دوافع ودلالات تصنيف قطر حليفًا استراتيجيًا من خارج الناتو

وسعت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قائمة الحلفاء الاستراتيجيين من خارج حلف الناتو، بإضافة قطر إليها رسميًا بموجب مرسوم رئاسي نشره البيت الأبيض عبر موقعه في 11 مارس الجاري، لتنضم الدوحة إلى قائمة محدودة تضم 19 دولة فقط على مستوى العالم، ولتصبح الدولة الخليجية الثالثة التي تحظى بتلك المكانة المميزة –بعد الكويت والبحرين- التي تمنح حاملها ميزات عسكرية ومالية لا يمكن الحصول عليها من قبل الدول غير الأعضاء في الناتو. وقد أتى القرار بموجب السلطة المخولة لبايدن كرئيس وفقًا لدستور وقوانين الولايات المتحدة وعملًا بالمادة 517 من قانون المساعدة الخارجية لعام 1961، بحسب إعلان البيت الأبيض، وهو في الحقيقة يحمل تقديرًا غير مباشر لأدوار الدوحة خلال عمليات الإجلاء الأمريكية العام الماضي في أفغانستان وأثناء الصراع بين إسرائيل وحماس في غزة، كما أنه ينطوي على دلالات رمزية تخص تعميق التعاون الأمني والتجاري مع الدوحة، دون تقديم ضمانات الحماية التي يتمتع بها أعضاء الحلف.

في هذا السياق، تجدر الاشارة إلى أنه  في اليوم السابق لزيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لواشنطن ولقاء الرئيس جو بايدن، في 30 يناير الماضي، حيث أعلن لأول مرة اعتزامه منح الدوحة هذا التصنيف، تم الإعلان عن اتفاقية تشتري بموجبها قطر ما يصل إلى 102 طائرة بقيمة إجمالية تقارب 34 مليار دولار، ومن المتوقع أن تعزز هذه الصفقة قطاع صناعة الطيران المدني والارتقاء بمئات الشركات الصغيرة التي تغذي سلاسل التوريد في بوينج، وتفيد الموردين الأمريكيين في 38 ولاية، وتخلق حوالي 35 ألف فرصة عمل، وتضخ ما يقرب من 2.6 مليار دولار سنويًا في الاقتصاد الأمريكي.

مقومات سياسية وعسكرية

تتمتع قطر ببعض الميزات التي تجلها شريكًا استراتيجيًا مناسبًا بالنسبة للولايات المتحدة وراعيًا للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، منها:

• العمل كقاعدة أمامية ولوجيستية للقوات الأمريكية في المنطقة:اكتسبت قطر أهميتها كشريك استراتيجي للولايات المتحدة من كونها موطن قاعدة “العديد” الأكبر في الشرق الأوسط وحوض المحيط الهندي بحوالي 13 ألف جندي. والتي تعتبر محورية في الموقف الاستراتيجي لواشنطن في الشرق الأوسط؛ إذ مثلت إحدى قواعد التمركز الأمريكي بمنطقة الخليج وموازنة الوجود الإيراني، وعملت كمنصة انطلاق لعشرات الآلاف من العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا، كما لعبت أدوارًا مهمة خلال المراحل المختلفة للعمليات الأمريكية داخل أفغانستان والعراق دون أية قيود حكومية قطرية كانت ستفرض تحديًا كبيرًا على استمرار نشاط القوات الأمريكية بالمنطقة. وكان لاستثمار الحكومة القطرية ما يربو على 8 مليارات دولار لتمويل القاعدة منذ عام 2003 أن وسعت القدرات اللوجيستية للقاعدة التي تضم مقر القيادة الأمامية للقيادة المركزية الأمريكية، ومركز العمليات الجوية المشتركة للقيادة المركزية، وقوة المهام المشتركة بين الوكالات في سوريا، وجناح الاستطلاع الجوي 379 التابع للقوات الجوية الأمريكية. كذلك، عملت الدوحة كمركز لإعادة الإمداد اللوجستي لسفن البحرية الأمريكية وتقديم الدعم إلى فرقة العمل المشتركة للقوات البحرية 152، وهي ترتيب أمني بحري إقليمي متعدد الأطراف في الخليج.

علاوةً على ذلك، تحافظ البلدان على تعاون دفاعي شكل أساسًا متينًا لعلاقتهما؛ ففي 2013 جددا اتفاقية تعاون دفاعي مدتها عشر سنوات. وفي 2014، وقّعت الدوحة عقدًا بقيمة 11 مليار دولار لتزويدها بطائرات هليكوبتر هجومية من طراز أباتشي وأنظمة دفاع جوي أخرى. وفي 2016، وافقت واشنطن على بيع 72 طائرة مقاتلة من طراز F-15QA في صفقة قيمتها 21.1 مليار دولار، إلى جانب توفير التدريب الأمريكي لقواتها المسلحة.

• رعاية المصالح الأمريكية: تجاوزت الدوحة دورها اللوجستي إلى جعل نفسها لاعبًا دبلوماسيًا مفيدًا لأهداف السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة تجاه بعض الملفات الرئيسية، لعل أهمها الدور الذي لعبته في الأحداث التي قادت إلى الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، إذ استغلت علاقتها الجيدة مع حركة طالبان لترسيخ نفسها كحلقة وصل بين واشنطن وكابول، ففي وقت مبكر من عام 2010، استضافت ممثلي طالبان للتفاوض على اتفاق سلام وتبادل الأسرى، وعقب ذلك سهّلت قطر العديد من جولات المفاوضات بين طالبان والولايات المتحدة والحكومة الأفغانية، أسفرت في فبراير 2020 عن توقيع اتفاق سلام بين واشنطن وطالبان.

وعقب الانسحاب الأمريكي واستيلاء طالبان على السلطة في كابول بات موقف قطر أكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة؛ إذ لا تُقيم الأخيرة علاقات دبلوماسية مع حكومة طالبان، ولديها مصالح تتعلق بالمساعدة على إجلاء رعاياها والمواطنين الأفغان الذين عملوا مع القوات الأمريكية وتقديم المساعدات الإنسانية، وقد أثبتت الدوحة أنها شريك مهم في دعم جهود الإجلاء، فخلال الأسبوعين الأولين فقط بعد الانسحاب تم نقل 113500 مواطن أمريكي وحاملي البطاقة الخضراء ومواطني دول أخرى جوًا من أفغانستان إلى قطر، ومنها واصلوا رحلتهم إلى الولايات المتحدة ودول أخرى، لكن منذ سبتمبر تم تحديد رحلات طيران متفرقة بسبب القيود التي فرضتها حركة طالبان على المغادرين، وهو الوضع الذي تم حله مؤخرًا فقط.

إضافة إلى ذلك، أصبحت السفارة القطرية في كابول المضيفة لقسم المصالح الأمريكية منذ نوفمبر 2021، أي إنها تعمل ممثلةً للمصالح والخدمات القنصلية الأمريكية للمواطنين الأمريكيين في أفغانستان، وهذا الدور يجعلها شريكًا في معالجة مستقبل العلاقات بين واشنطن وكابول. كما أمدت الحكومة القطرية أفغانستان ببعض المساعدات الإنسانية والإغاثية، واتفقت مع تركيا على تشغيل خمس مطارات مشتركة في أفغانستان بما في ذلك مطار كابول. وفي هذا الصدد، تُكن واشنطن تقديرًا بالغًا للمهمة القطرية التي ساهمت في تقليل الحرج السياسي لإدارة بايدن بعدما تعرضت لانتقادات بالغة بشأن عشوائية الانسحاب العسكري.

علاوة على ذلك، اكتسبت قطر أهميتها كحليف إقليمي بسبب دورها في إدارة الوضع الحساس بين إسرائيل وحماس في غزة بغطاء أمريكي؛ إذ قدمت قطر مساعدات مالية إلى غزة تصل قيمتها إلى ملايين الدولارات خلال سنوات عديدة، وخُصص جزء منها لإمدادات الوقود أو إعادة الإعمار أو تقديم المساعدات للمواطنين ودفع رواتب ما يقرب من 50 ألف موظف في الحكومة التي تديرها حماس، تم تعليقها مؤقتًا بعد تجدد الاشتباكات بين إسرائيل وحماس في مايو 2021، وحتى سبتمبر 2021 عندما تم وضع ترتيبات جديدة مع مصر تقضي بإرسال الدوحة ما قيمته 10 ملايين دولار من الوقود المصري شهريًا إلى قطاع غزة يُمكن لحماس إعادة بيعه من أجل المساعدة في تغطية الرواتب. وتخدم تلك المساعدات المالية المصالح الإسرائيلية باعتبارها وسيلة لتجنب وقوع كارثة إنسانية ومن ثم تقليص فرص اندلاع انتفاضة جديدة أو حرب أخرى في غزة.

وتُشكل القضية الإيرانية وملف المفاوضات النووية موضوعًا ثالثًا للتحالف مع واشنطن من خلال العمل كقناة خلفية مع طهران عند الحاجة، فمنذ تولي الرئيس جو بايدن منصبه في يناير 2021 لعبت قطر دورًا مهمًا في التوسط بين الولايات المتحدة وإيران لإعادة الاتفاق النووي، كونها تحظى بمقبولية سياسية لدى الأخيرة راجعة لتشابك مصالحهما الاقتصادية الذي تجلى في عمل إيران كمنفذ للتبادل التجاري القطري مع العالم الخارجي خلال مرحلة مقاطعة الرباعي العربي وفرض حظر جوي وبحري وبري على مسارات الشحن منها وإليها، وشراكتهما في مخزون وإنتاج الغاز، فضلًا عن تمتع الدوحة بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة.

ولعلّ زيارة وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى طهران وإجراء محادثات مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، قبل أيام قليلة من زيارة الشيخ تميم للولايات المتحدة، وقبلها زيارة عبد اللهيان إلى الدوحة في 11 يناير الماضي، تدخلان ضمن جهود الدوحة المستمرة لتهدئة التوترات بين واشنطن وطهران، والعمل كوسيط موثوق به لنقل الرسائل المتبادلة بين الطرفين. ويبدو أن معالجة القضية الشائكة للمواطنين الأمريكيين المحتجزين من قبل إيران كانت موضوعًا رئيسيًا على أجندة التبادلات الأخيرة، فرغم كونها منفصلة عن المفاوضات النووية التي دخلت مراحلها النهائية، إلا أن المبعوث الأمريكي الخاص لإيران روبرت مالي يرى أنه “من الصعب تخيل العودة إلى الاتفاق النووي بينما تحتجز إيران أربعة أمريكيين أبرياء كرهائن”. وربما يرجع طرح اسم قطر لقيادة هذه الجهود إلى دبلوماسيتها الناجحة خلال عملية تبادل الأسرى بين الولايات المتحدة وطالبان عام 2014.

• تبني سياسة خارجية قائمة على الوساطات:صاغ الأمير تميم بن حمد آل ثاني الخطوط الرئيسية لــ “سياسة خارجية تتناسب مع حجم قطر وموقعها الجغرافي وثروتها”، خلال خطابه الافتتاحي أمام أول هيئة تشريعية منتخبة في 26 أكتوبر 2021، وجوهرها العمل “كمركز للحوار والحل السلمي للنزاعات وتجنب الصراعات”، موضحًا أن قطر “لا تسعى إلى التنافس مع أي شخص أو تقليده، بل إلى إيجاد مكانة خاصة بها من خلال الالتزام بالحوار كبديل للحروب وخيار الوساطة في حل النزاعات”، وهو ما يظهر قدرة براجماتية على التكيف مع تحولات النظامين العالمي والإقليمي ويجعلها وسيطًا دبلوماسيًا موثوقًا به بالنسبة للولايات المتحدة.

دوافع واشنطن

يحمل توقيت القرار الأمريكي بمنح قطر صفة الحليف الاستراتيجي دلالات عديدة، لا سيمَّا وأنه جاء في خضم توقعات بقرب غزو عسكري روسي محتمل لأوكرانيا (حدث بالفعل يوم 24 فبراير الماضي) وما يحمله من تحولات في هيكل النظام الدولي ستنعكس بالتبعية على المعادلة الأمنية الإقليمية، ويُمكن تفنيد احتمالات دوافع واشنطن على النحو التالي:

• الاعتماد على القوى الدولية الأصغر: مع تراجع أولوية الشرق الأوسط في استراتيجية الولايات المتحدة العالمية وإعادة تخصيص مواردها لتركيز جهودها على التحديات الناشئة في شرق آسيا، تواجه السياسة الخارجية الأمريكية تحديًا يتصل بكيفية حماية مصالحها التي لا تزال مهمة في تلك المنطقة، وهو ما يتطلب منها إعادة صياغة سياستها الخارجية وتوجيهها نحو الاعتماد على الشركاء الإقليميين الأصغر لإدارة مصالحها، لا سيما مع ظهور صراعات جديدة واستمرار الصراعات القائمة وعدم قدرة الإدارات الأمريكية المتعاقبة على إحداث اختراق حقيقي بها، وإدراكها حقيقة أن النزاعات الإقليمية لا يُمكن حلها إلا من خلال لاعبين إقليميين. وهنا تبرز قطر كحليف مثالي نظرًا لعلاقاتها الوثيقة بالجماعات الفاعلة في مناطق الصراعات كطالبان وحماس وداعش والقاعدة والإخوان، والقوتين الإقليميتين إيران وتركيا، وإظهارها نجاحًا دبلوماسيًا في التوسط بين الولايات المتحدة وتلك الفواعل، وارتباطها الإقليمي والجغرافي بمناطق الصراع. وعليه، يأتي تصنيف قطر كحليف أمريكي من خارج الناتو كغطاء استراتيجي للدولة التي ستعتمد عليه بشكل متزايد، وتحوطًا ضد المخاطر السياسية المحيطة بالأدوار المنوط بها على غرار مقاطعة الرباعي العربي.

• كسر الحضور الصيني في الخليج: تنظر بكين لدول مجلس التعاون الخليجي باعتبارهم شركاء تجاريين مهمين ضمن مبادرة الحزام والطريق، وتستضيف السعودية والإمارات الجزء الأكبر من سلسلة التوريد الصينية الخاصة بالمبادرة في المنطقة في شكل مجمعات صناعية وموانئ تستثمر فيها بكين بشكل كبير، ونظرًا لاتساع قاعدة المصالح المشتركة وقعت بكين شراكات استراتيجية شاملة مع البلدين، بينما تقتصر العلاقات الصينية القطرية على التجارة والطاقة فقط. ونظرًا لكون الاستثمارات الصينية في قطر لا تنطلق من مبادرة الحزام والطريق، فإن الولايات المتحدة تعتبرها كسرًا لحلقة التكامل الصيني الخليجي عبر المبادرة.

• خدمة المصالح الأمريكية في أوراسيا:تحتل أفغانستان أهمية مركزية لهدف الولايات المتحدة المتمثل في إقامة طرق نقل دولية جديدة لجمهوريات آسيا الوسطى لا تمر عبر روسيا، إذ تشكل دولة المعبر بين الجمهوريات الخمس وباكستان وصولًا إلى موانئ بحر العرب الباكستانية ومن ثم الارتباط بالعالم الخارجي، وهو أحد أهداف واشنطن الذي تجسده استراتيجيتها الرسمية لآسيا الوسطى 2019/2025 (ينص البند الرابع لأهداف السياسة العامة الأمريكية تجاه دول آسيا الوسطى على تطوير علاقات أوثق بينها وبين أفغانستان عبر خطوط الطاقة والاقتصادية والثقافية والتجارية والأمنية التي تساهم بشكل مباشر في الاستقرار الإقليمي)، كما تمثله منصة “C5 + 1” (قمة دبلوماسية تُعقد سنويًا منذ عام 2015 بين وزراء خارجية كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان). ونظرًا لاحتفاظ الدوحة بقنوات دبلوماسية خاصة مع أفغانستان فإنها تبرز كجسر لبناء التواصل بين واشنطن وكابول وتمرير مصالحها الاستراتيجية في أوراسيا مستقبلًا.

• الاندماج في استراتيجية تنويع الطاقة الأوروبية: تمتلك قطر ثاني أكبر قدرة تصديرية للغاز الطبيعي المسال في العالم، بسيطرتها على 22% من سوق الغاز الطبيعي و12% من وسائل النقل (تصل إلى 72 ناقلة)، وبالتالي تتطلع واشنطن لمساهمتها في إمداد حلفائها الأوروبيين بالغاز الطبيعي إذا ما فرضت روسيا أية قيود على تدفقات الغاز، ورغم محدودية قدرتها الآنية كون مستويات إنتاجها سجلت حدودها القصوى، وافتقارها للمرونة التعاقدية اللازمة لسد الفجوة المحتملة في الاتحاد الأوروبي نظرًا لارتباط الجزء الأكبر لصادرتها بعقود طويلة الآجل مع الشركاء الآسيويين بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية والصين والهند؛ لكنها مؤهلة لتكون أحد الموردين المستقبليين المحتملين ضمن استراتيجية تنويع الطاقة الأوروبية، وتقليل الاعتماد على الواردات الروسية، لا سيمَّا وأنها تخطط لزيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 64% بحلول عام 2027 من خلال مشروع توسعة حقل الشمال. ويوفر تصنيف قطر كحليف لواشنطن من خارج الناتو ضمانات ومكاسب لتعويض المخاطر السياسية المحتملة لمثل هذا التوجه.

مكاسب الدوحة

رغم أن تصنيف قطر حليفًا رئيسيًا للولايات المتحدة من خارج حلف الناتو لا يشكل بالنسبة لها نقلة نوعية في مستوى الشراكة مع الولايات المتحدة التي احتفظت بمكانة متميزة خاصة منذ دخول الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن إلى البيت الأبيض، إلا أنه يمنحها بعض المكاسب:

• تعزيز مكانتها الإقليمية: يجعل هذا التصنيف قطر شريكًا للولايات المتحدة ويكسبها دور الراعي للمصالح الأمريكية الذي يمنح حامله مركزية في المشهد الاستراتيجي الأمريكي، كما أنه يعزز تموضعها الاستراتيجي مع الحلفاء الأمريكيين الآخرين في المنطقة وخارجها. ويمنحها القدرة على التحوط الاستراتيجي الذي تستخدمه الدول الصغيرة لضمان أمنها واستقرارها في ظل البيئة السياسية المضطربة. علاوة على ذلك، يتيح لها حضورًا على الساحة الدولية يهيئ لها لعب أدوار فاعلة في بعض الملفات الإقليمية أو الدولية ذات الأبعاد الشرق أوسطية، إذ سيعزز دورها في المفاوضات مع الجماعات التي لا تستطيع الولايات المتحدة التعامل معها بشكل مباشر، ويتيح لها إمكانية لعب وساطات أوسع في المنطقة بالاتفاق مع واشنطن.

• إمكانية الوصول لامتيازات عسكرية: رغم أن تصنيفها حليفًا للولايات المتحدة من خارج حلف الناتو لا يرتب أي التزامات دفاعية أمريكية تجاهها، إلا أنه يمنحها جملة من المزايا الأمنية التي لا تحصل عليها الدول غير الأعضاء في الناتو ومنها: تخزين المعدات العسكرية والأسلحة والذخائر الأمريكية المتقدمة على أراضيها وخارج المنشآت العسكرية الأمريكية. والاستفادة من نفس الإعفاءات من قانون مراقبة تصدير الأسلحة الأمريكية (AECA) التي تتمتع بها الدول الأعضاء في الناتو، مع وصول تفضيلي إلى المعدات والتكنولوجيا العسكرية الأمريكية. فضلًا عن إجراء مشاريع بحث وتطوير تعاونية بشأن المعدات الدفاعية والذخائر مع الولايات المتحدة. وتلقي 3 ملايين دولار لأبحاث مكافحة الإرهاب مع التركيز على تقنيات المراقبة. وشراء ذخيرة اليورانيوم المنضب التي تُستخدم في طلاء الدروع والاختراق لصنع أسلحة مضادة للدبابات. والوصول التفضيلي إلى تقنيات الفضاء العسكرية والتجارية التي ستخلق فرصًا تجارية بملايين الدولارات لشركات الدفاع القطرية في صيانة وإصلاح منصات الأسلحة الأمريكية. وإعطاء الأولوية للتعاون في التدريب.

علاوةً على منح قطر الأولوية للحصول على “المواد الدفاعية الزائدة الأمريكية”، بمعنى شراء المعدات العسكرية المستعملة التي خرجت من الخدمة في الجيش الأمريكي مقابل مبالغ منخفضة. ورغم أن تلك الامتيازات لا تشكل مكسبًا ضخمًا بالنسبة لقطر كونها تتمتع بعلاقات تعاون عسكري كبيرة مع الولايات المتحدة، فإنها قد تكون مفيدة على وجه الخصوص في تسريع إتمام صفقة شراء صفقة طائرات بدون طيار من طراز MQ-9 Reaper بقيمة 500 مليون دولار والتي ظلت معطلة منذ عامين، فضلًا عن تسهيل التعاون مع أعضاء الناتو، وتحديث جيشها بما يتواءم مع قوات الناتو، حيث تشتري قطر قدرًا كبيرًا من المعدات العسكرية الأوروبية، وسيؤدي توثيق العلاقات مع شركاء الناتو الأوروبيين إلى زيادة القيمة السياسية لتلك المشتريات.

ومع ذلك، لا يتوقع أن يُفضي التصنيف –على المدى القريب على الأقل– في تسريع صفقة شراء المقاتلة F-35؛ إذ لا تزال هناك العديد من العقبات السياسية والفنية التي تحول دون بيع هذا الطراز لقطر، لا سيمَّا أن “معايير الإصدار” (نظام الموافقة الذي يحكم بيع المعدات المتطورة إلى أي دولة أجنبية) يخضع لسلطة العديد من اللجان المتخصصة المنفصلة التي يجب على كل منها الموافقة بشكل منفصل على إرسال التقنيات المتعلقة بعلم التشفير والرادار المتقدم والصواريخ التي تتجاوز المدى البصري (تستطيع الاشتباك مع أهداف تبعد أكثر من 20 ميلًا بحريًا) للخارج، وهذه اللجان لديها مخاوف سيبرانية بشأن رفض قطر المطالب الأمريكية بقطع علاقاتها مع شركات التكنولوجيا الصينية، وبالأخص هواوي، التي توفر جزءًا كبيرًا من شبكة 5G في الدولة.ختامًا،يُعزز تصنيف الولايات المتحدة لقطر كحليف استراتيجي من خارج الناتو العلاقات الاستراتيجية التي تربط الدوحة بواشنطن، على الصعد الأمنية والسياسية والعسكرية والاقتصادية، لكنه لن يُنهي العلاقات المهمة مع الصين وروسيا حيث ترتكز السياسة الخارجية للدولة منذ أن أصبح الأمير حمد بن خليفة آل ثاني أميرًا لقطر عام 1995 على إقامة علاقات مع الأطراف المتناقضة بما يُمكنها من توسيع هامش المناورة واللعب على المتناقضات.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/19106/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M