صراع المعادن الأرضية النادرة مع الصين: هل تحسمه أميركا بسلاح بيولوجي جديد؟

تأمل الولايات المتحدة الأميركية في أن تنهي احتكار الصين لإنتاج المعادن الأرضية النادرة، متسلحة بنوع من الكائنات الدقيقة التي تعوّل عليها في إشعال ثورة بمعالجة تلك العناصر الثمينة بطريقة سهلة ونظيفة، وتحتلّ الصين المرتبة الأولى عالميًا في إنتاج العناصر الأرضية النادرة، وهو ما تراه القوى الغربية، في مقدمتها أميركا وأوروبا، تهديدًا صريحًا لأمن إمداداتها من تلك المواد الخام الإستراتيجية والصناعات المرتبطة بها، وفق معلومات جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.

وتبرز تلك الموارد المعدنية بصفتها مهمة جدًا للأمن الاقتصادي والعسكري للدول، إذ إنها ضرورية لتطوير العديد من التقنيات المدنية والعسكرية، ما يقود بالتالي إلى منافسة شرسة بينها، قد تأخذ في نهاية الأمر شكل توترات، بل وربما صراعات مسلحة.

وتضم العناصر الـ17 التي تشكّل المعادن الأرضية النادرة: اللانثانوم، والسيريوم، والبراسيوديميوم، والنيوديميوم، والبروميثيوم، والسماريوم، واليوروبيوم، والغادولينيوم، والتيربيوم، والديسبروسيوم، والهولميوم، والإربيوم، والثوليوم، والإيتربيوم، واللوتيتيوم، والسكانديوم، والإيتريوم.

سلاح بيولوجي جديد 

في خطوة على مسار كسر احتكار الصين لتلك العناصر، كشف فريق من الباحثين الأميركيين عن نوع من بكتيريا نشطة لا يتجاوز وزنها واحدًا على تريليون غرام، قال إنها ستحدث نقطة تحول -قريبًا- في معالجة المعادن الأرضية النادرة بطريقة صديقة للبيئة وميسورة التكلفة.

فقد خلصت نتائج دراسة بحثية حديثة أجراها العلماء في جامعة كورنيل الأميركية الخاصة إلى أن الهندسة الوراثية التي تتسم بها تلك البكتيريا من الممكن أن تحسّن كفاءة نقاء المعادن الأرضية النادرة الموجودة في الهواف الذكية، وأجهزة الحاسوب والسيارات الكهربائية وتوربينات الرياح، بل ومن الممكن حتى أن تعزز سلاسل الإمدادات الاقتصادية العالمية.

وتوفر بكتيريا فيبريو ناتريجينز (Vibrio natriegens) طريقة مستدامة -تُسمى الامتصاص الحيوي- لاستخراج العناصر القيمة والمطلوبة بدلًا من استعمال التقنيات القديمة الملوثة بالمذيبات الثقيلة.

ونُشرت الدراسة في السادس من ديسمبر/كانون الأول (2023)، في دورية الجمعية الكيميائية الأميركية المعنية بتغطية الأبحاث في جميع مجالات الكيمياء غير العضوية.

آثار مدمرة للبيئة 

قال الأستاذ المساعد للهندسة البيولوجية والبيئية في كلية الزراعة والعلوم الحياتية ومؤلف البحث بوز بارستو: “الطرق الكيميائية الحرارية التقليدية لفصل اللانثانيدات (عناصر فلزية لينة) لها نتائج مروعة على البيئة”.

وأوضح بارستو: “من الصعب جدًا تنقية وتنقيح تلك المعادن الأرضية النادرة، ولهذا فإننا نرسل تلك العناصر خارج البلاد -بوجه عام إلى الصين- من أجل معالجتها”.

وقاد طالب الدكتوراه شون ميدين البحث من أجل التصميم الوراثي لسلالة من فيبريو ناتريجينز، بهدف تعزيز قدرتها على الامتصاص الحيوي للمعادن الأرضية النادرة أو استخلاصها.

آلية الامتصاص الحيوي 

غيّر الباحثون المادة الوراثية للبكتيريا الدقيقة باستعمال بلازميد يحمل اسم إم بي6، الذي يعمل على إدخال الأخطاء في الجين ثم فحص الطفرات من أجل تعزيز الامتصاص الحيوي لتلك العناصر الثمينة.

ويشير البلازميد إلى جزيئات دي إن إيه (DNA) حلقية تحمل جينات في البكتيريا، وهي منفصلة عن الكروموسوم البكتيري.

وقال ميدين: “نظرًا إلى سهولة إيجاد طفرات مهمة في الامتصاص الحيوي، تسلط تلك النتائج الضوء على عدد الجينات التي من المرجح أن تُسهم في خاصية الامتصاص الحيوي”.

تقييم الدول العدوة

تؤدي المعادن الأرضية النادرة دورًا مهمًا في المجتمعات الحديثة، إذ تُعد مكونًا لا غنى عنه في أجهزة الحاسوب والبطاريات وتقنيات الطاقة المتجددة.

وفي أوائل العام قبل الماضي، أصدرت الإدارة الأميركية تقييمًا وجد أن الاعتماد الزائد على المصادر الأجنبية والبلدان التي تعدها واشنطن عدوة، في معالجة تلك العناصر النادرة، يشكّل مخاطر على الأمن الوطني والاقتصادي للولايات المتحدة.

وتتيح بكتيريا فيبريو ناتريجينز طريقة لإعادة صناعة معالجة المعادن الأرضية النادرة إلى الولايات المتحدة الأميركية، وفق تقرير اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

فعلى سبيل المثال من الممكن أن تُسهم المعالجة الحيوية المُنفذة في منجم ماونتن باس للعناصر الأرضية النادرة بولاية فلوريدا، في إعادة هذا المنجم إلى معدلات الإنتاج المحلية القوية السابقة، حسبما قال مؤلف البحث بوز بارستو.

وأضاف بارستو: “هذا العمل الجديد يمنحنا دفعة قوية لتجاوز الطرق الكيميائية الحرارية التقليدية”.

وتابع: “بمقدورنا استحداث تلك الطريقة وراثيًا، وغيرها من أنواع البكتيريا الأخرى، لأننا لا نحتاج إلى تقنية البروتينات، ومن ثم يمكننا تشغيل هذا النوع من النظام بطريقة أرخص بكثير من العمليات البيولوجية المنافسة”.

أميركا تفتقر إلى الخبرة

أشار بارستو إلى أن الولايات المتحدة لم تعد لديها خبرة في المعالجة الحرارية الكيميائية التقليدية، مردفًا: “لتنقية المعادن الأرضية النادرة، فإننا أصبحنا وجهًا لوجه أمام طرق خضراء منافسة”.

وتابع: “ولذا فإنه حتى إذا ما أردنا العودة إلى استعمال الطرق الحرارية الكيميائية التقليدية، فإننا قد لا نستطيع، إذ لم تعد لدينا المعرفة للتعامل مع هذا الأمر”.

وأتم: “نحن مضطرون إلى ابتكار وسيلة للخروج بها من تلك المعضلة”، في تصريحات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

الصين في الصدارة

ما تزال الصين تتربع على عرش قائمة أكبر الدول إنتاجًا للمعادن الأرضية النادرة في العالم، مثل الكوبالت والنيكل والنحاس والليثيوم والمعادن الأرضية النادرة.

ومع أخذ هذا في الحسبان يتضح مدى هيمنة بكين على هذا القطاع الحيوي، إذ إنها تتحكم في 60% من أنشطة استخراج المعادن الأرضية النادرة، و90% من عمليات معالجتها.

وتبرز الصين مزودًا رئيسًا لنحو ما يتراوح بين 85% و95% من إجمالي الإمدادات منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، وعادةً ما تجري عملية استخراج تلك المعادن القيمة في البلد الآسيوي عبر تقنية التعدين الجوفي.

المصدر : https://annabaa.org/arabic/energy/37442

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M