في الأول من أبريل/نيسان من هذا الشهر استهدف هجوم إسرائيلي مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق وتوعد آية الله علي خامنئي إسرائيل بـ“ردٍّ يؤدبها”، وتواترت التأكيدات بالرد الإيراني الذي وقع بالفعل ليلة الأحد 14 أبريل/نيسان 2024 .
ضمن سلسلة من الهجمات التي نفذتها إسرائيل ضد أهداف إيرانية جاء الهجوم الإسرائيلي على مبنى القنصلية في دمشق؛ ما أدى لمقتل قائديْن في الحرس الثوري و5 مستشارين عسكريين آخرين، أبرزهم العميد محمد رضا زاهدي، أحد قادة فيلق القدس البارزين، ومساعده، العميد محمد هادي حاج رحيمي. كما قُتل في الهجوم 5 مستشارين عسكريين آخرين.
كان زاهدي من أبرز قادة الحرس المكلفين بسوريا ولبنان والمسؤولين عن ملف التسليح والتنسيق مع حزب الله وحلفاء إيران في المنطقة، ولديه سجل طويل في الحرس الثوري، ويعد الشخصية الأهم التي تُقتل بعد اغتيال قاسم سليماني في مطلع العام 2020، وتحدثت تقارير إيرانية عن دور بارز له في نجاح عملية “طوفان الأقصى”.
ليس من باب المبالغة القول بأن التغييرات التي أحدثتها عمليات السابع من أكتوبر/تشرين الأول قد تجلت بصورة واضحة في هجوم ليلة 14 أبريل/نيسان فقد اهتزت مرة أخرى صورة إسرائيل المتفوقة، واحتاجت تل أبيب إلى تدخل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والأردن للتصدي لهجوم بالمسيرات والصواريخ التي انطلقت من إيران. أما طهران فقد كانت بحاجة إلى رد يحمل توقيعها ويعيد رسم قواعد الردع والاشتباك مع إسرائيل بعد سنوات من حرب الظل والمواجهة في المنطقة الرمادية. وكانت طهران تحتاج أيضًا إلى معادلة تضبط الوضع دون الانخراط في حرب مدمرة. فبعد سنوات من إدارة إيران الحذرة لحرب الظل مع إسرائيل جاء الهجوم الأخير على قنصليتها في دمشق ليتجاوز حدود المساحة الرمادية بكثير؛ فقد جاء بعد تدرج في الضربات وحساب لردود الفعل الإيرانية، فمنذ مطلع العام 2024 نفذت إسرائيل 29 ضربة ووصل عدد الضربات في 2023 إلى 40 ضربة و28 ضربة عام 2022 وكذلك الحال عام 2021، وقد استهدفت في معظمها أهدافًا وشخصيات إيرانية.
ولعل أهم ملمح إستراتيجي للهجوم الإيراني هو كشف مستوى الضعف الإسرائيلي، وما يمكن أن تكون عليه الصورة إذا ما دخلت المنطقة في مواجهة واسعة مباشرة. وهو الضعف الذي تحدثت عنه وسائل إعلام إسرائيلية واصفة الهجوم بالقول: تعرضنا لإهانة علنية ثقيلة وغير مسبوقة.. لقد انهار الردع الإسرائيلي الذي منع إيران من مهاجمتنا بشكل مباشر.
رسائل عديدة حاولت إيران بهجماتها التي وُصفت بأنها “تاريخية” توجيهها، وقد أسهم القرار الإسرائيلي برفع مستوى الصراع من خلال استهداف مبنى القنصلية الإيرانية في إعطاء إيران منفذًا لإنهاء إستراتيجية “الصبر الإستراتيجي” التي مارستها الجمهورية الإسلامية بمستوى عال من ضبط النفس على مدى سنوات.
لقد زادت كلفة قاعدة الغرب الاستعماري في المنطقة “إسرائيل” بصورة كبيرة منذ عمليات طوفان الأقصى وما زالت في ازدياد. ولعل السؤال يكمن في قدرة الغرب على الاستمرار في هذا الاستثمار الذي بدأ يصبح مكلفًا مع تصاعد المقاومة ضده، والتطور الذي تشهده عمليات المقاومة وتنوع أساليبها. ووفقًا لتقديرات قدمها قائد عسكري إسرائيلي سابق، هو رام أميناخ، فقد أنفقت إسرائيل ما قد يصل إلى 5 مليارات شيكل (نحو 1.35 مليار دولار) خلال ليلة واحدة من أجل التصدي للهجوم الذي أطلقته إيران باستخدام مئات المسيرات والصواريخ. والكلفة التي قدمها أميناخ، وهو مستشار اقتصادي سابق لدى رئاسة الأركان الإسرائيلية، تشمل فقط التصدي للمسيرات والصواريخ دون إدراج الخسائر الميدانية.
وسط هذا التصعيد تردد اسم الأردن كثيرًا، وتحدثت صحيفة يديعوت أحرونوت عن أن الهجوم الإيراني كشف عن التعاون الوثيق بين إسرائيل والأردن، وقالت الصحيفة: سمحت السلطات الأردنية للطائرات الإسرائيلية بحرية العمل الكاملة في الأجواء الأردنية، وهاجمت الطائرات الإيرانية بدون طيار، وبدا للحظة أن التعاون العلني والسري في عهد إسحاق رابين والملك حسين يعود إلى عهد عبد الله وبنيامين نتنياهو.
وعودة إلى الرسائل، فقد تنوعت ما بين داخلي وإقليمي ودولي:
داخليًّا: أرادت إيران أن ترسل لمواطنيها رسالة واضحة بأنها قادرة على مواجهة أي استهداف، وأنها سترد حماية لمواطنيها ومصالحها.
إقليميًّا: أرسلت إيران رسالة قوية بأنها ستقاتل دفاعًا عن نفوذها الإقليمي وجاءت هذه الرسالة ممزوجة برسالة أخرى تتعلق بعمليات التطبيع مع إسرائيل والرهان على العلاقة مع تل أبيب كضمان أمني؛ إذ نسف هجوم 14 أبريل/نيسان هذا الرهان.
دوليًّا: كانت ليلة الهجوم صورة من السيناريو الذي من الممكن أن تذهب إليه المنطقة إذا ما تصاعدت حالة المواجهة، فالخطر يحدق بالجميع، وأن أية ترتيبات في منطقة الشرق الأوسط لا يمكن أن تتم بتجاهل للدور الإيراني، وربما يكون ذلك مدخلًا مناسبًا للإطاحة بنتنياهو وتقديم مقاربة مختلفة للتعامل مع القضية الفلسطينية.
سجلت بعض المواقع الإيرانية تخمينات مفادها أن معظم الصواريخ التي استُخدمت هي صواريخ قديمة ورخيصة الثمن من صواريخ رضوان؛ إذ لم تستخدم إيران أسلحة متطورة في هذا الهجوم. ومع ذلك استطاعت اختراق القبة الحديدية التي جرى تحديثها مؤخرًا، فماذا لو استخدمت إيران صواريخها المتقدمة.
قالت تقارير إسرائيلية: إن 99٪ من المسيرات تم إسقاطها، لكن مصادر إيرانية تحدثت إليها الباحثة شكَّكت كثيرًا بهذه النسبة وقالت: إنها غير صحيحة مطلقًا.
من الواضح أن الإستراتيجية الدفاعية الإيرانية والتي تقوم على تجنب المواجهة قد أصابها بعض التغيير، وذلك تبعًا للتطورات التي أحدثها العدوان على غزة.
استخدمت إيران في استعراض القوة الذي أجرته الصواريخ والمسيرات وسيضع ذلك برنامجها الصاروخي وبرنامجها للمسيرات في دائرة الضغط الغربي بصورة غير مسبوقة، خاصة مع الدقة في استهداف قاعدة “نفاطيم” الجوية الإسرائيلية في النقب؛ حيث استطاع الصاروخ الإيراني مراوغة الدفاعات الجوية والوصول إلى الهدف. والقاعدة، وفقًا لوكالة إيرنا الرسمية الإيرانية، تقع في صحراء النقب قرب بئر السبع وهي قاعدة أساسية لطائرات “إف 35″، وتتحدث مصادر إيرانية أخرى عن وجود ما لا يقل عن 44 ضابطًا عسكريًّا وضباط من الموساد كانوا في القاعدة زيادة على أعداد أخرى فقُتل عدد منهم وأصيب آخرون.
وستتجاوز الضغوطات بشكل كبير تلك التي مورست بشأن برنامجها النووي، ولذلك ستكون إيران على موعد مع دورة جديدة من العقوبات الاقتصادية الخاصة ببرنامجها الصاروخي.
أما عقيدتها الدفاعية المتعلقة بتجنب امتلاك السلاح النووي فيبدو أنها تقترب من نهايتها أيضًا؛ إذ قد يكون العالم على موعد قريب مع إيران النووية.
المصدر : https://studies.aljazeera.net/ar/article/5898