سيناريو انتصار التظاهرات

بهاء النجار

دخلت التظاهرات الشعبية كعامل سياسي ضاغط ومؤثر على المشهد السياسي العراقي ، وبالتالي لا بد من دراسة وتحليل مخرجات هذه التظاهرات وثمارها ، ورغم وجود عدة وجهات نظر بخصوص انتصار هذه التظاهرات من عدمه إلا أننا سنأخذ أفضل الاحتمالات وهي انتصارها ، والمقصود من الانتصار هو تحقيق مطالب المتظاهرين في المستقبل القريب ومن دون تسويف وبما تسمح به توقيتات كل عملية إصلاحية وعدت بها الحكومة والبرلمان .
فالإصلاحات التي وعدت بها السلطتان التشريعية والتنفيذية لا يمكن أن تُنفَّذ برجال فاسدين ، فلا يُتَوَقّع أن يشرّع الفاسد قانوناً يقلل من فساده ونفوذه ، ولا يُتَوَقّع من المسؤول التنفيذي الفاسد أن ينفِّذ القرارات الإصلاحية التي تعرقل فساده وسطوته ، وعليه لا بد من من استبدال هذه الوجوه الفاسدة بأخرى صالحة ومصلحة لتلبي طموحات المتظاهرين .
هنا تأتي إشكالات وأسئلة:
كيف نغيّر هذه الوجوه الفاسدة ؟ وكيف نأتي بأخرى صالحة ؟ وكيف نضمن عدم رجوع الفاسدين مرة أخرى ؟ وكيف نضمن مغادرة عقلية المحاصصة في التغيير الجديد ؟
إذا قلنا أن المتظاهرين هم من يقوم بالإشراف على هذا التغيير الإصلاحي فكيف ستكون آلية الإشراف ؟ وهل سيشرف المتظاهرون كلهم على هذه العملية التغييرية أم سيكون لهم ممثلون ؟ إذا قلنا أن جميع المتظاهرين يشرفون على هذه العملية فالأمر يبدو هزيلاً وهزلياً وغير عملي ، وإذا قلنا سيشرف على العملية التغييرية ممثلون عنهم فما هي آلية التمثيل ؟ بمعنى هل ستُجرى انتخابات بين المتظاهرين ويرشح مجموعة منهم وينتخبهم الآخرون ؟ ومن يشرف على هذه العملية الانتخابية ؟ هل المتظاهرون هم من يشرفون عليها أم جهة أخرى مستقلة ؟ إذا كان المتظاهرون هم من يشرفون عليها فمن يضمن نزاهتها ؟ ومن يضمن عدم خروج تظاهرات مضادة تندد بهذه العملية الانتخابية لاختيار ممثلين عن المتظاهرين ؟ فهل نطلب حضور جهات دولية للإشراف على العملية الانتخابية لممثلي المتظاهرين لإضفاء الشرعية عليها ؟ وهل ستقبل هذه الجهات الدولية بالإشراف ؟ ومن سيخاطب تلك الجهات وبأي صفة سيخاطبها وهذه الجهات ما زالت تعترف بالحكومة العراقية القائمة رغم انتقاد تصرفاتها ؟
وإشكالات أخرى قد تُطرَح : هل أن كل المتظاهرين صالحين وغير فاسدين بحيث نضمن عدم ترشيح وانتخاب ممثلين فاسدين ؟ وهل سنضمن عدم دخول مندسين ومخربين يخربون الانتخابات التصحيحية لاختيار ممثلين عن المتظاهرين كما أفسدوا تظاهراتهم السلمية ؟ وما الضامن أن جماهير الأحزاب الفاسدة التي يريد المتظاهرون تغييرها ستدخل مع المتظاهرين للمشاركة في اختيار ممثلين عنهم وبالتالي سيختارون ممثلين من أحزابهم فيفسدون ما يريد المتظاهرون إصلاحه ؟ وهل هناك ما يُثبت أن المتظاهرين يمثلون بالفعل جميع العراقيين ؟ فكما نعلم أن المحافظات الغربية والشمالية لم تشارك في هذه التظاهرات ، وهل ستُعامَل الأحزاب الفاسدة وجماهيرها معاملة البعثيين وحزب البعث بحيث يُمنعون من المشاركة في الحياة السياسية الجديدة والترشيح وما الى ذلك ؟

فإذا قمنا بحل وإجابة كل الإشكالات والأسئلة السابقة ، وتم اختيار حكومة جديدة وفق رؤية المتظاهرين تلبي طموحاتهم ، وخرج متظاهرون آخرون يعترضون على عمل الحكومة التي أشرف عليها المتظاهرون القدامى ( وقد يكون المتظاهرون الجدد هم متظاهرون لهم رؤية مختلفة عن رؤية حكومة المتظاهرين الجديدة او جماهير الأحزاب الفاسدة التي تم إقصاؤها ) وطالبوا بتغيير الحكومة (الجديدة) وإسقاطها ، فهل يجب على هذه الحكومة (الجديدة) تلبية مطالب المتظاهرين الجدد وتقديم الاستقالات واللجوء الى الخطوات السابقة التي مرت بها الحكومة القديمة والمتظاهرين القدامى ؟ وعند تشكيل حكومة جديدة ثانية بنفس الخطوات السابقة وخرج متظاهرون وطالبوا بإسقاطها واستقالت هذه الحكومة فمتى ستنتهي هذه الدوامة ؟!

يبدو مما سبق أن تلبية مطالب المتظاهرين تحتاج الى عملية سياسية مشابهة للعملية السياسية القائمة بكل تفاصيلها ، انتخابات ومفوضية انتخابات برعاية دولية واختيار حكومة وتظاهرات واستقالات وغير ذلك ، هذا يعني أن القضاء الحقيقي على الفساد يكون عن طريق واحد لا غير وهو طريق الانتخابات والدخول الى البرلمان والمعترك السياسي وإسقاط الفاسدين هناك على أن تُهيَّأ مقدماته وشخوصه ، وما التظاهرات إلا وسيلة ضغط لمساعدة الصالحين وإضعاف الفاسدين حالها حال الإعلام وقوى الضغط المختلفة كالمرجعية والدينية .

 

رابط المصدر:

https://www.facebook.com/BahaaaAlnajjar/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M