمة مبيعات الغاز المنزلي في تغطية النفقات العامة من 4.8% إلى 6.8%.

 

لكن الحكومة نجحت في تعديل تسعيرة الغاز المنزلي فقط، ومن دون المشتقات النفطية، بسبب اعتراض الوجهاء وشيوخ القبائل في محافظة مأرب بدعوى مراعاة الظروف المعيشية الصعبة التي يعانيها المواطنون، وقد رضخت الحكومة لهذه الضغوط على الرغم من:

 

  • أن القرار أبقى على تسعيرة المشتقات النفطية في محافظة مأرب عند مستوى منخفض في المرحلة الأولى، وبما يعادل نصف تسعيرة السوق العالمية.
  • أن الحكومة تبيع المشتقات النفطية في بقية المحافظات المحررة بأسعار السوق العالمية.
  • أن الحكومة ترفض منح امتيازات مشابهة لأبناء محافظات نفطية أخرى (حضرموت وشبوة تحديداً) تتجاوز في إنتاجها من النفط محافظة مأرب.

 

وبمعزل عن حقيقة أن الزيادة المتوقعة في الإيرادات العامة من تعديل تسعيرة المشتقات النفطية كانت أكثر أهمية من الزيادة المتحققة من تعديل تسعيرة الغاز المنزلي في إطار جهود سد العجز الطارئ في الميزانية، فإن عدم اتخاذ الحكومة تدابير مناسبة لمعالجة هذه المسألة طيلة السنوات الماضية ربما يكون قد حَدَّ من احتمال نجاحها، خاصةً أنها كانت قادرة على اعتماد آلية تدريجية تمتد على فترات أطول لتعديل تسعيرة المشتقات النفطية، وتُجنِّبها الدخول في مواجهة غير مُجدية مع الأوساط الاجتماعية في محافظة مأرب.

 

سعر صرف العملة المحلية

كانت قيادة البنك المركزي اليمني في عدن قد نجحت في تثبيت سعر صرف العملة المحلية عند متوسط 1100 ريال مقابل الدولار الأمريكي الواحد طيلة العام الماضي، بفضل ارتفاع عائدات الحكومة من صادرات النفط الخام – مع ارتفاع سعر النفط عالمياً – والإعلان عن وديعة جديدة مقدمة من السعودية والإمارات، وبعدما كان سعر صرف العملة المحلية قد تجاوز حاجز الـ 1700 ريال مقابل الدولار في نهاية العام 2021.

 

ومع توقُّف تصدير النفط الخام ابتداءً من أكتوبر الماضي، بسبب الهجمات الحوثية على موانئ التصدير، بالتزامن مع تأخُّر تسليم الوديعة الجديدة إثر إخفاق الحكومة في إنجاز الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة، تصاعدت مخاوف بين المتعاملين في السوق حول قدرة الحكومة على تمويل المزاد الأسبوعي للعملة الصعبة، ليُسجِّل سعر صرف العملة المحلية أول انخفاض كبير (تجاوز 1180 ريال مقابل الدولار) في نهاية ديسمبر 2022.

 

وسارع البنك المركزي على إثر ذلك إلى الإعلان عن رفع قيمة المزاد الأسبوعي للعملة الصعبة من 30 إلى 50 مليون دولار أمريكي، في محاولة لتبديد المخاوف المتزايدة بين المتعاملين في السوق، إلا أن قيادة البنك المركزي أغفلت حقيقة أن التدخلات المشابهة وغير المستندة إلى قدرات فعلية لن تنجح في تبديد مخاوف المتعاملين القائمة على معطيات ومؤشرات صلبة على أرض الواقع. فاستمرار البنك المركزي في إقامة المزادات الأسبوعية، أو حتى رفع قيمتها على المدى القصير، ليسا ضمانةً على قدرة الحكومة والبنك على مواصلة ذلك على المدى البعيد، إذ يُدرك المتعاملون في السوق أن الحكومة في مأزق، ولا تبدو حتى الآن قادرة على تجاوز الحظر الذي تفرضه جماعة الحوثي على تصدير النفط، وليس لديها أي مصدر إيرادي بديل يمكن أن يُغطي تلك المزادات.

 

وقد عاد البنك المركزي في أواخر شهر يناير الماضي إلى تخفيض المزاد الأسبوعي إلى قيمته السابقة عند 30 مليون دولار أمريكي، نظراً لعدم وجود إقبال مناسب (حيث نادراً ما تجاوزت العطاءات 50% من الطرح)، وذلك في الوقت الذي تواصلت وتيرة انخفاض سعر صرف العملة المحلية ليتجاوز حاجز الـ 1200 ريال مقابل الدولار، وصولاً إلى المستوى الحالي الذي يتذبذب فيه بين 1240 و1270 ريالاً مقابل الدولار.

 

ويعتقد بعض المختصين أنّ هذا الإقبال المحدود على مزادات البنك المركزي لبيع العملة الصعبة يعود إلى صعوبة وتعقيد المتطلبات المفروضة على المستوردين أو غيرهم من الراغبين في المشاركة في هذه المزادات، وعلى الرغم من حقيقة أنهم يتحملون تكاليف أكبر بسبب لجوئهم إلى طرق غير تقليدية (شبكات التحويل)، وربما يضطرون كذلك إلى شراء العملة الصعبة بأسعار أعلى من أسعار مزاد البنك المركزي.

 

لقد حاولت قيادة البنك المركزي معالجة هذه الإشكالية عبر إصدار تعميم، في نهاية شهر يناير الماضي، خَوَّل البنوك المحلية فقط تحويل الأموال إلى حسابات خارجية لصالح المستوردين ومَنَعَ شركات الصرافة من ذلك، لكن هذه المحاولة لم تُحقق النجاح المطلوب بالنظر إلى عدم ارتفاع معدل الإقبال على مزادات البنك الأسبوعية، بل إنها قد تدفع المستوردين إلى استخدام قنوات غير شرعية وأشد خطراً من الأساليب المستخدمة حالياً، وهذا الأمر يؤكد حاجة قيادة البنك المركزي إلى تبني مقاربة مختلفة تقوم على التواصل مع أصحاب المصلحة، واستيعاب ملاحظاتهم، والتنسيق بشكل مستمر معهم، عوضاً عن توظيف الأدوات القانونية على هذا النحو.

 

وعلى رغم أن الإقبال المحدود على مزادات البنك المركزي ليس السَّبب في تراجُع سعر صرف العملة المحلية، إذ كان الإقبال على مزادات البنك عند نفس المستوى في العام الماضي الذي استقر فيه سعر صرف العملة، فإن تذليل العقبات على هذا الجانب قد يترك تأثيراً إيجابياً على سعر الصرف في المدى القصير على الأقل.

 

استنتاجات

حتى الآن، لا تبدو الإجراءات التي اتخذتها الحكومة اليمنية من أجل تخطي تبعات توقُّف تصدير النفط الخام من مناطق سيطرتها نتيجة التهديدات الحوثية، كافية أو ذات أثر مهم، ويُمكن إرجاع ذلك إلى سلسلة الأخطاء والاختلالات الحكومية المتراكمة من مراحل سابقة، وهي ممارسات تتقاسم المسؤولية عنها الحكومة الحالية مع سابقاتها من التشكيلات المتعاقبة منذ عام 2015، مع فارق أن حكومة معين عبدالملك حظيت بفرصة أكبر لمعالجة تلك الأخطاء أو على الأقل معالجة القدر الأكبر منها.

 

ولا يبدو غريباً في ضوء ذلك أنْ تكون الحكومة على موعد مع استحقاقات صعبة في المدى القريب، لاسيما عندما تنفد الاحتياطيات النقدية التي مكَّنتها من أداء التزاماتها منذ توقُّف تصدير النفط قبل نصف عام تقريباً من الآن، وهو ما بدأت نُذرُه تلوح مؤخراً في إعلان مؤسسة الكهرباء في عدن عن قُرب نفاد الوقود في محطات التوليد، الأمر الذي يُهدد بدخول المدينة في ظلام دامس على عتبة فصل الصيف.

 

في المقابل، وعلى الرغم من التراجع الملحوظ في سعر صرف العملة المحلية في مناطق سيطرة الحكومة، فإنّه من الصعب تحميل البنك المركزي وقيادته الحالية المسؤولية عنه، بالنظر إلى ارتباطه بعوامل خارج نطاق قدرته على التأثير، وإن كان إقدام قيادة البنك على تطبيق بعض الإصلاحات والتصحيحات المطلوبة سيترك تأثيراً إيجابياً في هذا الجانب. بيد أن توقُّف وتيرة تراجع سعر صرف العملة المحلية وعودته إلى مستوياته السابقة، سيظلان مشروطين باستئناف تصدير النفط الخام أو على الأقل وجود استراتيجية عملية بديلة لدى الحكومة.

 

.

رابط المصدر:

https://epc.ae/ar/details/featured/kayf-taatat-alhukuma-alyamania-maa-altadaeiat-alaiqtisadia-li-azmat-twqquf-sadirat-alnaft

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M