تمكّن الرئيس الصيني شي جينبينغ من إضفاء طابع استثنائي على زيارته إلى الولايات المتحدة، انطلاقاً من اللقاء المطوّل مع الرئيس الأميركي جو بايدن، مروراً بالتصفيق الحار الذي قوبل به من رؤساء الشركات، ويقول ناثانييل شير المحلّل في مركز “كارنيغي الصين”، إنّه “بالنسبة للصين، فإنّ قدرة شي على كسب موقع بارز في سان فرانسيسكو للتحدّث مع قادة الأعمال الأميركيين، تعدّ نجاحاً في ذاته”.
وأغدق الرئيس الصيني بالمجاملات. وقال خلال مأدبة عشاء مع مدراء شركات، من بينهم تيم كوك المدير التنفيذي لشركة “آبل” ولورنس فينك من شركة “بلاك روك”وألبيرت بورلا من “فايزر”، إنّه مستعدّ ليكون “شريكاً وصديقاً للولايات المتحدة”.
كذلك، التقى بإيلون ماسك الرجل الأغنى في العالم ومالك منصة “إكس” (تويتر سابقا).
ودعا شي في خطاب مكتوب، الشركات إلى الاستثمار وتعزيز وجودها في الصين، كما تعهّد باتخاذ إجراءات “مطمئنة… لتسهيل استثمارات وأنشطة الشركات الأجنبية في الصين”.
لكن الصين التي تعتبرها الولايات المتحدة المنافس العالمي الأول لها، تستهدف أميركا اللاتينية في إطار سعيها العالمي للحصول على موارد طبيعية، وانضمّت 21 دولة في هذه المنطقة إلى مبادرة “الحزام والطريق”.
الرئيس الأميركي جو بايدن دعا دول أميركا اللاتينية إلى اختيار الاستثمارات الديموقراطية والشفافة بدلًا من سياسة “دبلوماسية فخ الديون” الصينية خلال استضافته لمسؤولين وممثلي 11 دولة من منطقة شقّت فيها بكين طريقًا لها.
وتقول بكين إن أكثر من 150 دولة من الأوروغواي وصولًا إلى سريلانكا تشارك في “مبادرة الحزام والطريق”، وهي مشروع ضخم أطلقته الصين بقيادة شي جينبينغ قبل عشرة أعوام لتطوير ممرات وبنى تحتية دولية.
تريليون دولار قروض مبادرة الحزام والطريق
وقدّر تقرير نُشر مؤخرا أن تكون الصين قد ديّنت مبالغ يزيد مجموعها عن تريليون دولار في إطار مبادرة “الحزام والطريق” وأن نحو 80% من هذه القروض ممنوحة لدول تعاني من صعوبات مالية.
وتقول بكين إن أكثر من 150 دولة من الأوروغواي وصولًا إلى سريلانكا تشارك في “مبادرة الحزام والطريق”، وهي مشروع ضخم أطلقته الصين بقيادة شي جينبينغ قبل عشرة أعوام لتطوير ممرات وبنى تحتية دولية.
مذاك الحين، منحت الصين قروضًا ضخمة لتمويل بناء جسور وموانئ وسكك حديد وطرق سريعة في دول ذات دخل منخفض أو متوسط.
غير أن أكثر من نصف هذه القروض دخلت حاليًا مرحلة سداد المبلغ الأصلي، وفق تقرير نشره معهد “إيد داتا” للبحوث في جامعة وليام إند ماري بولاية فرجينيا الأميركية.
وتوقع هذا التقرير أن ترتفع هذه النسبة إلى 75% بحلول نهاية العقد.
من خلال تحليل بيانات حول التمويل الصيني لنحو 21 ألف مشروع في 165 دولة، قدّر معهد “إيد داتا” أن تكون بكين قد منحت مساعدات وقروض “تقرب من 80 مليار دولار سنويًا” لدول ذات الدخل المنخفض أو المتوسط. وعلى سبيل المقارنة، تمنح الولايات المتحدة 60 مليار دولار سنويًا لهذه الفئات من الدول.
وجاء في التقرير أن “بكين تلعب دورًا غير مألوف وغير مريح، وهو أنها أصبحت رسميًا أكبر محصّل للديون في العالم”.
ولفت التقرير إلى أن “إجمالي الديون المستحقة – بما في ذلك المبالغ الأصلية لكن باستثناء الفوائد – للمقترضين من العالم النامي للصين يبلغ 1,1 تريليون دولار على الأقلّ”.
ويقدّر معهد “إيد داتا” أن تكون “80% من محفظة قروض الصين في الخارج في دول العالم النامي تدعم حاليًا دولًا في ضائقة مالية”.
ويقول مؤيديو مشروع “مبادرة الحزام والطريق” إنه يجلب مواردًا ونموًا إلى دول الجنوب.
أمّا معارضوه فينددون بالغموض الذي يحيط بتكاليف المنشآت التي بنتها شركات صينية. وتحاول بعض الدول حاليًا، مثل ماليزيا وبورما، إعادة التفاوض على اتفاقياتها مع بكين لتخفيف أعبائها المالية.
وتواجه المبادرة أيضًا انتقادات بسبب بصمتها الكربونية الضخمة والأضرار البيئية الناجمة عن المشاريع الكبيرة للبنى التحتية.
تنامي نفوذ الصين في أميركا الوسطى
في وسط سان سلفادور التاريخي، تشكّل مكتبة حديثة دشنها الرئيس نجيب بوكيلة رمزا جديدا لوجود الصين المتنامي في أميركا الوسطى مع استثمارات في قطاعَي الطاقة والبنى التحتية خصوصا.
وزار بوكيلة برفقة السفير الصيني الطوابق الستة للمكتبة التي تمتد على 24 ألف متر مربع مع مساحاتها الرقمية والتي بنيت بفضل هبة مقدارها 54 مليون دولار من الصين، ووفق ما ورد في مقطع مصور رسمي. وستقدم الصين كذلك هبة لبناء ملعب رياضي على غرار ما فعلت في كوستاريكا فضلا عن رصيف ميناء على ساحل المحيط الهادئ.
وصعد لوريانو نجل رئيس نيكاراغوا دانيال اورتيغا إلى إحدى الحافلات الصينية الـ250 التي سلّمت إلى البلاد وشكر بكين على هذه “العلاقة الخاصة” التي بحسب قوله، ستساعد نيكاراغوا على الخروج من الفقر.
وبالإضافة إلى البنى التحتية من طرق ومطارات وطاقة، تحدث أورتيغا عن خطة لتطوير تكنولوجيا الجيل الخامس (5 جي) بعد زيارته أخيرا مقر شركة الاتصالات الصينية العملاقة هواوي التي تتهمها واشنطن بالتجسس.
وقال الباحث الأميركي إيفان إيليس لوكالة فرانس برس “من نظام أورتيغا الاستبدادي اليساري إلى نظام بوكيلة الاستبدادي اليميني، ساهمت السياسات الجديدة في المنطقة في تنامي نفوذ الصين ووضع مسافة بين الولايات المتحدة وأميركا الوسطى”.
ومنذ أن قطعت كوستاريكا علاقاتها مع تايوان في العام 2007، وسّعت الصين نفوذها في أميركا الوسطى بعدما أقامت علاقات دبلوماسية مع كل من بنما (2017) والسلفادور (2018) ونيكاراغوا (2021) وهندوراس (2023).
من جهتها، أوضحت مارغريت مايرز المتخصصة في شؤون آسيا وأميركا اللاتينية في مركز “إنتر-أمريكان ديالوغ” للتحليل لوكالة فرانس برس أن “جهود الصين في أميركا الوسطى مدفوعة برغبتها في عزل تايوان سياسيا (…) وستواصل بذلها من أجل الحصول على دعم هذه الحكومات في المنظمات الدولية”.
في أميركا الوسطى، وحدهما غواتيمالا وبيليز تقيمان علاقات دبلوماسية مع تايوان التي تعتبرها الصين جزءا لا يتجزأ من أراضيها وتنوي إعادتها إلى سيادتها، بالقوة إن لزم الأمر. وثمة 13 دولة في العالم فقط تقيم علاقات دبلوماسية مع تايوان.
وشدد خبير الاقتصاد السلفادوري سيزار فيالونا “تندرج أميركا الوسطى في إطار سياسة العزل هذه”.
بتدشينها المكتبة، صادقت نيكاراغوا على معاهدة للتبادل الحر تجري السلفادور وهندوراس مفاوضات بشأنها.
إلا أن ميزان المبادلات التجارية يميل بشكل كبير لصالح الصين. فتبلغ قيمة الواردات الصينية في كوستاريكا 3,34 مليارات دولار والصادرات 400 مليونا فقط وفي السلفادور 2,847 مليارا في مقابل 48 مليونا بحسب بيانات رسمية.
ورأى أنريكي ساينز خبير الاقتصاد من نيكاراغوا والمقيم في كوستاريكا “الصين بعيدة جدا. قدرتنا على الانتاج ضعيفة وكلفة الشحن والتأمين عالية. في نيكاراغوا سيتفاقم العجز” جراء هذه المعاهدة.
ومع أن هذه الأسواق صغيرة جدا بالنسبة للصين، إلا ان أميركا الوسطى توفر نفاذا سهلا إلى المحيطين الهادئ والأطلسي.
وأشركت بنما التي تتمتع بموقع جيوسياسي مهم بفضل قناتها، شركات صينية في بناء موانئ بحرية على هذه القناة التي تربط بين المحيطين. وتشكل الصين الشريك التجاري الثاني لبنما بعد الولايات المتحدة.
وأوضح نائب وزير الخارجية السابق في بنما لويس ميغيل إنكابييه لوكالة فرانس برس أن المصارف الصينية الكبرى موجودة في مركز بنما المالي.
أميركا اللاتينية في فخ الديون الصينية
وأمام قادة عدة دمن دول أميركا اللاتينية، حذر الرئيس الأميركي جو بايدن من الوقوع في “فخ الديون” الصينية.
لكن وزير شؤون الرئاسة في هندوراس رودولفو باستور رأى أن العلاقة مع الولايات المتحدة في السنوات الأربعين الأخيرة لم تساعد المنطقة على “الخروج من الفقر أو سلوك درب التنمية. وعلينا تاليا المراهنة على شيء جديد”.
وأكد رئيس غواتيمالا المنتخب برناردو اريفالو الذي سيتولى مهامه في كانون الثاني/يناير المقبل أن حكومته “ستواصل علاقاتها مع تايوان” من دون استبعاد الخوض في علاقات مع الصين.
وحذر إنكابييه “لا أحد يستطيع إنكار أهمية الصين على صعيد التجارة العالمية. لذا فهي مسألة وقت قبل أن تغير الدول التي تبقى مرتبطة بتايوان، موقفها”.
ودعا الرئيس الأميركي جو بايدن الجمعة دول أميركا اللاتينية إلى اختيار الاستثمارات الديموقراطية والشفافة بدلًا من سياسة “دبلوماسية فخ الديون” الصينية خلال استضافته لمسؤولين وممثلي 11 دولة من منطقة شقّت فيها بكين طريقًا لها.
مع تراجع شعبية اتفاقيات التجارة الحرة في واشنطن، يعمل بايدن على الترويج لـ”شراكة الأميركيتين من أجل الرخاء الاقتصادي”، وهو إطار عمل يركّز على تشجيع الأعمال التجارية وإعادة توجيه سلاسل التوريد بعيدًا من الصين.
ودعا بايدن إلى أن تكون القارة الأميركية “آمنة ومزدهرة وديموقراطية، من أقصى الشمال الكندي إلى أقصى الجنوب التشيلي”.
في انتقاد مبطّن للصين، قال الرئيس الأميركي إن أمام أميركا اللاتينية “خيارًا حقيقيًا بين دبلوماسية فخ الديون والنهج العالي الجودة والشفاف في التعامل مع المنشآت والتنمية”.
وأبرمت الصين اتفاقيات للتجارة الحرة مع أربع من الدول المشاركة في القمة التي ينظمها بايدن وضخّت استثمارات بمليارات الدولارات في البنى التحتية في أميركا اللاتينية، لكن في كثير من الأحيان عبر قروض على الدول سدادها بمعدلات فائدة غير مواتية.
وأعلن بايدن أن الولايات المتحدة ستُطلق منصة استثمارات جديدة من شأنها أن تدعم ما قال إنه سيكون استثمارات بمليارات الدولارات ربما في القطاع الخاص في منشآت “مستدامة”.
وأكّد بايدن أن واشنطن تأمل في جعل نصف الكرة الغربي “المنطقة الأكثر تنافسية على الصعيد الاقتصادي في العالم”.
وقال “أعتقد أن الأمر في متناولنا تمامًا”.
وأعلن بايدن إطلاق برنامج مقرّه في الأوروغواي وتدعمه كندا، يهدف إلى دعم رواد الأعمال في الشركات الناشئة في أميركا اللاتينية.
ولفت أيضًا إلى أن واشنطن ستعزز، بالشراكة مع بنك التنمية للدول الأميركية، السندات الخضراء على غرار مبادرة الإكوادور لبيع الديون لحماية الطبيعة في جزر غالاباغوس حيث النظم البيئية معرضة للخطر.
وقالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين في أحد اجتماعات القمّة “تنتهج الولايات المتحدة نهجًا أطلقتُ عليه اسم +حشد الأصدقاء+ يعتمد على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بنا عبر مجموعة واسعة من الشركاء والحلفاء الموثوقين”.
وأضافت “نعتقد أن دول +شراكة الأميركيتين من أجل الرخاء الاقتصادي+ في وضع جيد لاتخاذ الإجراءات اللازمة للاستفادة من حشد الأصدقاء في منطقتنا”.
وتعطي المبادرة الاقتصادية الأولوية للدول الديموقراطية، اذ كان قادة بربادوس وكندا وتشيلي وكولومبيا وكوستاريكا وجمهورية الدومينيكان والإكوادور والبيرو والأوروغواي، من بين المشاركين في القمة في البيت الأبيض الجمعة.
ومثّل مسؤولون من مستوى أدنى كلًّا من المكسيك وبنما، وهما أيضًا من الدول المشاركة في “شراكة الأميركيتين من أجل الرخاء الاقتصادي”.
فالرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور تربطه علاقة معقّدة بإدارة بايدن، فهو يتعاون معها في تحقيق الأولوية الأميركية الرئيسية المتمثلة في إبعاد المهاجرين الآتين خصوصًا من أميركا الوسطى لكنه ينتقد أيضًا في شكل متكرر السياسة الأميركية الخارجية.
العام الماضي، رفض لوبيز أوبرادور المشاركة في قمة للأميركيتين في لوس أنجليس كانت بمثابة تمهيد للقمة التي عُقدت الجمعة، احتجاجًا على استبعاد كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا التي يحكمها يساريون.
أمّا الرئيس البنمي لاورنتينو كورتيزو المقرّب من الولايات المتحدة، فلم يتمكّن من حضور قمة بسبب تزامن انعقادها مع عيد وطني في بلده.
ويصادف هذا العام الذكرى الـ200 على إعلان “مبدأ مونرو” الذي نادى بجعل أميركا اللاتينية ضمن دائرة نفوذ الولايات المتحدة وحيث القوات الخارجية غير مرحب بها.
المصدر : https://annabaa.org/arabic/reports/37048