سياسة الاغتيالات في الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية

  • سياسة الاغتيال هي مصطلح يستخدم لوصف عملية قتل منظمة ومتعمدة تستهدف شخصية هامة ذات تأثير فكري أو سياسي أو عسكري أو قيادي ويكون سبب عملية إما لأسباب عقائدية أو سياسية أو اقتصادية أو انتقامية.
  • وأما عن سياسة الاغتيال الإسرائيلية؛ عملت إسرائيل على وضع مبررات وحجج للإرتكان لهذه السياسة الغير أخلاقية بوضعها في إطار الدفاع عن النفس ومحاربة الإرهاب الذي تمثله هذه الشخصيات ضدها.
  • فعرفت إسرائيل كلمة اغتيال بأنها عملية التصفية الجسدية التي تقوم بها أجهزتها الأمنية ضد قادة ومقاتلين فلسطينيين وعرب تتهمهم بالتورط في نشاط أو عمليات ضدها، وقد بقي هذا الاسم متداولاً حتى عام 2000. ولمزيد من إضفاء المشروعية على هذه السياسة وللابتعاد عن لفظ الاغتيال المُجرم وفقاً للقانون الدولي وللتهرب من أي مسؤوليات قانونية؛ عملت إسرائيل بداية من عام 2000 على استخدام صيغ “ملطفة” للتعبير عن عمليات الاغتيال مثل مصطلح “الإحباط الموضعي” أو “القتل المستهدف” الذي   قدمه القاضي في المحكمة العليا “إلياكيم روبنشتاين للتعبير عن عمليات الاغتيال التي أصبحت عقيدة وتكتيك رئيسي للعقيدة الأمنية الإسرائيلية.
  • أصبح اسم “الإحباط الموضعي” هو الاسم المعتمد لدى نائب رئيس الشاباك “يوفال ديسكين”-الذي يعتبر مهندس هذا الأسلوب في مواجهة الانتفاضة الثانية-، ليتم تبنيه في الإعلام والدوائر الرسمية؛ وذلك لتحقيق عدة أهداف تمت بلورتها وتطويرها إلى أن تحولت إلى نظرية قائمة بذاتها.
  • يعج التاريخ الإسرائيلي بالعديد من عمليات الاغتيال، التي تعود بعضها إلى ما قبل الإعلان عن قيام دولة الاحتلال في عام 1948، ولم تتوقف هذه السياسة منذ أن بدأت الهجرات اليهودية إلى الأراضي الفلسطينية، بل أنها أصبحت ضرورة وسياسة إسرائيلية في أوقات محددة مسبقاً، وارتبطت لدى المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية بشعار “يد إسرائيل الطويلة” القادرة على الوصول إلى كل مكان.
  • وبعد الإعلان عن نشأة الدولة عام 1948 أصبحت الاغتيالات سياسة راسخة عند قادة إسرائيل وحكامها الذين شاركوا بأنفسهم في عمليات الاغتيال، وعلى رأسهم إسحاق شامير، وإسحاق رابين وأرييل شارون، وشيمون بيريز، ومناحيم بيجن، الذين شاركوا في العصابات الصهيونية، الهاجانا، والشتيرن والأرجون وغيرها.
  • ويمكن الإشارة إلى أن عمليات الاغتيال لم تقتصر على الفلسطينيين أو العرب في هذه الفترة وإنما امتدت لشخصيات دولية حيث قامت إسرائيل باغتيال الوسيط الدولي الكونت برنا دوت في القدس في 17 سبتمبر 1948 بسبب صياغته تقريراً للأمين العام للأمم المتحدة يدين إسرائيل ويحملها تبعات النكبة الكبرى في عام 1948.
  • تطورت سياسة الاغتيال مع مرور الوقت وأصبح رئيس الحكومة في إسرائيل يمتلك الحق في إعطاء الأوامر باغتيال أي شخص دون أن يعود لأحد أو أن تشرف على قراره لجنة رقابية برلمانية؛ تجلت هذه السياسة في عام 1972 حين أصدرت “جولدا مائير” قرار رسمي لاغتيال منفذي عملية ميونيخ التي نفذتها منظمة أيلول الأسود التابعة لحركة فتح ضد رياضيين إسرائيليين كانوا يشاركون في الأولمبياد في ألمانيا.
  • لم تتوقف سياسة الاغتيالات عند هذا الحد بل أخذت بُعداً جديداً أكثر كثافة مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في عام 2000؛ حيث تحولت إلى سياسة ممنهجة وعلنية وجزء أساسي في العقيدة الأمنية الإسرائيلية.
  • ثم تطورت الاستراتيجية الإسرائيلية مرة أخرى خلال فترة الانتفاضة الثانية، فأصبحت الاغتيالات البديل الأكثر سهولة لعمليات الاعتقال، كما أنها طالت عناصر وجهات غير مركزية لا يحقق استهدافها أي جدوى حقيقية على أرض الواقع، سوى خلق حالة من الترهيب والردع وخلق حالة من الارتباك داخل هذه المنظمات لفترة زمنية قصيرة قد تؤدي إلى الانشغال بإعادة توحيد الصفوف بدل المبادرة لتنفيذ عمليات جديدة.
  • تصور إسرائيل الشخصيات المستهدفة في عمليات الاغتيال بأنهم إرهابيون أو يعملون مع جهات تعتبرها إرهابية؛ لذا يتم اغتيالهم لتحقيق عدة أهداف، أبرزها:
  • الانتقام وتعزيز الردع، والتأكيد على أن يدها الطويلة يمكن أن تطال أي شخص يعمل ضدها في أي مكان حول العالم.
  • رفع الروح المعنوية للإسرائيليين في أوقات الأزمات.
  • العمل على إضعاف التنظيمات التي اغتيل قادتها، عبر إشغالهم بالبحث عن بدائل لقادتهم وتوحيد الجبهة الداخلية ومنع حدوث خلافات وانقسامات داخل التنظيم بدلاٌ من مهاجمتهم.
  • إضعاف الكوادر القيادية في الفصائل والتنظيمات عبر وضعهم تحت ضغوطات الاستهداف في أي وقت، مما يجعلهم يشددون من إجراءاتهم الأمنية مما يقلل عادة من مساحة حركتهم واتصالاتهم، ويحد من فعاليتهم.
  • تثير سياسة الاغتيال الإسرائيلية الجدل حول جدواها حتى في الداخل الإسرائيلي نفسه، فيؤكد الصحفي والمحلل العسكري “ألون بن دافيد” أن سياسة الاغتيال تقود إلى نتائج عكسية فتعمل على توسيع دائرة العنف، ولن تنهي ما تصفه إسرائيل بالإرهاب ضدها ولن تقضي على ما وصفهم بالإرهابيين الذين يتم استبدالهم بآخرين، وفي أحسن الحالات قد تدخل بعض المنظمات في حالة فوضى لمدة من الزمن إذا كان المستهدف شخصية مركزية في منظمة يعتمد وجودها على هذه الشخصية، قبل أن تستعيد عافيتها وربما تصبح أكثر قوة وتنظيماُ. ويمكن التدليل على هذا الطرح بمجموعة من الأمثلة:
  • تحول حزب الله بعد اغتيال عباس موسوي، أمين عام حزب الله السابق، إلى واحد من أكبر التنظيمات قوة وتهديداً لإسرائيل، وفي كلمات “ألون بن دافيد” وصف قوة الحزب بعد الاغتيال بأن “اغتيال موسوي وتولي نصر الله أدى لتحول الحزب من جماعة صغيرة إلى جيش منظم”.
  • وعلى جانب الفصائل الفلسطينية، لم يؤدى اغتيال يحيى عياش عام 1996 إلى القضاء على القدرات العسكرية لكتائب القسام (الجناح العسكري لحركة حماس)، بل نفذت الفصائل عمليات انتقامية لمقتل عياش أدت إلى مقتل 60 إسرائيليا وإصابة المئات، كما أعاد اغتيال عياش نمط العمليات الاستشهادية إلى الواجهة -والتي كانت قد توقفت قبل الاغتيال نحو عام كامل-.
  • وبالمثل لم يؤد اغتيال كبار قادة حماس “إسماعيل أبو شنب” و”عبد العزيز الرنتيسي” والشيخ “أحمد ياسين” إلى انهيار القيادة السياسية للحركة، بل على العكس عزز ت هذه الاغتيالات من صورة حماس في الداخل الفلسطيني، وهو ما ساهم في فوزها بانتخابات 2006، وأحكم من سيطرتها على قطاع غزة عام 2007.
  • وعلى جانب آخر، كما أدى اغتيال “أبو علي مصطفى” الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في 27 أغسطس 2001، إلى تدبير عناصر الجبهة لاغتيال رحبعام زئيفي وزير السياحة الإسرائيلي.
  • من جانب آخر، تساهم سياسة الاغتيال في الإضرار بصورة إسرائيل أمام الرأي العام العالمي، وذلك لما تسببه من أضرار جانبية ناتجة عنها تمس حياة المدنيين.
  • تعد الاغتيال بدون بصمة أي القتل خارج نطاق القانون، فعل مجرم دولياً وفقاً للقوانين والمعاهدات الدولية، وورد ذلك في:
  • المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 التي تنص على: “لكل فرد حق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه.”
  • المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي تنص على: الحق في الحياة ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمي هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفًا.
  • العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966
  • اتفاقية جنيف الرابعة 1949بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب، واتفاقية لاهاي الرابعة الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية، وغيرها الكثير من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي أفردت لجرائم الاغتيالات النصوص التي تحظر أسلوب الاغتيال لما له من خطورة على الأمن والسلم الوطنيين والدوليين، والأثر الكبير في إحداث القلق للمجتمع وإرباكه.
  • ومن هذا يحرم القانون الدولي أي شكل من أشكال القتل خارج القانون (الاغتيالات) الذي يتم بعيداً عن ساحات القضاء، دون منح الشخص الحق في تلقي الدفاع الملائم ومعرفة التهم الموجهة إليه، وتنطبق هذه المواد على الأشخاص الخاضعين لحكومات وطنية أو الخاضعين لاحتلال، بل ويبيح القانون الدولي أيضاً اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية التي تجرّم الانتهاكات الجسيمة وخاصة جرائم الحرب وجريمة العدوان وغيرها من الانتهاكات التي تمس بالسلم والأمن الداخلي للدول وتهدد السلم الدولي.
  • ورغم حظر القانون الدولي والانساني لسياسة الاغتيال، شرّعت إسرائيل هذه السياسة عام 2002 في سابقة هي الأولى على مستوى العالم -تحت إطار الدفاع عن النفس ومحاربة الإرهاب-، مع وضع عدد من الضوابط لم تلتزم بها، واشترطت موافقة رئيس الوزراء؛ الأمر الذي يترك حرية واسعة لتوظيف عمليات الاغتيال المُفترّضة في خدمة المصلحة الشخصية للأخير، دون أن تُحقق بالضرورة مصلحة الكيان.

وفي الختام، تعد عمليات الاغتيال الأخيرة، ما هي إلا جزء تستهدف به إسرائيل الترويج لانتصار من وجهة نظرها؛ يرفع من الروح المعنوية للداخل الإسرائيلي الحانق على أجهزته الأمنية والاستخباراتية التي فشلت في التنبؤ بأحداث السابع من أكتوبر 2023.

ويمكن القول أن سياسة الاغتيال التي تقوم بها إسرائيل في الحرب الإسرائيلية على غزة وأخرها اغتيال “إسماعيل هنية”؛ هي جريمة حرب تضاف إلى سلسلة جرائم الحرب التي تنفذها إسرائيل منذ بدء عدوانها على غزة، حيث تمثل انتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. كما أنها تهدد أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط بشكل خطير. وفي التقدير ستواصل إسرائيل نهجها في سياسة الاغتيالات خلال المرحلة القادمة ولن تتخلى عنها

 

المصدر : https://ecss.com.eg/47219/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M