صادرات الغاز المسال الأميركية كلفت المستهلكين 111 مليار دولار.. ما القصة؟

تواجه صادرات الغاز المسال الأميركية انتقادات محلية من المستهلكين، بسبب آثارها السلبية في ارتفاع الفواتير المنزلية، التي تتأثر بتسعير الغاز المصدر إلى الخارج صعودًا وهبوطًا، خلافًا لدول أخرى.

وقدر تقرير تحليلي حديث -اطلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة– حجم التكلفة التي تكبدها المستهلكون الأميركيون، بسبب صادرات الغاز المسال بنحو 111 مليار دولار على مدار 16 شهرًا فقط.

وزادت صادرات الغاز المسال الأميركية بصورة كبيرة بعد الحرب الأوكرانية، مستفيدة من التراجع الحاد للغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا وتعطش القارة العجوز لسد العجز.

وأدى هذا الوضع إلى احتدام المنافسة بين الدول الأوروبية الغنية والمشترين في اليابان وكوريا الجنوبية والصين والدول النامية، ما أسهم في ارتفاع أسعار الغاز المسال إلى مستويات تاريخية.

كيف تأثر المستهلك الأميركي؟

اندفعت شركات الغاز الأميركية في اتجاه زيادة صادراتها من الغاز المسال إلى أوروبا وآسيا، للاستفادة من ارتفاع الأسعار الجنوني خلال عام ذروة الحرب الأوكرانية الأول 2022، مع استمرار هذا الاتجاه حتى الآن.

وأدى ارتفاع صادرات الغاز المسال الأميركية بدوره إلى نقص الإمدادات المحلية مع انخفاض المخزونات إلى أدنى مستوياتها منذ عدة سنوات، ما أسهم في ارتفاع أسعار الغاز بالجملة إلى أعلى مستوياته منذ أكثر من عقد، بحسب التحليل الصادر عن معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي.

وأدى ارتفاع أسعار الغاز إلى قفزة هائلة في الإنفاق الأميركي على الغاز الطبيعي من 195 مليار دولار عام 2021 إلى 269 مليار دولار عام 2022، ومقابل 150 مليار دولار في 2019، وهو العام العادي الأخير قبل أن تعصف جائحة كورونا وغزو أوكرانيا بأسواق الغاز الأميركية والعالمية.

ورغم صعوبة معرفة المبلغ الذي كان من المقرر إنفاقه من قبل المستهلكين الأميركيين لو لم تقلب روسيا أسواق الغاز العالمية رأسًا على عقب، فإن الأكيد أن زيادة صادرات الغاز المسال الأميركية ساعدت في دفع أسعار الغاز المحلية إلى الارتفاع، بحسب التقرير.

ويوضح الرسم التالي -الذي أعدته وحدة أبحاث الطاقة- استهلاك الغاز في الولايات المتحدة في 6 سنوات منذ 2019 وحتى 2024:

استهلاك الغاز الطبيعي في أميركا

وزاد إنتاج الغاز في الولايات المتحدة بمقدار 7 مليارات قدم مكعبة يوميًا خلال المدة من 2020 إلى 2022، في حين ارتفع الاستهلاك بمقدار 4.6 مليار قدم مكعبة يوميًا فقط، ما يعني أن ارتفاع الإنتاج المحلي تسارع بمعدلات أعلى من الاستهلاك.

وكان من المتوقع، استنادًا إلى ذلك، أن تنخفض الأسعار لوجود فائض محلي، لكن صادرات الغاز المسال الأميركية غيّرت المعادلة مع اندفاع الشركات المملوكة للقطاع الخاص -في الغالب- إلى التصدير للاستفادة من الأسعار العالمية المرتفعة.

وأدى التطلع إلى الأسواق الخارجية لزيادة صادرات الغاز المسال الأميركية بمقدار 4 مليارات قدم مكعبة يوميًا بين عامي 2020 و2022، كما زادت الصادرات عبر خطوط الأنابيب 0.4 مليار قدم مكعبة يوميًا، ما أسهم في حدوث عجز بالإمدادات المحلية بمقدار مليوني قدم مكعبة يوميًا، إذ ظهر الطلب وكأنه متجاوز للمعروض بهذه الكمية.

وتشير المعادلات الاقتصادية إلى أن أسعار السلع ومنها الغاز، غالبًا ما ترتفع في حالات تجاوز الطلب للمعروض، لكن في الحالة الأميركية كان المعروض منخفضًا لأسباب لا ترجع إلى انخفاض الإنتاج المحلي كما يتوقع، وإنما بسبب التوسع في التصدير للخارج، بحسب معهد اقتصاديات الطاقة.

تقديرات التكلفة الزائدة على المستهلكين

يستعمل الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة في 4 قطاعات رئيسة، السكني والتجاري والصناعي إلى جانب قطاع الكهرباء، ويبدو تأثر إنفاق القطاعات الـ4 على الغاز واضحًا خلال الشهور الـ16، الممتدة من سبتمبر/أيلول 2021 إلى ديسمبر/كانون الأول 2022، وهي المدة التي شهدت ارتفاعات حادة للأسعار.

وكان متوسط سعر الجملة الشهري للغاز يحوم حول 3 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية خلال السنوات الـ10 السابقة للحرب الأوكرانية، وكان من الممكن أن يظل المتوسط قريبًا من ذلك أو أعلى قليلًا، لكن الحرب ضاعفت الأسعار تقريبًا.

فواتير الغاز في الولايات المتحدة
سيدة أميركية تراجع فاتورة الغاز المنزلية – الصورة من yes energy solutions

وبلغ حجم إنفاق القطاع السكني في هذه المدة قرابة 36 مليار دولار، في حين أنفق القطاع التجاري 27 مليار دولار، والقطاع الصناعي 71 مليار دولار، وقطاع الكهرباء 102 مليار دولار.

وقدر معهد اقتصاديات الطاقة إنفاق القطاع السكني خلال هذه المدة بنحو 22 مليار دولار فقط، إذا ظلت الأسعار على متوسطها خلال السنوات الـ10 الممتدة من 2010 إلى 2020.

ويعني هذا أن القطاع السكني تحمل إنفاقًا زائدًا خلال هذه المدة في حدود 14 مليار دولار، بسبب اشتعال الأسعار التي تسببت فيها سياسة التوسع في صادرات الغاز المسال الأميركية بدرجة كبيرة.

كما قدر المعهد حجم إنفاق القطاع التجاري بنحو 16 مليار دولار خلال هذه المدة، بحسب متوسط العقد السابق، ما يعني تحمله إنفاقًا إضافيًا بلغ 11 مليار دولار، بحسب بيانات رصدتها وحدة أبحاث الطاقة.

أما القطاع الصناعي فكان من الممكن أن ينفق 38 مليار دولار فقط حسب المتوسط، لكنه تحمل 33 مليار دولار تكاليف إضافية، وكذلك قطاع الكهرباء الذي كان من الممكن أن يتجنب تكلفة زائدة تجاوزت 50 مليار دولار.

عندما يعطس العالم تُصاب أميركا بالبرد

بعبارة أخرى، لو ظلت أسعار الغاز المحلية عند متوسطها السابق على مدار عقد، لتجنّب المستهلكون الأميركيون دفع 111 مليار دولار إضافية في إنفاقهم على شراء الغاز الطبيعي بالجملة خلال المدة من سبتمبر/أيلول 2021 إلى ديسمبر/كانون الأول 2022.

ويقدر معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي ذهاب هذه التكلفة الإضافية الضخمة إلى جيوب شركات الغاز المسال في صورة عوائد إضافية، وهو ما يتفق مع الأرقام القياسية التي ظهرت في نتائج الأعمال السنوية لأغلب شركات النفط والغاز الأميركية والعالمية خلال 2022.

ومن المتوقع أن يزداد الطلب على صادرات الغاز المسال الأميركية مع كل اضطراب بيئي أو جيوسياسي يحدث في العالم، ما يعني تحمل المستهلكين الأميركيين التكلفة كل مرة.

ويشير ذلك إلى مفارقة تدعو إلى التأمل وصفها محلل معهد اقتصاديات الطاق كلارك ويليامز، بقوله: “إنه تحريف للقول المأثور القديم: عندما يعطس العالم تُصاب أميركا بالبرد”، إذ إن الأصل في هذا القول العكس.

موضوعات متعلقة..

 

المصدر : https://attaqa.net/2024/02/02/%d8%b5%d8%a7%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%a7%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d9%8a%d8%b1%d9%83%d9%8a%d8%a9-%d9%83%d9%84%d9%81%d8%aa-%d8%a7%d9%84/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M