لا يوجد هناك ثمة شك في أن العالم الآن يعيش صراعًا بين الكتلتين الشرقية والغربية، يتجسد في الحرب الجارية بين الاتحاد الروسي وأوكرانيا. وفيما يتطلع الجميع بلهفة ناظرًا للمستقبل بحثًا عن إجابة لسؤال بـ من سيكون المنتصر النهائي في الحرب؟ نجد أن دروس التاريخ تُخبرنا أن المنتصر الحقيقي ليس من ينعت نفسه بالمنتصر، بل هو ذلك الذي يفرض إرادته بالتدريج على أرض الواقع بشكل يجعل من أهدافه حقيقة مرئية لا لبس فيها.
وبينما نُطالع صورة الرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، وهو يقف جنبًا إلى جنب مع نظيره الصيني، “شي جين بينج” في واحدة من أكثر غرف الكرملين عراقة رافعين معًا كأسًا من النبيذ الأبيض، قائلًا “نخب صحة صديقنا العظيم تشي وتعميق الشراكة الروسية الصينية”. نجد أن الوصول إلى الحقيقة أو حتى الاقتراب منها، يحتم علينا أن نقطع المسافة الفاصلة بين ما تقوله الدعاية الغربية والروسية على حد سواء وبين ما تشرحه لنا معطيات الأمر الواقع. بشكل يحتم علينا النظر إلى زيارة الرئيس الصيني، “شي جين بينج” إلى روسيا الاتحادية، والتي أجراها في يومي 21-22 مارس 2023؛ بكل ما تحمله من مقدمات ونتائج ولقطات مهمة بعين التفسير والتأويل، أملًا في الوصول لهوية صاحب البصمة الأقوى في معطيات المشهد السياسي الراهن.
قراءة في المقالات المتبادلة بين الرئيسين
لطالما عكست مسيرة الرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، طوال فترة توليه السلطة اهتمامًا بالمقال المكتوب بشكل يوازي اهتمامه كذلك بالكلمة المنطوقة، والطريقة التي يُطل بها على الجماهير المحلية والدولية بكل ما تنطوي عليه من رسائل مرئية ومسموعة. ففي يونيو 2021، كتب من صحيفة “دي تسايت” مخاطبًا الألمانيون؛ شعبًا وحكومة، مقالًا بعنوان “أن تظل منفتحًا بغض النظر عن الماضي”. وفي يوليو 2021، كتب مقاله الشهير بخصوص التاريخ المشترك لدولتي روسيا الاتحادية وأوكرانيا، وهو المقال الذي اعتبره كثيرًا من المحللين حول العالم بأنه نذير الحرب الروسية الأوكرانية. وبين يدينا الآن مقالًا منشورًا، بتاريخ 19 مارس، لدى صحيفة الشعب الصينية المرموقة كتمهيد لزيارة الرئيس الصيني للبلاد، الذي بادر بدوره بنشر مقال لدى صحيفة “راسيسكايا جازيتا” يعبر فيها عن توجهاته نحو روسيا.
وفيما نجد أن الرسائل التي تضمنها مقال “بوتين” لم تخرج عن الإطار المعهود لمجمل رسائله للغرب والعالم خلال الآونة الأخيرة بوجه عام، نجد أن الموضوع الرئيس لكلا المقالين في هذه المرة، سيكون هو وحدة الرسائل، ووحدة الاهتمامات، ووحدة المواقف والمصير، بشكل منقطع النظير. وفيما يلي سنبرز أهم النقاط التي أظهرها الرئيسان بشكل مشترك.
- العودة إلى الماضي وصولًا للحاضر: اهتم مقال “بوتين” في مجمله بالحديث عن العلاقات المشتركة بين الماضي والمستقبل. فبالنسبة للماضي؛ يُعيد “بوتين” إلى الأذهان ذكرى وصول “شي جين بينج” الذي يصفه “بوتين” بكلمتي “الرفيق أو الصديق” في مواقف عدة إلى موسكو لأول مرة في مارس 2010، ويصف اجتماعهم الأول بأنه كان عمليًا وصادقًا وودودًا”. ثم يشير للمستقبل معبرًا عن توقعاته الكبيرة للمفاوضات القادمة التي يقول عنها الرئيس بوتين؛ “ليس لدينا شك في أنها ستعطي دفعة جديدة قوية لحزمة كاملة من التعاون الثنائي”. وعلى الجانب الآخر؛ يستهل الرئيس الصيني مقاله بالتذكير بتاريخ العلاقات مع روسيا، وتحديدًا لتاريخ زيارته الخارجية الأولى بعد انتخابه لمنصب الرئيس ومن ثم يمر على بقية الزيارات التي قام بها إلى موسكو. ويشيد كذلك، بمسار التطور التاريخي للبلدين. حيث يقول إن “العلاقات الصينية الروسية تتطور وفقًا لمنطق تاريخي واضح ومحرك داخلي قوي، ومنذ 10 سنوات، كان التعاون الثنائي يتطور بشكل ديناميكي في جميع السمات ويدخل حقبة جديدة بخطوات واثقة”. وبناء عليه، ليس ثمة شك في أن هذا اللقاء أيضا؛ وبكل ما سينجم عنه من اتفاقات مشتركة ستكون نقلة تاريخية جديدة في مستوى العلاقات بين البلدين.
- العلاقات بين الرئيسين “شخصية”: يتحدث “بوتين” عن صداقته مع الرئيس الصيني بشكل يضفي نطاق شديد الخصوصية على الروابط بين الرئيسين. ويؤكد أن الشراكة بين البلدين تتعدى مجرد كونها صداقة دبلوماسية إلى ما هو أكثر من ذلك. ويؤكد في مقاله أن علاقتهما تقوم في الأساس على صداقة يبرهن عليها بعبارة الحكيم الصيني الأشهر والأكثر إجلالًا في الصين “كونفوشيوس”، عندما قال “أليست هذه مناسبة سعيدة عندما يأتي صديق من بعيد!”. بينما يقول الرئيس الصيني؛ “نحافظ على علاقات عمل وثيقة مع بوتين”. ويتابع “نعطي الأولوية للتعاون العملي في جميع المجالات، ونقوم بمزامنة الساعات في الوقت المناسب حول القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، ونحدد مسار التنمية المستدامة”. نفهم من ذلك كيف يُعلن الرئيس الصيني عن تعاونه المباشر مع الرئيس الروسي، بشكل لا يعتد على الإطلاق بكل ما يتعرض له من مقاطعة غربية. ويُعلنها الرئيس الصيني صراحة، أن بلاده تقوم بعمل تنسيق لحظي مع روسيا فيما يتصل بالقضايا الدولية. ويتابع مؤكدًا على ما ورد في مقال “بوتين”؛ بأن أشار إلى ضرورة “إنشاء نموذج جديد للعلاقات بين القوى الكبرى”.
- الصداقة الأبدية في وجه العزلة الدولية: فيما يحاول العالم فرض عزلة دولية عقابية على روسيا الاتحادية. نجد أن “بوتين” يصف علاقة البلدين بعبارات مثل؛ “روسيا والصين تقومان حرفيًا ومجازيًا ببناء الجسور”، و”نتعاون بشكل وثيق في الشؤون الدولية ونقف جنبًا إلى جنب مثل صخرة وسط تيار مضطرب، وننسق بشكل فعال مواقف سياساتنا الخارجية، ونكافح التهديدات المشتركة، ونحدد الاستجابة للتحديات الحديثة”. فيما تتكرر في مقال الرئيس الصيني نفس المفاهيم والمبادئ الواردة بشكل منقطع النظير؛ حيث يعلن شي جين التزامه بمفهوم الصداقة الأبدية، والتعاون القائم على المنفعة المتبادلة، ومراعاة مبادئ عدم الانحياز، وغيره.
- النظام العالمي الجديد: يقول “بوتين” منتقدًا النظام العالمي القائم بريادة غربية: “نرى أن المشهد الجيوسياسي الخارجي يمر بتغيرات جذرية. حيث يتشبث الغرب الجماعي بشكل يائس أكثر فأكثر بالعقائد القديمة وبهيمنته المراوغة ويضع مصير دول وشعوب بأكملها على المحك”. ويقول الرئيس الصيني في حديثه عن النظام العالمي الجديد؛ “تتخذ الأطراف خطوات فعالة لتنفيذ التعددية القطبية الحقيقية”. ويتابع قائلًا أن الطرفان يستحضران القيم الإنسانية العالمية ويدافعون عن تكوين علاقات دولة من نوع جديد ومجتمع يعتد بالمصير المشترك للبشرية”. وفي السياق نفسه، يتابع قائلًا إن “المجتمع الدولي يدرك جيدًا أنه لا توجد دولة في العالم تتفوق على الآخرين. ولا يوجد نموذج عالمي للحكومة، ولا يوجد نظام عالمي حيث تنتمي الكلمة الحاسمة إلى بلد بعينه”.
نتائج الزيارة
توصلت الزيارة إلى عددًا من النتائج، نجد أن أبرزها يتمثل بشكل رئيس في توقيع وثيقتين؛ أحدهما بيانًا حول خطط التعاون الاقتصادي، والأخرى تختص بمخططات تعميق الشراكة بين الجانبين. حيث توصلت إلى عددًا من النتائج المهمة في مجالي التجارة والطاقة. ففي مجال التجارة؛ من المتوقع أن يتجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال العام الجاري قيمة 200 مليار دولار، وستزيد روسيا من إمداداتها الغذائية للسوق الصينية الضخمة بما يشتمل على صادرات اللحوم والحبوب وغيره. وفي مجال الطاقة؛ فإنه من المقرر أن تتوسع إمدادات الغاز الطبيعي المسال من روسيا للصين بالإضافة إلى أن موسكو أبدت استعدادها لزيادة إمداداتها من النفط بشكل منقطع النظير. بالإضافة إلى كون روسيا المورد الاستراتيجي للنفط والغاز الطبيعي للصين، فإن القادة قد ناقشا خلال الاجتماعات إنشاء خط أنابيب الغاز “Power of Siberia-2” الذي سيمر عبر منغوليا. وأوضح “بوتين”، أنه “قد تم الاتفاق عمليا على جميع معايير هذه الاتفاقية”. وفي بيانهم المشترك، قال الرئيسان أنهما قد وجها حكومتيهما، بإعداد واعتماد خطة لتطوير المجالات الرئيسة للتعاون الاقتصادي الروسي الصيني وصولًا للعام 2030. وقد حدد الرئيسان ثمانية مجالات رئيسة تشتمل على رفع معدلات التعاون التجاري والمالي، وتعزيز الشراكة الشاملة في قطاع الطاقة، وتعزيز التعاون الصناعي، وكذلك رفع مستويات التعاون مجالات الزراعة والاقتصاد.
وعلى صعيد التعاون السياسي بين البلدين، ذكر البيان الختامي للزيارة إن روسيا والصين تعتزمان تقديم الدعم المتبادل في حماية مصالح بعضهما البعض، وفي المقام الأول، في مجال الأمن والسيادة وسلامة الأراضي. كذلك اتفق الطرفان على تسيير دوريات مشتركة في البحر والجو بشكل دوري، بالإضافة لعقد المزيد من التدريبات المشتركة. علاوة على ذلك، دعا الجانبان حلف شمال الأطلسي إلى احترام سيادة الدول الأخرى ومصالحها، ومعارضة جميع العقوبات الأحادية الجانب.
وحول التسوية السلمية للنزاع الأوكراني، عبر “بوتين” عن أن العديد من نقاط خطة السلام الصينية بشأن أوكرانيا تتفق مع التوجهات الروسية ومن الممكن اعتبارها أساسًا لتسوية سلمية حال استعداد الغرب لقبولها. لكنه في الوقت نفسه أضاف، أن الكرملين لا يلتزم حتى الآن بهذه الاستعدادية. وبدوره، شدد الرئيس الصيني على أن بكين تتمسك بموقف حيادي وموضوعي بشأن القضية الأوكرانية، وتعمل بنشاط على تعزيز المصالحة ومسار العودة للمفاوضات. من ناحية أخرى، أكدت روسيا من جديد تمسكها بمبدأ الصين الواحدة وعبرت عن إدراكها أن تايوان تمثل جزءًا لا يتجزأ من جمهورية الصين الشعبية.
نظرة تحليلية
قبل النظر في دلالات ومعاني الرسائل الضمنية والمعلنة التي بعثها الرئيسان خلال هذه القمة، يكون من الأجدر أن نعيد للأذهان، النتائج المترتبة على القمة الروسية الثنائية التي انعقدت خلال أولمبياد بكين، فبراير 2021، ونتج عنها توقيع عدد غير مسبوق من وثائق التعاون الاستراتيجي بين البلدين. المقصود هنا، ليس الحديث عن الاتفاقيات الناتجة عن هذا اللقاء، بل يقصد النتائج المترتبة على نوع وجودة الارتقاء بالشراكة الروسية الصينية على مسار الأحداث الدولية بوجه عام. بشكل يجعل، من توثيق موسكو لعلاقاتها الاقتصادية مع الصين بهذا الشكل، قبيل الحرب، هو بحد ذاته نذير حرب من دولة كانت تستعد اقتصاديًا لتلقي أكبر عدد ممكن من العقوبات الغربية عقب تنفيذ خطتها المقبلة.
وإعمالًا بالمبدأ الذي ينص على أن قراءة التاريخ تعطي في الكثير من الأحيان دلالات تنبؤ بالمستقبل. نجد أن المضي قدمًا بين موسكو وبكين والاقتراب بينهما في مسافة جديدة من التعاون الوثيق الذي يمكن وصفه بأنه علاقة تحالف، يكون أيضًا نذير يبشر بقرب دخول النظام العالمي مرحلة جديدة. وعلى هذا الأساس، نبحث معًا في دلالات الزيارة واللقاء والظروف المحدقة بهما خلال النقاط التالية:
- في الوقت الذي يحاول العالم الغربي فيه إضافة المزيد من العزلة على نفسية الرئيس الروسي من خلال قرار المحكمة الجنائية الدولية، 17 مارس 2023، بتوقيع القبض على الرئيس “بوتين” على خلفية جرائم حرب، وصدور تعهدات من قادة غربيين بنواياهم إلقاء القبض عليه فور وصوله إلى أراضيهم، نجد أن الرئيس الصيني يذهب لزيارة روسيا معلنًا على الملأ عن علاقاته الشخصية الوطيدة مع رئيسها. بشكل يمنح العزلة الغربية على “بوتين” المزيد من عدم الجدوى، ويؤكد على عدم اكتراث الصين بالقواعد التي يمليها الغرب على النظام الدولي.
- استبق الرئيسان اجتماعاتهما الرسمية، بلقاءات أخرى غير رسمية، كان يفترض أن تكتفي وسائل الإعلام الرسمية للبلدين بأن تقوم بوصفها بأنها لقاءات غير رسمية ومغلقة. لكن على العكس من ذلك، تم تقديمها والإعلان عنها باعتبارها لقاءات ودية بين صديق عادي للغاية يستقبل بحفاوة صديقه القادم من السفر.
- تلقى الرئيس الصيني، بدوره، معاملة مختلفة تمامًا عن كل سابقوه الغربيون اللذين سبق وأن زاروا روسيا في الآونة الأخيرة. إذ إنه وعلى سبيل المثال، لم يجلس إلى “بوتين” عبر طاولة طويلة جدًا، وهذه اللافتة بدورها لافتة لها دلالات رمزية كثيرة غنية بالطبع عن التعريف. كذلك يظل من الضروري هنا التوقف بعين المتابعة لطبيعة الاستقبال والمعاملة التي اتسمت بحفاوة بالغة، حيث استقبل “بوتين” نظيره الصيني بسجادة حمراء عملاقة مفروشة على الأرض، وسط أجواء احتفالية مملوءة بالفخامة والترف، ودخل كلا منهما الى القاعة من باب مختلف وسارا نحو بعضمها حتى التقيا في المنتصف وتصافحا بابتسامة دافئة. بينما سيطرت أعلام البلدين، من ذوات الحجم العملاق، على المشهد في القاعة المملؤة بقطع الأثاث المذهبة.
عند هذه النقطة، نتوقف لنتساءل عن تأويلات ما أعلنه البلدين سواء حول تعميق التعاون التجاري والاقتصادي بينهما –المعمق بالفعل- والوصول به إلى مستويات أكثر ترابطًا من جهة، أو حول الدلالات السياسية للعبارات التي ذكرت بالبيان الختامي للبلدين تحديدًا حول نية موسكو وبكين لتقديم الدعم المتبادل في حماية مصالح بعضهما البعض؛ وفي المقام الأول في مجال الأمن والسيادة وسلامة الأراضي من جهة أخرى. وعما يمكن استنتاجه من المعطيات الحالية للمشهد الراهن أو حتى الطريقة التي سينعكس بها على الصراع برمته في المستقبل. فإنه من الضروري التذكرة بأن الموقف الرسمي للصين يصر على توصيف موقفها من الحرب بأنه “حيادي”، ويقدم مبادرتها السلمية كحل موضوعي للصراع. لكن الصين في حقيقة الأمر، تكون الآن، أوضحت للغرب أن مبادرة السلام الصينية هي طوق النجاة الأخير.
بمعنى، روسيا والصين اتفقتا على هذه المبادرة، إذا لم يقبلها الغرب، سيكون من حق روسيا شن الهجوم الأوسع نطاقًا الذي ربما لن تخفت حدته حتى لحظة إسقاط أوكرانيا تمامًا. أما فيما يتعلق بالمزاعم الأمريكية الأخيرة حول ما أشاعه رئيس لجنة الشؤون الخارجية لدى مجلس النواب الأمريكي، “مايكل ماكول”، بأن الصين تدرس إمكانية إمداد روسيا بمئات الطائرات بدون طيار وغيرها من الأسلحة، وهي المزاعم التي نفتها الصين. نجد أن الصين قامت بتعميق تعاونها الاقتصادي والتجاري مع روسيا بشكل أكبر خلال الزيارة الأخيرة، وهو ما يساعد موسكو على تخفيف الآثار المترتبة على العقوبات الغربية، بشكل يسمح لها مواصلة هجومها على أوكرانيا بأريحية.
علاوة على ذلك، نجد أن الاتفاق الروسي الصيني بخصوص حماية مصالح وأمن وسيادة بعضهما البعض، يفسر كذلك بأن الصين ربما تلجأ لتقديم مساعدات عسكرية لروسيا في حالة مقابلة مبادرتها بالرفض الغربي. بشكل يجعل من المبادرة الصينية بالفعل، الفرصة الأخيرة، أمام الغرب المتضرر اقتصاديًا من الحرب، وأمام أوكرانيا التي بات يتحتم عليها اليوم قبول حقيقة أنه “لا توجد هناك حلول سهلة للقضايا المعقدة”، وأنه ينبغي عليها بالفعل القبول بالمعطيات الجيوسياسية للأمر الواقع. وهو الشيء الذي ربما يقود في نهاية المطاف إلى أمر من اثنين، إما أن تنجح الصين في وقف الحرب من خلال مبادرتها، وهو الشيء الذي سيضاف إلى سجل نجاحاتها الدولية كوسيط قوي، مما ينعكس بالمزيد من التضاؤل على الدور الأمريكي في حل النزاعات الدولية المعقدة، أو يتم مواجهة المقترح بالرفض بشكل يُحتم على الصين تفعيل بنود اتفاقها مع روسيا بحماية المصالح والأمن والسيادة، وهو الشيء الذي لا محالة سيغير الأمر الواقع لصالح روسيا بكل تأكيد. نظرًا لأن الصين، هي قوة اقتصادية لا يمكن لأحد في عالم اليوم مجابهتها، والحروب العسكرية تبنى في أساسها على الوقود الاقتصادي، الذي تملكه الصين وتتفوق فيه على عالم الغرب بالإجماع.
ونخلص من كل ذلك، إلى أن “الأمر الواقع” يعكس كيف يكون زمام القوة في يد الوحدة الروسية الصينية، وكيف يتشكل النظام العالمي الجديد وفقًا للشروط الصينية وليس العكس، بمعنى أدق، بهذه الزيارة تكون الصين ترسل للعالم أجمع رسالة مفادها “العالم صيني، المستقبل أيضًا أصبح صينيًا”.
.
رابط المصدر: