زيارة سلطان عُمان إلى الإمارات: مرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية

  • تبدو زيارة الدولة الأولى لسلطان عُمان، هيثم بن طارق، إلى دولة الإمارات، مثالاً جلياً للنهج الخليجي الذي يرفض فكرة ضرورة انتظار حل المعضلات الجيوسياسية المتعددة في الإقليم للشروع في أجندة اقتصادية طموحة، ومبادرات استثمارية كبرى.
  • كان مشروع الربط بالسكك الحديدية بين الإمارات وعُمان، بنداً محورياً في زيارة السلطان هيثم إلى الإمارات، التي تهدف لنقل العلاقات الثنائية بين الجارين إلى مرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية، والترابط الحيوي وبناء مستقبل مشترك أكثر طموحاً.
  • دولة الإمارات ماضيةٌ في بذل جهودها لتطوير التعاون بين حكومات العالم، انطلاقاً من قناعتها الراسخة بأن التحديات التي يواجهها العالم تتطلب عملاً مشتركاً، والتزاماً جماعياً بصياغة رؤى موحدة للعبور إلى مستقبل أكثر أماناً وازدهاراً.

 

لا شك في أنّ التصعيد العسكري الذي شهدته منطقة الشرق الأوسط، في الأسابيع الأخيرة، على إثر الضربات العسكرية المتبادلة بين إيران وإسرائيل يفرض ضغوطاً على دول الخليج العربية، ويضع مزيداً من التحديات على مقاربتها الداعية لنزع فتيل التوترات في الإقليم وتفضيل الحلول الدبلوماسية على العسكرية. لقد ألقى هذا التطور مزيداً من الوقود على النار المشتعلة بالفعل جرّاء الحرب المأساوية في قطاع غزة، والتي تترك تداعياتها على عموم المنطقة.

 

في هذا السياق، يبعث الحراك الدبلوماسي الخليجي في الأيام الأخيرة، رسالة واضحة بأنه لا تراجع عن توسيع محفظة الاقتصاد والاستثمار ومشاريع التطوير والتنمية، وأن دول مجلس التعاون ستظل تنتهج مقاربة بجناحين؛ إذْ ترى أن الانخراط الإيجابي والبنّاء مع التطورات الجيوسياسية العاصِفَة، وتأكيد الدعوة لخفض التصعيد والتهدئة، لا يتعارضانِ مع الاستمرار في مسار التنمية والعمران واللحاق بركب التطورات المتسارعة في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وإعادة هيكلة الاقتصاد للتكيّف والاستعداد لعصر ما بعد النفط.

 

وتبدو زيارة الدولة الأولى لسلطان عُمان، هيثم بن طارق، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، مثالاً جلياً لهذا النهج الخليجي؛ الذي يرفض فكرة ضرورة انتظار حل المعضلات الجيوسياسية المتعددة في الإقليم للشروع في أجندة اقتصادية طموحة، ومبادرات استثمارية كبرى.

 

مشروع الربط بالسكك الحديدية بين الإمارات وعُمان كان بنداً أساسياً في محادثات قادة البلدين (Anadolu via AFP)

 

وليس بلا دلالة أيضاً أن زيارة السلطان هيثم بن طارق إلى الإمارات تجيء بعد ظروف جوية ومُناخية قاسية شهدها البلدان في الأيام الماضية، الأمر الذي يُعزّز، في المحصلة، نهجاً إيجابياً في التعامل مع الأزمات وإدارتها والتعلّم من دروسها؛ من دون الوقوع في مصيدة إكراهاتها، وما تفرضه من تحديات قد تُغري بالخضوع السلبي لمقولة “الانتظار ريثما تمرّ العاصفة”.

 

والذي يحدث في الواقع، أن الخليج يعمل ما استطاع لصدّ العاصفة ومواجهة تحديات الأمن المتنوعة، لكنّه لا يتوقف عند هذا الحدّ الذي قد يُعطّل تنفيذ رؤاه وخططه الاستراتيجية التنموية الطموحة.

 

في الأيام الأخيرة، وفي أثناء الظروف الأمنية والبيئية العاصفة، كانت دولة الإمارات تُوقّع اتفاقيات شراكة اقتصادية جديدة شاملة مع كولومبيا وكوستاريكا، في تصميم ومثابرة على هدف ترسيخ مكانة دولة الإمارات مركزاً عالمياً للتجارة وبوابة رئيسة لتدفق السلع والبضائع والخدمات إلى قارات العالم المختلفة.

 

وفي خلال زيارة سلطان عُمان إلى الإمارات كان مشروع الربط بشبكة السكك الحديدية بين البلدين، باستثمارات إجمالية بقيمة ثلاثة مليارات دولار أمريكي، بنداً محورياً لنقل العلاقات الثنائية بين الجارين إلى مرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية، والترابط الحيوي وبناء مستقبل مشترك أكثر طموحاً.

 

ستعمل شبكة السكك الحديدية الإماراتية العُمانية على رفع كفاءة حركة الشحن، من خلال تقليل وقت السفر بين البلدين، والتخلص من التأخير المرتبط بالظروف الجوية وحركة المرور، وسيتمكن كل قطار من نقل ما يصل إلى 15 ألف طن من البضائع بسلاسة بين خمسة موانئ رئيسة، وما يزيد على 15 منشأة شحن متكاملة، في كلٍّ من الإمارات وعُمان.

 

ويعمل مسار الشبكة بين إمارة أبوظبي وولاية صُحار العمانية، ويمتد لمسافة 303 كيلومترات، بأعلى معايير الأمان والسلامة والبيئة لتقديم خدمات آمنة وسريعة، إذ تصل سرعة قطار الركاب إلى 200 كم في الساعة، ويقطع المسافة بين أبوظبي وصحار في 100 دقيقة، وبين العين وصحار في 47 دقيقة، بينما تصل سرعة قطار البضائع إلى 120 كم في الساعة.

 

المصدر: وكالة أنباء الإمارات (وام)، والعين الإخبارية.

 

وانسجاماً مع هذا المسار المستقبلي الواعد، ثمة تأكيد رسمي إماراتي بأن دولة الإمارات ماضية في بذل جهودها لتطوير التعاون بين حكومات العالم، انطلاقاً من قناعتها الراسخة بأن التحديات التي يواجهها العالم تتطلب عملاً مشتركاً، والتزاماً جماعياً بصياغة رؤى موحدة للعبور إلى مستقبل أكثر أماناً وازدهاراً.

 

في المحصلة، إنّ مثل هذه المبادرات بقدر ما تُعضّد التفكير الإيجابي وتنبذ الاستسلام للتشاؤم الذي تولّده الصراعات الدامية، فإنها (المبادرات) توطّد الأهمية الاستراتيجية المتزايدة لمنطقة الخليج، وتجعلها من بين المناطق الأوفر حظاً في العالم في انتهاز فرص أداء دور أكثر محورية في تشكيل مستقبل التجارة الدولية وخطوط النقل والطاقة ومشاريع الربط بين آسيا وأفريقيا وأوروبا.

 

المصدر : https://epc.ae/ar/details/brief/ziarat-sultan-oman-ila-aleimarat-marhala-jadida-min-alshiraka-alastiratijia

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M