صلاح عبد الحق: كيف سيؤثر اختيار جبهة لندن لقائم جديد بأعمال المرشد على أزمة الجماعة؟

محمد فوزي

 

أعلنت جبهة لندن لجماعة الإخوان عبر منصتها الرسمية “إخوان سايت” أن “مجلس الشورى العالمي للإخوان” اختار بالإجماع القيادي القطبي التاريخي بالجماعة صلاح عبد الحق قائمًا بأعمال المرشد خلفًا للراحل إبراهيم منير، وهو المتغير الذي طرح العديد من التساؤلات حول طبيعة الشخصية الجديدة التي ستقود الجبهة، والأسباب الرئيسة التي دفعت باتجاه اختياره، وتأثير ذلك على الأزمة البنيوية الراهنة للإخوان.

قيادي من التيار القطبي

– وُلد صلاح عبد الحق عام 1945 بالقاهرة في حي مصر الجديدة، لأسرة أرستقراطية، وكان والده يعمل مفتشًا للغة الإنجليزية بوزارة التربية والتعليم، وله أخوان هو أوسطهما. ويبلغ من العمر 79 عامًا، والتحق بتنظيم الإخوان في عام 1962 حين كان طالبًا في المرحلة الثانوية، عن طريق طلاب الإخوان المسلمين السوريين الذين قدموا للتعليم في الجامعات المصرية بعد إعلان الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958، ويعد أحد القيادات التاريخية للجماعة وأحد تلامذة المنظر الجهادي التاريخي للجماعة سيد قطب، فهو من جيل محمد بديع المرشد العام للجماعة ومحمود عزت ومحمد البحيري ومحمد عبدالمعطي الجزار.

– وسُجن “عبد الحق” في السجن الحربي على ذمة القضية المعروفة إعلاميًا بتنظيم 1965 والتي أُعدم على إثرها قطب وبعض قادة الإخوان الآخرين، وكان وقتها طالبًا في كلية الطب جامعة عين شمس، وحُكم عليه آنذاك بالسجن عشر سنوات، قضاها وخرج عام 1974. ثم سافر إلى سلطنة عمان في بداية مرحلة انتشار الإخوان بالخليج، ثم استقر في السعودية منذ العام 1985 واستقر هناك لفترة طويلة بعد أن كلفه مكتب الإرشاد بالسفر خارج البلاد والعمل في الجهاز التربوي العالمي للجماعة، حتى شغل منصب رئيس الجهاز التربوي العالمي للإخوان منذ أكثر من 15 عامًا، وهو مقيم منذ سنوات في العاصمة البريطانية لندن، وهو متزوج من ابنة الدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا؛ أستاذ الأدب والنقد بجامعة الإمام محمد بن سعود، وأحد مؤسسيها.

– كان “عبد الحق” مسؤولًا عما يُعرف بـ “المنتدى الإسلامي للتربية”، وهو الجهة التي تعبر عن الجهاز التربوي العالمي للجماعة، ويقول الإخوان عنه إنه شخصية قليلة الظهور، تبتعد عن الأضواء، وحازم في المواقف داخل الجماعة، ومتأثر بشدة بأفكار سيد قطب ومن قبله حسن البنا.

لماذا تم اختيار صلاح عبد الحق؟

يوجد جملة من الاعتبارات التي يمكن في ضوئها فهم اختيار جبهة لندن لصلاح عبد الحق، كقائم بأعمال المرشد العام للجماعة، خلفاً لإبراهيم منير، وذلك على النحو التالي:

على الرغم من أن أحد مواضع الانتقاد التي قد توجه من قبل بعض الدوائر الإخوانية لـ “عبد الحق” هو أنه رجل تربوي داخل الجماعة وكان بعيدًا عن العمل الحركي، فإن بعض الدوائر الإخوانية والتقديرات ترى أن هذا الاعتبار يعد ميزة بالنسبة له في ظل الأزمة البنيوية الراهنة التي تعيشها الجماعة. وترى هذه الدوائر أن ابتعاد “عبد الحق” عن الخلافات التنظيمية التي نشبت مؤخرًا في الجماعة هو أمر يعزز من فرصه؛ إذ إنه يستطيع في ضوء ذلك تحقيق أكبر قدر ممكن من التوافق داخل الجماعة. بمعنى أن القائمين على جبهة إسطنبول، يعتقدون أن “عبد الحق” قد يكون الشخصية الأكثر توافقية وقبولاً بينهم، لدى الدوائر الإخوانية الأخرى، وذلك في ضوء عدم انخراطه بشكل كبير في أزمة الجماعة.

ربما تسعى قيادات جبهة لندن وصقورها إلى تحقيق جملة من المكاسب عبر اختيار “عبد الحق” كقائم بأعمال المرشد، ففكرة أن “عبد الحق” لم يكن منخرطًا بشكل كبير في العمل الحركي ولا يملك سمات شخصية أو خبرات عملية كبيرة، تمثل فرصة بالنسبة لصقور الجبهة للقيادة بشكل عملي. وذلك على غرار ما حدث عند تولي عمر التلمساني قيادة الجماعة؛ فظاهريًا كان “التلمساني” هو المرشد، وعمليًا كان التنظيم الخاص وعلى رأسه كمال السنانيري هو من يقود الجماعة، حتى أن “السنانيري” وقيادات التنظيم الخاص كانوا ينقلون في بعض المواضع تعليمات لقواعد الجماعة مخالفة لتلك التي يضعها “التلمساني”. وبالإسقاط على جبهة لندن والوضع الراهن، ربما يتجه صقور الجبهة وقياداتها إلى وضع “عبد الحق” على رأس الجماعة، مع احتفاظ هذه القيادات وعلى رأسها: محمد البحيري، وحلمي الجزار، ومحمود الإبياري، بالقيادة العملية.

ما يتم ترويجه من قبل بعض الدوائر الإخوانية، من أن زعيم جبهة إسطنبول محمود حسين بإخفاء رسالة بعثها مرشد الإخوان محمد بديع من السجن عقب اندلاع أزمة الإخوان واختار فيها صلاح عبد الحق للقيام بأعمال المرشد، فضلًا عما يُثار بخصوص اختياره من قبل إبراهيم منير قبل وفاته.

وفي ضوء قرار جبهة لندن باختيار صلاح عبد الحق كقائم بأعمال مرشد الجماعة، يكون تشكيل الجبهة كالتالي:

القائم بأعمال المرشد المعاونون (القيادة الفعلية) المتحدث الإعلامي المنصة الرسمية
صلاح عبد الحق محمد البحيري – محيي الدين الزايط – حلمي الجزار – محمود الإبياري صهيب عبد المقصود – أسامة سليمان إخوان سايت

التداعيات المحتملة

تُشير المعطيات الراهنة إلى أن خطوة اختيار صلاح عبد الحق كقائم بأعمال مرشد الإخوان سوف تدفع باتجاه زيادة من حجم الأزمة التي يعاني منها التنظيم، خصوصاً في ضوء الاعتبارات التالية:

إعلان جبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين  أن ما ذُكر عن انتخاب صلاح عبدالحق قائمًا بأعمال المرشد العام كاذب، واصفةً ما حدث بالمحاولات المتجددة لاستحداث كيانات موازية لمؤسسات جماعة الإخوان أو تسمية أشخاص بمهام ومسميات مدعاة بعيدًا عن المؤسسات الشرعية للجماعة تحت دعاوى مختلفة. وقالت الجبهة إن جماعة الإخوان لها مجلس شورى عام من الداخل والخارج، وهو الذي اختار محمود حسين قائمًا بأعمال المرشد العام، وشكّل هيئة إدارية جديدة في ديسمبر الماضي، مؤكدةً أن هذا شأن مصري خالص تم وفق قواعد ولوائح الجماعة. وبالتزامن مع ذلك بدأت بعض الدوائر الإخوانية الموالية لجبهة إسطنبول والمحسوبة عليها، في شن حرب معنوية ضد جبهة لندن وقياداتها، وذلك عبر نشر شهادات قديمة لقيادات لندن كمحمد البحيري، حول شخصيات محسوبة على جبهة إسطنبول وعلى رأسها محمود حسين.

توجد بعض الاعتراضات لدى دوائر إخوانية على شخص صلاح عبد الحق؛ فمن جانب هو قيادي غير معروف لدى أوساط كثيرة، ومن جانب آخر فهو لا يُعد من القيادات الحركية التي لها باع طويل داخل الجماعة في العمل التنظيمي والسياسي، فضلًا عن اعتراضات مرتبطة بعامل السن؛ إذ إن “عبد الحق” يعد أحد المسنين داخل الجماعة (79 عامًا).

من المتوقع أن يقود الجبهة عمليًا القياديان محمد البحيري ومحمود الإيباري، وهو الأمر الذي سيثير غضب مجموعة كبيرة من الشباب الساخطين على هذه القيادات، خصوصًا في ظل الأزمة بين شباب التنظيم وصقوره أو قياداته التقليدية.

على الأرجح سوف يتجه صلاح عبد الحق وقيادات جبهة لندن نحو إعادة بناء الهياكل المؤسسية الخاصة بالجماعة، بما يدعم تمكينهم من السيطرة على مفاصل الجماعة. وفي هذا الصدد يُتوقع أن تُسند مهمة قيادة التنظيم الدولي إلى أحد الشخصين: إما محمد البحيري خصوصًا وأنه كان مسؤول القارة الأفريقية في الجماعة وهو ما يعني أنه كان حكمًا وضمنيًا قياديًا مهماً في التنظيم الدولي، وإما محمود الإبياري لكنه يواجه تحديًا مرتبطًا بعدم كونه عضوًا في مكتب الإرشاد العالمي.

وفي الختام، يمكن القول إن اختيار جبهة لندن لصلاح عبد الحق قائمًا بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان لن يكون الفصل الأخير لأزمة التنظيم البنيوية الراهنة، بل ربما يكون بداية للمزيد من الانشقاقات والانقسامات، والمزيد من الصراع بين الجبهات المختلفة. ويظل العامل المحدد الذي سيحكم مسار الأزمة مرتبطًا إلى حد كبير برؤية “عبد الحق” لآليات التعاطي مع الأزمة الراهنة للإخوان، ومدى قدرته على تحقيق تفاهمات نسبية مع جبهتي إسطنبول والكماليين، اعتمادًا على المكانة التي يحظى بها لدى كافة أطراف الأزمة الإخوانية.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/76214/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M