رسائل متعددة: دلالات كلمة الرئيس “بوتين” في ذكرى يوم النصر

 أحمد السيد

 

أحيا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم النصر يوم الاثنين 9 مايو، احتفالًا بانتصار الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية على ألمانيا النازية باستعراض كبير للقوة العسكرية وخطاب من قلب الميدان الأحمر في موسكو؛ ربط فيه الحرب الجارية في أوكرانيا بانتصار الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية على ألمانيا النازية في خطاب ألقى باللوم فيه على الغرب في الصراع الحالي، دون أن يتضمن تصعيدًا جديدًا للوضع الراهن.

في ذكرى يوم النصر الذي تحتفل به روسيا كل عام في التاسع من مايو، تخليدًا لذكرى انتصارها على القوات النازية عام 1945؛ وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كلمته على مسمع ومرأى من المحاربين والجنود والمسؤولين العسكريين؛ موجهًا لهم التحية بمناسبة يوم النصر، الذي وصفه بالأهمية التاريخية لمصير العالم أجمع.  وذلك عندما حارب العسكريون على مشارف موسكو. طارحًا عددًا من المقارنات بين الحرب العالمية الثانية وما حدث عام 1954 والصراع الحالي في أوكرانيا والقتال في منطقة “دونباس”، من أجل ضمان الأمن الروسي.

وعلى عكس ما كان يخشاه بعض المسؤولين الغربيين؛ لم يتطرق بوتين في خطاب يوم النصر لشن حرب شاملة ضد أوكرانيا، أو تعبئة جنود الاحتياط الروس بالكامل في تلك الحرب، وبدلًا من ذلك، صب غضبه على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي و”النازيين” الذين يدعمونهم في كييف – مدعيًا أن الصدام “حتمي” وأن روسيا تحركت بشكل وقائي ضد أوكرانيا للدفاع عن نفسها.

تضمن خطاب الرئيس “بوتين” اتهامات متعددة لواشنطن والغرب وما وصفهم بالنازيين الجُدد في أوكرانيا، مٌستغلًا الذكرى السنوية لإبراز تفوق موسكو الأخلاقي على النازية وتوجيه بعض الرسائل، التي سنعمل علي إبرازاها وتحليل مضمون أهم ما جاء في كلمته في السطور التالية.

أجواء الاحتفالات

أقيمت احتفالات يوم النصر في 28 مدينة روسية، وشارك فيها 65000 شخص و2400 قطعة من المعدات العسكرية وأكثر من 400 طائرة. حيث ظهرت الدبابات الروسية من طراز T-34 التي تعود إلى الحقبة السوفيتية في الميدان، تلتها سلسلة من الدبابات الحديثة وعربات قتال المشاة وصواريخ إسكندر الباليستية قصيرة المدى. كما تم عرض أنظمة الصواريخ متعددة الإطلاق من طراز Tornado-G لأول مرة في ميدان الاحتفال. ولسوء الأحوال الجوية تم إلغاء استعراض جوي كان من المقرر أن يضم ثماني طائرات مقاتلة من طراز MiG-29 تحلق فوق الميدان الأحمر.

اللافت هذا العام أيضًا في ذكرى الانتصار أنه لم يشهد حضور دولي على مستوى الرؤساء مثلما كان الأمر في كل عام، وفسر الكرملين ذلك بأنه لم تتم دعوة أي من القادة الأجانب لحضور حدث هذا العام.

رسائل بوتين في خطاب النصر

استخدم “بوتين” اللعب على وتر المشاعر الروسية، عندما حمس جنوده بأنهم يُقاتلون منذ أكثر من 10 أسابيع في أوكرانيا من أجل بلادهم في عرض للقوة الروسية من قلب موسكو، وأن متطوعي “دونباس” يقاتلون جنبًا إلى جنب مع جنود الجيش الروسي على أراضيهم من أجل الوطن ومن أجل المستقبل حتى لا يكون هناك مكان للنازيين الجُدد. كما أكد على أن موت كل جندي وضابط هو بمثابة حزن كبير للجميع وأن الدولة ستبذل كل شيء لرعاية عائلات الضحايا ومساعدتهم، وتقديم الدعم للجرحى، وأن روسيا وقعت مرسومًا رئاسيًا في هذا الشأن.

كما تطرق للأهمية التاريخية لعيد النصر لكل مواطن روسي، والتضحيات التي قدمها الجنود وأسرهم ليتحقق هذا النصر، مؤكدًا على الفخر بهذا الجيل العظيم، وأن الجيل الحالي هو الوريث الشرعي لهؤلاء الأبطال، وركز على ضرورة إنشاء نظام أمن جماعي متكافئ وغير قابل للتجزئة، مُوضحًا أن نظام مثل هذا يُعد أمرًا حيويًا للمجتمع الدولي برمته.

جدير بالذكر أن روسيا اقترحت في ديسمبر الماضي إبرام اتفاق بشأن الضمانات الأمنية. ودعت الغرب إلى الدخول في حوار نزيه، بحثًا عن حلول وسط معقولة، لأخذ مصالح كل طرف بعين الاعتبار، لكن هذا الاقتراح لم ير النور بعد، واتهم “بوتين” دول الناتو بأنها لا تريد الاستماع لموسكو، مما يعني أن لديها خططًا مختلفة عن الرؤية الروسية. واتضح ذلك –على حد قوله – في سعي الغرب للقيام باستعدادات مكثفة على الحدود الروسية، وتهديد أراضي موسكو التاريخية في شرق أوكرانيا بما في ذلك شبه جزيرة القرم.

وانتقد زعيم الكرملين الغرب لتجاهله مطالب روسيا بضمانات أمنية، ورفضه اشتراطات موسكو بأن يوقف الناتو توسعه الشرقي، وللفشل في الموافقة على إقامة نظام أمني يضمن حماية متساوية لجميع الدول، وتحدث أيضًا عن عمليات القمع التعسفية في دونباس ومحاولات الحصول على السلاح النووي، كما تطرق لتوسع حلف الناتو على الحدود الغربية لروسيا، وكيف يٌشكل خطر حقيقي وتهديد جدي لروسيا وهو أمر غير مقبول وفقًا له.

كما انتقد في خطابه الدعم الأمريكي والغربي لليمين المتطرف والقوات النازية في أوكرانيا وتسليح الجيش الأوكراني بشتى أنواع الأسلحة، بينما روسيا تعمل للتصدي لكل ما من شأنه أن يُهدد الاستقرار. وذلك عندما تطرق لمساعي “كييف” لاقتناء أسلحة نووية، وتحرك الناتو لمساعدتها، الأمر الذي يعني تهديدًا غير مقبول لروسيا، ويُشكل تهديدًا مباشرًا لحدودها.

وبرر “بوتين” الصدام والهجوم الروسي الذي تم على أوكرانيا، في إشارة إلى الصدام مع ما وصفهم بـ “النازيين الجُدد” في أوكرانيا والمدعومين من الغرب والولايات المتحدة الأمريكية؛ وأن ذلك الصدام كان لا مفر منه. خاصة مع التعزيزات العسكرية التي كانت تجري من قبل الناتو، فضلًا عن عمل مئات المستشارين العسكريين والتسليم الدوري المنتظم للأسلحة الحديثة من قِبل الناتو لأوكرانيا؛ كل تلك الأمور التي رفضتها موسكو. لذا كان القرار الروسي بالتدخل العسكري ضروريًا وفي الوقت المناسب، وأنه قرار وقائي يعكس رؤية دولة مُستقلة وقوية ذات سيادة.

كما انتقد الهيمنة الأمريكية على العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وتدخلها في شؤون الدول الأخرى وفرض الإرادة الأمريكية على الآخرين. لكنه أكد أن روسيا لها طابع مختلف، وأنها لن تتخلى عن ذلك، ولن يتخلى الروس عن حبهم وإيمانهم بوطنهم وعن قيمهم التقليدية وعادات أسلافهم واحترامهم لجميع الثقافات والشعوب. عندما أوضح أن روسيا لن تتخلى عن القيم والعادات والتقاليد للأباء والأجداد الروس والاحترام لثقافات البلدان الأخرى.

ركز بوتين أيضًا على استمرار الهجوم في منطقة دونباس الشرقية، وذكره خمس مرات في خطابه، عندما أشار إلى أن الجنود الروس يقاتلون من أجل الشعب الروسي في “منطقة دونباس”. وإن ما يقومون به اليوم لا يقل عما قام به أجدادهم في 1945.

ردود الفعل الدولية

تزامن خطاب يوم النصر في الوقت الذي استعصى فيه الجيش الروسي على التقدم في أوكرانيا، على الرغم من القوة الروسية الكبيرة، إلا أنها وبعد أكثر من شهرين من الحرب لم تتمكن من هزيمة القوات الأوكرانية.

وفي الفترة التي سبقت يوم النصر هذا العام، تكهن المراقبون بشأن ما يمكن أن يحتويه خطاب بوتين. توقع بعض الخبراء أن يعبر بوتين عن انتصاره فيما يتعلق بغزو روسيا لأوكرانيا. وأشار آخرون إلى أن الرئيس الروسي قد يستخدم خطابه لإعلان ضم منطقة دونباس في شرق أوكرانيا، حيث أعلن الانفصاليون المؤيدون لروسيا جمهوريات انفصالية في عام 2014. كما كانت هناك تحذيرات من أن بوتين قد يعلن عن جهود تعبئة وطنية لتعزيز صفوف الجيش الروسي. لكن خطاب “بوتين” في الميدان الأحمر لم يتطرق لذكر كلمة “أوكرانيا” كثيرًا.

وعندما شن بوتين غزوًا واسع النطاق لأوكرانيا في 24 فبراير الماضي، بيَن الكرملين إن الهدف من “العملية العسكرية الخاصة” هو “نزع السلاح” من كييف. لكن في الأسابيع التي تلت ذلك، عانت القوات الروسية من سلسلة من الانتكاسات في ساحة المعركة واضطرت لسحب قواتها من عدة جبهات. وأدت جولات العقوبات التي استهدفت المسؤولين الروس وقطاعات الاقتصاد الروسي إلى عزل بوتين بشكل متزايد على الساحة العالمية وإلحاق الضرر بالاقتصاد الروسي.

وبعد ساعات من خطاب بوتين اتهمه الغرب وبعض المسؤولين –خاصة البريطانيين” بأنه يعكس سياسات الرئيس “أدولف هتلر” وأن بوتين ورجال دائرته المقربة يكررون أخطاء الأنظمة الشمولية في القرن الماضي، وأنهم يجب أن يواجهوا نفس المصير الذي واجهته القيادة العليا للنازية، كما وصفوا كثيرًا من تصريحات “بوتين” بأنها غير حقيقية ومنفصلة عن الواقع. بينما وصفت أوكرانيا القوات الروسية بالنازية، وأنها حتمًا ستنتصر في النهاية وسُيهزم الروس في على أراضي كييف.

ملاحظات ختامية

  • استخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطابه في 9 مايو للإشادة بالجهود الروسية الجارية في أوكرانيا وتعزيز إطار الكرملين الحالي بدلًا من الإعلان عن أي تغيير. ولم يعلن عن تصعيد أو إعلان انتصار في الحرب الروسية في أوكرانيا.
  • قد يشير خطاب بوتين إلى أن موسكو لم تُقرر بعد الخطة المناسبة بشأن كيفية إنهاء الحرب في أوكرانيا، فروسيا لم تحقق أهدافها بعد من التدخل العسكري، إذ لم تحقق موسكو ما كانت تصبو إليه من تحقيق النصر السريع، حيث إن تقدم القوات الروسية قُوبل بمقاومة أوكرانية شرسة مدعومة من الغرب.
  • بغض النظر عن أي تغيير – أو عدم تغيير – في أهداف الكرملين، يشير خطاب بوتين إلى أن الكرملين قد قرر على الأرجح الحفاظ على مستواه الحالي في الحرب. ومن غير المرجح أن يكون هذا المستوى كافيًا لتحقيق أهداف الكرملين للمرحلة الثانية الحالية من الحرب.
  • قام الكرملين بالفعل بتقليص أهدافه في أوكرانيا (من هدفه الأولي المتمثل في الاستيلاء على كييف وتغيير النظام بالكامل) ومن المرجح أن يفعل ذلك مرة أخرى – أو يضطر إلى القيام بذلك بسبب النجاحات الأوكرانية في ساحة المعركة.
  • من المرجح أن يسعى بوتين إلى احتلال وإضفاء الطابع الأمني ​​على ولايتي دونيتسك ولوهانسك الأوكرانية ومساحات شاسعة من جنوب أوكرانيا، والتي قد تضمها روسيا بعد ذلك. وأن يعلن الكرملين عن استفتاءات تدع إلى استقلال أجزاء من الأراضي الأوكرانية في الأسابيع المقبلة. وحقيقة أن الكرملين لم يفعل ذلك حتى الآن يشير إلى أنه ربما لا يزال يأمل في الحصول على أراض إضافية في أوكرانيا، أو أنه لم يحقق بعد إضفاء الطابع الأمني ​​الكافي والسيطرة على تلك المناطق.

في الأخير، لم يحقق فلاديمير بوتين أي انتصارات في أوكرانيا ليعلنها في يوم النصر. ولم يقدم خطابه في العرض العسكري في الساحة الحمراء أي صور واضحة عن موعد النصر أو كيف يمكن تحقيقه. وبدلًا من ذلك، بدا أن خطاب الرئيس الروسي يوم الاثنين 9 مايو، يوحي بأن الحرب التي توقعها الكثيرون أن تكون قصيرة وحاسمة، يمكن أن تكون عملية طويلة ومُستمرة.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/69843/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M