زيارة مضادة: أهداف ودلالات زيارة الرئيس الجزائري إلى البرتغال

عبد المنعم علي

 

تُمثل زيارة الرئيس الجزائري “عبد المجيد تبون” إلى البرتغال، والتي بدأت في الثالث والعشرين من مايو 2023 واستمرت لمدة يومين، بمثابة تحرك مضاد للنشاط الدبلوماسي المغربي؛ إذ إنها تأتي في أعقاب تطور لافت في العلاقات المغربية البرتغالية ارتقت فيه طبيعة العلاقة إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، في ضوء التفاهمات والاتفاقيات التي تمت خلال الدورة الرابعة عشرة للاجتماع رفيع المستوى بين المغرب والبرتغال في الثاني عشر من مايو 2023.

وتُعد تلك الزيارة الأولى من نوعها منذ أكثر من عقدين، وتأتي في إطار تنشيط الدبلوماسية الجزائرية في العمق الأوروبي بعدما جاءت زيارته الأولى إلى إيطاليا في مايو 2022. ولعل هذه الزيارة استهدفت في شكلها الجانب الاقتصادي والتعاون التجاري؛ خاصةً وأن الوفد المرافق للرئيس “تبون” تضمن نحو 60 من رجال الأعمال الجزائريين للمشاركة في منتدى أعمال جزائري برتغالي في العاصمة لشبونة.

أهداف متباينة

إن الزيارة التي قام بها الرئيس عبد المجيد تبون سبق وأن تم الترتيب بشأنها في ضوء المحادثة التي أجراها وزيرا خارجية الدولتين في الحادي عشر من أبريل 2023؛ بغرض تعزيز التعاون وتكثيف الحوار السياسي بينهما. وتحمل هذه الزيارة في طياتها جملة من الأهداف يمكن بلورتها على النحو التالي:

تشكيل تحالف غير كلاسيكي: إن الجزائر وفي ضوء انكفائها على الدائرة الأفريقية بصورة أساسية على مدار فترة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، جاءت دبلوماسية “تبون” لتحقق توسعًا عرضيًا على صعيد ثلاثة دوائر هي: الأفريقية، والعربية، والأوروبية. مع كسر حاجز النمط التقليدي في تحالفاتها وتفاعلاتها الخارجية؛ فلم تُعد فرنسا الوجهِة الرئيسة للجزائر، بل تبحث عن شركاء جدد في إطار الدائرة الأطلسية، وتتركز بصورة كبيرة على إيطاليا والبرتغال.

وذلك عقب حالة التصدع المستمرة في علاقاتها بفرنسا وخسارتها للعديد من المواقف الداعمة لها مثلما هو الحال بالنسبة لإسبانيا وكذلك ألمانيا. فهي تسعى بصورة كبيرة إلى تعزيز وتنويع علاقاتها الدولية في الدائرة الشمالية للمتوسط كخيارات بديلة لإسبانيا التي تشهد تراجعًا كبيرًا في علاقاتها مع الجزائر في مقابل تعزيز تفاعلاتها مع الرباط وانحياز مدريد للمبادرة المطروحة من جانب المغرب فيما يتعلق بملف الصحراء الغربية.

تحييد البرتغال ومجابهة التحرك المغربي: إن المتأمل لزيارة الرئيس الجزائري للبرتغال يجد أنها جاءت بالتزامن مع حالة التطور التي تشهدها العلاقات البرتغالية المغربية، ومساعي الرباط إلى اقتناص اعتراف برتغالي بالسيادة المغربية على الصحراء. وفي المقابل، تسعى الجزائر إلى تحييد البرتغال في هذا الملف؛ خاصةً وأنها أبدت دعمها للسيادة المغربية على الصحراء الغربية وأهمية تفعيل الطرح المغربي المتعلق بالحكم الذاتي؛ وفقًا لما نوّه عنه رئيس الوزراء المغرب “عزيز أخنوش” خلال اللقاء الذي جمعه بنظيره البرتغالي “أنطونيو كوستا”. وفي ضوء تراجع الزخم والتوجه الأوروبي حيال مسألة تصفية الاستعمار، تسعى الجزائر إلى إحياء علاقاتها الأطلسية؛ استمرارًا للحصول على الدعم أو تحييد تلك الدول في تعاطيها مع ذلك الملف الذي يُعد أولوية على أجندة الدبلوماسية الجزائرية.

إعادة دفع العلاقات عبر ورقة الغاز: دائمًا ما توّظف الجزائر ورقة الغاز والطاقة في تفاعلاتها مع الجانب الأوروبي، خاصة بعدما تأزمت العلاقات مع روسيا التي كانت تُعد المورد الرئيس للغاز إلى العديد من الدول الأوروبية. وتتسق الزيارة مع مسار التحرك الجزائري فيما يتعلق بتوقيع اتفاقية صفقة أنابيب الغاز مع نيجيريا لإعادة تسيل وتصدير الغاز إلى أوروبا، عبر توقيعها لمذكرة تفاهم مشترك مع نيجيريا لتنفيذ مشروع خط انابيب يستهدف نقل الغاز النيجيري إلى أوروبا عبر النيجر والجزائر، وفي ضوء ما تضخه بما يعادل 80 بالمائة من الاحتياجات الطاقة البرتغالية عبر الأنبوب الذي يصل إسبانيا، حيث تستورد البرتغال 2,5 مليار متر مكعب سنويًا من الغاز الجزائري، عبر أنبوب “ميد غاز” الذي يصل إلى إسبانيا، وفق اتفاق عُقد بين البلدين عام 2019. ومن ثّم فإن الزيارة تستهدف تثبيت حضور الجزائر في خضم معادلة الطاقة وعدم الإطاحة بها، خاصةً وأن المغرب قد بدأ تحركات على هذا المستوى.

مخرجات ورسائل متعددة

لقد تمخّض عن زيارة الرئيس الجزائري توقيع عدد من الاتفاقيات في مجالات متعددة في قطاعات استثمارية واقتصادية مختلفة، علاوة على مجالات: التكنولوجيا، والحوكمة الرقمية، والتحديث والتبادل الثقافي، وكذلك إعلان نوايا لتعزيز التعاون الثنائي في المجالات المختلفة التي تحقق مصالح البلدين. وتسعى الجزائر إلى اختراق الجغرافيا الأوروبية في الجانب الاقتصادي؛ بحثًا عن مكانة حيوية وفعّالة في إطار الشراكات التي تسعى إلى تكوينها في أوروبا.

وبالنظر إلى الأهمية الاقتصادية للبرتغال ونجاحها في ملف الطاقة المتجددة، وفي ضوء تطلع الجزائر لتحقيق ذلك في استراتيجياتها الوطنية؛ فهي تسعى إلى تشبيك علاقاتها مع البرتغال. ومن ثم كانت زيارة “تبون” إلى لشبونة فرصة للجزائر للبحث عن بدائل جديدة عن السوق الإسبانية في إطار توقف/ تجميد الاتفاقية الثنائية بينهما.

وبالنظر إلى الرسائل التي حملتها الزيارة فقد أشارت إلى فك الارتباط بالحليف التقليدي وأن الجزائر لم تُعد تعّول على فرنسا كشرك رئيس بل تفتح نوافذ اتصال متعددة بالعديد من الدول الأوروبية في مجالات الاقتصاد والطاقة والتي من المحتمل أن تصطف لصالح الجزائر فيما يتعلق بأهمية إجراء استفتاء على المناطق المتنازع عليها في الصحراء.

واتصالاً بالسابق؛ وفي إطار النظر إلى رسائل الزيارة فهي تؤكد على أن الجزائر لا تزال تستهدف إبقاء الشراكة الجزائرية الأوروبية قوية ومستمرة، وأن توتر علاقاتها مع بعض الدول سواء إسبانيا أو فرنسا إنما هو في ضوء علاقات منفردة وليست شاملة لكافة دول الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي ترغب الجزائر من خلاله بوساطة برتغالية لتهدئة التصعيد المتبادل من جانب الجزائر وإسبانيا، خاصةً وأن الأخيرة تتقاسم وإسبانيا حدودًا مشتركة في شبه الجزيرة الإيبيرية.وإجمالاً؛ إن الدبلوماسية الجزائرية باتت تتوسع بصورة عرضية على صعيد دوائر الحركة الثلاث الأفريقية والعربية والأوروبية، وبات هناك نهج مغاير لما كانت عليها الدبلوماسية الجزائرية عبر الاعتماد على حليف واحد وهو فرنسا. ولكن تتحوّل الجزائر بصورة جذرية لتغير أولوياتها في التعاطي مع الجانب الأوروبي بتوسيع قاعدة تفاعلاتها عبر توظيفها الجيد لورقة الغاز. ولا تبتعد تحركات المغرب عن النشاط الدبلوماسي الراهن للجزائر، لذا يمكن القول إن تلك الزيارة هي بمثابة تحرك مضاد للدوائر التي تسعى الرباط إلى اختراقها.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/77507/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M