كشفت الأزمة الحالية عن علاقة معقدة بين إفريقيا وإسرائيل وكيف تقلبت هذه العلاقة في السنوات الماضية بسبب القضية الفلسطينية داخل الاتحاد الإفريقي المعروف تاريخيًّا بمناصرة القضية. ويتناول هذا التقرير تداعيات طوفان الأقصى على القارة الإفريقية وكيف تفاعلت حكومة القارة وشعوبها مع هذه الحرب.
تتابع الشعوب وعدد من الحكومات الإفريقية الحرب الجارية بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة والتي تعرف بعملية “طوفان الأقصى” وبدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث العملية وخسائرها البشرية والهجمات الإسرائيلية على المستشفيات والمدنيين(1) تعزز تنظيم احتجاجات في مدن إفريقية مختلفة(2) رغم الانتقادات التي تُوجَّه إلى حماس من قبل بعض رجالات الكنائس(3) والدول التي لها مصالح سياسية واقتصادية مع إسرائيل.
اختلاف المواقف بين الاتحاد الإفريقي وأعضائه
كشفت الأزمة الحالية عن علاقة معقدة بين إفريقيا وإسرائيل وكيف تقلبت هذه العلاقة في السنوات القليلة الماضية بسبب القضية الفلسطينية داخل الاتحاد الإفريقي المعروف تاريخيًّا بمناصرة القضية على مستوى العالم؛ حيث تستذكر الكتلة القارية من خلال القضية آلام الحكم الاستعماري التي عانتها الدول الإفريقية. وقد قطع الاتحاد الإفريقي (المعروف بمنظمة الوحدة الإفريقية سابقًا) علاقاته مع إسرائيل في أعقاب حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، بينما حافظت بعض دول القارة على علاقات معها بشكل غير رسمي. ولكن نهاية الحرب الباردة وتوقيع اتفاق سلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، ومساعي التطبيع مع الدول العربية الأخرى كلها مهدت الطريق أمام الدول الإفريقية لإعادة النظر في علاقاتها مع إسرائيل، وخاصة بين الدول التي ترى فيها مصالح تجارية(4).
وعلى مستوى الاتحاد الإفريقي، بذلت إسرائيل جهودًا كبيرة في السنوات الأخيرة لكسب ود الكتلة لأهمية الأصوات الإفريقية في المنظمات والمحافل الدولية، وخاصة أن فلسطين تتمتع بصفة مراقب داخل الاتحاد الإفريقي منذ عام 2013 وصوَّتت معظم الدول الإفريقية، في عام 2017، ضد قرار واشنطن بفتح سفارة لها في القدس. ومع ذلك، نجحت إسرائيل بعد عقدين من التحركات -وتحديدًا في عام 2021- في الحصول على صفة مراقب(5)، ولكن الصفة عُلِّقتْ(6) بعد احتجاج دول إفريقية قادتها الجزائر وجنوب إفريقيا وعقب مناوشات قسمت الاتحاد الإفريقي إلى مجموعات فرعية متعارضة(7).
ويعني تعليق صفة المراقب انتكاسة لإسرائيل داخل الاتحاد الإفريقي لأن مسؤوليها لن يتمكنوا من المشاركة في قمم الكتلة القارية، خلافًا لفلسطين التي أعرب الاتحاد الإفريقي، نهاية قمة فبراير/شباط 2023، عن “الدعم الكامل للشعب الفلسطيني في كفاحه المشروع ضد الاحتلال الإسرائيلي”، وانتقد في القمة المستوطنات غير القانونية والتعنت الإسرائيلي(8).
وفيما يتعلق بعملية “طوفان الأقصى”، فقد أعلن موسى فكي، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، عن دعمه الكامل لموقف أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، الذي أدان فيه هجمات حماس ولكنه بيَّن أنها “لم تحدث من فراغ”؛ لأن “الشعب الفلسطيني يتعرض منذ 56 عامًا للاحتلال الخانق”؛ حيث تلتهم أراضيهم المستوطنات، كما يعانون من العنف تحت اختناق اقتصادي ونزوح جماعي نتيجة هدم بيوتهم، وتلاشي آمالهم في التوصل إلى حل سياسي لمحنته”. وأضاف موسى فكي أن ذلك الموقف “يتماشى مع القانون الدولي ومع موقف الاتحاد الإفريقي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة”(9).
وإذا كان المفترض أن يكون هناك توافق في مواقف الاتحاد الإفريقي ودولها الأعضاء، فقد كشفت “طوفان الأقصى” أن معظم الدول الإفريقية لم تُعِر اعتبارًا لدعوة الاتحاد الإفريقي، في فبراير/شباط 2023، إلى “إنهاء جميع التبادلات التجارية والعلمية والثقافية المباشرة وغير المباشرة مع دولة إسرائيل”، وأن بعض هذه الدول اتخذت مواقف معارضة لـ”طوفان الأقصى” بسبب مصالحها التجارية والجيوسياسية؛ حيث أعلنت بعض الدول تأييدها لإسرائيل وعملياتها في غزة، بينما أكدت دول أخرى دعمها للفلسطينين ونادت بوقف إطلاق النار، وهناك دول تتبنى “الحيادية” بالصمت دون إبداء أي موقف، أو بالدعوة إلى حل الدولتين كما اقترحته الأمم المتحدة.
دعم الفلسطينين لتقاطعها مع التجارب الإفريقية مع الاستعمار
يجدر الذكر أن مواقف بعض حكومات إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لا تمثل مواقف مواطنيها؛ حيث نسبة كبيرة من سكان المنطقة، وخاصة في المجتمعات الإسلامية والأوساط الأكاديمية وبعض ممارسي الإعلام الحر، يدعمون الفلسطينيين ويحمِّلون إسرائيل مسؤولية ما يحدث في غزة جراء طوفان الأقصى.
وفي حين أن دولًا بالمنطقة ترى أن إقامة علاقات دبلوماسية أو تعاملات تجارية مع إسرائيل لن تؤثر في موقفها التاريخي ضد إسرائيل وأنشطتها في قطاع غزة، فإن جنوب إفريقيا وجيبوتي والصومال من دول المنطقة التي تدعم الحركات التحررية الفلسطينية بشكل صريح وعلني. وفي حالة جنوب إفريقيا فهي تتبنى هذا الموقف بعد نهاية الفصل العنصري حيث كرَّر نيلسون مانديلا (رئيس جنوب إفريقيا من 1994 إلى 1999) دعمه لمنظمة التحرير الفلسطينية رغم اعتبارها منظمة إرهابية وقتذاك من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل.
بل رغم أن جنوب إفريقيا اليوم تعد أكبر شريك تجاري لإسرائيل في القارة (تتاجر البلاد أيضًا مع فلسطين وخاصة في زيت الزيتون)، إلا أن سلطاتها لم تترك فرصة إلا وانتقدت إسرائيل وازدواجية المعايير الغربية. وقد أشارت وزارة الخارجية بجنوب إفريقيا إلى النفاق الغربي أثناء تزايد الضغوط الغربية على جنوب إفريقيا ودول إفريقية أخرى لإدانة تصرفات موسكو في حرب روسيا-أوكرانيا(10)؛ حيث انتقدت عدم رغبة الغرب تطبيق نفس مبادئ القانون الدولي عندما يتعلق الأمر بأنشطة إسرائيل في الأراضي الفلسطينية. وفي عام 2022، طلبت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا من الأمم المتحدة إعلان إسرائيل “دولة فصل عنصري”(11).
ومما يميز جنوب إفريقيا أن هناك توافقًا بين موقف الحكومة والحزب الحاكم (المؤتمر الوطني الإفريقي) والحزب المعارض “المقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية” الذي يعد ثالث حزب سياسي في برلمان جنوب إفريقيا(12)، إلى جانب احتجاجات مواطنين(13) الذين أعربوا جميعًا منذ بدء “طوفان الأقصى” عن تضامنهم مع الفلسطينيين، وانتقدوا الفظائع التي تتكشف نتيجة الصراع، ونظم المئات من مواطني جنوب إفريقيا في مدن مختلفة احتجاجات للتنديد باستمرار الاحتلال الإسرائيلي. بل حمَّلت سلطات جنوب إفريقيا الاحتلال الإسرائيلي كل ما يقع من تصعيد غير القانوني، فضلًا عن تدنيس المسجد الأقصى والأماكن المسيحية المقدسة، موضحة أن هجوم حماس، رغم أنه لا يمثل حلًّا، إلا أنه لم يكن مفاجئًا بسبب الوضع في غزة. واستدعت حكومة البلاد أيضًا سفيرها وبعثتها الدبلوماسية لدى إسرائيل متهمة إياها بارتكاب جرائم إبادة جماعية(14).
التضامن مع إسرائيل: عندما تتحكم المصالح
أظهرت عملية “طوفان الأقصى” أنه رغم الانتكاسة التي واجهتها إسرائيل على مستوى الاتحاد الإفريقي، إلا أنها أحرزت تقدمًا من حيث علاقاتها الفردية مع عدد من الدول الإفريقية، فمنذ بدء العملية الجارية انحازت دول متعددة إلى إسرائيل واعتمدت في بياناتها الروايات الإسرائيلية والغربية عمومًا، مثل وصف حماس بالحركة الإرهابية، وتكرار سردية حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، متجاهلة حقوق الفلسطينيين أو أوضاعهم.
وقد جاءت هذه النجاحات الإسرائيلية في إفريقيا بعد تحركاتها الإستراتيجية في السنوات الماضية المصمَّمة وفق حاجات كل دولة مع استغلال تراجع الشعور النضالي المشترك ضد الظلم والاستعمار نتيجة زوال نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا ونهاية الحرب الباردة، إضافة إلى الضغوطات التي تواجهها الحكومات الإفريقية لتحقيق الازدهار والتنمية والتي دفعتها إلى تغليب مصالحها مع إسرائيل وتوقيع اتفاقيات التطبيع معها، وخاصة أن الدول العربية أيضًا تفعل ذلك.
والنتيجة اليوم أن حوالي 30 دولة إفريقية فتحت سفارات أو قنصليات في تل أبيب، كما اعترفت 44 دولة إفريقية من أصل 54 بإسرائيل دولة ذات سيادة، وأصبحت هناك علاقات في مجالات تشمل الأمن وتكنولوجيا الدفاع والأسلحة، كما تضم مجال الزراعة الذي تعتبره الدول الإفريقية ضروريًّا لمعالجة تحديات الجفاف والفيضانات وسوء التغذية(15).
وعليه، فإن إظهار قادة دول، مثل الكاميرون(16) وكينيا وغانا وزامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية(17)، دعمهم لإسرائيل وإدانة “إرهاب” حماس والهجمات على المدنيين الأبرياء، لم يكن فقط مؤشرًا على تزايد نفوذ إسرائيل في إفريقيا، بل كان أيضًا إعلانًا صريحًا بتراجع تقديرهم للتاريخ والتجارب مع القمع؛ حيث سئموا من التطبيع السري أو إجراء التعاملات مع إسرائيل وراء الستار.
وفي حالة الكاميرون التي أعربت عن دعمها الثابت لإسرائيل منذ بدء الحرب الجارية، فقد كان رئيسها بول بيا، الذي يحكم الكاميرون منذ عام 1982، من أقوى حلفاء إسرائيل في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وكانت بلاده من أوائل الدول التي استأنفت العلاقات مع إسرائيل في عام 1986، ولا تزال الحكومة الكاميرونية ترفض الاعتراف بوجود الدولة الفلسطينية. إضافة إلى أن لإسرائيل دورًا بالغًا في تدعيم حكم بول بيا من خلال أمنه الشخصي وقيادة وحدة النخبة الكاميرونية المعروفة بـ”كتيبة التدخل السريع”(18).
ويضاف إلى ما سبق أن هذا التضامن مع إسرائيل يأتي بعد إستراتيجيات الولايات المتحدة الأخيرة ودول غربية أخرى لربط “مساعداتها” المالية والصفقات التجارية بضرورة الاعتراف بإسرائيل. ويؤكد على هذا ما كشفه تقرير(19) من أن الولايات المتحدة جعلت دعم كينيا للمصالح السياسية والتجارية الإسرائيلية أحد شروط الصفقة التجارية مع نيروبي، التي تعد من الحلفاء المعتمدين لدى الغرب وتحظى بدعم متواصل من واشنطن.
كما أن دولة غانا التي تعود علاقاتها مع إسرائيل إلى ما قبل الاستقلال وتحت الاستعمار البريطاني تبحث مع الغرب عن تمويل مشاريع مختلفة متعلقة بالاقتصاد والبنية التحتية، إلى جانب مبادرة أكرا لمكافحة الإرهاب الذي يتمدد من منطقة الساحل إلى دول ساحل خليج غينيا، مثل بنين وساحل العاج وتوغو. إضافة إلى أن رواندا من الدول الداعمة لإسرائيل في السنوات الأخيرة وتعزز الكونغو الديمقراطية علاقاتها الدبلوماسية معها، كما أن قادتهما، أي الرئيسين الرواندي، بول كاغامي، والكونغولي، فيليكس تشيسيكيدي، ضمن الزعماء المتهمين، في عام 2021، بتيسير عملية الاعتراف بإسرائيل ومنحها صفة مراقب داخل الاتحاد الإفريقي.
ماذا عن أصحاب الموقف “الحيادي” وملتزمي الصمت؟
هناك دول أخرى في المنطقة يدور موقفها من “طوفان الأقصى” بين الحيادية والتزام الصمت. وقد يعود ذلك إلى عوامل عديدة منها خوف بعض قادة هذه الدول من أن يؤثر اتخاذ موقف في ميزانية دولهم التي تعتمد نسبة منها على المساعدات والمصالح الاقتصادية مع إسرائيل والغرب، أو أن يفقدوا مناصبهم السياسية لمساهمة حلفاء إسرائيل في إيصالهم إلى السلطة.
وقد يكون بسبب الخوف من مخالفة موقفها القديم أو مبادئها السياسية أو وجهات نظر مواطنيها الداعمة للقضية الفلسطينية. ومن بين هذه الدول أيضًا تلك التي تُلْهِيها أزماتها الداخلية الاقتصادية والسياسية عن إعارة الاهتمام لما يجري خارج حدودها، أو تلك التي ترى في تصريحها وإعلان موقفها تأجيجًا للصراع الديني والإثني بين مواطنيها.
وعلى سبيل المثال: كانت إثيوبيا من الدول الإفريقية المتوقَّع منها إعلان الانحياز لإسرائيل فيما يتعلق بـ”طوفان الأقصى” وذلك للارتباط التاريخي الطويل بينهما، ولكن أديس أبابا لم توضح موقفًا محددًا من الأزمة. ولعل ما أسهم في هذا أنها خرجت مؤخرًا من حرب داخلية دامية في إقليم تيغراي، وتشهد حاليًّا صراعًا آخر في أمهرا، إلى جانب الجفاف الذي فاقم أزماتها العذائية، وتعد الولايات المتحدة أكبر مانح لها حيث قدمت 1.8 مليار دولار من المساعدات الإنسانية في سنة 2022 المالية وحدها(20).
وهناك أوغندا(21) ونيجيريا(22) اللتان دعيتا إلى وقف “الأعمال العدائية” وتنفيذ حل الدولتين لإنهاء الصراع، وأدانتا استهداف المدنيين وغير حاملي السلاح من قبل إسرائيل وحماس. ولم يكن هذا الموقف غريبًا نظرًا للتعاملات التجارية والتكنولوجية العسكرية بينهما وبين إسرائيل؛ إذ تصدِّر أوغندا إلى إسرائيل، في عام 2021، شرائح السمك ونبات القهوة والعطور(23)، واشترت قوات الشرطة الأوغندية من شركة إسرائيلية تكنولوجيا اختراق الهواتف المحمولة في عام 2022، كما وقَّعت الحكومة الأوغندية مع وزارة الدفاع الإسرائيلية مذكرة تفاهم حول الدفاع(24).
وفي حالة نيجيريا، التي يتوقع السفير الفلسطيني في أبوجا أن تؤدي دورًا بارزًا فيما يتعلق بالقضايا الإنسانية لأهمية نيجيريا الإستراتيجية(25)، فهي تعاني أزمة اقتصادية كبيرة مؤثرة في النسبة الكبرى من النيجيريين مع نزوح جماعي للشباب الذين يغادرون البلاد إلى أوروبا بحثًا عن فرص العمل، والأمر الذي يجعل إدارة الرئيس، بولا أحمد تيبولا، تبحث مع الغرب استثمارات وتعاونات في مجالات إستراتيجية تدعم إصلاحاته الاقتصادية وبرامجه التنموية. وتحتل نيجيريا المرتبة الثانية بعد جنوب إفريقيا من حيث التبادل التجاري مع إسرائيل ضمن دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى؛ حيث يتراوح حجم التجارة بينهما ما بين 200 و250 مليون دولار سنويًّا(26).
أما تشاد التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل في عام 1972 والتي تعتبر داعمة قوية للقضية الفلسطينية قبل استئناف علاقتها الدبلوماسية مع إسرائيل في عام 2019، فقد اكتفت منذ بدء “طوفان الأقصى” بإعلان إدانة “فقدان أرواح المدنيين الأبرياء” والدعوة إلى “وقفٍ لإطلاق النار والسعي لحل دائم للقضية الفلسطينية”، كما استدعت السلطات التشادية القائم بأعمالها لدى إسرائيل لـ”التشاور”(27). وهذا الموقف الحيادي لم يكن غريبًا باعتبار أنه في عام 2018 وفي فبراير/شباط من عام 2023 زار كل من الرئيسين التشاديين، إدريس ديبي الأب، ونجله، الجنرال محمد ديبي، إسرائيل باستضافة من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. بل تعهد ديبي الابن، الذي وصل إلى الحكم في تشاد بعد مقتل والده بدعم عسكري وغربي، أثناء زيارته أن بلاده ستفتتح سفارة في تل أبيب لتقوية العلاقات الثنائية مع إسرائيل التي وصفها بـ”بلد مليء بالتاريخ وأرض الحضارة لجميع الديانات السماوية”(28).
طوفان الأقصى: آثار وتوقعات
من خلال ما سبق من تعرض لردود أفعال حكومات إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ومواقفها تجاه “طوفان الأقصى” يمكن القول: إن النسبة الكبرى من دول المنطقة تنظر إلى الحرب الجارية كاستمرار للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني وليست معركة منفردة أو حالة جديدة بين إسرائيل وحماس. بل إن المعركة الجارية أيقظت أيضًا الحكومات الإفريقية وشعوبها بشأن القضية الفلسطينية، وخاصة أن القضية أصبحت قبل “طوفان الأقصى” مُتجاهَلة بين حكومات المنطقة ما عدا جنوب إفريقيا.
وإذا كان “طوفان الأقصى” أعاد إلى الصفر معظم النجاحات التي أحرزتها إسرائيل في السنوات الأخيرة مع العديد من دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وخاصة أنه حدث بعد طرد الدبلوماسيين الإسرائيليين من الاتحاد الإفريقي، في فبراير/شباط الماضي؛ فإن المتوقع أن تُستخدم العملية أيضًا لكسب التعاطف سواء لصالح إسرائيل أو فلسطين بناءً على كيفية استغلال كل جانب ومناصريه للوضع وقدرته على تقريب موقفه للجمهور الإفريقي وحكوماته.
ويضاف إلى ما سبق أنه رغم احتمال أن تستمر دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في نهجها القائم على تغليب المصالح في علاقاتها مع العالم ودول الشرق الأوسط بشكل خاص، فإن ارتفاع عدد القتلى نتيجة للقصف الإسرائيلي بدأ يؤثر في عدد كبير من مواطني دول إفريقية، فصاروا يضغطون على سلطاتهم لإدانة إسرائيل ويذكِّرونها بواجباتها والتزاماتها الإنسانية.
كما أن عمليات الفصائل الفلسطينية التي كشفت ضعف الدفاع الإسرائيلي والاستخباراتي ستؤثر سلبيًّا في التصورات الرائجة بين بعض مسؤولي الحكومات الإفريقية الذين يمجِّدون دائمًا قوة إسرائيل التكنولوجية والدفاعية، ويستدلون بتقدم أسلحتها ومعداتها العسكرية في نقاشات مكافحة الإرهاب والتهديدات الأمنية.
خاتمة
تتفق معظم الدول الإفريقية على أن حل القضية الفلسطينية يكمن في “حل الدولتين” وفق مقترح الأمم المتحدة. كما أن الزخم والدعم الهائلين، اللذين تحظى بهما حماس والفلسطينيون بين مسلمي إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وميل عدد من المسيحيين إلى جانب إسرائيل، أمور تدل على أن العديد من مواطني سكان المنطقة لا يزالون ينظرون إلى القضية عبر عدسة دينية، ولذلك استهدفت إسرائيل في تحركاتها ونهجها الدبلوماسي الدول الإفريقية المسلمة. ويعطي عدم توافق موقفِ الاتحاد الإفريقي والدول الأعضاء والانقسامات بين هذه الدول فكرةً عن مساعي كل حكومة للاستقلال وتغليب مصلحتها على غيرها.
وفي حين أن موقف بعض الحكومات الإفريقية بتعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل لا يعني بالضرورة أنها تركتْ علاقاتها عميقة الجذور مع الحركة الفلسطينية؛ حيث أزماتها الاقتصادية والزراعية والأمنية تفرض عليها البحث عن التكنولوجيا المتطورة والمساعدات العسكرية ولو كانت من إسرائيل، ورغم انتشار سردية الجمع بين التعامل مع إسرائيل ودعم فلسطين في إفريقيا، إلا أن انحياز بعض الدول الداعمة لفلسطين إلى جانب إسرائيل أو تبني الحيادية بينما تسكت دول أخرى كلها تؤكد صعوبة فصل السياسة عن العلاقات التجارية وصعوبة انتقاد حليف تجاري عندما يرتكب جرائم ضد الآخرين.
المصدر : https://studies.aljazeera.net/ar/article/5783