قرر الرئيس التونسي قيس سعيد مساء الأول من أغسطس 2023 إنهاء مهام “نجلاء بودن” رئيسة الحكومة التي استمرت في المنصب لمدة عامين، وتعيين السيد “أحمد الحشاني” خلفًا لها. وفى اليوم التالي وعبر موكب رسمي في حضور الرئيس “سعيد” ورئيس الحكومة السابقة تسلم “أحمد الحشاني” مهامه. بالرغم من أن اختيار نجلاء بودن كان سابقة في تاريخ الحكومات العربية بتعيين تونس كأول دولة لسيدة في هذا المنصب، فإن التغيير كان سريعًا؛ إذ تصاعدت المطالب السياسية خلال الفترة الماضية بضرورة إقالة الحكومة في ظل تفاقم الأزمات بالدولة وفشلها في تقديم الحلول لها.
عُيّنت رئيسة الحكومة السابقة “نجلاء بودن” في سبتمبر 2021 كحكومة مؤقتة أو حكومة تسيير للأعمال بعد إقالة رئيس الوزراء الأسبق “هشام المشيشي” وحل البرلمان التونسي، ووضع تدابير استثنائية ثم خارطة طريق لما بعد إنهاء فترة حكم الإخوان التي قادت الدولة إلى مسار الفوضى. اتضحت ملامح هذه الخارطة مع اتخاذ مجموعة من القرارات المتتالية؛ إذ أعلنت خارطة طريق في 13 ديسمبر 2021 والتي تضمنت استمرار تعليق المجلس النيابي إلى تاريخ تنظيم انتخابات جديدة، بالإضافة إلى تنظيم استشارات إلكترونية انتهت في مارس 2022، ثم إجراء استفتاء على التعديلات الدستورية في 25 يوليو 2022، وعقد انتخابات تشريعية وفقًا لقانون انتخابي جديد في 17 ديسمبر 2022، ثم اتخاذ الرئيس سعيد قرارًا بحل المجلس الأعلى للقضاء في 5 فبراير، وأعقبه قرار آخر في 12 فبراير 2022 بإنشاء مجلس أعلى مؤقت.
مع تولي نجلاء بودن لمهام الحكومة، اتجهت الدولة إلى الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 1.9 مليار دولار، لكن واجهت معارضة من قبل بعض القوى السياسية والنقابية، رافضين تطبيق سياسات الإصلاح وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل؛ إذ كان من بين شروط صندوق النقد الدولي وضع برنامج للإصلاح يتضمن بعض الإجراءات التقشفية التي يجب على الدولة اتباعها للحصول على القرض؛ من حيث: خفض أجور القطاع العام، وتقليص الدعم، وخصخصة الشركات المملوكة للدولة.
وهي أمور غير مقبولة من جانب الاتحاد، وعبر عن رفضه لهذه السياسات بتنظيم إضراب اعتراضًا على عزم الحكومة آنذاك خفض الأجور في عام 2019. ومن ناحية أخرى، واجهت الدولة خلال السنوات الماضية العديد من الانتقادات للسياسات المتبعة؛ وبحسب استطلاع رأى لمؤسسة “سيجما كونساي” في يناير 2023 توجد حالة من عدم الرضا من قبل الرأي العام التونسي عن أوضاع الدولة، ورأى 69% من المستطلعة آراؤهم بأن تونس تسير في الاتجاه الخاطئ، بينما 29%منهم رأى بأنها تسير في الاتجاه الصحيح.
دلالات مُهمة
استنادًا إلى السياق السابق ذكره، يحمل توقيت الإقالة واختيار رئيس وزراء جديد بعض الدلالات المهمة نفندها على النحو التالي:
• خلفية “الحشاني”: بالنظر إلى الخلفية التي يأتي منها السيد أحمد الحشاني، فإنه شخصية تكنوقراط؛ تخرج في كلية الحقوق، وحاصل على ماجستير في القانون العام عام 1983، فهو رجل قانون واقتصاد وأستاذ جامعي، تدرج في المناصب وكان مديرًا للشؤون القانونية بالبنك المركزي التونسي، ثم مدير عام الموارد البشرية بالبنك، وأستاذ للقانون الدولي العام. لم يكن له انتماء سياسي لكنه يعارض توجهات تيار الإسلام السياسي. وتُشير بعض التقارير إلى أنه من ضمن الشخصيات الداعمة للرئيس “سعيد”، وكان يقود الحملة الانتخابية له في عام 2019، ويتمتع بخبرة اقتصادية وقانونية بما قد يُسهم في مجابهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في الدولة.
• الأزمة الاقتصادية: بمرور الوقت وتعاقب الحكومات المختلفة؛ تتفاقم الأزمة الاقتصادية في تونس؛ إذ تشهد الدولة ارتفاعًا في أسعار السلع ونقص في الخبز، المدعوم لاسيما في ضوء أزمة القمح التي تشهدها بعض الدول جراء الحرب الروسية- الأوكرانية؛ إذ إن هناك تخوفًا من تكرار أحداث الخبز في عام 1984 التي أدت إلى فقدان 150 مواطنًا حياتهم. ذلك علاوة على نقص الخدمات؛ إذ إن هناك انقطاعًا في المياه والكهرباء، ونقصًا في السلع مثل: السكر، والأرز، واللبن.
وتعاني تونس كذلك من بعض الاضطرابات الاقتصادية؛ إذ بلغ الدين العام وفقًا لتقديرات البنك الدولي نحو 84.5% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2021، ووصل الدين الخارجي لتونس إلى 41.61 مليار دولار في عام 2021، وأصبحت تونس من بين الدول الأقل احتمالًا لسداد ديونها الخارجية، فضلًا عن أن هناك ارتفاعًا في معدل التضخم؛ إذ بلغ 10.4% في فبراير 2023 مقارنة بـ 7% في فبراير 2022، وارتفع معدل البطالة إلى 15.2٪ في الربع الأخير من عام 2022.
وربما يسهم التغيير الأخير لرئيس الوزراء في أن تتجه الدولة إلى الخروج من الأزمة الاقتصادية، وجذب الاستثمارات بما يُسهم في حل الأزمة، خاصة أن هناك تطلعات خليجية لضخ الاستثمارات ومساعدة تونس على مواجهة الأزمة الاقتصادية. وخلال زيارة” سلطان بن عبد الرحمن” الرئيس التنفيذي للصندوق السعودي للتنمية إلى تونس في 10 فبراير 2022، التقى بالرئيس قيس سعيد وأكد مواصلة الصندوق ضخ استثماراته في تونس، وأعلنت السعودية في عن تقديم قرض مُيسر لتونس بقيمة 500 مليون دولار بعد توقيع وزير المالية السعودي “محمد بن عبد الله الجدعان”، ووزيرة المالية التونسية “سهام البوغديري” في 20 يوليو الماضي اتفاقية لتقديم قرض ميسر بمبلغ 400 مليون دولار، ومذكرة تفاهم لتقديم منحة بمبلغ 100 مليون دولار. علاوة على أن قطر هي ثاني أكبر مستثمر في تونس.
من ناحية أخرى، وعلى إثر تزايد الهجرة غير الشرعية من تونس استطاعت الحصول على منح من الاتحاد الأوروبي تساعدها في حل الأزمة الاقتصادية؛ إذ وقعت رئيسة الوزراء الإيطالية “جورجيا ميلوني”، ورئيس الوزراء الهولندي “مارك روته” ورئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لان” مذكرة تفاهم مع تونس، تضمنت أوجهًا مختلفة للتعاون مع الاتحاد الأوروبي حول التنمية الاقتصادية واستقرار الاقتصاد التونسي والتحول الأخضر والرقمي. ووقع الاتحاد في يوليو الماضي اتفاق شراكة استراتيجية معها بقيمة مليار يورو لمجابهة الهجرة غير الشرعية وبما يدعم التنمية الاقتصادية في تونس.
• تغييرات مُسبقة: على خلفية التغيير الذي اتخذه الرئيس قيس سعيد خلال الفترة الماضية في بعض المناصب الوزارية لحكومة نجلاء بودن، واستنادًا إلي المرسوم 117 لسنة 2021 وطبقًا للفصل 12 منه الذى ينص على “إقالة عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة أو البت في استقالته”؛ جاءت إقالة رئيسة الحكومة السابقة “نجلاء بودن”، ومن قبلها أقيل عدد من الوزراء؛ إذ أقال في مايو الماضي وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة “نايلة القنجي” نظرًا لتصريحات أدلت بها تتعلق برفع الدعم، وقد سبق وأقال وزير التشغيل والتكوين المهني “نصر الدين النصيبي” في فبراير الماضي، وكل من: وزير الداخلية “توفيق شرف الدين”، ووزير الشؤون الخارجية “عثمان الجرندي”، وزيرة التجارة وتنمية الصادرات “فضيلة الرابحي”، ووزير التربية “فتحي السلاوتي”، ووزير الفلاحة “محمود إلياس حمزة”، الأمر الذى يكشف عن توجه للرئيس قيس سعيد واتباعًا لاستراتيجية مختلفة تقوم على إقالة فردية لبعض الوزراء دون إجراء تعديل شامل في الحكومة برمتها.
ختاما؛ تظل إقالة رئيسة الوزراء التونسية “نجلاء بودن” وتعيين “أحمد الحشاني” خلفًا لها اختبارًا للحكومة الحالية وللسياسات المتبعة خلال الفترة القادمة، في ظل أزمة اقتصادية وسياسية تعاني منها الدولة، الأمر الذي يلقى بمزيد من العبء والتحدي على رئيس الحكومة الجديد، بما يجعله في محل اختبار مستمر من قبل الرأي العام من ناحية والتيارات المعارضة من ناحية ثانية، في ظل الرفض التام لسياسات رئيس الجمهورية في تونس.
.
رابط المصدر: