رهانات محركات النمو الثمانية: رؤية التحديث الاقتصادي الأردنية بين الواقع والمأمول

ليث العجلوني

 

عانى الأردن في فترة ما بعد “الربيع العربي” من ارتفاع في معدلات البطالة، وتباطؤ في معدلات النمو الاقتصادي، وزادت معاناته نتيجة تأثُّره بإغلاق حدوده مع سورية والعراق لمدة طويلة، فضلاً عمَّا رتبه سوء الإدارة الاقتصادية للبلاد من صعوبات تمويلية ومعيشية واجتماعية. وبعد جائحة كورونا، وما خلقته من تأثيرات سلبية على الاقتصاد الأردني، احتاج الأردن لإعادة إطلاق إمكاناته الاقتصادية، من خلال رؤية جديدة تُمكِّن اقتصاد البلاد من التعافي وصولاً للازدهار خلال الأعوام العشر المقبلة. وتستند رؤية التحديث الاقتصادي الأردنية إلى مجموعة من القطاعات، تشمل الصناعة والسياحة والتعليم، بالإضافة لمجموعة من الإصلاحات التشريعية، وعددٍ من مشاريع البنية التحتية الاستراتيجية التي ستُنفَّذ بالشراكة بين القطاعين العام والخاص.

 

تُسلِّط هذه الورقة الضوء على الرؤية الاقتصادية الجديدة للأردن، وما الذي تختلف فيه عن سابقاتها، والعقبات التي تواجه الرؤية وأهم المشاريع الاستثمارية الواردة فيها.

 

لماذا يحتاج الأردن إلى رؤية اقتصادية؟ 

يُعاني الأردن في المرحلة الراهنة من ارتفاع في معدلات البطالة التي وصلت إلى 22.9% بحلول نهاية العام 2022،[1] كما يعاني من ارتفاع معدلات الدين العام التي وصلت إلى نحو 110% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية العام نفسه[2]، وذلك نتيجة استمرارية عجز الموازنة العامة، ووجود اختلالات هيكلية أخرى في بيئة الأعمال مثل ارتفاع كُلَف الطاقة بشقيها الكهربائية والنفطية[3]، وانخفاض كفاءة الإدارة العامة، حيث حل الأردن في المرتبة 56 من بين 63 دولة شملها تقرير التنافسية العالمي للعام 2022، الصادر عن المعهد الدولي للإدارة والتنمية (IMD).[4]

 

ويُعاني الأردن أيضاً من مشكلات رئيسة فيما يتعلق بجودة الحياة، حيث وصل معدل الفقر في الأردن إلى أكثر من 24% في العام 2022.[5] وتشير أرقام دائرة الإحصاءات العامة الأردنية إلى أن نحو 51% من الأردنيين فوق سن الخمسين يُعانون من مرض السكري، كما يُعاني ثلث أطفال الأردن، و43% من النساء ضمن الفئة العمرية 15-49، من فقر الدم.[6] وعلى مستوى التعليم، تُعدّ درجات طلبة المدارس الأردنيين في البرنامج الدولي لتقييم الطلبة (PISA) متدنية بالنسبة لأقرانهم على مستوى العالم، إذ كان أداء الطلبة الأردنيين أقل من المتوسط العالمي في المباحث كافة (الرياضيات، والعلوم، والقراءة). أيضاً، يبين تقرير مؤشر رأس المال البشري 2020 أن 52% من الطلاب في سن 10 سنوات في الأردن يعانون من “فقر التعلم”، أي أن “52% من الأطفال في سن العاشرة لا يمكنهم قراءة نص بسيط واستيعابه في نهاية المرحلة الابتدائية، وهذه النسبة أعلى من متوسط فقر التعلم في المنطقة (48%)، ومن متوسط مجموعة دخل الأردن (38%)”.[7]

 

في ضوء هذا الواقع، وبعد الخروج من جائحة كورونا، أدرك صُنَّاع القرار في الأردن حاجة البلاد الماسَّة لحزمة إصلاحات اقتصادية متكاملة، الأمر الذي دفع الملك عبدالله الثاني لمخاطبة الرأي العام في يناير 2022 بخصوص ذلك، داعياً إلى تنظيم ورشة عمل وطنية في الديوان الملكي لإقرار رؤية اقتصادية تحدد ملامح الإصلاحات الاقتصادية في مختلف القطاعات للأعوام العشر المقبلة. وأقرَّ العاهل الأردني في رسالته بـ “تباطؤ مسيرة الإصلاح الاقتصادي في المملكة”، التي عانت أيضاً ضعفاً في العمل المؤسسي، وتلكؤاً في تنفيذ البرامج والخطط، وتمترساً بيروقراطياً، وانغلاقاً في وجه التغيير، وتغولاً للإشاعة، وتغييباً للحوار العقلاني الموضوعي، إضافة إلى ما خلفته أزمة كورونا من أعباء اقتصادية واجتماعية”، بحسب الرسالة الملكية.[8] وبناءً عليه أُقِرَّت الرؤية الاقتصادية في يونيو 2022، بعد مجموعة من ورش العمل التي عقدت في الديوان الملكي وجمعت أكثر من 500 خبير من مختلف قطاعات الأعمال في المملكة.

 

أهداف الرؤية، وركائزها، ومدى قابليتها للتنفيذ

أصدر الأردن في الأعوام العشرين الأخيرة نحو 11 خطة اقتصادية شاملة (انظر جدول رقم 1)، عدا عن العديد من الخطط القطاعية الأخرى، لكن الأردن -على الرغم من إقرار كل هذه الخطط- لا يزال يعاني من العديد من المشكلات الاقتصادية، والتي أشرنا إلى بعضها أعلاه، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى جدية الحكومات المتعاقبة في تطبيق تلك الخطط، ومدى استمراريتها في ظل التغير المستمر في الحكومات. مع ذلك، يُمكِن القول إن رؤية التحديث الاقتصادي الأخيرة تبدو مختلفة عن سابقاتها لعدة أسباب، أهمها: أنها، أولاً، جاءت في سياق تحديث كامل للدولة، إذ أُقرَّت بالتزامن مع برامج أخرى لتحديث المنظومة السياسية والمنظومة الإدارية والنظام القضائي. وثانياً، أن هذه الخطة اعترفت صراحة بعدم كفاءة تنفيذ الخطط التي أُقرِّت سابقاً بفعل غياب كفاءة التنفيذ، وغياب فعالية الأداء المؤسسي. ناهيك عمَّا واجه الخطط السابقة من تحديات عديدة طارئة مثل تدفق اللاجئين السوريين إلى الأردن نتيجة الأزمة السورية، وموجة اللجوء العراقي بعد احتلال تنظيم “داعش” للموصل، بالإضافة لانقطاع الغاز المصري. كما تمتاز الرؤية الجديدة، ثالثاً، بمتابعة مباشرة من الملك الأردني وولي عهده.

 

جدول (1): خطط وبرامج الإصلاح الاقتصادي التي أقرها الأردن خلال الفترة 2002-2022

1. برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي 2002-2004.
2. برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي 2004-2006.
3. الأجندة الوطنية 2006-2015.
4. البرنامج التنفيذي 2007-2009.
5. البرنامج التنموي التنفيذي 2011-2013.
6. برنامج عمل الحكومة 2013-2016.
7. البرنامج التنموي التنفيذي 2016-2018.
8. وثيقة “رؤية الأردن 2025”.
9. خطة تحفيز النمو الاقتصادي 2018-2022.
10. مصفوفة الإصلاحات الاقتصادية 2018-2024.
11. مشروع النهضة الوطني 2019-2020.

 

وتسعى رؤية التحديث الاقتصادي الأردنية إلى تحقيق هدفين أساسيين، هُما: تسريع النمو الاقتصادي في المملكة، وتحسين نوعية الحياة لقاطنيها، من خلال الاعتماد على ثمانية محركات أساسية هي الريادة والإبداع، والاستثمار، والخدمات المستقبلية، وتعزيز مكانة الأردن بوصفه وجهة عالمية، والصناعات عالية القيمة، والموارد المستدامة، ونوعية الحياة، واستدامة البيئة. وتُغطي المحركات الثمانية هذه خمساً وثلاثين قطاعاً اقتصادياً سيجري استهدافها من خلال 360 مبادرة إصلاحية واستثمارية مختلفة (انظر جدول رقم 2).

 

جدول (2): الأهداف الرئيسة لمحركات النمو الاقتصادي الثمانية المشمولة في رؤية التحديث الاقتصادي

المحرك الأهداف
الصناعات عالية القيمة يضم محرك الصناعات عالية القيمة تسعة قطاعات تندرج تحتها 104 مبادرات. يوجه المحرك عملية تنفيذ الاستراتيجيات المستقبلية للنهوض بالاقتصاد الصناعي الأردني وتحويل المملكة إلى مركز صناعي رئيس في المنطقة ومركز لتصدير المنتجات. سيولى اهتمام خاص لبناء سلاسل القيمة المتكاملة، وحفز الإنتاجية والابتكار، وتحقيق التآزر عبر المحفظة الصناعية في المملكة من خلال ربط القطاعات بسلاسة من حيث العرض والمعرفة وتدفقات السوق.
الخدمات المستقبلية يضم محرك الخدمات المستقبلية ثمانية قطاعات تندرج تحتها 85 مبادرة. يدعم هذا المحرك تحقيق طموحات المملكة لتطوير اقتصاد ضخم، وعالي القيمة، وموجه نحو التصدير، مع حضور قوي لاقتصاد المعرفة.
الأردن وجهة عالمية يضم قطاعين تندرج تحتهما 25 مبادرة. ويوجه هذا المحرك عملية تحويل المملكة إلى مقصد رئيس للسياح الدوليين المتخصصين، لاسيما في مجال السياحة الثقافية والطبيعية، والسياحة العلاجية والاستشفائية، والسياحة الدينية، وسياحة المؤتمرات، وكذلك لمنتجي الأفلام من خلال تطوير نظام متكامل متخصص على المستوى العالمي.
الريادة والإبداع يضم محرك الريادة والإبداع سبعة قطاعات تندرج تحتها 85 مبادرة. يوجه هذا المحرك عملية تنفيذ الجهود اللازمة لتطوير المهارات، وإعداد موارد وأنظمة ومؤسسات جاهزة للمستقبل كأساس للنمو الاقتصادي المستقبلي في المملكة، والنهوض بنوعية حياة المواطنين.
الموارد المستدامة يضم هذا المحرك قطاعين تندرج تحتهما 18 مبادرة. ويوجه المحرك عملية تنفيذ الجهود اللازمة لتحسين الاستخدام وتعزيز استدامة الموارد الطبيعية في مجالات الطاقة والمياه لإفساح المجال للنمو الاقتصادي في المملكة والنهوض بنوعية حياة المواطنين.
الاستثمار يضم محرك الاستثمار 16 مبادرة تهدف إلى جذب الاستثمار الأجنبي والمحلي المباشر، وتحسين بيئة ممارسة الأعمال. ويوجه هذا المحرك تطوير السياسات لتسريع عملية الاستفادة من الاستثمارات المحلية والدولية، والسعي للوصول إلى بيئة استثمارية تضاهي أفضل الممارسات في العالم.
بيئة مستدامة يضم محرك “بيئة مستدامة” ثلاثة قطاعات تندرج تحتها 20 مبادرة. يوجه المحرك عملية تنفيذ الجهود لتعزيز الممارسات المستدامة والإجراءات المتعلقة بتغير المناخ باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من تمكين نمو الأردن مع وضع الضوابط لحماية بيئة المملكة ومواردها للأجيال القادمة.
نوعية الحياة يضم محرك نوعية الحياة قطاعين تندرج تحتهما 13 مبادرة. يوجه المحرك عملية تنفيذ الجهود الشاملة المتمحورة حول المواطن والتي تركز على البيئة لتحسين نوعية الحياة وضمان تلبية معايير المعيشة الأساسية بشكل جيد مع خيارات متنوعة لنمط الحياة.

 

ومن الأهداف الرئيسة التي تسعى رؤية التحديث الاقتصادي لتحقيقها، استيعاب نحو مليون شاب وشابة في سوق العمل بحلول العام 2033، من خلال ثلاثة محركات رئيسة للنمو الاقتصادي، هي: الصناعات عالية القيمة، والخدمات المستقبلية، والسياحة[9]. ويواجه تحقيق هذا الهدف العديد من التحديات، إذ إن استحداث مليون وظيفة خلال عشرة أعوام يعني بالضرورة استحداث مئة ألف فرصة عمل سنوياً، وهذا يشكل أكثر من ضعف فرص العمل التي يولدها الاقتصاد الأردني حالياً، حيث كان متوسط عدد فرص العمل التي استحدثها الاقتصاد الأردني خلال الفترة 2010-2021 نحو 40 ألف فرصة عمل فقط، وهو عدد لا يُغطي أعداد الخريجين من الجامعات الأردنية من مرحلة البكالوريوس، هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار الملتحقين بسوق العمل من التعليم المهني، ومن غير المتعلمين، أو أولئك الحاصلين على درجات علمية أعلى من درجة البكالوريس.

 

ويُبيّن الشكل (1) أدناه عدد فرص العمل التي يستحدثها الاقتصاد الأردني سنوياً مقابل أعداد خريجي الجامعات الأردنية من مرحلة البكالوريوس. وبناءً على ذلك، فإن تحقيق مثل هذا الهدف يتطلب أمرين رئيسين: أولاً، تحقيق معدلات النمو القطاعي المطلوبة وصولاً لخلق الأعداد المستهدفة من فرص العمل؛ وثانياً، إصلاح المنظومة التعليمية إصلاحاً شاملاً، بما يعزز من مهارات الباحثين عن عمل في هذه القطاعات. وتُولي الرؤية مسألة إصلاح التعليم اهتماماً رئيساً، وذلك في مراحله المدرسية والجامعية، وفي قطاع التعليم المهني، من خلال حزمة إصلاحات متكاملة، وإدخال مهارات الثورة الصناعية الرابعة في منظومة التعليم الأردنية.

 

 

أما بالنسبة لمعدلات النمو التي تستهدفها الرؤية، فإنها تعد طموحة جداً ولن تتحقق إلا بالتزام كامل بتطبيق الرؤية، إذ تستهدف الرؤية معدل نمو في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمتوسط 5.6% بين الأعوام 2023 و2033،[10] وذلك مقابل تواضع توقعات صندوق النقد الدولي للنمو الاقتصادي في الأردن لذات الفترة كما يبين الجدول رقم 3 أدناه. وبالتالي، فإنه من غير المتوقع أن يتمكن الأردن من تحقيق المعدلات المستهدفة في ظل تدني توقعات صندوق النقد الدولي حول النمو الاقتصادي للأردن، بالإضافة لتدني مستويات النمو الاقتصادي عالمياً، وارتفاع معدلات التضخم، إذ يتوقع صندوق النقد أن يبلغ معدل النمو الاقتصادي العالمي في العام 2023 نحو 2.9% فقط، و3.1% فقط في العام 2024، مما قد يؤثر سلباً في المعدلات المستهدفة لنمو الصادرات الأردنية[11].

 

جدول (3): توقعات نمو الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي في الأردن، صندوق النقد الدولي[12]

السنة 2023 2024 2025 2026 2027 2028 2029 2030 2031
معدل النمو المتوقع 2.7% 2.7% 3.0% 3.0% 3.0% 3.0% 3.0% 3.0% 3.0%

 

ولتحقيق مستويات النمو التي تستهدفها الحكومة الأردنية في الرؤية، يجب أن تركز الحكومة على إنجاز إصلاحات ضرورية لإعادة إحياء بيئة الأعمال، مثل التقدم في إنجاز الحكومة الإلكترونية، إذ حل الأردن في المرتبة الـ100 عالمياً من بين 193 دولة مشمولة في مؤشر الحكومة الإلكترونية الصادر عن الأمم المتحدة عام 2022.[13] كما يتعيَّن على الأردن الإسراع في إجراءات تسهيل البيئة التشريعية للمستثمرين وتبسيطها، وهي خطوة ينص عليها البرنامج التنفيذي للرؤية. وعلى الرغم من وجود خطوات مماثلة، فإن البرنامج التنفيذي يُعَد عاماً نسبياً، إذ إن معظم الخطوات التي ينص عليها البرنامج التنفيذي لا تعدو أن تكون مجرد إشارات لإعداد خطط واستراتيجيات أخرى قطاعية بدلاً من أن تنص على إجراءات واضحة وقابلة للقياس وملموسة الأثر في واقع بيئة الأعمال. وبالتالي، فإن نجاح الرؤية مرهون بالمتابعة الحثيثة لتنفيذ الخطوات المذكورة فيها حتى لا تُعيد إنتاج الحالة التي يعيشها الأردن حالياً.

 

قطاعياً، يعد محرك الصناعات عالية القيمة الذي يرتكز بشكل أساسي على الصناعات الدوائية والغذائية والكيميائية قطاعاً واعداً ومهماً لتحفيز النمو الاقتصادي، إلا أن البرنامج التنفيذي للقطاع يُسهِب في العموميات، وبالتالي سيتوقف نجاح الأردن في الصناعات عالية القيمة على توضيح مسار الإصلاح في هذا القطاع، لاسيما فيما يخص أسعار الطاقة، وتعزيز فرص التصدير لأسواق جديدة حول العالم.

 

وبالنسبة لمحرك الخدمات المستقبلية، الذي يستند إلى قطاعات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والصناعات الإبداعية، فتتسم مصفوفة الإصلاحات المرتبطة به بالدقة النسبية، حيث يوجد خطوات واضحة ستتبعها الحكومة الأردنية من حيث تنظيم قطاعات التجارة الإلكترونية، والريادة والإبداع، والانتقال نحو خدمات اتصالات الجيل الخامس. مع ذلك، يبقى تحدي التعليم بمستوييه العالي والمدرسي حاضراً في هذا القطاع، لاسيما أنه يعتمد على رأس المال البشري بشكل رئيس.

 

وفيما يتعلق بمحرك “الأردن وجهة عالمية”، والذي يعتمد بشكل رئيس على قطاع السياحة، فيعد من القطاعات الواعدة، لكن الحكومة تعتمد بشكل رئيس في برنامجها على الترويج السياحي، بينما يتوجب صب المزيد من التركيز على النقل السياحي، وزيادة القدرة الاستيعابية في المواقع السياحية.

 

أما بالنسبة لبرنامج الحكومة في التحول للطاقة المستدامة، فيركز البرنامج التنفيذي على الغاز الطبيعي وإنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا، في ظل انخفاض التركيز على قطاعي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. كما تطرح الرؤية مجموعة من المشاريع الاستراتيجية التي ستنفذ بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهي مُبينة في القسم التالي.

 

الفرص الاستثمارية ومصادر التمويل 

إلى جانب مصفوفة الإصلاحات، يُشير البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي إلى مجموعة من المشاريع الكبرى أو الاستراتيجية التي ستُنفَّذ بالشراكة بين القطاعين العام والخاص. وتبلغ القيمة الكلية لهذه المشاريع نحو 10.5 مليار دينار أردني، أي نحو 14.8مليار دولار. وتضم مجموعة من مشاريع البنية التحتية، ومشاريع الطاقة، بالإضافة لمشاريع تعليمية، كما يُبيّن الجدول أدناه.

 

جدول (4): مشاريع الشراكة الاستراتيجية بين القطاعين العام والخاص في رؤية التحديث الاقتصادي

المشروع القيمة الاستثمارية

(بالدينار الأردني)

إدارة وتشغيل الميناء متعدد الأغراض ضمن منطقة ميناء العقبة الجديد 10
إدارة وتشغيل مطار الملك حسين الدولي في العقبة 50
إنشاء جامعة طبية/الصندوق السعودي الأردني 290
مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء 4000
مشروع تحلية ونقل المياه (الناقل الوطني) 3000
مشروع شبكة السكك الحديدية الوطنية (المرحلة الأولى: العقبة-عمان) 1900
مشروع الربط الكهربائي الأردني-العراقي 30
مشروع الربط الكهربائي الأردني-السعودي 39
رفع قدرة خط الربط الكهربائي بين الأردن ومصر إلى 1100 ميجا واط 40
إنشاء 15 مدرسة بالشراكة مع القطاع الخاص 46
مشروع حافلات التردد السريع BRT عمان – الزرقاء 140
مشروع إنشاء مباني ساحات الشحن والركاب لجسر معبر الملك الحسين الجديد 225
تطوير وتأهيل ميناء حاويات العقبة 300
مشاريع الدفع مقابل استخدام الطرق (Road Toll) 400
المجموع 10,470

 

وتعد المشاريع المذكورة أعلاه من أهم المشاريع التي ستسهم في تعزيز أمن الطاقة في الأردن، وخفض كلف الطاقة، بالإضافة إلى تعزيز منظومتي التعليم والنقل العامين. إلا أن تفاصيل هذه المشاريع وجدواها الاقتصادية لم تُنشَر بعد، وهذا ما يتوقف عليه قدرة الحكومة على جذب مستثمرين لهذه المشاريع.

 

أما بالنسبة لمشاريع الناتجة عن محركات النمو الثمانية المشمولة في الرؤية فيشكل قطاع التعدين أحد أهم القطاعات فيها، لاسيما فيما يتصل بالمنتجات الناشئة عن البوتاس والفوسفات مثل الأسمدة والمنتجات المعدنية والكيميائية المرتبطة بهامثل المبيدات ومشتقات الأحماض الكربوكسيلية وغيرها.

 

كذلك، يعد قطاع الصناعات الدوائية من القطاعات الواعدة في الأردن، ويُتوقَّع أن يبلغ حجمه نحو 2.4 مليار دولار بحلول العام 2033، بحسب تقدير رؤية التحديث الاقتصادي.

 

كما يشكل قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بالإضافة لقطاعات خدمات الأعمال، والصناعات الهندسية والإبداعية، أهم القطاعات ذات المردود الاستثماري المرتفع والكلفة المنخفضة، بسبب اعتماد هذه القطاعات بشكل كبير على الموارد البشرية، حيث تتوقع رؤية التحديث الاقتصادي ارتفاع صادرات الأردن من خدمات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلى نحو 6.3 مليارات دولار بحلول العام 2033.

 

وأخيراً، يعتزم الأردن تعزيز البنية التحتية فيما يتعلق بالنقل اللوجستي والتخزين، وهو ما قد يساعد البلاد على تعزيز مكانتها كمحطة للتكامل الإقليمي، من خلال الربط بين الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط.

 

خلاصة

تتسم رؤية التحديث الاقتصادي الأردنية للأعوام 2023-2033 بالطموح، إلا أن الوصول لهذا الطموح يتوقف على قدرة الحكومة الأردنية على الالتزام بتنفيذ الإصلاحات المذكورة في برنامجها التنفيذي، وخصوصاً التشريعية منها. وقد أظهر صُنَّاع القرار في الأردن، وعلى رأسهم الملك وولي عهده، جديتهم في تطبيق الرؤية والمتابعة الحثيثة لإنجازها.

 

وتتميز الرؤية بالتركيز على العديد من القطاعات الواعدة مثل خدمات الأعمال، والاتصالات، وتكنولوجيا المعلومات، والصناعات الدوائية، وقطاع التعدين، والتي تعد في الأصل قطاعات ناجحة ويمكن البناء عليها أردنياً.

 

إلا أن هنالك العديد من التحديات التي قد تواجه الأردن، من حيث بيئة الاقتصاد الكلي والتحدي المرتبط بالدين العام، والتحديات المماثلة المرتبطة بتطوير القطاع العام وتحديثه. أما بالنسبة للمشاريع الاستراتيجية التي ستُنفَّذ بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، فإن تنفيذ هذه المشاريع ونجاحها يتوقف على قيام الحكومة الأردنية بنشر دراسات الجدوى المرتبطة بالمشاريع الاستثمارية الواردة في البرنامج التنفيذي للرؤية.

 

ومن المتوقع أن تُحقِّق هذه المشاريع، في حال أُنجِزَت، عائداً استثمارياً مجزياً نتيجة تطور بيئة الأعمال في الإقليم، وقدرة دول أخرى كثيرة على توفير عوائد مجزية للمستثمرين في مختلف القطاعات التي تحاول الرؤية تحفيزها.

 


[1] مسح العمالة والبطالة، دائرة الإحصاءات العامة الأردنية، الربع الرابع 2022.

[2] البنك المركزي الأردني، النشرة الإحصائية الشهرية، مارس 2023. 

[3] بحسب أرقام الهيئة الدولية للطاقة، يُعدّ متوسط سعر الأنواع المختلفة للمشتقات النفطية في الأردن والبالغ 1.42 دولار أمريكي، من أعلى متوسطات الأسعار في المنطقة والعالم، ويتفوق على مثيله في دول الخليج العربي ودول شمال أفريقيا كافة، كما أنه أعلى من متوسط السعر في تركيا وإيران وأمريكا وكندا ودول أمريكا اللاتينية ما عدا الأوروغواي (انظر: https://bit.ly/3KaBiJj). أما بالنسبة لسعر بيع الطاقة الكهربائية لقطاعات الأعمال في الأردن فيعدّ أعلى من مثيله في دول المنطقة كافة ما عدا إسرائيل وعُمان (انظر: https://bit.ly/2KLRVP8). 

[4] تقرير التنافسية العالمي، تصنيفات الأردن، المعهد الدولي للإدارة والتنمية (IMD)، متاح على: https://bit.ly/4159q0i

[5] عبدالرحمن الخوالدة، “معدل الفقر هل هو سر يصعب الكشف عنه؟” صحيفة الغد، 8 مارس 2023. متاح على: https://bit.ly/3UdRRsz 

[6] دائرة الإحصاءات العامة، مسح السكان والصحة الأسرية 2017-2018، متاح على: https://bit.ly/414xlgk 

[7] ليث العجلوني، كيف وصلنا إلى هنا؟ ورقة بحثية تناقش الوضع الاقتصادي والاجتماعي في الأردن بين إصلاحات صندوق النقد والأداء الحكومي، عمان نت، 8 يناير 2022. متاحة على: https://bit.ly/40K3dqz 

[8] رسالة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى أبناء الوطن وبناته حول عقد ورشة عمل في الديوان الملكي لإقرار رؤية اقتصادية للمملكة، 30 يناير 2022. متاحة على: https://bit.ly/3Ubv00B 

[9] يشتمل محرك الصناعات عالية القيمة على قطاعات الزراعة والأمن الغذائي، والتعدين، والصناعات الغذائية، والصناعات الكيماوية، والصناعات الدوائية، وصناعة المحيكات/المنسوجات، والصناعات الهندسية، والخدمات اللوجستية، أما محرك الخدمات المستقبلية فيشتمل على قطاعات الاتصالات، وتكنولوجيا المعلومات، والصناعات الإبداعية، والأسواق والخدمات المالية، والرعاية الصحية، والتجارة الإلكترونية، والنقل. وبالنسبة للسياحة – الأردن وجهة عالمية – فيشمل السياحة في المواقع الأثرية، والتراثية، والطبيعية، والسياحة العلاجية، والسياحة الدينية، والسياحة المتخصصة، وصناعة الأفلام. 

[10] وثيقة رؤية التحديث الاقتصادي: إطلاق الإمكانات لبناء المستقبل، متاحة على: https://bit.ly/3nR7oCu 

[11] صندوق النقد الدولي، نشرة توقعات الاقتصاد العالمي، يناير 2023. متاحة على: https://bit.ly/3KmNHtE

[12] IMF Country Report No. 23/49, Fifth review under the extended arrangement under the extended fund facility and request for modification of performance criteria— press release; staff report; and statement by the executive director for Jordan, January 2023. https://bit.ly/3MskIrm 

[13] United Nations, Department of Economic and Social Affairs, E-Government Survey 2022. https://bit.ly/3GwF0fw 

 

.

رابط المصدر:

https://epc.ae/ar/details/featured/ruyat-altahdith-alaiqtisadi-al-urduniya-bayn-alwaqie-walmamul

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M