ضبابية المشهد.. الصين تعيد حالة القلق العالمي من جائحة كوفيد -19

منى لطفي

 

منذ البدء في تطوير لقاحات فعالة ضد فيروس “كوفيد-19″، بدأت معظم دول العالم الخروج من تطبيق التدابير الاحترازية والعمل على عودة الحياة بشكلها الطبيعي، لكن الصين هي الدولة الوحيدة التي اختارت أن تسير عكس التيار وتتشبث بفكرة القضاء على الجائحة نهائيًا، وكانت النتيجة هي انتهاج سياسة “صفر- كوفيد”، وعندما ظهر متحور “أوميكرون” -الذى يعد الأقل حدة ولكن الأشد عدوى- بدأت الحكومة الصينية تجاهل هذا، وكل ما فعلته هو تكثيف عمليات الإغلاق الشامل وفرض الحجر الصحي على كل مواطن تعرض للفيروس، والابقاء على عدد الإصابات “صفر”.

ما هي سياسة “صفر – كوفيد”؟

قبل انعقاد المؤتمر الـ 20 للحزب الشيوعي الصيني والذي يتم فيه تحديد الإطار العام لسياسات الدولة للسنوات الخمس القادمة، كانت الآمال تتجه نحو إنهاء أو تخفيف سياسة “صفر كورونا”، لكن أصبحت الإجراءات أكثر صرامة، فقد أعلن الرئيس الصيني شي جين بينج ضرورة “أن نلتزم بحزم ومن دون تردد “صفر – كوفيد”، وبناء على ذلك خضعت مدينة شنغهاي لعمليات إغلاق لمدة شهرين، على الرغم من شكوى سكان المدينة.

وفى 11 نوفمبر، أصدر “المجلس الوطني للصحة الصينية” ما يسمى “بالإجراءات الـ 20” وتتضمن بعض الإرشادات لتخفيف القيود، سواء من تقليص مدة الحجر الصحي للمسافرين الوافدين وحق الأشخاص في المناطق عالية الخطورة في قضاء العزل الإلزامي في منازلهم بدلًا من مرافق الحجر الصحي المركزية، لكن الإجراءات الجديدة كانت لا تستهدف رفع القيود الخاصة “بكوفيد-19″، إنما تحسينها فقط، حيث ورد في “الإجراءات ال 20″، أن “تحسين تدابير مكافحة الوباء لا يعني تخفيف القيود أو التخلي عنها، بل يعني تحسين دقة السيطرة”.

وفي 25 نوفمبر، شب حريق في مبنى سكني في مدينة أورومتشي، وهي المدينة التي كانت واقعة تحت إجراءات الغلق الكامل بموجب السياسة الصينية، “صفر كورونا”، ونتج عن الحريق وفاة 10 أشخاص، فضلًا عن الإصابات الأخرى. وقد أرجعت الجماهير وفاة الأفراد العشرة إلى تأخر خدمات الدفاع المدني بسبب الإغلاق، فضلًا عن عدم قدرة الأشخاص على الهرب بسبب إجراءات الاغلاق. وعلى ما يبدو أن هذه الحادثة هي بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، وكانت الدافع وراء خروج الصينيين في عدة مدن للتظاهر ضد تطبيق سياسية “صفر كوفيد”، والتي تتمثل في التالي:

● تمكين السلطات المحلية فرض عمليات إغلاق صارمة حتى في المناطق التي يتم فيها اكتشاف عدد قليل فقط من حالات كوفيد19.

● إغلاق الشركات والمدارس في الأماكن الخاضعة للإغلاق، ويستمر الإغلاق حتى يتوقف تسجيل الإصابات الجديدة.

● إجبار الأشخاص الذين ثبتت إصابتهم بالعزل في المنزل أو إيوائهم في مرافق الحجر الصحي الحكومية.

● إمكانية وضع مباني سكنية بأكملها تحت الحجر الصحي في المدن الكبرى.

● إجراء الاختبارات الجماعية والمتكررة في المناطق التي تظهر فيها حالات فحص إيجابية، ويطلب من المسافرين الوافدين الحجر الصحي لمدة خمسة أيام في منشأة الحجر الصحي الحكومية ولمدة ثلاثة أيام في المنزل.

● يطلب من الأشخاص المقربين للشخص الذي ثبتت إصابته بالعزل لمدة خمسة أيام في منشأة حكومية وثلاثة أيام في المنزل.

● لا يسمح للمسافرين من رجال الأعمال والمجموعات الرياضية الرئيسية بترك “فقاعات الحلقة المغلقة” أثناء إقامتهم.

وبناء على هذه السياسة، تم إجبار بعض العاملين على الإقامة بشكل دائم في المصانع حتى يتمكنوا من مواصلة العمل أثناء الحجر الصحي، كذلك أدت تلك السياسة إلى الهروب الجماعي الذي نظمه العمال في مصنع فوكسكون في تشنغتشو الذي يصنع أجهزة “آيفون”؛ بسبب المخاوف من إبقائهم في الداخل. وبناء على انتهاج تلك السياسة، خرج الصينيون للتظاهر للتعبير عن استيائهم تجاه القيود الصحية المفروضة عليهم، كما كان لتطبيق هذه السياسة تداعيات أخرى في تأخير حصول المواطنين على الرعاية الطبية في الوقت المناسب، مما أدى إلى حدوث بعض حالات الوفاة، بجانب أن تطبيق سياسة الاغلاق لفترة طويلة ترك آثارًا سلبية على المجتمع، سواء من اضطرابات الحياة اليومية، أو تشتيت الأسر، حيث يتم حجر أفراد الأسرة الواحدة بعيدا عن بعض.

وقد استمرت تلك الاحتجاجات لمدة أسبوعين، وبناء عليها بدأت الحكومة الصينية العمل على تخفيف الإجراءات نسبيًا من خلال إلغاء شرط إجراء اختبارات كوفيد-19 السلبية على وسائل النقل العام، وغيرها من الأماكن العامة الأخرى مثل المراكز التجارية، ورفع قيود السفر في أكثر من 20 مدينة، بما في ذلك المدن الكبرى مثل بكين وشنغهاي وشنتشن وووهان وتشنغدو.

مخاطر التخفيف من سياسة “صفر- كوفيد”

وهنا يثار التساؤل، هل النظام الصحي الصيني كان مستعدًا للتخفيف من هذه الإجراءات؟، والاجابة، لم يكن على استعداد لتبعات هذا القرار، وهو ما حدث بالفعل من ارتفاع عدد حالات الإصابة؛ فطبقًا للأرقام المسربة، وصل عدد المصابين إلى حوالي 248 مليون شخص في الصين أو 18% من إجمالي السكان خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر ديسمبر الحالي. وطبقًا لمذكرة من اجتماع داخل لجنة الصحة الوطنية الصينية، بلغ عدد الإصابات في يوم واحد ما يقرب من 37 مليون شخص، لكن تحاول الإحصائيات الرسمية الحكومية إخفاء هذه البيانات.

وبناء على عدم السيطرة على عدم إظهار الأرقام الحقيقية للأعداد المصابة، أعلنت لجنة الصحة الوطنية في الصين أنها لن تنشر بعد الآن البيانات اليومية لعدد الإصابات والوفيات بكوفيد-19 التي دأبت على إصدارها منذ 2020، دون أن تقدم أي تفسير لذلك.

وفي ظل ارتفاع أعداد المصابين، قد تنهار السياسة الصحية بالصين؛ نتيجة عدم جاهزية المستشفيات لموجة الارتفاعات المقبلة، فطبقًا للوضع الحالي هناك سرير واحد لعناية مركزة لكل 10000 مقيم، علاوة على وجود نقص في الأدوية؛ في ظل تسارع المواطنين لشراء الأدوية خافضة الحرارة ومسكنات الألم بهدف التّخفيف من أعراض شبيهة بالإنفلونزا، وتمدد هذا الهلع مع نفاد الإصدارات العامة لعقاري “تايلينول”، و”أدفيل” في صيدليات هونغ كونغ، وماكاو، وتايوان، ومناطق بعيدة مثل أستراليا، ما دفع ببعض الصيدليات المحلية إلى الحد من المبيعات، وحث وزير الصحة في هونغ كونغ الجمهور على الامتناع عن تخزين أدوية نزلات البرد، وطالبهم بـ”عدم المبالغة”.

لكن يجب الأخذ في الحسبان أن الانفتاح المفاجئ قد تكون له تداعيات خطيرة خاصة وأن البنية الصحية للصين غير مستعدة للتعامل مع الحالات الجديدة، وفى ظل ارتفاع عدد غير المحصنين، فإن المتوقع أن يحدث خلال الأسابيع القليلة المقبلة ارتفاع شديد في عدد الإصابات، خاصة بين كبار السن، وهم الفئة الأكثر عرضة للخطر والأقل حماية.

وطبقًا لتقرير صادر من معهد القياسات الصحية والتقييم بالولايات المتحدة الأمريكية، فإنه من المتوقع ارتفاع أعداد الوفيات بفيروس كورونا في الصين إلى أكثر من مليون شخص خلال عام 2023. وذكر المعهد أن عدد الإصابات سيصل إلى ذروته في أبريل المقبل وستصل الوفيات إلى 322 ألفا.

وأشار تقرير صادر عن “ايرنتيفى” يشير إلى أنه من المتوقع أن يصل عدد الوفيات في الصين عام 2023، نتيجة فيروس كورونا إلى ما بين 1.3 و2.1 مليون شخص؛ نتيجة التخلي عن سياسة صفر – كوفيد وانخفاض معدلات التطعيم. وأضاف التقرير أنه خلال أول عامين من الوباء، اتخذت مدينة هونغ كونغ، نهجًا لتكون خالية من فيروس كورونا، لذلك عندما تراجعت السلالة الفرعية “أوميكرون” -الأكثر قابلية للانتقال- كانت مناعة السكان من العدوى منخفضة، وأدى ذلك إلى انخفاض تغطية اللقاح، مما زاد من موجة ضخمة من العدوى والوفيات، خاصة بين كبار السن.

وبالتالي استراتيجية الصين ” صفر- كوفيد” تعنى أن السكان لا يتمتعون تقريبًا بأي مناعة مكتسبة بشكل طبيعي من خلال العدوى السابقة، لذا من المتوقع أن يكون هناك ما بين 167 و 279 مليون حالة إصابة، مما قد يؤدي إلى ما بين 1.3 و 2.1 مليون حالة وفاة.

القلق العالمي

لاقى قرار الحكومة الصينية بتخفيف إجراءات سياسة صفر كوفيد ترحيب منظمة الصحة العالمية، وهو ما أكده مدير الطوارئ في منظمة الصحة العالمية، مايكل راين، خلال المؤتمر الصحفي الذى عقد في 2 ديسمبر، بأنه “يسعدنا أن نسمع أن السلطات الصينية تعدل استراتيجياتها الحالية وتحاول الآن حقًا أن تكيف تدابير الرقابة التي تحتاجها مع حياة الناس ومصادر عيشهم وحقوقهم”. وأضاف: “من المهم حقًا أن تستمع الحكومات إلى شعوبها عندما يتألم الناس. نريد بالفعل أن نرى هذا التحسّن يتحقق ويتسارع”.

وذلك لأن سياسة “صفر كوفيد” ليس لها أي جدوى في ظل سرعة انتشار المتحور “أوميكرون”، خاصة وأن هذا المتحور يصعب كبحه الى حد كبير، ومن الأفضل البحث عن طرق تزيد من سرعة تلقيح المواطنين، فضلًا عن أن هذه السياسة لن تكون ذا جدوى أيضًا في ظل انتشار متحورات أخرى.

وحذر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبرييسوس مجددًا من أن الجائحة لم تنته بعد، حيث صرح خلال المؤتمر، بأننا نحن أقرب بكثير إلى أن نكون قادرين على القول إن فترة الطوارئ قد انتهت، لكننا لم نبلغ بعد هذا المرحلة، وأضاف تستمر الثغرات في المراقبة وفي الاختبارات والتسلسل والتلقيح في توفير الظروف المثالية لظهور متحورة جديدة ومثيرة للقلق.

لكن مع ارتفاع أعداد الحالات المصابة في الصين، أعرب مدير منظمة الصحة العالمية عن قلقه البالغ حيال موجة الإصابات غير المسبوقة بـ«كوفيد19» في الصين، طالبًا من بكين معلومات مفصلة عن مدى خطورة الوضع، وذلك بهدف إجراء تقييم كامل للوضع سواء من خطورة المرض والحالات التي دخلت المستشفيات.

وبدأت بعض الدول التأهب بعد تفشي فيروس كورونا في الصين، ومن أبرز هذه الدول الهند، من خلال البدء بشكل عشوائي في إجراء فحوص لـ 2% من المسافرين الدوليين الذين يصلون إلى المطارات بعد أن طلب من السلطات الإقليمية إرسال عينات إيجابية إلى المختبرات التي تراقب سلالات كوفيد الجديدة، مع اتخاذ الاحتياطات ضد كوفيد-19، بما في ذلك التطعيم وارتداء الأقنعة، حيث لا تزال البلاد في حالة تأهب للمتحورات الجديدة التي يحتمل أن تظهر من موجة العدوى التي تجتاح الصين.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/74734/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M