صناعة السياسات العامة أمام الغموض السياسي

اعداد : عبد الواحد بلقصري  – باحث في علم الاجتماع السياسي بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة 

 

ملخص :

السياسة العامة أو السياسات العامة هي الدليل الذي يحدد المبادئ للإجراءات التي تتخذها السلطات التنفيذية الإدارية لـلدولة ، وذلك فيما يتعلق بالقضايا التي تتماشى مع القانون والأعراف المؤسساتية، وبشكل عام، يتمثل أساس السياسات العامة في مدى الالتزام بالقانون الوطني الدستوري الأساسي ذي الصلة وكذلك لتنفيذ التشريعات، كذلك تشمل الأسس الأخرى كلاً من التفسيرات والأنظمة القضائية والتي يتم اعتمادها بشكل عام من خلال التشريعات.

ENGLISCH SUMMAR

Public policy or public policy is the guide that sets out the principles for the actions taken by the administrative executive authorities of the State, with regard to issues that are in line with the law and institutional norms. Other grounds include both interpretations and judicial systems, which are generally adopted by legislation.Y:

تقديم :

إذا كانت الدراسات الكلاسيكية في مجال السياسة الأمريكي قد اهتمت بالسلوك السياسي، (comportement politique)، فان الدراسات الحديثة في هذا المجال، اهتمت بالتدبير العام management publique))، نجد التطور المهم الذي عرفه هذا التخصص العلمي في الولايات المتحدة الامريكية منذ الستينات، والذي تأسس أثرها على مفهوم الحكومة، حيث ان اعمال هيجل وماكس فيبر وكارل ماكس ظلت مهيمنة على البحث داخل أوروبا حيث انطلقت السياسات العامة من مفهوم الدولة، أي المؤسسة التي تهيمن على الجميع*1*.

هذه الوضعية، تفسر الغموض الذي عرفته السياسات العامة في علاقتها بالسياسات العمومية، بعد ان عرفت السياسات العمومية صعوبات كبيرة لتجد لها موطئ قدم في فرنسا لدى جماعة من العلماء لهم معرفة قانونية وفلسفية بالدولة لذلك فان التقارب بين التقليديين الانكلوسكسوني والاوروبي، هو الذي سمح بطرح السؤال الصحيح حول السياسات العامة من خلال التمييز الكلاسيكي بين السياسات العمومية كبرنامج عمل Policy، والسياسات العامة كنشاط عامolitics ضمن مراحل تبلور تبقى خاضعة لتدافع سياسي يحاول ادماج الانتظارات المتناقضة  داخل سيرورة تقديم الجواب على المشاكل العامة، على الرغم من ان هذه الإستنتاج تختلف حسب الأزمنة والدول، وبالنظر كذلك لطبيعة الأنظمة السياسية ومستوى دمقرطتها، فالسياسات العامة تعد مدخلا رئيسيا لفهم الديمقراطية في حالة فعل”

  • كما أن هذا الاختلاف بين مدى مساهمة الجهاز الإداري في صياغة السياسة العامة، والتمييز بين ما يعتبر مجالا للسياسات العامة من جهة وللسياسات العمومية من جهة أخرى، فاذا كان من الطبيعي ان يشارك هذا في هذه الصياغة، فان دوره ووزن مشاركته يختلف أيضا من نظام سياسي الى اخر، فالدور الذي. في الدول النامية أكبر نسبيا من دوره في الدول المتقدمة*2*.
  • مجال السياسة العامة

إن ما يميز مجال السياسات العمومية محددات ارتباطه بحقل علم الإجتماع السياسي هو سعيها الدائم الى. الدولة انطلاقا مما يصدر عنها من أفعال واعمال، أي من خلال ما تحدثه من تغيير واثار على حياة الناس خاصة مع اذلك الجديد الذي أتت به الثورة السلوكية في حقل العلوم الإنسانية وكذلك الفكرة التي يراد التأسيس لها الدور الجديد للدولة، وهو الذي باتت تمليه ظروف المرحلة الراهنة وتوسع مجال تدخلها ليشمل قضايا أوسع تندرج في نطاقها قضايا مثل البيئة، الاسرة.

بعد تدخل الدولة محورا لتخفيف الامن والدفاع عن السيادة الوطنية، وهو ما جعل برنامج الحكومة للسياسة العمومية يتسع ليشمل مجالات كانت بعيدة كل البعد عن اهتمام رجل السياسة.

لقد ساعدت السياسات العامة ضمن المنظور الجديد لعلم الإجتماع السياسي والذي ظهر بصيغته الحالية في الولايات المتحدة الامريكية في مطلع القرن العشرين باعتباره علما جديدا مستقلا عن هذا التراث، يعطي الأولوية الأمبريقية والاستقراء والجمع الممنهج للمعطيات، وتجريب الفرضيات على المعطيات على عجز السياسة بمفهومها الكلاسيكي، أسبابه عوض الاقتصار كما كان في السابق على الدراسات الوضعية للمؤسسات والنصوص او تقديم افتراضات حول الشأن السياسي لا تتأسس على تجميع ممنهج للمعطيات المادية فقط، وهو في هذه الصيغة غير المسبوقة يقترب من شروط لعلوم البحثة، الى قوانين حول السلوك السياسي تسمح ليس فقط بمعرفة حقيقة السلوك في الحاضر، بل وقادرة أيضا على التنبؤ بمستقبل هذا السلوك .

  • العلاقة بين السياسة والسياسة العامة :

من هنا تظهر أهمية العلاقة التفاعلية التي تجمع السياسة بالسياسات العامة، ولا تستدعي تفكيرا علميا تفكيكا تحليليا ينظر الى المكونات المفاهيمية باعتبارها وحدات تتميز بخصوصيتها من جهة ونمطا تفاعليا يسمح حسب مفهوم المنظومة بالتفكير بالسياسة التي تقوم بطريقة مميزة بين السياسة والسياسات العامة في علاقة بالسياسة، تطرح اشكالا حقيقيا عبر عنه “فيليب برو” متسائلا: هل من السهل على السياسي بلوغ تعريف لا يكون تعسفيا بشكل مفرط *3*.

  • صعوبات دلالات مفهوم السياسة العامة :

إن صعوبة الجواب حسب” برو “تعود للميوعة الدلالية غير العادية لكل من politique الذي يدل الاشتقاق اليوناني على انها:” ما يمس المدينة la cite  من خلال التوسع فيما يتعلق بحكم المجموعة، لكن خارج نطاق هذا التثبيت، تنتقل كلمة سياسة لتحمل دلالات متنوعة للغاية، وتدخل كلمة سياسي كصفة في سلسلة من التعارضات والتناقضات : إقرار سياسي /قرار سياسي/ قرار تقني/مؤسسة سياسية/مؤسسة إدارية/ الحل السياسي/ الحل العسكري/ او بصفة أوسع، الكل القائم على القوة، تظهر مجموعة من الاستعمالات والتعابير التي تصل الى نشاط متخصص او الى القادة جماعة عامة، او بشكل خاص للدول …..تعمل الكلمة المؤنث سواء في اللغة العربية او في اللغة العلمية، ويمكن ان نستعرض هنا مختلف الدلالات العلمية:*4*

  • السياسي كحيز رمزي للتنافس بين المترشحين لتمثيل الشعب (الدخول في السياسة)؛
  • السياسة كنشاط متخصص؛
  • السياسة كخط سلوك، أي كسلسلة مواقف متخذة وسلسلة متماسكة من اعمال وتصرفات (السياسة الحكومية)}
  • سياسة عامة… المعنى السابق، وتعني هنا النشاط المعتمد المطبق على موضوع خاص (السياسة الصحية، السياسة البيئية…)

وبالذكر يستعمل الموصوف على نطاق اضيق حيث يبقى وفقا بشكل خاص على الادب العلمي فle politic  يحيل الى الميدان الميدان الاجتماعي الذي تهيمن عليه صراعات المصالح الذي تنظمه سلطة محتكرة وهي تغزها للقهر الشرعي وهذا التعريف المستوحى من الفيبري يسمح بإدخال موضوع علم الإجتماع السياسي مباشرة”[1] ، ضمن حقل معارف ومدارك السياسات العامة باعتبار ان مختلف مراحل تشكلها تتضمن وبشكل اكيد صراعات المصالح التي تدفع الى بنائها توافقات او توازنات خفية او مرئية، وتجعل من اعتماد علم الإجتماع السياسي وفق هذا المنظور الجديد مسالة أساسية لفهم العلاقة بين السياسة العامة والسياسة بما يسمح بالتفرقة بين السياسة العمومية باعتبارها برنامج عمل programme d’action) (  والسياسات العامة كنشاط عام politics)) عبر ربط السياستين بالتحولات العميقة في أدوار ووظائف الدولة التي فرضتها الانعطافات المدنية الحديث، التي فرضها التحول من المحدد الترابي le déterminant territorial)) كمحدد رئيسي في منح الانتماء للأفراد، الى محدد يقوم على الهوية المهنية identité professionnelle)) ، وكذا بالتعارضات القائمة بين  القرار السياسي والقرار التقني وبين المؤسسة السياسية وبين المؤسسة الإدارية  بما يحدده مجال التماس بإمكانيات ضعيفة لفهم التقاطعات التي تجمع بينهما.*5*

  • مسار تشكل السياسات العامة :

إن فهم مسار تشكل السياسات العامة يستدعي الاخذ بعين الاعتبار انها ليست مجرد عملية لصنع القرار، يمكن فهم دواعيها واسبابها فقط بالمحددات البنيوية او الاكراهات الاقتصادية والاجتماعية…فقط، بل الامر يستدعي اكثر من ذلك عبر فتح العلبة السوداء la boite noir )) بما يعني تحديد المتدخلين والمشاركين في تحليل السياس من اجل فهم استراتيجياتهم وفهم الدوافع الحقيقة الموجهة لاتفاقاتهم ، وبالتالي تنكشف القوة الحقيقية للمعطى السياسي ودوره في التأثير على عملية صنع السياسات العامة بما يوفره فضاؤه العام كمجال للراع حول السلطة، او فقط المشاركة فيها ( الحالة المغربية ) من إمكانيات لفهم السلوك السياسي من خلال قدرته على قيادة مهمة أولى تنصب على هدم الصورة التي يحاول الفاعلون اعطاءها على انفسهم عبر القوانين المزعومة في صناعة السياسات العامة، ليتم الانتقال بعد ذلك الى تعقيدات شبكات الفاعلين المشاركين في الفعل العمومي حسب تعبير “بير ميلر”[2]. في حين ان حقل السياسات العامة داخل الاصطلاح الإداري هو المفهوم الوصفيdescriptive)) لحقيقة الفعل العمومي، فمفهوم الإداري ضمن هذا الحقل، يعبر عن طرق عمل الدولة الحديثة وعقلنة نماذج الحكم وخاصة ضمن نماذج الفعل البيروقراطي، والنماذج الحديثة لتطوير السياسات العامة وقواعد الضبط الإداري عبر وسائل عملها ( الموارد المالية، البشرية، والفكرية والتنظيمية…) فبدون إدارة يبقى العمل العمومي او العمل الحكومي مبهما incertain)) وهشا fragile)) .في حين وظفت العديد من الدراسات، وخاصة  في اطار اعمال مركز سيسيولوجيا اعمال (كروزي crozier مثلا )، على ان التأثير  المتزايد لرجال الإدارة والأجهزة في المجال السياسي، حولت النظام الإداري الى نظام للسلطة قائم بذاته على الكفاءة والخبرة والتخصص في إدارة الشؤون العامة، حيث تمنح الاحترافية شرعية خاصة تعتمد على امتلاك المعرفة بتطور وتعقد المشاكل. فالسياسات كما كتب “كودناو coodnow” ترتبط بصياغة إدارة الحكومة بتحكيم القيم عند المفاضلة بين ما ينبغي أن تقوم به الحكومة او ما تمتنع عن القيام به الإرادة من خلال سلطها التنفيذية والتنظيمية من خلال ادارتها التي تتكلف به هذه الإدارة وتنفيذ القرارات الصادرة عن سلطة الدولة، ما هو وليس ما يجب ان يكون، والبحث عن الوسائل الكفيلة او الطريقة الاحسن لتنفيذ السياسات العامة.*6*

ان السياسات العامة على هذا المستوى تصبح بحثا عن تحقيق المشروعية العقلانية، بغاية بلوغ الفعالية، من خلال منطق عمل مبني على الأرقام والمعطيات التي تشكل أحد المرجعيات الأساسية والمهمة في تشكيل الفعل العام، وتبرير المبررات والدوافع وراء قيام سياسة عامة عبر تشكلها كسندات لمدخلات النظام، او ارتدادها رجعيا كمخرجات لذات النظام، انها المعنى الذي أعطاه “ماكس فيبر ” تعبير عن قدرة سلطات المكاتب على جعل نظامها القيمي من طرف باقي المكونات الاجتماعية الأخرى من خلال خلق الاعتقاد انها في مصلحة الجميع.

  • مكونات السياسات العامة :

ويحدد جون كلود توين jean cloud thoenig)) خمسة عناصر مكونة للسياسة العامة وهي:

  • السياسة العامة مكونة من مجموعة من الإجراءات الملموسة التي تحدد مستوى للسياسة العامة.
  • تتكون كذاك من قرارات واشكال منح الموارد مع حضور الاكراه سواء كان ظاهرا او غير ظاهر؛
  • السياسات العامة تتخذ في إطار عام للعمل وهذا ما يميزها عن مجد إجراءات ؛
  • السياسات العامة تحدد مبدئيا أهدافها التي ترمي للوصول اليها حسب معاييرها وقيمها.

وهكذا فان السياسات العامة لها صبغة كبرى في تغيير المحيط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي من خلال سياسات عمومية، سواء كان مصدر هذه السياسة الحكومة أو أي جهاز آخر، وهكذا فالسياسة العامة تتخذ رسميا باسم جهاز الدولة، فان لهذا الاعتبار تبعات مهمة واساسية، وهذا ما يمنح للسياسات العامة مميزات خاصة تنفرد بها وتعطيها أهمية بالغة.

فالسياسة العامة تعبر منطقيا وافتراضيا على الأقل على المصلحة العامة، ثم انها في اطار محدد مسبقا من المشروعية، ومن المفترض ان تعبر السياسة العامة عن درجة محترمة من الانسجام، وأخيران فان ضخامة فعل السياسة العامة وخطورة المصالح التي تمسها تتطلب شكل كبير من التوقعية لكي لا تؤدي السياسة العامة الى اثارة اثار عكسية غير مرغوب فيها، فان دور الدولة يقوم على خدمة المصلحة العامة، والسياسة العامة هي التي تترجم عمليا المصلحة العامة التي تخدم جمهور المواطنين، الا ان الاطلاع على الكثير من السياسات العامة يجعلها نسبية، رغم انها تعتبر ضرورية في المراحل الأولى لتخطيط برامج السياسات العامة[3]، ولكن المقصود منها هو ان السياسة العامة عند افرازها يجب ان تخدم عموم المواطنين الذين يحتاجون الى المصلحة، لإشباع احتياجاتهم الاقتصادية والاجتماعية ولعل النموذج الأمريكي الذي لا يجد حرجا في اعتبار سعي مجموعة المصالح الى التأثير للتأثير في صناعة وافراز سياسات تستجيب لمصالحها، ولكنها تتخذ باسم جهاز الدولة الذي يفترض فيها احترام المصلحة العامة.*7*

وبما ان المشروعية تتطلب إقرار السياسات العامة من انتاج ترسانة من القرارات والتي تترجم الأهداف الى إجراءات ملموسة، لذلك كان ضروريا ان يحترم تدخل السياسات المشروعية القانونية، لأنها لابد من ان تحترم الإطار العام الذي تجري فيه، فالدستور بالبلاد إذا كان يحمي الملكية الخاصة، فان سياسة التأميم تعتبر لاغية رغم إقرارها من طرف الدولة، فاحترام المشروعية من المميزات الأساسية لسن السياسة العامة، وعادة ما يقوم جهاز حكومي بإعداد دراسات قانونية تؤطر كل سياسة عامة تعتزم الدولة إقرارها، وتشير بذلك الى الحدود القانونية التي تحيط بكل قرار غير سليم يخرج عن نطاق المشروعية*8*.

ثم ضرورة الانسجام في الفعل العام، فيعتبره معيبا ان يسن سياسة عمومية تمس بإحدى السياسات العامة الأخرى لان ذلك سيؤدي الى الارتباك وهدر الجهد والمال، خصوصا وان هناك تداخلا منطقيا وواقعيا بين مجموعة من القطاعات التي تثر بعضها في بعض، فالزيادة في أسعار الطاقة يمس من قريب أسعار النقل العام والخاص، ويمس الكثير من القطاعات الحيوية لذلك فان الانسجام مطلوب واساسي سواء داخل بنية السياسة العامة او خارجها.

المراجع والهوامش :

  • فيليب برو ، علم الاجتماع السياسي، مرجع سابق ص 16-17 شهادة الماستر ، الجزائر، 2012، ص 20.
  • جيمس اندرسون صنع السياسات العامة، مرجع سابق 124.
  • نفسه
  • حول مفهوم المصلحة العامة في مدخل الى تحليل السياسات العامة، المركز العلمي للدراسات السياسية الطبعة الاولى، 2002، ص 26
  • عبد الله شنفار، الفاعلون المحليون والسياسات العامة المحلية، مرجع سابق، ص 11- 12- 13.
  • الطايعي امبارك، البنيات الزراعية والبنيات الاجتماعية وافق الاستمرار والانقطاع في الواحات المغربية- واحة تافيلالت نموذجا.
  • مرجع سابق ص 124
  • مرجع سابق ص7
.
رابط المصدر:

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M