سقوط الاستقرار الاقتصادي.. ماذا يجري في إيطاليا؟

إيهاب عمر

 

أعلن الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، حل البرلمان يوم الخميس 21 يوليو 2022 عقب انهيار الائتلاف الحاكم وتقديم رئيس الحكومة ماريو دراجي استقالته، على أن تعقد الانتخابات المبكرة في 25 سبتمبر 2022. وسادت حالة من الصدمة لدى الرأي العام الإيطالي، في ضوء نجاح حكومة دراجي في تحقيق الاستقرار للأسواق والسياسة الإيطالية بعد سنوات من الأزمات المتتالية، حتى أن صحيفة «لاريبوبليكا» عنوت خبر الاستقالة على صفحتها الأولى بـ«إيطاليا تعرضت للخيانة»، فيما عنونت صحيفة «لاستامبا» الخبر بـ«عار عليكم».

كانت الأزمة الإيطالية قد دخلت فصلًا جديدًا نهاية عام 2020 بسبب التداعيات الصحية والاقتصادية لجائحة كورونا، حيث كانت الجمهورية الإيطالية هي المتضرر الأول جراء انتشار الوباء في القارة الأوروبية وأصبحت مثالًا لسرعة تفشٍ الوباء.

وقررت الأحزاب الإيطالية المنضوية تحت سقف البرلمان تجاوز خلافاتها السياسية والأيدولوجية، وتشكيل حكومة إنقاذ بقيادة رجل الاقتصاد الكفء ماريو دراجي من أجل تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية عاجلة، حتى تستحق روما الحصول على المساعدات المقررة من الاتحاد الأوروبي، من أجل إنقاذ الدولة من تداعيات أزمة الإغلاق الكبير التي واكبت وباء كورونا عام 2020.

وشكلت الوزارة الائتلافية في 13 فبراير 2021، واستطاعت تحقيق استقرار سريع في الاقتصاد الإيطالي الذي يصنف رغم كافة مشاكله القوة الاقتصادية الثالثة على مستوى دول الاتحاد الأوروبي، ونفذ إجراءات سريعة في الإصلاح الاقتصادي والابتكار الرقمي والانتقال البيئي، وظفر بـ 230 مليار يورو مساعدات عاجلة من الاتحاد الأوروبي، وتم تحديث النظام القضائي ولوائح الضرائب، كما هدأت المشاحنات السياسية بين تيارات اليمين والوسط واليسار الإيطالي، وكان يفترض أن يظل دراجي في منصبه حتى موعد الانتخابات البرلمانية عام 2023، وللمفارقة فإن دراجي كان المرشح التوافقي الأبرز لتشكيل الوزارة عقب انتخابات 2023 إذا ما استمرت إيطاليا في انتخاب برلمان معلق، أي بلا أغلبية واضحة.

وكان دراجي هو أول حاكم على مستوى العالم يفرض شهادة التلقيح كشرط للسفر وممارسة جميع الأنشطة المهنية تقريبًا، رافضًا تخفيف القيود الوقائية حتى مرحلة متأخرة جدًا رغم الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي تعرّضت لها حكومته، مما جعله ينتشل إيطاليا من براثن كورونا الذي أودى بحياة الكثير من أبناء العرق الروماني.

ولكن مع اندلاع الحرب الأوكرانية في 24 فبراير 2022، تدهورت سريعًا الأحوال الاقتصادية في إيطاليا، على ضوء نقص إمدادات الغاز والنفط، وتعثر سلاسل الإمداد والقوافل التجارية حول العالم جراء العقوبات الغربية على روسيا.

وتحولت قضية دعم إيطاليا للحكومة الأوكرانية إلى قضية شعبية وبرلمانية، حيث وفرت روما العديد من شحنات السلاح  للجيش الأوكراني، ولكن هذا الاتجاه حصد حالة من الرفض الشعبي، ترجمته حركة النجوم الخمس عبر كتلتها البرلمانية التي رفضت تقديم المزيد من شحنات السلاح إلى كييف.

تصدعت حركة النجوم الخمس، واشتعل الخلاف بين أركان الائتلاف الحزبي، سواء حركة النجوم الخمس أو حزب “إيطاليا إلى الأمام” والحزب الديمقراطي، وحاول الرئيس ماتاريلا ورئيس الوزراء دراجي الحفاظ على الائتلاف الحاكم دون جدوى.

وبذلك أسدل الستار على أنجح حكومة إيطالية منذ عقود، رغم عمرها القصير الذي لم يتجاوز 17 شهرًا، على يد رئيس وزراء جاء بالتوافق بين الأحزاب وليس بناء على نتائج الانتخابات البرلمانية.

وتسود حالة من النقاشات الفلسفية في بيوت السياسة الإيطالية عقب استقالة دراجي، ما بين سياسة “إيطاليا الأوروبية” التي سنها دراجي إلى درجة أن روما صعدت جنبًا إلى جنب مع ألمانيا وفرنسا في الملفات الرئيسة للاتحاد الأوروبي مثل الحرب الأوكرانية، أو العودة إلى سياسة التقارب مع روسيا التي سنها رئيس الوزراء الأسبق سيليفو بيرلوسكوني ويؤيدها نائب رئيس الوزراء الأسبق ماتيو سالفيني، وكلاهما مرشح بارز للظفر بالأغلبية البرلمانية في الانتخابات المقبلة.

وتعقد الانتخابات المبكرة بعد شهرين على الأكثر من حل البرلمان، وأمام الأحزاب الإيطالية 60 يومًا لعرض برامجها على الرأي العام الإيطالي الساخط من الأحزاب الثلاثة التي أدت سياستها في البرلمان إلى سقوط الوزارة وحل البرلمان.

أبرز الأحزاب الإيطالية في انتخابات سبتمبر 2022

1 – حزب الرابطة: ينتمي إلى اليمين القومي وتشكل تحت اسم “حزب رابطة الشمال” مطالبًا باستقلال “إيطاليا الشمالية”، يرأسه ماتيو سالفيني الذي قبل الانضواء في ائتلاف حكومي برئاسة جوزيبي كونتي ما بين عامي 2018 و2019، حيث شغل سالفيني في تلك الفترة منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية. مع انقسام كتلة حركة النجوم الخمس، أصبح حزب الرابطة اليوم هو صاحب الكتلة الأولى في البرلمان المنحل.

ويسعى سالفيني لتشكيل الوزارة الإيطالية المقبلة، وقدم استقالته من منصبه الوزاري عام 2019 على أمل الذهاب لانتخابات مبكرة توفر له فرصة تشكيل الوزارة، ولكن النخب الإيطالية أعادت تشكيل الوزارة دون حزبه وخسر سالفيني رهانه السياسي آنذاك.

2 – حزب إيطاليا إلى الأمام “فورزا إيطاليا”: معقل اليمين المحافظ الإيطالي التقليدي، أسسه ويرأسه الملياردير سيليفو بيرلوسكوني، الذي شكل الوزارة الإيطالية من قبل ثلاث مرات، وشكل أكثر من حزب لترجمة هيمنته وسيطرته على تيار اليمين المحافظ الإيطالي مطلع التسعينيات وحتى اليوم. ويبلغ سيليفو بيرلوسكوني عامه الـ 85 عقب بضعة أيام من إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة، ومع ذلك لم يخف السياسي العتيد رغبته في تشكيل الوزارة الإيطالية للمرة الرابعة.

ويخوض حزب إيطاليا إلى الأمام الانتخابات المقبلة في تحالف مع حزب الرابطة تحت عنوان “تحالف يمين الوسط”، وتشير استطلاعات الرأي الصحفية حتى الآن إلى أن هذا التحالف هو الأوفر حظًا لتشكيل الوزارة المقبلة.

3 – حركة النجوم الخمس: أسسها الممثل الكوميدي بيبي جريلّو من رحم الاحتجاجات الشعبية التي واكبت الأزمة الاقتصادية العالمية (2008 – 2013)، وسرعان ما اكتسبت مساحات كبرى في البرلمان الإيطالي خلال انتخابات 2013 وصولًا إلى الظفر بالأغلبية في انتخابات 2018، يرأسها حاليًا رئيس الوزراء السابق جوزيبي كونتي الذي ظفر برئاسة الحركة عقب سقوط وزارته.

وفي عام 2022، قاد وزير الخارجية لويجي دي مايو انشقاق داخل الحركة مؤسسًا “حركة معًا من أجل المستقبل”، ما جعل حركة النجوم الخمس تخسر الأغلبية البرلمانية لصالح حزب الرابطة. وتضررت شعبية الحركة جراء سياسات حكومة جوزيبي كونتي ما بين عامي 2018 و2021، وكذلك موقفها داخل البرلمان الذي عجل بسقوط حكومة ماريو دراجي وحل البرلمان.

4 – الحزب الديمقراطي: معقل اليسار التقليدي الإيطالي، يرأسه حاليًا إنريكو ليتا الذي شكل الوزارة الإيطالية ما بين عامي 2013 و2014، وتضررت شعبية الحزب عام 2016 حينما قام ماتيو رينزي رئيس الوزراء والحزب بطرح استفتاء شعبي حول تعديلات دستورية لإعادة هيكلة الجمهورية الإيطالية، وصوت الإيطاليون بـ “لا” في الاستفتاء الدستوري الذي عقد في 4 ديسمبر 2016 ما جعل رينزي يقدم استقالته وتدخل إيطاليا أزمة سياسية مستمرة حتى اليوم.

كما تضررت شعبية الحزب جراء موقفه داخل البرلمان الذي عجل بسقوط حكومة ماريو دراجي وحل البرلمان. وفي عام 2019 انشق ماتيو رينزي مع مجموعة من ساسة الحزب لتشكيل حزب “تحيا إيطاليا”.

5 – حزب إخوة إيطاليا: معقل اليمين القومي الجديد، تميز الحزب عن حزب الرابطة في رفضه الانخراط بالائتلاف الحاكم عامي 2018 و2021 والبقاء في المعارضة، ما رفع شعبيته بين الناخبين الرافضين للنخب السياسية الحاكمة. وتأسس عام 2012، ويرأسه حاليًا جيورجيا ميلوني التي تسعى لأن تصبح أول سيدة تشكل الحكومة الإيطالية في التاريخ.

من يرأس الحكومة الإيطالية المقبلة؟

تذهب التوقعات إلى منافسة بين اليمين الإيطالي، ما بين ماتيو سالفيني وجيورجيا ميلوني في المقام الأول، ثم سيليفو بيرلوسكوني أو من ينوب عنه، وقد تذهب أحزاب اليمين إلى ائتلاف يميني يعيد إيطاليا إلى اليمين الإيطالي للمرة الأولى منذ نهاية وزارة بيرلوسكوني الثالثة في 16 نوفمبر 2011 أي منذ 11 عامًا.

ولكن، لا يستبعد أن تتحالف كافة القوى غير اليمينية في البرلمان من أجل تشكيل تكتل قادر على تشكيل الوزارة، ما بين حركة النجوم الخمس والحزب الديموقراطي، وحزب تحيا إيطاليا وحركة معًا من أجل المستقبل، والأمر مرهون بعدد مقاعد كل حزب في التشكيلة البرلمانية المقبلة.

الرهان الروسي على دومينو غربي

يتساءل المراقبون هل استقالة ماريو دراجي في روما هي الأخيرة أم أن المجتمع الغربي سوف يشهد المزيد من الاستقالات في الفترة المقبلة؟ وذلك على ضوء رهان روسيا على تأثير دومينو Domino Effect فيما يتعلق بالعقوبات الغربية على موسكو عقب اندلاع الحرب الأوكرانية.

ترتكز رؤية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أن الشعوب الغربية لن تتحمل العقوبات الغربية على روسيا، وأن نتيجة انقطاع الغاز والنفط والحبوب الروسية إضافة إلى تعثر سلاسل الإمداد العالمية، ستقوم سلسلة من الاضطرابات السياسية والثورات الشعبية سوف تسقط الحكومات الغربية، أو تترجم إلى نتائج جديدة في صناديق الاقتراع.

وقبل أن تسقط الحكومة الإيطالية، كانت الوزارة البريطانية بقيادة بوريس جونسون قد سقطت في 7 يوليو 2022، ودب الخلاف بين أركان الائتلاف الحاكم في أستونيا حول المعسكر الذي يجب أن تدعمه البلاد خلال الحرب الأوكرانية، فقدمت أول سيدة تترأس حكومة أستونيا رئيسة حزب الإصلاح كايا كالاس استقالتها في 14 يوليو 2022 بسبب دعمها أوكرانيا.

وفي فرنسا خسر الرئيس إيمانويل ماكرون الأغلبية البرلمانية اللازمة لحزبه النهضة (الجمهورية إلى الأمام سابقًا)، وفي بلغاريا قدم رئيس الوزراء كيريل بيتكوف استقالته في 27 يونيو 2022.

وتتجه الأنظار إلى الولايات المتحدة الأمريكية في نوفمبر 2022، حيث تخوض النخب الأمريكية انتخابات حاسمة على مقاعد الكونجرس وحكام الولايات، في أول استحقاق انتخابي منذ اندلاع الحرب الأوكرانية.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/71618/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M