سبل استرجاع الشعور بالمواطنة

علي حسين عبيد

 

يعني مصطلح المواطنة أن هذا الفرد أو ذاك يتمتع بعضوية بلد ما، ويستحق بذلك ما ترتّبه تلك العضوية من امتيازات. وفي معناها السياسي، تُشير المواطنة إلى الحقوق التي تكفلها الدولة لمن يحمل جنسيتها، والالتزامات التي تفرضها عليه؛ أو قد تعني مشاركة الفرد في أمور وطنه، وما يشعره بالانتماء إليه.

أما من حيث المنظور الاقتصادي والاجتماعي، فيُقصد بالمواطنة إشباع الحاجات الأساسية للأفراد، بحيث لا تشغلهم هموم الذات عن أمور الصالح العام، وفضلاً عن التفاف الناس حول مصالح وغايات مشتركة، بما يؤسس للتعاون والتكامل والعمل الجماعي المشترك.

أما ما تعنيه المواطنة من الناحية المدنية فهو ضمان الحرية الفردية، وحرية التعبير والاعتقاد والإيمان، وحق التملك، والحق في العدالة، وتحقيق العنصر المدني في المواطنة في المؤسسات القضائية. وفي الجانب السياسي يحق لكل مواطن ينتمي لدولة ما، الحق في المشاركة بالحياة السياسية، بوصف المواطن عنصراً فاعلاً في إعطاء الشرعية للسلطة السياسية، من خلال الانتخابات الحرة وتمثيل الفرد من خلال البرلمان.

ومن الناحية الاجتماعية تعني المواطنة تمتع المواطن بخدمات الرفاهية الاجتماعية وإشباع حقوقه الاقتصادية، والتي تتضمن التعليم، وحسن الرعاية الصحية، على سبيل المثال لا الحصر. ولهذا يُقال عن كل كائن بشري أنه يتمتع بالمواطنة، إذا كان يتمتع بخصائص اجتماعية معينة، لها معناها السياسي المعتد به قانوناً، مثل الحقوق والواجبات، والالتزامات، والحرية في اتخاذ القرارات، التي تمثل شأناً يتصل بمصلحته الخاصة، وفي المشاركة في المصالح العامة، وكذلك المشاركة في المجتمع المدني.

المواطنة شعور فردي وجمعي

ويُصطلح على تسمية هذه المواطنة “بالمواطنة الأساسية أو الفعلية”، وذلك في مقابل التمتع بالمواطنة الرسمية، وهو المصطلح الذي أصبح من المعتاد في هذا العصر أن يقتصر معناه على كون الفرد عضواً في دولة معينة عبر اكتساب الجنسية والانتماء الإداري لهذه الدولة أو تلك.

المواطنة يمكن أن تكون شعور فردي وهناك أيضا شعور جماعي، وغالبا ما يكون الشعور الجمعي أقوى وأكثر أهمية لكن الشعور الفردي بالمواطنة له أهميته أيضا كونه يشكل حصيلة المواطنة الجماعية، والسؤال الذي يتداوله نسبة واضحة من العراقيين لماذا ضعف الشعور بالمواطنة، وبعضهم يؤكد انعدام هذا الشعور بشكل كامل.

إن الوطن الذي ينتمي له الإنسان هو الذي يضمن له حياة حرة كريمة، من حيث السكن والإطعام وفرص العمل والمشاركة السياسية والرفاهية وسواها، وأي تقصير في الخدمات الأساسية، يعني ضعف الشعور بالمواطنة.

ولعل أخطر الأسباب في انطفاء ومحو الشعور بالمواطنة، هو عدم انتماء الفرد إلى الدولة والمجتمع والشعور بحالة من الاغتراب والسلبية والعزلة الذاتية، لكن هناك فرق بين الشعور الفردي والجمعي بين الأنا والجماعة، بل توجد فوارق كثيرة، فالأول يعني الفرد الواحد وكل ما يتعلق به، من تفكير وسلوك وطموحات وأهداف وسواها، أما الثاني فيعني الجماعة، بغض النظر عن حجمها في النوع والكم.

فقد تكون عائلة، أو فئة، أو طائفة، وقد تكون مجتمعا لدولة ما، وعندما نتابع حركة الطرفين ونشاطهما من اجل بلوغ الاهداف، فإننا سنكتشف معادلة أولية، تؤكد على أن الأنا عندما تفضّل نفسها على الجماعة، هذا يعني أن هناك انحدارا يسير فيه الطرفان، الفرد والمجتمع، وهذا يعني تدميرا للمواطنة والشعور بالانتماء للوطن مقابل ضمان الحياة الكريمة.

لذلك من الخطأ أن يفضّل الفرد مصالحه على الجماعة وعلى الوطن، فعندما يعمل الفرد لذاته، ومنافعه، ومصالحه، بغض النظر عمّا يلحق الجماعة من ضرر، فإن عامل الهدم هنا يتفوق على عامل البناء، لنكتشف بلا أدنى ريب، أن المجتمع الذي تتفوق فيه وتطغي عليه الفردية، سوف ينحدر نحو الهلاك.

مردودات الشعور بالمواطنة

المواطنة ليست فردية فقط، ولهذا لن تكون هذه الفردية شخصا واحدا، وإنما قد تكون مؤسسة، أو منظمة، أو حزبا سياسيا، بل السلطة التنفيذية نفسها، قد تتصرف بطريقة فردية عندما تقصي الشعب، وتصادر الحريات، وتتصرف إداريا وسياسيا بمفردها بعيدا عن ضوابط الدساتير والديمقراطية وشرعية السلطة، وهذا ما يؤدي بالنتيجة إلى انهيار الشعور بالمواطنة على المستوى الفردي والجمعي في نفس الوقت.

ولعل أكثر الاسباب وضوحا في تدمير الشعور بالمواطنة، هي تلك التي تنشأ على قاعدة المنفعة واقصاء الآخر، بمعنى تنسى الحكومة أن إدارة الدولة جماعية، تقوم على منهج مؤسساتي دستوري، لا يجوز التجاوز عليه او التغاضي عنه، أو ايجاد البدائل التي تلتف على مقررات الدستور واستقلالية عمل مؤسسات الدولة، إذ يتضح اسلوب التفرد وتضخيم الفردية على حساب الجماعة بصورة لا تقبل التأويل او الشك.

ومن هذه النقطة تبدأ خطوة الانحدار نحو الفردية، وإقصاء الحقوق ومحاصرة الحريات، وبالتالي محاصرة مستمرة وتدمير مستمر للشعور بالمواطنة، ولكي نسترجع هذا الشعر بشكل حقيقي ونحافظ عليه في نفوسنا وشعورنا الأصيل لابد من اتخاذ خطوات مهم منها:

– الاهتمام بالمجتمع وتوفير الحياة الكريمة للجميع.

– الحرص على توفير فرص عمل متكافئة من دون تمييز أو تفاضل غير مبرر.

– إشعار الفرد بأن حقوقه محمية ليس بالكلام أو القرارات المكتوبة وحدها وإنما إقرانها بالتطبيق الفعلي في الواقع.

– ضمان الحقوق السياسية لكل فرد.

– ضمان حقوق التعليم بشكل كامل وحقوق التطبيب والضمان الاجتماعي.

– توضيح الخط الفاصل بين حقوق المواطن وبين الواجبات التي تجب عليه القيام بها.

– عندما يشعر الفرد والمجتمع بأن حقوقه محمية، وأن حياته مكفولة، لن يتردد في تأدية واجباته المعلنة والمعروفة والمحددة قانونيا ودستوريا.

من خلال النقاط في أعلاه يمكن للنظام السياسي بشكل عام وللسلطة التنفيذية تحديدا، أن تفعّل مبدأ الشعور بالمواطنة، وسوف تكون هناك مردودات إيجابية كبيرة تعود بالفائدة على الفرد والمجتمع، وعلى النظام السياسي، حيث الاستقرار، وتعاظم الشعور بالمواطنة وبالتالي تماسك البنية الاجتماعية، ومؤازرة البنية السياسية، وهذا التداخل والتوازن يصنع سلطة متوازنة ودولة مستقرة وشعور حقيقي بالمواطنة الأصيلة.

 

.

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/34232

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M