آية عبد العزيز
“نحن سعداء جدًا بالزيارة المرتقبة التي سوف يقوم بها الرئيس المصري إلى برلين، لأن هذه الزيارة من شأنها أن تؤكد من جديد عمق العلاقات الألمانية المصرية، والاهتمام المشترك لكلا البلدين بتعميق التعاون في مجال حماية المناخ والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط”.. هكذا صرح “فرانك هارتمان” سفير ألمانيا بالقاهرة في بيان صحفي نشرته السفارة الألمانية لدى القاهرة في 14 يوليو 2022. إذ يقوم الرئيس “عبد الفتاح السيسي” بزيارة ألمانيا للمرة الأولى منذ تولي المستشار الألماني “أولاف شولتز” في نهاية العام الماضي، اليوم الأحد الموافق 17 يوليو 2022، التي تستمر لمدة يومين، في إطار جهود البلدين لتعزيز العلاقات بينهما، وتكريس الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وبرلين، والاحتفال بمرور سبعة عقود على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين.
بالإضافة إلى بحث آليات التعاون المشترك بشأن القضايا والأزمات الإقليمية والدولية ذات الأولوية، فضلًا عن قيام الرئيس “السيسي” بعقد عدد من اللقاءات مع المسئولين الألمان وفي مقدمتهم الرئيس “فرانك-فالتر شتاينماير”، والمستشار “شولتز”، وبعض أعضاء الحكومة. بجانب مشاركة الرئيس في مؤتمر “حوار بطرسبرج للمناخ” الذي يُعقد بشكل سنوي منذ أكثر من عقد من قبل ألمانيا قبل مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بالمناخ، والذي تديره ألمانيا بمشاركة مصر لكونها ستستضيف قمة المناخ “كوب-27” التي من المُقرر عقدها في نوفمبر 2022 بشرم الشيخ، وهو ما يُعد فرصة سيتم من خلالها توضيح الرؤية المصرية بشأن قضايا المناخ وكيفية معالجتها.
تقارب الرؤى
تتسم العلاقات بين البلدين باستمرار التعاون المشترك والمتوازن على أساس الروابط التاريخية، والاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة، وارتكازًا على ثقل البلدين في محيطهما الجغرافي، ومكانتهما الدولية، كفاعلين في إدارة العديد من الملفات محل الاهتمام المشترك؛ وهو ما تجلى في الزيارات الرسمية المتبادلة عالية المستوى. فعلى سبيل المثال، كانت أول زيارة لوزيرة الخارجية الألمانية “أنالينا بيربوك” خارج أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية إلى مصر في فبراير 2022، بعد أن تشكلت الحكومة الجديدة التي كشفت عن مدى عمق العلاقات، فقد أوضح الرئيس السيسي خلال لقائه مع وزيرة الخارجية أن “مصر تنظر إلى شراكتها وعلاقاتها مع ألمانيا باعتبارها “محورًا أساسيًا” للعلاقات المصرية مع أوروبا، استنادًا إلى موقع وثقل ألمانيا كدولة أوروبية كبرى. في المقابل، اعتبرت السيدة “بيربوك” مصر مركز استقرار وتوازن في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، مُشيدة بدور المصري في معالجة ملف اللجوء عبر الجهود الإنسانية التي تبذلها في استضافتهم ودمجهم. ومُشددة على اعتزاز ألمانيا بعلاقاتها القوية والمتميزة مع القاهرة، وذلك وفقًا لما أوضحه المتحدث باسم الرئاسة المصرية.
وعليه، ترى برلين القاهرة باعتبارها دولة مركزية في محيطها الإقليمي، وشريكًا يمكن التعاون معه لتسوية أزمات المنطقة، بالإضافة إلى أنها واحدة من أهم الدول الشريكة لألمانيا في التعاون الإنمائي. في المقابل، تعتبر القاهرة برلين قوة أوروبية كبرى فاعلة لديها مصالح مُرتبطة بمنطقة الشرق الأوسط، ولديها عدد من الآليات التي تلتزم بها في تسوية هذه الأزمات تتوافق مع ثوابت السياسة الخارجية المصرية التي تتجلى في عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، مع ضمان وحفاظ السيادة الوطنية والسلامة الإقليمية، والالتزام بالتسوية السياسة السلمية للأزمات الإقليمية بعيدًا عن الحلول العسكرية، وهو ما تجسد على النحو التالي:
- الأزمة الليبية: تتوافق كل من القاهرة وبرلين على أن التسوية السياسية السلمية هي الركيزة الأساسية لضمان وعودة الاستقرار السياسي في البلاد، وذلك من خلال إجراء الحوار بين الفرقاء الليبيين لتقريب وجهات النظر بينهم، وتجنب استمرار العنف الداخلي، الذي يعد التهديد الأول للبلاد، ويساهم في خلق موطئ قدم للقوى الخارجية للإضرار بمصالح الدولة الليبية، فضلًا عن رفض البلدين وجود مرتزقة على أراضيها، علاوة على رغبة البلدين في استعادة الدولة الليبية السيطرة على مؤسساتها الوطنية بما يعزز من قدرتها على احتواء استمرار حالة الفوضى التي ما زال ينتج عنها تنامي موجات الهجرة في سياق تفشي جائحة “كوفيد-19” نحو أوروبا بشكل عام وألمانيا بشكل خاص، كما أن استمرار الوضع القائم يمثل تهديدًا أيضًا للأمن القومي المصري وخاصة على حدوده الغربية.
لذ تبنى كلٌّ من البلدين جهود الوساطة تمهيدًا لتسوية الأزمة، فضلًا عن استضافة ألمانيا محادثات السلام الليبية في المرة الأولى في 19 يناير 2020، الذي حضرته مصر بدعوة من المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” بجانب عدد من القوى الفاعلة في الأزمة، بهدف تقريب وجهات النظر بينهم بشأن تسوية الأزمة. فيما عقد المؤتمر الثاني في 23 يونيو 2021، والذي حضرته مصر أيضًا واستهدف مناقشة مجموعة من الملفات كان أبرزها إجراء الانتخابات الوطنية في 24 ديسمبر، مع التأكيد على أهمية انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد، وهو ما توافق مع الموقف المصري.
علاوة على ذلك، ما زال التقارب بين البلدين قائمًا حتى في ظل الحكومة الألمانية الجديدةفقد أكد وزير الخارجية المصري السيد “سامح شكري” خلال لقائه مع نظيرته الألمانية إبان زيارتها للقاهرة في فبراير الماضي، على أن “مصر ستستمر في التواصل مع جميع الأطراف الليبية لتعزيز الاستقرار، وأنه لا توجد حلول عسكرية للأزمة”، فضلًا عن “التواصل مع الشركاء الدوليين للوصول إلى انتخابات تأتي بحكومة تلبي إرادة الشعب”. في المقابل، قالت “بيربوك” إنها “ستواصل العمل مع مصر لإيجاد حالة من الاستقرار والسلام في ليبيا، مُوضحة أهمية أن يقوم الليبيون أنفسهم بقيادة هذه الجهود”، وذلك خلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقد بينهما. وخلال المباحثات التي تمت مع الرئيس “السيسي” و”بيربوك” بحضور “شكري” والسفير الألماني في القاهرة “فرانك هارتمان” فقد تم الاتفاق على تعزيز الجهود بينهما بما يحقق مسار برلين، ويضمن استقرار ليبيا.
- الهجرة غير الشرعية: يحتل هذا الملف أولوية على أجندة صانع القرار في كل البلاد؛ حيث كان مجالًا للتعاون والتنسيق بينهما لما له من تداعيات عميقة عليهما خاصة خلال العقدين الماضيين، فقد تبنت الدول المصرية رؤية شاملة لمناهضة الهجرة غير الشرعية تقوم على أبعاد إنسانية وأمنية وتشريعية، تتوافق مع المواثيق الدولية، علاوة على إطلاقها أول استراتيجية وطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية (2026-2016)، الأمر الذي انعكس على قدرة الدولة على إحكام سيطرتها على حدودها، بجانب قيامها باستضافة الملايين من اللاجئين ودمجهم في المجتمع. أما ألمانيا فبالرغم من كونها حاولت فتح أبوابها أمام المهاجرين واللاجئين في عام 2015، إلا أنها تواجه تحدي عدم القدرة على استمرار استيعابهم، علاوة على أن هذا السياسة عززت من صعود القوى الشعبوية في البلاد، لذا قامت بالتعاون مع القاهرة التي تعد من الدول الرائدة في المنطقة التي امتلكت تجربة مختلفة في معالجة هذا الملف؛ حيث وقعت برلين مع القاهرة اتفاقية للتعاون في أغسطس 2016، تستهدف مكافحة الهجرة غير الشرعية. وفي 28 يوليو 2017، وقع الجانبان على اتفاق سياسي للعمل المشترك في مجال الهجرة. فضلًا عن إنشاء المركز المصري الألماني للوظائف والهجرة وإعادة الإدماج في ديسمبر 2020، في سياق المبادرة الرئاسية “مراكب النجاة”، وكنتاج للتعاون بين الوكالة الألمانية للتعاون الدولي “GIZ”، ووزارة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج، الذي يستهدف بالأساس خفض الأسباب التي تدعم الهجرة للخارج. وعليه من المتوقع أن يكون هذا الملف ذا أولوية للحكومة الجديدة، وسيشهد مزيدًا من التعاون والتنسيق المشترك خلال الآونة المقبلة مع مصر، وخاصة من استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتنامي تداعياتها المتعلقة بأزمة الغذاء والطاقة التي تلوح في الأفق، وقد تكون دافعًا جديدًا لزيادة أعداد المهاجرين نحو الحدود الأوروبية.
- فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية: تلتزم كل من القاهرة وبرلين بشأن موقفهما من القضية الفلسطينية وآليات تسويتها، لكونها قضية محورية، وهو ما تجلى في توافق البلدين على ضرورة استمرار جهود السلام بين فلسطين وإسرائيل استنادًا لحل الدولتين وفقًا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، والمعايير المتفق عليها، بما في ذلك مبادرة السلام العربية، وذلك وفقًا لما أوضحه البيان الصادر عن وزارة الخارجية المصرية بعد اجتماع وزراء خارجية كل من مصر وألمانيا وفرنسا والأردن على هامش مؤتمر “ميونيخ للأمن” الذي عقد في فبراير 2022. وقد أشارت المجموعة الوزارية إلى “أهمية الامتناع عن كافة الإجراءات أحادية الجانب التي تقوض حل الدولتين وآفاق السلام العادل والدائم، وخاصة بناء وتوسيع المستوطنات ومصادرة الأراضي وإجلاء الفلسطينيين من أراضيهم، بما في ذلك في القدس الشرقية، وأيضًا أي أعمال عنف أو تحريض”. ولم يكن هذا الاجتماع الأول للمجموعة فقد سبق وأن اجتمعوا في عمان في سبتمبر 2020، وفي القاهرة خلال شهر يناير 2021، وفي شهر مارس من العام نفسه في العاصمة الفرنسية باريس.
- مكافحة الإرهاب: يُعد مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه، بجانب مجابهة الفكر المتطرف، من أهم الملفات ذات الاهتمام المشترك بين الجانبين؛ حيث لعبت القاهرة دورًا محوريًا فيه، مستندة إلى مقاربتها الشاملة التي تجمع بين آليات القوة الصلبة والناعمة لمعالجة أسبابه والقضاء عليه بشكل فعال، بجانب استمرار دعوة مصر إلى ضرورة أن يتكاتف المجتمع الدولي للتصدي لهذه الظاهرة المُتنامية، وهو ما توافقت عليه المستشارة السابقة “أنجيلا ميركل” مع مصر إبان زيارتها في مارس 2017، وثمنته وزيرة الخارجية الألمانية إبان زيارتها للقاهرة في فبراير. ويُذكر أن رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي خلال مؤتمر صحفي تم عقده مع سفراء ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وبلجيكا ورمانيا بالقنصلية الفرنسية بالإسكندرية احتفالًا بشهر أوروبا في مايو 2022 عبر عن دعمهم لمصر في حربها ضد الإرهاب. علاوة على تعاون الجانبين على الصعيد الأمني؛ إذ وقعت وزارة الداخلية المصرية مع نظيرتها الألمانية في يوليو 2016 على اتفاقية للتعاون للقضاء على الجرائم بكافة أنواعها بما فيها الفساد والإرهاب، بجانب وقف الهجرة غير الشرعية، وتعزيز أمن المطارات، فضلًا عن تبادل المعلومات والتدريب الفني والخبرة بين البلدين. لذا من المتوقع أن يحظى هذا الملف بقدر من الاهتمام من قبل الجانبين، وخاصة في ظل تنامي الإرهاب العابر للحدود، بالتزامن مع الحرب الروسية الأوكرانية التي انضم في صفوفها العديد من المرتزقة. وبالرغم من خطرهم لم يظهر بشكل واضح حتى الآن إلا أنهم على المدى المتوسط وخاصة مع استمرار الحرب من المحتمل أن تتعرض الدول الأوروبية لخطر هجمات انتقامية إرهابية على غرار ما حدث في عام 2015.
- تغير المناخ: أصبحت قضية تغير المناخ من القضايا المُلحة وتحظى باهتمام كبير من قبل العديد من قادة العالم مثل مصر وألمانيا؛ حيث يتوافق البلدان على أهمية الحد من زيادة ارتفاع درجة حرارة الأرض أكثر من درجة ونصف مئوية، فضلًا عن التزامهم بالعمل الدولي في هذا الأمر، وهو ما تجلى في توقيعهما على اتفاقية “باريس للمناخ” الذي دخل حيز التنفيذ في نوفمبر 2016، بعد أن تم التوصل إليه في ديسمبر 2015. فضلًا عن تقارب نهج البلدين فيما يتعلق بالجهود الداخلية للتصدي لتغير المناخ. فعلى سبيل المثال، أعلنت الحكومة المصرية عن “استراتيجيتها الوطنية الخاصة بالتغير المناخ في مصر 2050” التي ترتكز على مجموعة من الأهداف منها تحقيق تعزيز التنمية المستدامة وتحقيق نمو اقتصادي بالتزامن مع خفض الانبعاثات، بجانب زيادة قدرتها على التكيف مع تغير المناخ. فيما أطلقت الحكومة الألمانية في نوفمبر 2016 استراتيجية طويلة المدى تعرف باسم “خطة العمل المناخي 2050” لكي تكون محايدة كربوينًا، على أن تقوم على المدى المتوسط بخفض نحو 55% من انبعاثاتها بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات عام1990. كما تعمل مصر مع الشركاء الدوليين بشأن استضافة “كوب- 27” الذي ترغب من خلاله في اتخاذ قرارات عملية تتوافق مع اتفاق باريس للمناخ ويتم تنفيذها على أرض الوقع؛ حيث شارك وزير الخارجية المصري في مؤتمر “بون” لتغير المناخ بألمانيا في يونيو 2022، ووقع خلاله على اتفاقية البلد المضيف لمؤتمر “كوب -27” مع “باتريشيا إسبينوزا” السكرتيرة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن المناخ. وقد سبق ذلك أن استقبل السيد “شكري”، “جينيفر مورغان” المبعوثة الألمانية الخاصة للعمل المناخي الدولي في 20 أبريل 2022، وقبلها “فرانس تيمرمانز” النائب التنفيذي لرئيس المفوضية الأوروبية للصفقة الخضراء في سياق التحضيرات والتشاور مع القوى الفاعلة في مجال تغير المناخ، قبل قمة شرم الشيخ المقبلة.
- المجالات التنموية والعسكرية: تثمن الإدارة المصرية التعاون مع ألمانيا في عدة مجالات تنموية، منها: الطاقة المتجددة، وتدريب الشباب، ودعم المشروعات الصغيرة، والتخلص من النفايات والرعاية الصحية. فضلاً عن تواجد الشركات الألمانية العاملة في مجال الطاقة في مصر بشكل مُكثف، التي تعد مصدر للتكنولوجيا، كما تستفيد من موقع مصر الجغرافي ومن قاعدتها الصناعية؛ حيث قال الرئيس التنفيذي للغرفة العربية الألمانية للتجارة والصناعة إن الشركات الألمانية تستثمر في قطاع الطاقة والاستدامة، وكذلك صناعة توريد السيارات، والمواد الكيميائية، والأدوية، والبيئة، والخدمات اللوجستية، وتكنولوجيا المعلومات، والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
مُشيرًا إلى أن الشركات الألمانية والمصرية تعمل في مجالات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بالإضافة إلى حلول الهيدروجين الأخضر، مُضيفًا إلى أن الاستدامة لا تقتصر على مصادر الطاقة الخضراء. واستكمالاً للتعاون بين الجانبين في مشاريع البنية التحتية وقّعت مصر اتفاقًا مع شركة “سيمنز “الألمانية في ٢٢ مايو الماضي، لإقامة منظومة متكاملة للقطار الكهربائي السريع، بموجبه سيتم تدشين ثلاثة خطوط سكة حديد يبلغ طولها ألفي كيلومتر، وقد حضر الرئيس “السيسي” توقيع الاتفاق، وأشاد المستشار الألماني به لأنه سيقلل من الاعتماد على السيارات مما يساهم في تقليل التلوث، وسيزيد من مكانة مصر الإقليمية. هذا بجانب التعاون العسكري الوثيق بين الدولتين –فعلى سبيل المثال- قامت مصر بشراء غواصات ألمانية.
سياق حاسم
تزامنت زيارة الرئيس “السيسي” مع عدد من المتغيرات الإقليمية والدولية التي قد تساهم في إعادة تشكيل بنية النظام العالمي بل والإقليمي خلال الآونة المقبلة، يمكن توضيح أبرزها فيما يلي:
1- الحرب الروسية الأوكرانية: تأتي الزيارة مع دخول الحرب شهرها الخامس دون حسم بين طرفي الصراع نتيجة إصرار الرئيس الروسي على تحقيق النصر في أوكرانيا من خلال القضاء على النازيين، وحماية سكان “دونباس”، وحياد أوكرانيا بما يضمن عدم انضمامها لحلف شمال الأطلسي. في المقابل، يستمر الرئيس الأوكراني في الإصرار على المقاومة وحشد المجتمع الدولي للتصدي لروسيا من خلال فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية عليها، علاوة على عزلها دوليًا، بجانب مطالبته القوى الغربية بدعمه عسكريًا وإنسانيًا حتى يستطيع المقاومة والصمود أمام الهجوم الروسي، الأمر الذي جعل الحرب قائمة حتى الآن دون حسم، أو مؤشرات قد تمهد لاحتمالية التهدئة وخاصة بعد أن تعثرت المفاوضات الخاصة بتسوية الحرب منذ عدة شهور.
2- أزمة الطاقة: جاءت زيارة الرئيس “السيسي” في توقيت حرج بالنسبة للقوى الأوروبية بشكل عام وألمانيا بشكل خاص، نتيجة تأثرها بتداعيات الحرب التي امتدت إلى قطاع الطاقة الذي وظفته روسيا كسلاح جيواستراتيجي في مقاومتها للعقوبات الغربية التي فرضت عليها؛ حيث انتهجت روسيا سياسة الرد بالمثل إذ قامت بتخفيض إمدادات الغاز بنحو 40% من خط أنابيب “نورد ستريم -1” خلال شهر يونيو مُبررة إنه بسبب مشكلة تقنية، وفي خطوة مُتقدمة قامت موسكو بوقف الإمدادات بشكل مؤقت من خلال الخط لنحو 10 أيام للقيام بأعمال الصيانة فيه، بدءًا من 11 يوليو وحتى 21 يوليو، الأمر الذي يُثير حالة من القلق والخوف لدى برلين التي تعد أقوى اقتصاد أوروبي يمكن أن تفقد ميزاتها التنافسية في قطاع الصناعة، فضلًا عن احتمالية فقدانها ما يقرب من 12.7 من أدائها الاقتصادي خلال النصف الثاني من عام 2022 في حالة استمرار انقطاع إمدادات الغاز، وهو ما دفعها للعودة لاستخدام الفحم لتوليد الكهرباء بشكل مؤقت؛ حيث أعلن المستشار “شولتز”، عن تشغيل 16 محطة طاقة ستعمل بالوقود الأحفوري كانت خامدة من قبل، وتمديد إذن التشغيل لـ11 محطة أخرى. وهنا أصبحت ألمانيا أمام إشكالية تتعلق بمدى قدرتها على تحقيق التزاماتها بشأن المناخ في ظل العودة لاستخدام الطاقة غير النظيفة. ويذكر في هذا السياق أن المفوضية الأوروبية قامت بعدد من الإجراءات لتخفيف حدة الأزمة واحتوائها بشكل تدريجي عبر تنويع مصادر الطاقة وإبرامها اتفاقًا ثلاثيًا مع مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي لتصدير الغاز لأوروبا في يونيو 2022.
3- أزمة الغذاء: جاءت الزيارة عقب النجاح المبدئي للمحادثات التي تمت بين روسيا وأوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة بشأن إعادة تصدير الحبوب الأوكرانية من خلال البحر الأسود التي تمت في 13 يوليو 2022، وتوجت بوضع أطر محددة يتم من خلالها فحص وتفتيش الشحنات من الموانئ. وقد سبق اتهام الغرب لروسيا بشأن إحداث أزمة غذائية نتيجة حربها على أوكرانيا، هو ما تجسد إبان المؤتمر الدولي بشأن أزمة الغذاء العالمية الذي ضم 40 دولة، واستضافته برلين في 24 يونيو 2022؛ حيث صرحت وزيرة الخارجية الألمانية بأن “روسيا تستخدم المجاعة عمدًا كما لو كانت سلاح حرب، مُحذرة من تسونامي مجاعة حقيقية من المحتمل أن تمتد إلى بعض الدول”. واستكمالًا للجهود التي تقوم بها ألمانيا بالتعاون مع الشركاء الدوليين لمجابهة أزمة الغذاء فقد تمت الموافقة خلال قمة الدول السبع برئاسة ألمانيا التي عقدت في “إلماو” خلال الفترة من 26-28 يونيو 2022، على العمل على تعزيز الأمن الغذائي، والرد على استخدام روسيا لسلاح الحبوب بتقديم نحو 4.5 مليار دولار إضافية لمجابهتها، علاوة على الالتزام بجعل الأسواق الغذائية والزراعية مفتوحة، وزيادة الجهود لمساعدة كييف على الإنتاج والتصدير. ولم تكن المرة الأولى التي تقوم فيها دول المجموعة بالإعلان عن دعمهم للدول التي تضررت من هذه الأزمة، فعلى سبيل المثال صرح سفراء دول مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي لدى القاهرة في بيان صحفي صادر في 6 يونيو 2022، “إن دول مجموعة السبع الصناعية متمسكة بالتزامها بدعم مصر في هذه الأزمة الناجمة عن الحرب الروسية”.
4- قمة جدة للأمن والتنمية: تزامنت الزيارة مع ختام قمة جدة التي شارك فيها قادة دول مجلس التعاون الخليجي، ومصر، والأردن، والعراق، والولايات المتحدة، التي عقدت في 16 يوليو، واستهدفت مناقشة سبل تعزيز الاستقرار في المنطقة؛ حيث قام الرئيس “السيسي” بعرض رؤيته للتحديات التي تواجهها المنطقة وآليات مجابهتها التي استندت بالأساس على تقوية وبناء المجتمعات وفقًا لمقاربة شاملة ترتكز على مجموعة من المحددات، منها احترام حقوق الإنسان، ونبذ الأيديولوجيات المتطرفة، وإعلاء المصلحة الوطنية، هذا بجانب التعاون العربي متعدد الأطراف لتسوية الأزمات، ومواجهة التهديدات التي تواجهها الدول. وعليه فقد أوضح الرئيس “السيسي” خلال القمة رؤية الدولة المصرية للقضايا المحلية والإقليمية والدولية، التي تعكس ترجمة عملية للثوابت السياسة الخارجية المصرية.
ختامًا، من المتوقع أن تشهد العلاقات المصرية الألمانية مرحلة جديدة من التعاون متعدد الأبعاد والمجالات، وخاصة فيما يتعلق بالطاقة المتجددة، والاقتصاد الأخضر، والتنمية المستدامة، بجانب استمرار التعاون في مجال البنية التحتية، فضلًا عن تقاربهما بشأن إدارة الملفات ذات الاهتمام المشترك.
.
رابط المصدر: