جدل الخسائر والأضرار: كيف يؤثر التنافس الصيني-الأمريكي في التوافق العالمي حول صندوق التعويضات المناخي؟

نقاط أساسية

  • الاتفاق حول تفعيل صندوق “الخسائر والأضرار” المخصص لتعويض الدول النامية والأكثر تضرراً من تبعات التغير المناخي، لم يُفضِ إلى حل الخلافات بين الدول المصنفة “نامية”، وعلى رأسها الصين، والدول المتقدمة، لاسيما الغربية بقيادة الولايات المتحدة.
  • توصيف الصين بأنها “دولة نامية” هو النقطة الأكثر إثارةً للخلاف حول صندوق الخسائر والأضرار. ولطالما بقي هذا التصنيف، من غير المتوقع حدوث تغيرات جذرية في موقف الولايات المتحدة من الصندوق، إذ يعني ذلك منح بيجين فرصة الاستفادة من الميزانيات المخصصة له.
  • يرى المسؤولون الصينيون أن تركيز الدول المتقدمة، لاسيما الغربية، على مساهمة الصين في صندوق الخسائر والأضرار المناخي، نابع من محاولة تشتيت الأنظار عن مسؤولياتها التاريخية والمالية تجاه الدول النامية التي تسهم بدرجة محدودة في زيادة الانبعاثات العالمية، إلى جانب عدم كفاية الموارد المتاحة.
  • التوصل إلى صيغة توافقية بين الصين والولايات المتحدة حول صندوق الخسائر والأضرار، يبدو صعباً، بسبب تعقيدات التنافس الجيوسياسي، ورمزية التعاون المناخي بينهما بشكل عام. وحتى لو توصلت واشنطن وبيجين إلى بيان مشترك يفرض التزامات جديدة عليهما، لا يتوقع أن تشكل هذه الالتزامات اختراقاً مهماً وتاريخياً.

 

خلال آخر اجتماع قبل انعقاد مؤتمر «كوب 28» في دبي، توصلت لجنة الأمم المتحدة الانتقالية حول صندوق الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ، في 4 نوفمبر الجاري، إلى اتفاق هش لتفعيل صندوق «الخسائر والأضرار» المخصص لتعويض الدول النامية والأكثر تضرراً من تبعات التغير المناخي، ووضع هيكل رسمي لإدارته. والاتفاق عبارة عن توصيات ستقدمها اللجنة لقادة الدول المشاركة في مؤتمر «كوب 28» لاعتمادها، على أن يُنشئ الصندوق فعلياً في عام 2024. ولم يَحلّ الاتفاق الخلافات حول الصندوق بين الدول المصنفة “نامية” وفقاً للأمم المتحدة، وعلى رأسها الصين، والدول المتقدمة.

 

الخلافات حول صندوق الخسائر والأضرار

كان اعتماد مفهوم “الخسائر والأضرار”، والاتفاق على إنشاء صندوق الخسائر والأضرار، أحد أهم منجزات مؤتمر الأطراف السابع والعشرين “كوب 27″، الذي انعقد في مصر خلال الفترة 6 – 18 نوفمبر 2022، وذلك بعد أكثر من عقد من النقاشات، بدءاً من مؤتمر “كوب 16” في المكسيك في 2010، دون حصول تقدُّم يذكر. ويشمل هذا المفهوم تعويض الدول النامية عن الخسائر والأضرار التي لا يمكن إصلاحها والناتجة عن تأثيرات تغير المناخ على الدول، مثل فقدان الأراضي، واختلال النظم البيئية، وتدمير التراث، والأضرار التي تلحق بالتنوع البيولوجي والسكان.

 

ويختلف مفهوم “الخسائر والأضرار” عن مفهومي “التخفيف” من آثار التغير المناخي، و”التكيُّف” مع هذه الآثار. إذ يشير مفهوم “التخفيف” إلى الإجراءات والسياسات التي من شأنها خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري للدول للوصول إلى هدف 1.5 درجة مئوية؛ فيما يشير مفهوم “التكيُّف” إلى السياسات التي قد تساعد الدول على التكيف مع ارتفاع درجات الحرارة، بغض النظر عن خفض الانبعاثات، مثل تدابير حماية السواحل، والاعتماد على المحاصيل المقاومة للحرارة، وغيرها.

 

تتمحور الخلافات، التي عقدت المفاوضات ضمن اللجنة الأممية المكونة من 24 دولة خلال أربعة اجتماعات سابقة عن اجتماع أبوظبي منذ مؤتمر “كوب 27″، حول أربعة أسئلة أساسية: أين مكان الصندوق، وما هي الجهة المسؤولة عن إدارته؟ من الدول المساهمة في تمويل الخسائر والأضرار؟ هل المساهمة إجبارية أم اختيارية؟ ومن الدول المستفيدة؟ 

 

ولم يُتَّفَق بعد على طرق إنفاق المخصصات المالية، وسط ضغوط باتجاه تجاوز التعافي من الكوارث ودعم الأضرار غير الاقتصادية، مثل خسائر التراث الثقافي، أو تلك الخسائر الناجمة عن أحداث مناخية بطيئة وتدريجية، مثل التصحُّر، فضلاً عن الكوارث.

 

ولطالما رفضت الدول النامية اقتراح الولايات المتحدة توكيل البنك الدولي بإدارة الصندوق. وقد تمحورت أسباب الرفض حول نفوذ واشنطن على البنك النابع من تعيين رئيس البنك من قبل الولايات المتحدة، وبطء وتعقيد وغياب الفاعلية عن نظام عمله، والكلفة المالية المرتفعة التي قد ينتجها ذلك على الدول الفقيرة. ولحل هذه المعضلة، أقر اتفاق أبوظبي إدارة البنك للصندوق لفترة مؤقتة من أربعة أعوام.

 

واتفق المجتمعون أيضاً حول مسؤولية الاقتصادات المتقدمة، المسؤولة عن القدر الأكبر من الانبعاثات، على تعويض الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل عن أضرار التغير المناخي وفقاً للبند الثامن من اتفاق باريس للمناخ 2015، الذي ينص على أنه ” تحدد المادة 8 من اتفاق باريس أهمية تجنب وتقليل ومعالجة الخسائر والأضرار المرتبطة بالآثار الضارة لتغير المناخ”. لكن الولايات المتحدة نجحت في تمرير مبدأ “الطوعية” في المساهمة، وهو ما يجعلها غير إجبارية.

 

واستمرت الخلافات أيضاً حول الدول المستفيدة، أي تلك المصنفة وفقاً للأمم المتحدة باعتبارها دول نامية وترى القوى الغربية أنها لم تعد كذلك، كالصين والهند والسعودية.

 

وتبرز الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، محوراً أساسياً يركز عليه الموقف الأمريكي المعرقل تجاه إنشاء الصندوق. وبشكل عام، من وجهة نظر واشنطن، فإن ثمة عدم يقين إزاء اعتماد ميزانيات أمريكية لصندوق “الخسائر والأضرار” من قبل الكونغرس الذي يعج بالنواب الجمهوريين المتشككين في قضية التغير المناخي من الأساس. وتخشى واشنطن، والدول الغربية الأخرى، من فتح اعترافهم بالمسؤولية التاريخية عن التلوث وموافقتهم على مبدأ “إجبارية” المساهمة في الصندوق الباب أمام الدول النامية لتبني مسار المساءلة القضائية مستقبلاً لإجبارهم على الإيفاء بالتزاماتهم المالية ودفع تعويضات كبيرة.

 

لكن توصيف الصين بأنها “دولة نامية” هو النقطة الأكثر إثارةً للخلاف. ولطالما بقي هذا التصنيف، من غير المتوقع حدوث تغيرات جذرية في موقف الولايات المتحدة من الصندوق، إذ يعني ذلك منح بيجين فرصة الاستفادة من الميزانيات المخصصة له.

 

موقف الصين

التقى المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون المناخ، جون كيري، والمبعوث الصيني الخاص لتغير المناخ، شيه تشن هوا، في كاليفورنيا، بين 4 و7 نوفمبر الجاري، لإجراء محادثات تهدف للتوصل إلى توافق وحلحلة الخلافات قبيل انعقاد “كوب 28”.

 

وفقاً لمبدأ “المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة” الأممي، فإن الدول ليست مسؤولة بشكل متساو عن معالجة الآثار البيئية العالمية الناجمة عن التغير المناخي. وإدراج الصين على أنها دولة “نامية” أو ذات دخل منخفض، وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة الاطارية المعنية بتغير المناخ، لعام 1992، لا يُجبرها تلقائياً على المساهمة في صندوق “الخسائر والأضرار”. لكن الصين ثاني أكبر اقتصاد عالمي، وأكبر باعث لغازات الاحتباس الحراري حالياً.

 

وقد سلَّط شيه الضوء على هذه المعضلة خلال مؤتمر “كوب 27″، من خلال تأكيد أن الصين لا تتحمل أي مسؤولية عن التعويض عن الخسائر والأضرار. والتركيز على بعد “المسؤولية” القانوني، وهو الخط الرسمي الذي يتبناه المسؤولون الصينيون، لا يوضح بشكل قاطع ما إذا كانت الصين ستساهم “طواعية” أم لا.

 

ويرى المسؤولون الصينيون أن تركيز الدول المتقدمة، خصوصاً الغربية، على مساهمة الصين في الصندوق نابع من محاولة تشتيت الأنظار عن مسؤولياتها التاريخية والمالية تجاه الدول النامية التي تسهم بدرجة محدودة في زيادة الانبعاثات العالمية، إلى جانب عدم كفاية الموارد المتاحة. على سبيل المثال، يشير تقرير صادر عن المنظمة الدولية للأرصاد الجوية إلى أن حجم التعويضات تحت بند “الخسائر والأضرار” للدول الأفريقية فقط، في الفترة بين 2020 و2030، قد يبلغ من 290 إلى 440 مليار دولار.

 

وترى الصين أن بإمكانها المساهمة غير المباشرة لمنع تفاقم الخسائر والأضرار من خلال تعزيز قدرة الدول على “التخفيف” و”التكيف” من خلال آلية تعاون “جنوب – جنوب“. ويغطي هذا الإطار مجموعة واسعة من المجالات، من الأمن الغذائي إلى البنية التحتية. وأشار شيه إلى إطار تعاون “جنوب – جنوب” بوصفه قاعدة لزيادة مساهمة الصين لتحجيم الخسائر والأضرار في الدول الأخرى. لكن الصين تؤكد أن هذه المساهمة لن تكون مالية. ويعني ذلك، أن بيجين ترى في المشاريع الهادفة لزيادة قدرات الدول النامية في مجال الطاقة النظيفة والمتجددة (من قبيل مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وتكنولوجيا المناخ، مثل حجز الكربون وإعادة تدويره، والهيدروجين الأخضر وغيرها، وتبادل الخبرات والتدريب تحت مظلة مبادرة الحزام والطريق)، مساهمات ضمن مبدأ “الخسائر والأضرار”.

 

وفي عام 2015، قبل انعقاد “كوب 21” في باريس، حدَّدت الصين أبعاد رؤيتها لمساهمتها التمويلية المناخية بشكل عام من خلال الإعلان عن إنشاء صندوق للتعاون المناخي بين دول الجنوب العالمي لتوفير 20 مليار يوان لمساعدة الدول النامية. وإطار تعاون “جنوب – جنوب” هو ثنائي الطابع، وليس متعدد الاطراف. ويشمل التعاون لمواجهة “الخسائر والأضرار”، وفقاً للإطار التنظيمي لهذه الآلية: بناء القدرات وتدريب المسؤولين على إدارة مخاطر المناخ، والتبرع بالمواد الخام والمعدات لمساعدة هذه الدول على تأهيل البنية التحتية.

 

وتُركِّز الصين على الصيغة الثنائية لإطار تعاون “جنوب – جنوب” بشكل خاص، إذ ترى أن تحمل المسؤولية المالية في إطار آلية متعددة الأطراف يعني أنها انتقلت تلقائياً من فئة الدول النامية إلى فئة الدول المتقدمة المجبرة على دفع تعويضات وتحمل المسؤولية التاريخية والآنية عن مساهمتها في الانبعاثات.

 

إلى جانب التركيز على مساعدة الدول الفقيرة من خلال مشاريع مبادرة الحزام والطريق وبناء القدرات ونقل الخبرات، فإن الصين ترى أن “الخسائر والأضرار” تقع عندما تُخفِق قدرات “التخفيف” و”التكيُّف”. ومن ثم، فإن الطريقة المثلى لتجنُّبها على المستوى العالمي، وفقاً لرؤية بيجين، تتمثَّل في تعزيز سياسات “التخفيف” و”التكيف” داخل الصين أولاً، باعتبارها الباعث الأكبر لغازات الاحتباس الحراري، عبر تسريع عملية التحول نحو مصادر الطاقة النظيفة وتقليل الانبعاثات الصينية.

 

وكانت الصين تعاني من ضغوط وتوقعات دولية في 2015 فيما يخص مساهماتها العالمية. وقدَّم هذا الإطار وقتها رؤية مزدوجة وبناءة وتحقق مصالح الصين. فمن جهة، تموضعت الصين قائداً عالمياً في قضية محاربة التغير المناخي مع الولايات المتحدة. ومن جهة أخرى، عمَّقت بيجين قيادتها لدول الجنوب العالمي، باعتبارها قوة عظمى مدافعة عن حقوقها ومصالحها في مواجهة الدول الغربية.

 

واليوم، تمر الصين بنفس المرحلة التي مرت بها عام 2015 في سياق حاجتها، خلال عامي 2024 و2025، إلى إنتاج صيغة مركبة وواضحة تسهم بتوضيح موقفها وأهدافها ومدى استعدادها لتقديم رؤية مماثلة تدافع عن مصالح الدول النامية، وتحافظ على مصالح الصين أيضاً.

 

وإلى الآن، لا يزال اهتمام الصين بالمساهمة “غير المالية” يُمثِّل الحل الوسط الذي يحافظ على موقع الصين قائداً مناخياً عالمياً يدافع عن مصالح الدول الفقيرة، ويَعفيها، في الوقت نفسه، من التخلي عن صفتها “دولة نامية”.

 

اقرأ أيضاً:

 

السيناريوهات المحتملة

سيناريو (أ): اتفاق يُعمِّق الأزمة. يفترض هذا السيناريو قبول الولايات المتحدة والصين والدول الأخرى المجتمعة بالتوصيات المدرجة في اتفاق أبوظبي واعتمادها خلال قمة “كوب 28″، واستمرار الفشل في التوصل لاتفاق نهائي، على المديين القصير والمتوسط. يفترض السيناريو أيضاً نجاح المباحثات المناخية الجارية بين الولايات المتحدة والصين في التوصل إلى صيغة توافقية حول بيان بشأن التزامات كبرى جديدة، من قبيل البيانين المشتركين خلال قمتي باريس و”كوب 26”.

 

يستند هذا السيناريو إلى محاولة الدول المجتمعة تسريع إنشاء صندوق “الأضرار والخسائر” في مطلع عام 2024، والبدء في بناء استراتيجيات التمويل وتلقي المخصصات من الدول “المتبرعة” الراغبة في المساهمة به، مثل ألمانيا التي أعلنت ذلك بالفعل. إلى جانب ذلك، ترغب الأمم المتحدة ودولة الإمارات، باعتبارها الدولة المستضيفة لمؤتمر “كوب 28″، في إنجاح الاتفاق ومن ثم عدم تعثُّر المشاورات حول ملفات مهمة أخرى، مثل تخفيف الاعتماد على الوقود الأحفوري وخفض الانبعاثات وغيرها. وعلى صعيد البيان الأمريكي-الصيني المشترك، قد يتعلق بتقديم الدعم والاستثمار في الدول الأخرى، ومصادر الطاقة في الخارج، فضلاً عن التعاون في مجال الأبحاث المشتركة وتبادل المعلومات المتعلقة بالتقنيات المنخفضة الكربون.

 

لكن قد يواجه تحقق هذا السيناريو عدة تحديات؛ أولها، أن الاتفاق يكاد لا يرتقي إلى تطلعات أي من الدول الـ24 المشاركة في التفاوض. وعبَّرت مندوبة الولايات المتحدة عن ذلك في اعتراضاتها على بعض بنوده بالقول إنه اتفاق لا يحظى بالتوافق. ولا يقدم الاتفاق أيضاً خطوات ملموسة وعملية لحل معضلة “التطوعية” في التبرع بالمخصصات المالية لصالح الدول النامية، التي لن تكون كافية، بأي حال من الأحوال، للوفاء باحتياجات هذه الدول وتوقعاتها من الصندوق، خصوصاً في أوقات الطوارئ والكوارث الطبيعية.

 

ومن ثم، حتى إذا مُرِّر هذا الاتفاق خلال القمة، فإن المفاوضات المضنية، والخلافات بين الدول الغنية والنامية حول تمويل “الخسائر والأضرار”، لن تنتهي في أي وقت قريب. وقد تفشل واشنطن وبيجين في التوصل إلى صيغة توافقية للبيان المشترك المنتظر أيضاً بسبب تعقيدات التنافس الجيوسياسي بينهما، ورمزية التعاون المناخي بين الجانبين بشكل عام. ومِن ثمَّ، حتى لو توصلت واشنطن وبيجين إلى بيان يفرض التزامات جديدة على الطرفين، فلا يتوقع أن تشكل هذه الالتزامات اختراقاً مهماً وتاريخياً.

 

سيناريو (ب): قيادة واشنطن وبيجين لصندوق “الخسائر والأضرار”. بموجب هذا السيناريو قد يتوصل الجانبان لاتفاق في مرحلة لاحقة على “كوب 28″، تُشكَّل بموجبه قيادة تمويلية مشتركة، تكون الولايات المتحدة والصين فيها أكبر مساهمين، ما يدفع الصندوق إلى الأمام. وإن حدث ذلك، سيخلق هذا التطور فرصاً كبرى أمام الدول النامية الباحثة عن مصادر تمويل، ويدفع الجهود الدولية لمكافحة تغير المناخ قُدُماً إلى الأمام.

 

لكن، لا يزال هذا السيناريو صعب التحقُّق، أقله في المدى القصير، لإصرار بيجين على التمسُّك بسياسة “غياب المسؤولية”، وفقا لمبدأ “المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة” الأممي الذي يعفيها من التخلي عن تصنيفها القانوني “دولة نامية”، ومِن ثمَّ التمسك باستحقاقها في تلقي مساعدات مالية بدلاً من المساهمة في دفعها. إضافة إلى ذلك، من غير المحتمل تخلي واشنطن عن ربط حدوث تقدُّم في هذا الملف بتغيير موقفها الرافض لهذا الوضع الصيني، بالأخص نتيجة الممانعة السياسية الداخلية التي تحظى بدعم الحزبين، وتنافس القوى العظمى بين واشنطن وبيجين.

 

سيناريو (ج): استمرار غياب التوافق. يتوقع هذا السيناريو فشل القوتين الكُبريين في تمهيد الطريق للتوصل إلى اتفاق حول تمويل صندوق “الخسائر والأضرار” في المديين القريب والمتوسط. وتكمُن محفزات تحقق هذا السيناريو في التحديات المبينة في “سيناريو أ” المتصلة بتصنيف الصين “دولة نامية”.

 

لكن ستواجه احتمالات تحقق هذا السيناريو تحديات أيضاً متصلة بجوهر تنافس القوى العظمى. فالدولتان تحاولان استمالة الدول النامية، ودول الجنوب العالمي بشكل عام، وتكوين قاعدة تأييد صلبة لأحد النموذجين، الصيني والأمريكي، لنظام الحوكمة العالمي. ولا تصب عرقلة تشكيل صندوق “الخسائر والأضرار” في صالح أي منهما ولا تدعم رؤيتهما أو تجذب هذه الدول أقرب إلى مدار إحداهما على حساب القوة الأخرى.

 

وإن تحقق هذا السيناريو سيخلق بيئة تسمح بالتركيز الأحادي داخل الصين والولايات المتحدة، باعتبارهما الدولتين الباعثتين الأكبر للكربون في العالم، عبر تسريع عملية التحول نحو مصادر الطاقة النظيفة. ستساعد هذه البيئة أيضاً على اتساع نطاق مساهمات الصين والولايات المتحدة على المستوى الثنائي مع الدول النامية. قد يتم ذلك، في حالة الصين، من خلال زيادة الاستثمارات في مجالات الطاقة النظيفة، والتعاون التقني من خلال نقل الخبرات ضمن مظلة مبادرة الحزام والطريق. وفيما يتعلق بواشنطن، قد يتسع التعاون مع الدول النامية من خلال آليات ثنائية أو عبر تحالف “كواد” الذي أعلن زيادة التعاون بين أعضائه لمواجهة التغير المناخي.

 

سيناريو (د): القيادة الأحادية. وفقاً لهذا السيناريو، قد تفشل واشنطن وبيجين في التوصل لاتفاق، لكن إحداهما ستتقدم لقيادة صندوق “الخسائر والأضرار” مع الدول الأخرى سعياً لترسيخ قيادتها العالمية. بالنسبة للولايات المتحدة، فإن ملف مكافحة المناخ أحد الدعائم الأساسية في استراتيجيتها العالمية عقب حقبة من التراجع الدولي في هذا الملف تحت قيادة دونالد ترامب. وبالنسبة للصين، فإن الوساطة في مارس الماضي بين السعودية وإيران للتوصل إلى اتفاق لاستعادة العلاقات الدبلوماسية، وعرض الوساطة لإنهاء الحرب الأوكرانية، والرغبة في أداء دور لتهدئة الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين قبل 7 أكتوبر، إلى جانب مبادرات التنمية والأمن والحضارة العالمية؛ كلها خطوات توضح أن بيجين ترى أن الوقت بات مناسباً للسعي إلى تحدي قيادة واشنطن للنظام الدولي. ومحاربة المناخ أحد أهم الملفات الحرجة التي من شأنها توسيع قاعدة الدعم العالمي أو تقويضها.

 

وبهذا المعنى، فإن تحقُّق هذا السيناريو قد يزيد من تنافس القوى العظمى في ملف محاربة تغير المناخ، والذي قد يعود بفائدة كبرى على الدول النامية والمتضررة بالنظر إلى تنافس أكبر قوتين على المساهمة المالية بينهما، ومن ثمّ النفوذ على هذه الدول.

 

لكن تحقق هذا السيناريو يظل مرتبطاً بتحديات “سيناريو أ” المتصلة بتصنيف الصين “دولة نامية”، والدفع السياسي الداخلي في الولايات المتحدة (خصوصاً بين صفوف الجمهوريين) باتجاه استغلال هذه المعضلة الصينية لتولي زمام القيادة، أو الاستمرار في التعامل معه شرطاً مبدئياً لكي تُقدِّم واشنطن تعهدات إلزامية بالمساهمة المالية في الصندوق.

 

الاستنتاجات

على المدى القصير، يُرجَّح تحقق “سيناريو أ” عبر اعتماد القادة، خلال قمة “كوب 28″، للتوصيات التي توصلت لها اللجنة الأممية في اجتماع أبوظبي. ولن يكون ذلك كافياً لحل الأزمة، بل سيُسهم في إطالتها واستمرار الانقسام بين الدول النامية والمتقدمة حول صندوق “الخسائر والأضرار”.

 

على المدى المتوسط، يُرجَّح استمرار غياب التوافق بين الجانبين الأمريكي والصيني، كما هو مبين في “سيناريو ج”. وسيتوقف تحقق هذا السيناريو، جزئياً أو كلياً، على تقديم بيجين وواشنطن تنازلات كبيرة، ترتبط بالأساس بمصالحهما ومسار النقاشات الداخلية حول معضلة تمويل الصندوق، ومدى تأثير ذلك، وفقاً لرؤيتي البلدين، على موقعهما القيادي في النظام الدولي.

 

لذلك، فإن نقاشات الخبراء يتعين أن تُركِّز على تصنيف الصين “دولة نامية” وفقاً للأمم المتحدة، ومدى إمكانية إحداث حلحلة في هذه العقدة الصعبة التي، إن حُلَّت، قد تُمهِّد الطريق لتقدم واسع باتجاه معالجة أزمة “الخسائر والأضرار”، وبالتالي دفع الاستجابة العالمية لأزمة التغير المناخي قُدُماً نحو الأمام.

المصدر : https://epc.ae/ar/details/scenario/kayf-yuathir-altanafus-alsiyni-al-amriki-fi-altawafuq-alalami-hawl-sunduq-altaawidat-almunakhi

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M