بهاء النجار
بما أن الدولة المهدوية العادلة التي ينتظرها كل مؤمن بل كل إنسان تسعى لتحقيق العدل في كل نواحي الحياة من دون التركيز على جانب دون آخر من خلال توزيع عطائها بشكل موزون ، فلا بد أن يكون المهدوي الساعي للتمهيد لهذه الدولة المباركة قادراً على توزيع عطائه الى مستحقيه بشكل متوازن من دون التركيز على جانب دون آخر .
ونحن على أعتاب شهري محرم وصفر الذين يكون العطاء فيهما من كل الأصناف فلا بد أن يوازن الممهد في تقديم هذه الأصناف من العطاء من دون التركيز على جانب دون آخر ، إذ نسمع أصواتاً ناقدة للصرف على الشعائر الحسينية ، إذ يرى المنتقدون أن هذا الصرف لو وُجَّه الى الفقراء لكان أفضل .
سنتطرق في هذه الأسطر الى توضيح يساعد الممهدين على أن يوازنوا بين دعم الشعائر الحسينية ومساعدة الفقراء بل وحتى باقي أشكال وأعمال البر باعتبار أن كل أعمال البر هي أعمال ممهدة للدولة المهدوية المنتظرَة ، وكالآتي :
1) علينا أن نتذكر دائماً أن ( الأعمال بالنيات وأن لكل امرئ ما نوى ) ، فما دام صاحب البر قد قدّمه بإخلاص لوجه الله تعالى فليكن ما يكن على أن لا يقصّر في جوانب أخرى .
2) إن شهري محرم وصفر هما شهران من أصل اثنا عشر شهراً ، وبالتالي فما دام ما يُنفَق فيهما من أعمال مستحبة يشكّل سُدُس ما يُنفَق في السنة كلها فهو أمر طبيعي .
3) إن مساعدة الفقراء والقضاء على الفقر يتطلب تذكيراً وتوعية ووضع آليات وخطط صحيحة لأصحاب الأموال ، وهذا يتم من خلال المجالس الوعظية والإرشادية الواعية ، وبالتالي فالشعائر الحسينية تساهم أيضاً في مساعدة الفقراء .
4) إن مساعدة الفقراء لها شكلان ، الأول مادي من خلال دفع الصدقات والمعونات ، والآخر غيبي من خلال التضرع الى الله تعالى بجاه الحسين عليه السلام وشعائره لرفع معاناة الفقراء والتوفيق لمساعدتهم بنيّةٍ خالصة ، فقد يتبرع البعض بمساعدات مالية ولكن بنيّةٍ مشوبة بشيء من النوايا الدنيوية ، فيخسر المتبرع ولو جزءاً من دنياه وآخرته ، والمجالس الحسينية تساعده على المحافظة على نيته الخالصة من خلال تذكيره وتنبيهه .
5) إن أغلب الخطباء والرواديد يُعدّون من شريحة الفقراء ، وإن لم يكونوا فقراء بالمعنى العُرفي فهُم فقراء بالمعنى الفقهي ، وهذا يعني أن إعطاءهم اليسير من بركات الإمام الحسين عليه السلام هو جزء من رفع معاناة بعض المتعففين الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف .
6) إن تقديم العطاء المادي للفقراء من دون عطاء روحي ومعنوي المتمثل بالشعائر الحسينية هو تغذية للبطن من دون العقل والقلب ، وهذا سيُنتج مجتمعاً أفراده قساة القلوب بعيدون عن الله تعالى وشعائره .
7) إن إقامة الشعائر الحسينية هو تحريك لفرص العمل من خلال بيع وشراء ما يتعلق بموسم محرم وصفر ، وهذه الفرص ستُقلّل من نسب الفقر والبطالة ، وكلما قلّت هذه الشعائر فسيزداد عدد المنضمين الى شريحة الفقراء .
8) من يرغب بالموازنة بين إقامة الشعائر الحسينية ومساعدة الفقراء يمكنه أن يقدم دعمه للفقراء من خلال تلك الشعائر وذلك بدعوة الفقراء الى المجالس الحسينية ثم توزيع المعونات عليهم ، وبالتالي يحصل على الحُسنَيَين .
9) إن أردنا مساعدة الفقراء فعلينا أن لا نأخذ من حصة الشعائر الحسينية لهذه المساعدة ، وإنما نأخذ حصتها من حصة مُتَعِنا المختلفة التي نصرف عليها الملايين سنوياً من حيث لا نشعر .
10) إن المتشرعة تتفق على أن وصول فقير الى حالة مأساوية تضر به ولا يمكن تأخيرها ، ولا تتوفر أموال لدفع هذا الضرر سوى الأموال المخصصة للشعائر الحسينية فلا بد من صرف هذه الأموال على ذلك الفقير ، ومثل هذا الفرض قد يكون شبه محال .
هذا ما يسع المقام لبيانه لحل الجدلية القائمة بين أنصار إقامة الشعائر الحسينية وأنصار دعم الفقراء ، التي من الضروري الموازنة بينهما وعدم ترك أحدهما لننشر هذه الثقافة التي هي من مظاهر الدولة المهدوية العادلة عسى أن يجعلنا الله سبحانه من الممهدين لها .
.
رابط المصدر: