أحمد بيومي
شطب لخمس شركات من بورصة نيويورك هي وجهه نظر أمريكية، أو شطب اختياري لخمس شركات صينية من بورصة نيويورك من وجهه النظر الصينية، النتيجة تقريبًا متشابهة، وهي أن الولايات المتحدة الأمريكية والصين مصرّتان على دفع الاقتصاد العالمي بأقصى قوة إلى الانهيار، وكأن جائحة كورونا العالمية، وتعطل سلاسل التوريد، وارتفاع أسعار السلع الأساسية العالمية، وارتفاع معدلات التضخم، والسياسات التشددية أو التقشفية عالميًا؛ ليست صراعات كافية ليبدأ العالم صراعًا جديدًا من خلال تهديدات بشطب الشركات من أسواق المال.
مزايا الإدراج خارجيًا
يمكن أن يكون التساؤل الهام هو: لماذا تسعى الشركات العاملة في دولة بحجم الصين إلى الإدراج في أسواق المال العالمية (بورصة الولايات المتحدة الأمريكية، أو أي بورصات أخرى). يمكن الإجابة عن ذلك التساؤل بأن سوق الأوراق المالية هو نافذة لجمع الأموال، وعادةً ما يتم جمع تلك الأموال إما لضخها بالشركة من خلال زيادة رأس المال بغرض التوسع، أو من خلال بيع بعض الحصص لقدامى المساهمين والمؤسسين الراغبين في الخروج من الشركة، وحيث إن قرار الاستثمار دائمًا مرتبط بالبيئة الاستثمارية وآليات اللوائح والقوانين التي تنظم سوق المال، فإن للمستثمرين تفضيلات في الأسواق المالية التي يرغبون بضخ أموالهم فيها، وحيث إن الولايات المتحدة الأمريكية السوق المالي الأكبر عالميًا والأكثر تفضيلًا من جانب المستثمرين، فإنه بإدراج شركه أجنبية بسوق الأسواق المالية الأمريكي تتمكن من جمع تمويلات من المستثمرين الذين يفضلون الاستثمار بالسوق الأمريكية فقط وفقًا لقوانينها ولوائحها، ومن ثم فإن الميزة التي تحصل عليها الشركة من خلال الإدراج بسوق خارجية هو الحصول على تسعير أفضل للسهم، وتوافر آليات تداول فعالة تحافظ على استقرار السهم، ووجود سيولة كبيرة تسمح للشركة بجمع أي حجم تمويلات ترغب في جمعه دون الارتباط بالموقع الجغرافي للشركة الأم.
بداية الأزمة
كان إدراج شركة “دي دي” للنقل (شركة تقدم خدمات النقل وتعمل بالسوق المصري حاليًا) DiDi Global في سوق الأوراق المالية الأمريكي وخاصة بورصة نيويورك، هي شرارة الأزمة، حيث إن ذلك الطرح الناجح الذي جمع 12.1 مليار دولار في 29 يونيو 2021، لفت أنظار القائمين على وضع السياسة بالصين، وهو ما دفع المنظمين في الصين لاتخاذ إجراءات صارمة بشأن الشركات التي تُدرج أسهمها في البورصات الدولية، وعليه خرج كل من المكتبين العامين للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ومجلس الدولة ببيان مشترك في 6 يوليو 2021، وتم التعهد في ذلك البيان بتعزيز الإشراف على الشركات الصينية التي تُصدر الأوراق المالية في الخارج، والتي من بينها حماية أمن البيانات والإشراف على تدفق البيانات عبر الحدود[1].
حددت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية في مايو من العام الحالي (2022) قائمة تتضمن خمس شركات، بالإضافة إلى العديد من الشركات الأخرى التي فشلت في تلبية معايير التدقيق المحاسبي الأمريكية، وأشارت إلى أن تلك الشركات الصينية يمكن أن تتجنب ذلك المصير في حال سماحها لمراجعي الحسابات الأمريكيين بالوصول إلى بيانات الشركات الصينية الخاصة المدرجة في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن ما يزيد من حساسية الموقف هو أن تلك الشركات مملوكة للدولة الصينية، وهو ما يعني وجود بيانات حساسة لا يمكن للشركات مشاركتها مع مراقبي الحسابات، لكن الولايات المتحدة الأمريكية مستمرة بإضافة مزيد من الشركات في قوائمها للدرجة التي وصل فيها عدد تلك الشركات إلى مئات الشركات الصينية. ومن الجدير بالذكر أن إجمالي عدد الشركات المدرجة ببورصة نيويورك يبلغ 2363 شركة حتى الربع الثاني من عام 2022[2]، ويبلغ عدد الشركات الصينية المدرجة بالأسواق المالية الأمريكية 248 شركة بإجمالي رأس مال 2.1 تريليون دولار، ثمان من تلك الشركات الصينية هي شركات مملوكة للحكومة الصينية[3]. دخلت تلك الإجراءات حيز التنفيذ في فبراير 2022 والتي تم بناء عليها فرض مراجعه إلزامية لأي شركة تجمع معلومات شخصية لأكثر من مليون مستخدم قبل الإدراج في الخارج وفقًا للقواعد الصادرة عن إدارة الفضاء الإلكتروني الصينية Cyberspace Administration of China (CAC)[4]، وعلى الرغم من ان تلك القواعد والإجراءات سيتم تطبيقها على الشركات الجديدة التي من المخطط إدراجها بالسوق الأمريكي، إلا أن المسئولين عن إدارة الفضاء الإلكتروني الصينية التقوا المديرين التنفيذيين لشركة “دي دي” وطالبوهم بالبدء في التخطيط لإجراءات الشطب من بورصة نيويورك[5]، وهو ما دفع شركة “دي دي” للإعلان في 3 ديسمبر من عام 2021 أنها ستبدأ إجراءات الشطب على الرغم من أنها لم تعلن عن أي جدول زمني لتنفيذ ذلك الشطب[6].
وبالطبع رد منظمو سوق الأوراق المالية في الولايات على تلك الإجراءات الصينية من خلال إصدار هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، في 2 ديسمبر 2021، مجموعة من القواعد التنفيذية لمحاسبة الشركات الأجنبية القابضة المدرجة في الولايات المتحدة الأمريكية، تضمنت تلك الإجراءات تحديدًا لمجموعة من الشركات التي قد تخضع للشطب بسبب استخدامها لمدقق حسابات أجنبي لا يستطيع مجلس مراقبة محاسبة الشركات العامة “PCAOB”، و”الشركات العامة هي شركات مدرجة بسوق الأوراق المالية تسمي شركات عامة نظرًا لأن ملكيتها عامة للأفراد والمؤسسات وخلافه” فحصه أو التدقيق فيه، وبموجب ذلك الإجراء تمنح الشركات المخالفة ثلاث سنوات لتوفيق أوضاعها والسماح بالتدقيق من جانب مدقق حسابات أمريكي يخضع لرقابة مجلس مراقبة محاسبة الشركات العامة الأمريكي ” PCAOB”، وقد حددت لجنة الأوراق المالية والبورصات بشكل قاطع خمس شركات خالفت قانون محاسبة الشركات الأجنبية القابضة وهي الشركات المظللة بالجدول أدناه (إحدى الشركات الخمس هي شركة تابعة لشركة “SINOPEC Shanghai”):
الرمز بالبورصة | الاسم | القيمة السوقية (مليون دولار) | تاريخ الإدراج | القيمة وقت الطرح | القطاع | |
1 | PTR | PetroChina Company Limited | 151,582 | أبريل 2000 | 680 | صناعات أساسية |
2 | LFC | China Life Insurance Company Limited | 96,402 | ديسمبر 2003 | 3000 | قطاع مالي |
3 | SNP | China Petroleum & Chemical Corporation | 77,740 | أكتوبر 2000 | 3500 | الطاقة |
4 | ZNH | China Southern Airlines Company Limited | 14,939 | يوليو 1997 | غير معلوم | النقل |
5 | HNP | Huaneng Power International, Inc. | 14,656 | أكتوبر 1994 | غير معلوم | الطاقة |
6 | ACH | Aluminum Corporation of China Limited | 14290 | ديسمبر 2001 | غير معلوم | صناعات أساسية |
7 | CEA | China Eastern Airlines Corporation Ltd. | 11,958 | فبراير 1997 | غير معلوم | النقل |
8 | SHI | SINOPEC Shanghai Petrochemical Company, Ltd. | 4,816 | يوليو 1993 | غير معلوم | صناعات أساسية |
وعليه، يبدو أننا على أعتاب بداية جديدة لصراع آخر بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، لكن هذه المرة ليست حربًا تجارية فهي حرب مالية، وحيث إن الدولتين هما الأكبر عالميًا من حيث الاقتصاد فإن ذلك الصراع يهدد بانهيار الأسواق المالية عالميًا في حال استمراره، ففي الوقت الذي تبحث فيه الصين عن تأمين بياناتها الداخلية من خلال فرض قيود على شركاتها المدرجة بالولايات المتحدة الأمريكية لتجنب حصول الولايات الأمريكية على معلومات تمس الأمن القومي الصيني، ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن الشركات الصينية لا تفي بمعايير الشفافية والإفصاح، أو الهيكل الإداري لإنشاء الشركات الذي يسمح باستمرار إدراجها في الأسواق الأمريكية، وما بين حماية الصين لمواطنيها وأمنها القومي، وحماية الولايات المتحدة الأمريكية لمستثمريها واقتصادها، ربما تنجرف الدولتان في حرب جديدة تتسبب بانهيار الأسواق المالية عالميًا.
[1] State Council of the People’s Republic of China, The General Office of the Central Committee of the Chinese Communist Party and the General Office of the State Council of the People’s Republic of China Jointly Issued the “Opinions on Strictly Cracking Down on Illegal Securities Activity in Accordance with Law” (中共中央办公厅 国务院办公厅印发《关于依法从严打击证券违法活动的意见》), Translated Aug 17, 2021. https://web.archive.org/web/20210728145008/http://www.gov.cn/zhengce/2021-07/06/content_5622763.htm.
[2] Statista database number of listed companies on the New York Stock Exchange (NYSE) https://bit.ly/3w7caNC.
[3] لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين: https://bit.ly/3CbF9Dy
[4] Cyberspace Administration of China, Cyberspace Administration of China’s ‘Cybersecurity Review Measures’ (Revised), December 28, 2021. Translation. https://bit.ly/3Ar5Y5j
[5] Bloomberg, “China Asks Didi to Delist from U.S. on Security Fears,” November 25, 2021. https://bloom.bg/3As134f
[6] Shiyin Chen and Coco Liu, “Didi’s Brief U.S. Foray Is Ending. What Happens Next?” Bloomberg, March 11, 2022. https://yhoo.it/3w8F3ss
.
رابط المصدر: