تصاعَدت وتيرة الانقلابات العسكرية بعد الاستقلال الإفريقي(*)، ثم هدأت نسبيًّا، وبخاصة مع انطلاق مرحلة التحول الديمقراطي، في إفريقيا مطلع تسعينيات القرن الماضي، ثم عاودت الصعود مؤخرًا بشكل لافت، لدرجة أنها أصبحت أقصر وأسهل طرق الوصول إلى السلطة في إفريقيا، ففيما يقارب 70 سنة تُمثِّل عُمر الدول الإفريقية الحديثة، تجاوز عدد الانقلابات العسكرية المعلن عنها (215) محاولة انقلابية، نجح نصفها تقريبًا في إزاحة الأنظمة الحاكمة، فيما تمَّ إحباط باقيها، وبهذا أصبحت البيئة السياسية الإفريقية، أكثر مناطق العالم شهودًا للانقلابات العسكرية.
وإذا نظرنا في آخر خمس سنوات، نجد أن سنة 2019م شهدت انقلابًا واحدًا في السودان، ومحاولة انقلابية في الجابون، وأن سنة 2020م شهدت انقلابًا واحدًا في مالي، وأن سنة 2021م شهدت أربعة انقلابات في السودان ومالي وتشاد وغينيا كوناكري، ومحاولةً انقلابيةً واحدة في النيجر، وأن سنة 2022م شهدت انقلابين في بوركينا فاسو، وثلاث محاولات انقلابية في جامبيا وغينيا بيساو وبوركينا فاسو، وأن سنة 2023م حتى الأول من أكتوبر شهدت انقلابين؛ أحدهما في النيجر، والثاني في الجابون، وثلاث محاولات انقلابية؛ إحداها في تشاد، والثانية في ساوتومي وبرنسيب، والأخيرة في بوركينا فاسو، وهو ما مجموعه في عموم القارة خلال هذه السنوات الخمس (10) انقلابات ناجحة، و(8) محاولات انقلابية.
وتقتضي معالجة هذه الظاهرة، البحث ابتداءً في تفاعلات وطبيعة البيئة الداخلية الإفريقية، على الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي، وكذا تفاعلات وطبيعة البيئة الخارجية (النظام الدولي)، وذلك من أجل الوقوف على الأسباب التي حملت العسكريين، أو حفَّزتهم على الانقلاب على السلطات المدنية، بل وعلى أنفسهم في بعض الحالات، ومِن ثَم استشراف مستقبل هذه الظاهرة، وكيفية التحكم فيها، وذلك في المحاور التالية:
أولًا: خصائص البيئة الداخلية الإفريقية
على الرغم من أهمية بعض المتغيرات كالجغرافيا والتاريخ وغيرها، إلا أن المتغيرات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، تُعدّ أهم وأكثر متغيرات البيئة الإفريقية تأثيرًا، على ظاهرة الانقلابات العسكرية محل الدراسة، ومن هنا سيقتصر الرصد والتحليل على هذه المتغيرات.
1- خصائص البيئة السياسية الإفريقية
يأتي المتغير السياسي في مقدمة المتغيرات الأكثر تأثيرًا على ظاهرة الانقلابات العسكرية؛ باعتبارها ظاهرة سياسية بالدرجة الأولى، وبالنظر إلى منشأ البيئة السياسية الإفريقية، نجد أنها جاءت نتاجًا لتفاعل ثقافتين مختلفتين تمام الاختلاف؛ أولاهما الثقافة التقليدية الإفريقية، والأخرى الثقافة الوافدة مع المستعمر الغربي الأوروبي، وقد كان لهذا التجاذب والتفاعل الثقافي دور كبير، في تشكيل خصائص البيئة السياسية الإفريقية، ما جعلها متفردةً في بعض خصائصها.
- الصراع الإثني على السلطة
تتسم المجتمعات الإفريقية بالتعددية الإثنية (لغوية، ودينية، وثقافية، وعرقية، وغيرها)، باستثناء قليل من الدول مثل: مصر وليسوتو وتونس، وتتسم التعددية الإثنية في المجتمعات الإفريقية بالتفاوت الشديد، فهناك دول تكاد تقتصر التعددية فيها على إثنيتين أو ثلاث مثل رواندا، وهناك دول تتوفر على تعددية معتدلة، مثل: جيبوتي ومالي وموريشيوس وكينيا، وهناك من الدول ما تصل فيها التعددية إلى مئات الإثنيات وتفرعاتها، مثل جنوب إفريقيا ونيجيريا، والكاميرون، ومن جهة أخرى تتسم التعددية الإثنية الإفريقية بأنها عابرة للحدود؛ فجُلّ الإثنيات الإفريقية تمتد عبر الحدود إلى الدول المجاورة، نتيجة الاحتفاظ بالحدود الاستعمارية التي أُقيمت على أساس جغرافي لا إثني.([1])
وقد انعكس هذا التنوع والتوزيع الإثني، على طبيعة التفاعلات السياسية في المجتمعات الإفريقية، فتحوّل التنافس السياسي إلى صراع إثني، وهو ما يُعرف بـ “تسييس الإثنية” Politicizing Ethnicity أو “أثننة السياسة” Ethnicizing Politics، الأمر الذي حفّز رغبة الإثنيات المختلفة في الوصول إلى السلطة والبقاء فيها، وفي كثير من الدول الإفريقية يَحُول هيكل وتوزيع التعددية الإثنية، دون الوصول إلى السلطة عبر الوسائل الديمقراطية، فلا يتبقى إلى ذلك سبيل سوى الانقلابات العسكرية، أو الصراع المسلح والحروب الأهلية، كما حدث في رواندا؛ على سبيل المثال.([2])
- الصراع النخبوي على السلطة
في أواخر الحقبة الاستعمارية التقليدية، تنامَى الشعور الوطني، وتضافرت جهود كل النخب السياسية، واجتمعت إرادتهم على إنهاء الاستعمار، فتماهَى الكل مع هذه الغاية، وحمل بعضهم السلاح، وناضل البعض سياسيًّا، كلّ بحسب ظروف دولته، وبعد جلاء المستعمر (عسكريًّا وإداريًّا)، وإسناد السلطة إلى النخب الإفريقية، زال داعي اللُّحمة والاصطفاف الوطني، ودخلت النُّخب في صراع مرير على السلطة، كما حدث في السنغال وموزمبيق ومالي وبوركينا فاسو والجابون، وغيرها.([3])
ولا تزال نزعة الصراع بين رفقاء الأزمة بعد زوالها، متجذرة في ثقافة المناضلين الأفارقة، وليس ما حدث في جنوب السودان عنا ببعيد، فعندما تيقن رفقاء النضال، من أن مخطط الانفصال(**) يسير في طريقه المرسوم، بدأوا في الاستعداد مبكرًا لما بعد الانفصال، بمزيد من الاختلافات والانشقاقات، وفي غمرة هذه الصراعات تخلص مجهولون من الزعيم التاريخي “جون جرنج” John Grainge، بسبب دعمه أو حتى تقبُّله خيار الوحدة، وما أن تحقق الانفصال اشتعل التنافس بين ما تبقَّى من قادة “الحركة الشعبية لتحرير السودان” Sudan People’s Liberation Movement، وما لبث هذا التنافس طويلًا حتى تحول إلى صراع فصراع مسلح لا تزال رحاه تدور وتهدأ بين “سلفا كير” Salva Kiir وداعميه، و”ريك مشار” Riek Machar وداعميه، ولا تزال الدولة الناشئة بسبب هذا الصراع لا تحمل من مُقوّمات الدولة إلا الاعتراف الدولي والعَلَم والاسم المنسوب للدولة الأم.([4])
- تداخل العلاقات المدنية العسكرية
حملت جُلّ النخب السياسية الإفريقية السلاح في نضالها نحو الاستقلال، وقادوا الفصائل العسكرية التي خاضت حروب التحرير، فلما أُعلن استقلال المستعمرات الإفريقية، تولَّى هؤلاء القادة السلطة السياسية، وتشكَّلت الجيوش الإفريقية من هذه الفصائل، ومن هنا زالت الحدود الفاصلة بين العسكري والمدني، فتفشَّت ثقافة الاستيلاء على السلطة عبر استخدام القوة العسكرية، وهو ما يُفسِّر اتخاذ العسكريين الانقلابات العسكرية وسيلة للوصول إلى السلطة في المراحل الأولى بعد الاستقلال.([5])
أما في المراحل المتأخرة، فمع افتقار الأنظمة الحاكمة “للشرعية السياسية” Political Legitimacy، تزايد اعتمادها على الجيوش للبقاء في السلطة، عبر قمع المعارضة ووأد الثورات، وهو ما تَعاظَم معه الدور السياسي الذي تُؤديه هذه الجيوش، وحفّز نزعات العسكريين نحو الاستيلاء على السلطة.([6])
وهكذا أصبحت العلاقات المدنية العسكرية في إفريقيا غير واضحة المعالم، بما يُخرجها عن المفهوم التقليدي (المؤسسي) للعلاقات المدنية العسكرية، الذي أرساه “صمويل هنتنجتون” Samuel Huntington، ويجعلها في ذات الوقت تتجاوز المفهوم الحديث (الوظيفي) للعلاقات المدنية العسكرية، الذي نافَح عنه نفر من المتأخرين.([7])
- الاستبداد بالسلطة وغياب المؤسسية
عرَّف “شارل لوي دي سيكوندا” Charles Louis de Secunda الملقب “مونتيسكيو” Montesquieu، “الاستبداد السياسي” Political Despotism في كتابه “روح الشرائع” De l’esprit des lois، بأنه حكم شخص واحد، يسير كل شيء وفقًا لإرادته وهواه بلا قانون أو نظام([8]). وعرفته الموسوعة السياسية بأنه انفراد شخص واحد أو مجموعة أشخاص بالسلطة، دون خضوع لقانون أو قاعدة، ودون النظر لرأي المحكومين([9]). ووصفه عبد الرحمن الكواكبي في كتابه “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد”، بأنه أسوأ أنواع السياسة، وأكثرها فتكًا بالإنسان وبغيره، في المجتمع المحكوم بالظلم والطغيان، مما يؤدي إلى تراجع في كافة مرافق الحياة ووجوهها، وإلى تعطيل الطاقات وهدرها، وإلى سيادة النفاق والرياء بين مختلف فئات الشعب حكامًا ومحكومين.([10])
يُقصَد بالمؤسسية في أدبيات التنمية السياسية: “إضفاء الطابع المؤسسي” Institutionalization، على عمليات صنع القرار، بمعنى الاعتماد على الأبنية والأُطُر الرسمية والنظامية، مثل البرلمان والأحزاب وجماعات المصالح، في صنع القرار السياسي، وذلك بهدف التخلص من عملية شخصنة السلطة.([11])
وفي إطار هذه المعاني، يتنافى الاستبداد بالسلطة تمامًا مع المؤسسية السياسية، وبالنظر في ديناميات النظم السياسية الإفريقية، يمكن الجزم بأن جُلّ هذه النظم تنتهج صورًا مختلفة من الاستبداد السياسي، فالسائد في سلوك الحكام هو شخصنة السلطة، والانفراد بالقرار، بغَضّ النظر عن طبيعة نظام الحكم، سواء كان برلمانيًّا أو رئاسيًّا أو شبه رئاسي، وهو ما يمنح العسكريين الدافع أو المبرر للانقلاب على السلطة.
- الأبوية السياسية
يُعبّر مفهوم الأبوية السياسية عند “ماكس فيبر” Max Weber، عن نظام من الحكم الشخصي، يقوم فيه المسؤولون في الدولة، باستخدام مناصبهم لمنفعتهم ومنفعة مؤيديهم، ويتم فيه توزيع المناصب والمنافع على الأتباع، مقابل ولائهم وتأييدهم وخدماتهم. وللأبوية السياسية بمفهوم “فيبر” التقليدي عدة صور، منها: المتبوعية والوقفية، وغيرها.([12])
وبإمعان النظر في الأسس التي تقوم عليها جُلّ الأنظمة الحاكمة في إفريقيا، نجدها لا تخرج عن إحدى صور الأبوية السياسية، وهو ما يدفع العسكريين وبخاصة من غير المقربين، نحو اللجوء إلى الانقلاب على السلطة، إما طمعًا في الاستحواذ عل كلّ مغانم السلطة، أو لعدم الرضا عما قُسم لهم منها، أو لحرمانهم منها بالكلية.
- ديمومة السلطة
يندر في البيئة السياسية الإفريقية، أن تجد من الحكام من يلتزم بحدود الولاية الدستورية للحكم، وقد حقق بعض الحكام الأفارقة أرقامًا قياسية في البقاء في السلطة، فلا يزال “تويودورو أوبيانج” Teodoro Obiang على رأس السلطة في غينيا الاستوائية منذ عام 1979م، و”بول بيا” Paul Biya في الكاميرون منذ عام 1982م، و”يوري موسيفني” Yoweri Museveni في أوغندا من عام 1986م، وغيرهم، وهناك مَن لم يغادر السلطة إلا مقتولًا مثل معمر القذافي في ليبيا، أو مخلوعًا بانقلاب عسكري، أو بثورة آلت إلى انقلاب عسكري مثل عمر البشير في السودان.([13])
- توريث السلطة
لما ترسخت ثقافة الأبوية السياسية لدى النخب السياسية الإفريقية، راحوا يتصرفون في موارد الدولة باعتبارها أملاكًا خاصَّة، وكانت النتيجة الطبيعية لترسخ هذه الثقافة، أن كرَّس جُلّ هؤلاء الحُكام جهودهم وسخَّروا موارد دُولهم، باتجاه توريث السلطة إلى ذويهم كأبنائهم وزوجاتهم وإخوانهم، وإن لم يجدوا فإلى أقرب مقربيهم لضمان استمرار نفوذهم من ناحية، ومن ناحية أخرى لضمان عدم مُساءلتهم، كما كان يجري الإعداد له في زيمبابوي مع الرئيس “روبرت موجابي” Robert Mugabe وزوجته “جريس” Grace، وما يجري حاليًّا في غينيا الاستوائية مع الرئيس “تيودورو” وابنه “تيودورين” Teodorín، وفي أوغندا مع الرئيس “موسيفني” وابنه “موهوزي كاينيروجابا” Muhoozi Kainerugaba، ويثير هذا السلوك العسكريين، وبخاصة ما لم يكن الوريث نافذًا في الأوساط العسكرية، ويجد الدعم من غالبية القادة العسكريين.([14])
- ضعف وتشظّي قوى المعارضة
على الجانب الآخر فالمعارضة أو من هم خارج السلطة في إفريقيا على ثلاثة أقسام؛ أولهم: المهادنون للأنظمة الحاكمة المُوالون للحكام، رضًا بما يقسمونه لهم من غنائم السلطة. وثانيهم: المتصارعون مع الأنظمة الحاكمة المعادون للحُكّام الحاملون للسلاح، بما في ذلك المطالبون بالانفصال أو بالحكم الذاتي. وثالثهم المعارضون السياسيون للأنظمة الحاكمة، وهذه المعارضة إما ضعيفة، أو هشَّة، أو منقسمة، أو كل ذلك في آنٍ واحدٍ.([15])
وفي ذات الوقت هناك أحزاب لا تزال في السلطة منفردة، منذ الاستقلال أو منذ عقود وحتى الآن في بعض الدول الإفريقية، كما في زيمبابوي والجابون وغيرهما، ومن هنا يصعب تصوُّر التناوب الديمقراطي على السلطة، فلا إرادة ولا قُدرة لمثل هذه المعارضة، على تقديم مرشح رئاسي واحد والاتفاق عليه، أو مواجهة الأحزاب الحاكمة والتغلب عليها، وحتى لو تحالفت المعارضة أو ائتلفت، فثمة خلافات ومطامع شخصية تُحْبِط أثر هذا التكتل فيخيب أثره.([16])
وفي ظل هذا الضعف والإخفاق الذي تعاني منه المعارضة في إفريقيا تتلاشى فُرَص التغيير السلمي أو الديمقراطي للسلطة، وهنا يجد الطامعون في السلطة، أو الطامحون إلى تغيير الأنظمة الحاكمة، أمامهم سبيل واحد للتغيير، وهو التغيير غير الدستوري للسلطة.
- إخفاق نماذج الحكم الوافدة
تُعدّ “الديمقراطية” Democracy، والاشتراكية” Socialism ظاهرتين مجتمعيتين متغيرتين، تقومان على أسس فكرية وفلسفية بشرية، ومِن ثَم يعتريهما النقص كما يعتري كل فكر إنساني، وتُحدِث التجربة فيهما تغييرات جوهرية، بما يتناسب مع البيئات المختلفة، وفي الأزمنة المختلفة، فما كان من الديمقراطية مطلع القرن الماضي، كحرمان النساء مثلًا من حق التصويت أو الترشح، أو منح حقّ التصويت أو الترشح لذوي القدرات المالية الكبيرة، لم يَعُد منها في شيء، بل أصبح الآن خرقًا وانتهاكًا ديمقراطيًّا، وليس أدل على ذلك من أنه لا يوجد اتفاق على مفهوم واحد لأي من الظاهرتين، فلو بحثت لوجدت مئات التعريفات التي تملأ متون الكتب وحواشيها، ولو نظرت في الخبرة الإفريقية، لوجدت عشرات التطبيقات المختلفة للاشتراكية وللديمقراطية، فما جرى تطبيقه في مصر، يختلف عما طُبِّق في تنزانيا، وكلاهما يختلف عما طُبق في السنغال وغانا وكينيا وإثيوبيا، وغير ذلك الكثير.([17])
ومن هنا يمكننا التأكيد على أنه لا يوجد نموذج حكم واحد، يصلح لكل البيئات الإفريقية وفي كل الأوقات، والتأكيد أيضًا على أن ما نجح تطبيقه في الغرب أو في الشرق، يغلب ألا تتوفر له مقومات النجاح في البيئات الإفريقية، لذا كانت الإخفاقات الاشتراكية قاسية، على الرغم من تجاوز الاشتراكية ثلاثة عقود في الخبرة الإفريقية([18])، وكان التعثر الديمقراطي ملازمًا لجُلّ التجارب الإفريقية، وليس أدلّ على ذلك من خلوّ القارة من أيّ حالة، يمكن القول بأنها تجاوزت مرحلة التحول الديمقراطي، إلى مرحلة الترسخ الديمقراطي دون تحفُّظ، على غرار الديمقراطيات الغربية الراسخة، على الرغم من مرور أكثر من أربعة عقود على الممارسة الديمقراطية في الخبرة الإفريقية.([19])
- تجاوز قواعد الممارسة السياسية (الديمقراطية الشكلية)
عطفًا على ما تقدم، وبعد أن تحولت كل دول القارة من الاشتراكية نحو الديمقراطية، يمكننا القول بأن الممارسة والخبرة الإفريقية قد أفرغت الديمقراطية من مضامينها، وأن ما يجري تطبيقه منها لا يعدو أن يكون نوعًا من الديمقراطية الإجرائية الشكلية، اضطر الحكام الأفارقة إلى تطبيقها، تحت وطأة الضغوط أو المشروطيات الغربية الانتقائية، فرعاة الديمقراطية أنفسهم، باتوا يغضون الطرف عن كل ما يُحقِّق لهم مصالحهم مع الأنظمة الحاكمة، وأصبحت لهجاتهم تختلف بحسب مصالحهم مع الحكام الأفارقة، وانظر إن شئت في التقارير الغربية وتفاوتاتها، وكيف لم يَعُد الحكام يعبئون بها، وهكذا لم يتبقَ من الديمقراطية سوى مسمياتها، ولا شك أن ذلك كله فتَحَ الأبواب على مصارعها، أمام التدخل العسكري في الممارسة السياسية، ومَنَحَ العسكريين جماهيريًّا ونخبويًّا الحق في هذا التدخل.([20])
- زيادة الوعي وظهور أجيال جديدة من النُّخَب
منذ بدأت العولمة والتقارب الثقافي والحضاري والانفتاح على العالم، نشأت أجيال جديدة من النخب السياسية والعسكرية الإفريقية، تحمل أفكارًا جديدة مختلفة تمام الاختلاف، عن أفكار النخب التقليدية الموالية للغرب، فالأجيال الجديدة هذه باتت على قناعة تامة، بأن الغرب لا يقدم خدمات مجانية، وبأن أهدافه وغاياته تنحصر في استنزاف موارد بلدانهم، وأن هذا الاستنزاف لن يتوقف، إلا بعد التخلص من الهيمنة السياسية والاقتصادية الغربية، وليس أدلَّ على هذا من تلك الوجوه الشابة، التي قادت أغلب الانقلابات العسكرية، التي حدثت مؤخرًا في القارة.([21])
- انتشار العدوى ونظرية “الدومينو”
دشَّن الرئيس الأمريكي الأسبق “داويت أيزنهاور” Dwight Eisenhower نظرية “الدومينو”، وقد ثبتت صحتها تاريخيًّا في الخبرة الإفريقية؛ حيث تنتقل الظواهر السياسية في القارة سريعًا عن طريق العدوى، ولنا خير مثال في موجات الاشتراكية التي فشت إفريقيًّا في ستينيات القرن الماضي، وموجات التحول الديمقراطي التي اجتاحت القارة في التسعينيات من نفس القرن، وفي ثورات الربيع العربي، التي انتقلت بين كثير من الدول العربية، من دولة إلى دولة مطلع الألفية الثالثة، وفي موجة الانقلابات الأخيرة التي اجتاحت الغرب الإفريقي.([22])
2- خصائص البيئة الأمنية الإفريقية
كانت ولا تزال البيئة الإفريقية، أكثر مناطق العالم شهودًا لمعدلات انعدام الأمن، ولا غرو فالصراعات المسلحة تضرب بأطنابها في أرجاء القارة قاطبة، وتعيث “مافيا” الجريمة المنظمة فسادًا عبر حدود القارة المهترئة، وها هي الجماعات الإرهابية غزت القارة، لتأتي على البقية الباقية من الأمن الإنساني.([23])
- الصراعات المسلحة تُقوِّض أركان الدولة الإفريقية
لا تكاد تخلو دولة إفريقية من صراع ما، نَشِطًا كان أو كامنًا، مسلحًا كان أو غير مسلح. وتشير التقارير إلى أن إفريقيا، تتوفر على ما يقارب ثلثي الصراعات المسلحة في العالم، وتدور جُلّ هذه الصراعات حول الموارد والثروات، والتي تحوَّلت على وَفْرتها من مقومات للتنمية، إلى أسباب مباشرة أو غير مباشرة لتقويض الأمن والاستقرار، بل ونقض أركان الدولة في بعض الحالات، كما في الكونغو الديمقراطية والسودان والنيجر وغيرها.([24])
- عدم بسط السلطات سلطانها على كامل التراب الوطني
هناك من الدول مَن لا يتعدى سلطان سلطاتها الحاكمة، نطاق العاصمة وبعض المناطق الأخرى، كما في الصومال، وهناك مَن يفقد السيطرة على مناطق وأقاليم كاملة من الدولة، كما في مالي ونيجيريا والكونغو الديمقراطية، وهناك الكثير من الدول تفقد سيطرتها على مناطق شاسعة من حدودها، كما في المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، وهو ما يُسهِّل عملية انتشار الجريمة، والجريمة المنظمة، وتهريب البضائع، المشروعة وغير المشروعة، وبخاصة تجارة السلاح، وغير ذلك مما يُهدِّد الأمن الإنساني في هذه الدول.([25])
- نشاط واسع النطاق لتنظيمات الجريمة المنظمة
تعد قضية عدم بسط سلطات الدولة الإفريقية، سلطانها على كامل ترابها الوطني، وبخاصة على حدود الدولة، وضعف قدرات المؤسسات الأمنية، ورخاوة قبضتها، وفساد بعض قادتها ومنتسبيها، من أهم الأسباب التي أدت إلى زيادة معدلات انتشار الجريمة والجريمة المنظمة، وتكوين بؤر إجرامية نشطة، كما هو الحال في الصومال ومحيطها، وفي غينيا بيساو وغالبية دول الساحل وغرب إفريقيا، ويتجاوز تأثير زيادة معدلات الجريمة والجريمة المنظمة الأمن الإنساني، إلى أمن السلطات والأنظمة ذاتها، وهو ما يجهض كل جهود التنمية والنمو الاقتصادي، الأمر الذي ينعكس في النهاية على الاستقرار السياسي للدول.([26])
- نشاط واسع النطاق للجماعات الإرهابية
أسهمت العديد من العوامل في تفشي ظاهرة الإرهاب، وانتشار الجماعات المتطرفة على نطاق واسع في إفريقيا، في مقدمتها طبيعة الجغرافيا والديمغرافيا والثقافة السائدة، وبخاصة وأن هذه العوامل تتنوع بشكل كبير في إفريقيا، فهناك المساحات الشاسعة من الصحاري، والغابات الكثيفة، والمستنقعات مترامية الأطراف، والجبال والهضاب والسهول، وهناك تنوع وتعدد بشري وثقافي لا محدود، وهو ما يساعد على سهولة انتشار الفكر وتمدُّد الحركة، ومن هنا ومع أخذ صناعة الإرهاب والفوضى والعامل الخارجي في الاعتبار، انتشر الإرهاب من شمال القارة، مرورًا بالصحراء الكبرى والساحل، وغرب ووسط وشرق إفريقيا، حتى وصل إلى موزمبيق على مشارف إفريقيا الجنوبية، وهو عنصر آخر مُقوِّض للاستقرار والأمن، ووثيق الصلة بـ “مافيا” الجريمة المنظمة، وبمصادر الموارد والثروات الإفريقية.([27])
3- خصائص البيئة الاقتصادية الإفريقية
تَجْمَع البيئة الاقتصادية الإفريقية بين كثير من المتناقضات، وأول هذه المتناقضات اجتماع غِنَى الدولة وفقر مواطنيها، فغالبية الدول الإفريقية تتوفر على مصادر هائلة من الموارد والثروات الطبيعية، فضلًا عن التنوع البيئي الكبير، الذي يثري قطاعات مثل الزراعة والرعي والصيد البحري، ومع ذلك تتذيل كثير من شعوب القارة قائمة شعوب الدول الأشد فقرًا حول العالم.
- وفرة الموارد والثروات الطبيعية (لعنة الموارد)
تعد إفريقيا منجم العالم وسلة غذائه؛ حيث تتوفر على نسبة كبيرة من الموارد والثروات الطبيعية، وتتراوح هذه الموارد والثروات، بين الأراضي الصالحة للزراعة، والغابات، والحياة البرية، والمياه العذبة، والشواطئ البحرية، وبين النفط والغاز الطبيعي والمعادن، ومصادر الطاقة المتجددة أو غير المتجددة، وهي بهذا تُعدّ مصدرًا لنحو 30% من احتياطيات العالم من المعادن، ونحو 8% من احتياطات الغاز الطبيعي، ونحو 12% من احتياطات النفط، ونحو نصف احتياطيات الذهب، ونحو 90% من الكروم والبلاتين، هذا بخلاف الاحتياطات الهائلة من الماس والبلاتين واليورانيوم والكوبالت والحديد، والسيلكون والبوكسيت، وغيرها من المعادن، كما تتوفر القارة على حوالى 65% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، وحوالي 10% من مصادر المياه العذبة المتجددة الداخلية، وغير ذلك الكثير من الموارد الطبيعية والثروات، مما لا يتسع المقام لإحصائه.([28])
وفي إفريقيا وعوضًا عن أن تصبح هذه الموارد والثروات وقودًا للتنمية، تحوَّلت إلى لعنة حقيقية أصابت الحُكام والمحكومين، وتسبَّبت في تكالب قوى العالم كبيرها وصغيرها على القارة، فمن ناحية أولى راح الحكام يستحوذون على هذه الثروات، ويوزعونها على ذوي الحظوة من الأقارب والمقربين والداعمين، ومن ناحية ثانية نتج عن ذلك أن أصبحت الغالبية العظمى من المحكومين، ترزح تحت خط الفقر والفقر المدقع، ما أدى إلى تفشي شتى الآفات المجتمعية على نحو ما سنبين لاحقًا، ومن ناحية ثالثة باتت القوى الخارجية تتدخل في كل شؤون الدولة، وتتحكم فيها على نحو ما سنبين لاحقًا أيضًا.([29])
- إخفاق النماذج الاقتصادية الوافدة.
ارتباطًا بما حققته نماذج السياسة والإدارة الوافدة، من إخفاق في الخبرة الإفريقية، أخفقت أيضًا نماذج التنمية الاقتصادية الوافدة، سواء الاشتراكية أو الرأسمالية؛ فالسياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، ولا يمكن لأحدهما أن ينجح أو يُخفق دون الآخر، ومن أبرز الأمثلة على إخفاق السياسات الاشتراكية، ما أُطلِق عليه “الأوجاما” (بالسواحيلية)، والتي طبقها “جوليوس نيريري” في تنزانيا بعد الاستقلال، ومن أبرز الأمثلة على فشل السياسات الرأسمالية في تحقيق التنمية والرفاه، ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية في دولتين من أغنى الدول الإفريقية، هما نيجيريا وجنوب إفريقيا؛ حيث يعيش حتى الآن جانب كبير من السكان تحت خط الفقر، فضلًا عن ارتفاع معدلات البطالة والجريمة، والجريمة المنظمة.
- سوء الإدارة وضعف الأداء الحكومي
على الرغم من الصدمات التي تعرَّض لها الاقتصاد العالمي مؤخرًا، وعلى الرغم من بعض التحسن الجزئي لبعض الاقتصادات الإفريقية في الأعوام 2020-2023م؛ إلا أن الأداء الاقتصادي لا يزال في جُلّ الدول الإفريقية يعاني من كثير من الاختلالات، ويرجع ذلك إلى سوء التخطيط والإدارة؛ حيث يركز أصحاب المناصب من أدناها إلى أعلاها، اهتماماتهم على جمع الثروات والمغانم، فأخفقوا في إدارة موارد والدولة، سواءٌ عن عمد، أو إهمال، أو عدم دراية، وهو ما فاقَم الكثير من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، مثل الفقر والبطالة والجريمة، وغيرها.([30])
- استنزاف الموارد الاقتصادية وتزايد معدلات الفقر
على الرغم من وفرة الثروات والموارد الاقتصادية الطبيعية، على نحو ما تقدّم معنا، لا تزال غالبية الدول الإفريقية، تحتل مراكز متأخرة في قوائم تصنيفات الفقر حول العالم، فقد أظهر مؤشر “جلوبال فاينانس” Global Finance الصادر في يوليو 2023م، استنادًا إلى بيانات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أن البلدان العشرة الأشد فقرًا حول العالم، تقع جميعها في القارة الإفريقية، وهي: جنوب السودان وبورندي وإفريقيا الوسطى والصومال والكونغو الديمقراطية وموزمبيق والنيجر وملاوي وتشاد وليبيريا.([31])
ووفقًا لنتائج مؤسسة “جالوب” Gallup الأمريكية؛ فإن حوالى 54% من تعداد السكان، في (27) دولة في إفريقيا جنوب الصحراء، يعيشون في فقر مدقع، أي على أقل من (1.25) دولار يوميًّا، بينما يعيش حوالى 16% من سكان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على (1.25) دولار أو أقل في اليوم، فيما يعيش حوالى 28% في المائة من سكان المنطقة ذاتها، على (2) دولار أو أقل في اليوم.([32])
- إهدار الموارد البشرية وتزايد معدلات البطالة
على الرغم من توافر إفريقيا على أعلى معدلات الشباب، بين سكانها البالغ تعدادهم أكثر من (1.2) مليار نسمة، بما يعادل أكثر من سدس سكان العالم، إلا أن هذه الثروة مُهدَرة بين: تدني خدمات التعليم والصحة، وانعدام فرص العمل؛ حيث تتوفر إفريقيا على واحدة من أعلى معدلات البطالة في العالم، ما يدفع الآلاف من شبابها إلى الهجرة نحو أوروبا، وعلى الرغم من أن مؤشرات البطالة تفيد بأن هناك عددًا لا بأس به من الدول، تُحقِّق معدلات متدنية جدًّا من البطالة، فعلى سبيل المثال لا تتجاوز البطالة في النيجر حوالى 0,7%، وفي بوروندي حوالى 1%، وفي تشاد حوالى 1.4%، إلا أن هذه المعدلات المنخفضة خادعة؛ ذلك بأن غالبية السكان يعملون بزراعة الكفاف، أي بلا قيمة تُضاف إلى الناتج المحلي الإجمالي.([33])
ومع ذلك زادت معدلات البطالة في كثير من الدول الإفريقية، حتى تصدَّرت جنوب إفريقيا قائمة البطالة عالميًّا، بمعدل بلغ 34,9%، وأتى بعدها أنجولا بمعدل بلغ 34,1%، وناميبيا بمعدل بلغ 33,4%، ونيجيريا بمعدل بلغ 33,3%، وموزمبيق بمعدل بلغ 25%، ورواندا بمعدل بلغ 23,5%، وإسواتيني بمعدل بلغ 32,4%، وبوتسوانا بمعدل بلغ 23,3%، ويُلاحظ أن بعض هذه الدول كنيجيريا وجنوب إفريقيا، من الاقتصادات القوية نسبيًّا في إفريقيا، مما يدل على أن هناك اختلالات كبيرة، في هيكل وأداء الاقتصادات الإفريقية.([34])
- انعدام الأمن العدائي
يهدد خطر انعدام الأمن الغذائي، حوالى 800 مليون إنسان في إفريقيا، أي حوالى ثلثي سكانها، أما الجوع (انعدام الأمن الغذائي الحادّ)، فقد حاق -وفقًا لتقديرات اللجنة الدولية للصليب الأحمر- بنحو (346) مليون إنسان في إفريقيا، ما يَعني أن ربع سكان القارة ليس لديه ما يكفي من الطعام، ويرجع ذلك إلى بعض الظواهر الطبيعية، مثل التصحُّر والجفاف، وبعض الظواهر الإنسانية، مثل الصراعات المسلحة، وارتفاع أسعار السلع الغذائية حول العالم، ويعاني نحو (18,6) مليون إنسان، من انعدام الأمن الغذائي في منطقة الساحل، وصل منهم حوالى (45) ألف شخص إلى المرحلة الخامسة للجوع، أي أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من المجاعة، أغلبهم في بوركينا فاسو، وبعضهم في مالي، أما في منطقة القرن الإفريقي، فيعاني نحو (22) مليون إنسان من انعدام الأمن الغذائي، وبحسب الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية، يموت شخص واحد كل (36) ثانية من الجوع، في إثيوبيا وكينيا والصومال، وبهذه الإحصائيات أصبحت إفريقيا -على الرغم من توافر كافة المقومات لتكون سلة غذاء العالم- أكثر قارات العالم تعرُّضًا لانعدام الأمن الغذائي والجوع بدرجاته.([35])
4- خصائص البيئة الاجتماعية الإفريقية
على الرغم من بعض التفاوتات، إلا أنك لا تكاد تفرق بين جُلّ المجتمعات الإفريقية؛ من حيث انتشار الآفات السلوكية والعقائدية، التي تفشَّت بين أفراد هذه المجتمعات نُخبًا وجماهير، فأثرت سلبًا على كافة مخرجات النشاط الإنساني، وبخاصة في المجالات السياسية والاقتصادية.
- انتشار الفساد على نطاق واسع
تشكلت في الدول الإفريقية شبكات واسعة النشاط، من الفساد المزدوج بين البيروقراطيين والسياسيين، ووصلت هذه الشبكات من الضخامة والتعقيد وتشابك المصالح، ما يصعب معه تفكيكها، ويُخَلِّف الفساد خسائر اقتصادية هائلة، قَدَّرها بنك التنمية الإفريقي بنحو (٣٠٠) مليار دولار سنويًّا، بما يعادل حوالى ٢٥% من الناتج المحلى الإجمالي للقارة، وتتجاوز هذه الخسائر قيمة إجمالي المساعدات والمِنَح، التي تحصل عليها القارة من الخارج، وقد دعا هذا الحجم الهائل من الفساد الاتحاد الإفريقي، إلى عقد “اتفاقية الاتحاد الإفريقي لمنع الفساد ومكافحته”، والتي دخلت حيّز التنفيذ عام 2006م، وتخصيص القمة الـ (30) لتناول قضية الفساد عام 2018م، تحت شعار “الانتصار في معركة مكافحة الفساد: نَهْج مستدام نحو تحول إفريقيا”، وعلى الرغم من ذلك لا تزال الدول الإفريقية، تحتل مراكز متأخرة على مؤشر مدركات الفساد، الذي تُصدره منظمة الشفافية الدولية، وبحسب هذا المؤشر تُعدّ الصومال وجنوب السودان أكثر الدول الإفريقية فسادًا.([36])
- تفشي المحسوبية والمحاباة
تُعد المحسوبية والمحاباة، إحدى صور الفساد المتجذرة، في ثقافة المسؤول الإفريقي، ويجد فيها المسؤولون ملاذًا آمنًا لحماية مناصبهم، ولا تقتصر هذه الظاهرة على طبقة الحكام والزعماء التقليديين فحسب، وإنما تمتدّ إلى كافة مسؤولي سلطات الدولة: التنفيذية والتشريعية والقضائية، بما في ذلك الجيوش ودوائر الإدارة المدنية؛ حيث يغمر هؤلاء أقاربهم ومقربيهم وداعميهم، بالعطايا والهبات والخدمات، وتتنوع صور هذه المِنَح بين التعيين في المناصب، وإسناد التوريدات والمشروعات العامة، وتوجيه الخدمات الحكومية لمناطق دون مناطق، وغير ذلك الكثير.([37])
- علو الولاءات دون الوطنية وعدم قبول الآخر
لا تزال معضلة انقسام النسيج المجتمعي وعدم قبول الآخر، تحول دون تحقيق الاندماج الوطني، وبناء الدولة الوطنية في إفريقيا، وقد أدَّى فشل جهود التغلّب على هذه المعضلة، في كثير من الدول الإفريقية منذ الاستقلال وحتى الآن، إلى إذكاء الصراعات الإثنية، وبخاصة على النفوذ والسلطة والثروة، وترسُّخ سلوك المحسوبية والمحاباة على أساس إثني، واختلال الوظيفة التوزيعية للدولة، وتهميش الآخر وحرمانه من عوائد التنمية، وإقصائه خارج منظومة القرار العام، وليس أدل على خطورة هذه الظاهرة على تماسك بل وعلى بقاء الدولة، من اندلاع حرب “التيجراي” (نوفمبر 2020- نوفمبر 2022م) في إثيوبيا بين الحكومة الاتحادية و”الجهة الشعبية لتحرير تيجراي” Tigray People’s Liberation Front.([38])
- عدم المساواة وغياب العدالة الاجتماعية
ارتباطًا بظاهرة التعددية المجتمعية، وما أدَّت إليه من تفشّي المحسوبية والمحاباة على أساس إثني، ترسخت في المجتمعات الإفريقية، عدة ظواهر سلبية من أبرزها: ظاهرة التمييز العنصري، وعدم المساواة، وغياب العدالة الاجتماعية، فأصبح الانتماء الإثني أو السياسي هو الأساس الأول للمَنْح أو المَنْع، ومن هنا ظهر التفاوت الاجتماعي الفاحش، وتعمق الانقسام مجتمعي المستند إلى الطبقية؛ حيث باتت المجتمعات الإفريقية، تتكون في الأغلب الأعم من طبقتين البون بينهما شاسع، وهما طبقة الحكام والبرجوازية المشمولة برعايتهم، وهم ثُلة معدودة، وطبقة الجماهير الفقيرة أو المعدومة، وهم الغالبية العظمي من المواطنين.([39])
- الهوية الثقافية المفقودة
ترك الاستعمار جروحًا وندوبًا وتشوهات، في الثقافة الإفريقية، فوجد الإنسان الإفريقي نفسه، مشتتًا بين ثقافته الأصيلة، والثقافات الغربية الوافدة، وفي غمار بحثه عن هويته الثقافية، تشرَّب الإفريقي أفكارًا ومعتقدات مغلوطة، كان وراءها عمليات مكثفة من التضليل الممنهج، قادها الغرب مستهدفًا السيطرة على السلوك المجتمعي الإفريقي، وتوجيهه لخدمة مصالحه وغاياته الكبرى، المتمثلة في إبقاء هذه المجتمعات متخلفة متناحرة، فيسهل عليه استلاب مقدراتها وثرواتها، وهو ما يُفسِّر سهولة وسرعة تفشّي الفكر المتطرف الإرهابي، وتعاظم نشاط الجماعات الإرهابية، واتساع دائرة انتشارها لتشمل جُلّ أقاليم القارة.([40])
ثانيًا: خصائص البيئة الدولية (النظام الدولي)
يشهد النظام الدولي منذ مطلع الألفية الثالثة، ديناميكية متسارعة، ومن حينها لاحت في الأفق مؤشرات كثيرة، تنبئ بأن نظام الأحادية القطبية قد ولَّى مُدبرًا، وأطل برأسه نظام لم تتضح معالمه بعدُ، لكنه من دون شك لن يكون كالذي ولَّى.
1- الصراع الدولي من الأحادية إلى التعددية القطبية
في إطار محدودية الموارد الطبيعية، وعدم محدودية الحاجات الإنسانية؛ اشتد الصراع في النظام الدولي، بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة، والشرق بقيادة روسيا والصين، فيما برزت بعض القوى الإقليمية الجديدة، تحترف المناورة بين طرفي الصراع، كتركيا والهند والبرازيل وإيران، وفي هذا الإطار اتخذ الصراع أشكالًا وأنماطًا أكثر تطورًا، بما يمكن أن يُطلق عليه “الحروب الناعمة”، وهي وإن كانت لا تَستخدم الأسلحة التقليدية، إلا أنها تستخدم من الأساليب ما هو أكثر ضراوة، ومن الأدوات ما هو أشد فتكًا، وليس أدلّ على ذلك من الأزمات والهزات العنيفة التي تعرَّض لها الاقتصاد العالمي، وبخاصة الاقتصادات الهشة للدول النامية، وفي مقدمتها الدول الإفريقية بلا استثناء على تفاوت بينها.([41])
2- الاستعمار المستدام والهيمنة الغربية
لم يكن الاستقلال الذي حصلت عليه المستعمرات الإفريقية، سوى خدعة كبرى لجأت إليها الدول الأوروبية، للتخفّف من أعبائها الاستعمارية، بعدما أصبح بقاء قواتها وموظفيها أكثر كلفة من أيّ وقت مضى، وبينما كانت تتأهب للجلاء دبَّرت القوى الاستعمارية، ما يؤمن لها استمرار هيمنتها وسيطرتها: السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتلك هي الظاهرة التي أشار إليها زعيم غانا التاريخي “كوامي نكروما”، في كتابه “الاستعمار الجديد: آخر مراحل الإمبريالية” (1966م)، وأكدها بعده “جاك ووديس”، في كتابه “مقدمة إلى الاستعمار الجديد: الإمبريالية الجديدة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية” (1967م)، وتوالت بعدها الأدلة تباعًا على ديمومة الاستعمار في صور مختلفة.([42])
فعلى الصعيد السياسي، صنعت الدول الاستعمارية نُخبًا حاكمة، تَدين بالولاء التامّ لها، وتجاوزت عن ممارساتهم الاستبدادية والقمعية، وزرعت بذور الصراع الإثني على السلطة، ودبّرت ودعمت الانقلاب على كل مَن شذَّ مِن الحكام عن الولاء التام لها، وكبَّلت الدول الإفريقية باتفاقيات للتعاون العسكري؛ لضمان ولاء النخب العسكرية. وعلى الصعيد الاقتصادي، حصلت الشركات الاستعمارية على عقود إذعان طويلة الأجل، استحوذت بموجبها على جُلّ موارد الدول الإفريقية، وبشروط تعاقدية مجحفة، وربطت العملات والسياسات النقدية الإفريقية، بعملاتها وسياساتها النقدية، وعلى الصعيد الاجتماعي، نشرت لغاتها على نطاق واسع، وتحكمت في المناهج التعليمية، ودشَّنت روابط ثقافية مثل الفرنكوفونية والأنجلوفونية، وهكذا امتد الاستعمار التقليدي، وتحول لاستعمار مقنّع، بآليات وأساليب وأدوات جديدة.([43])
3- اتساع هامش المناورة
في الوقت الذي انهار فيه الاتحاد السوفييتي، لم تكن الصين تقوى على مُناوئة أو مناورة الغرب؛ فانعدم هامش المناورة أمام الدول النامية، ووجدوا أنفسهم مُجبَرين على قبول الشروط الغربية دون مناقشة، غير أن عودة روسيا إلى واجهة الأحداث، وصعود الصين، وبزوغ بعض القوى الإقليمية الجديدة، أتاح هامشًا واسعًا للمناورة أمام الدول الإفريقية، وهو ما حفّز النزعات التحررية، لدى كثير من النُّخب المدنية والعسكرية الإفريقية، وحدا ببعضها إلى رفض سياسات الهيمنة الاستعمارية، كما هو جارٍ الآن في الساحل وغرب إفريقيا.([44])
4- الانتقائية واختلال معايير الأمم المتحدة
فرضت نتائج الحربين العالميتين الأولى والثانية، موازين جديدة للقوى في النظام الدولي، وانعكس ذلك على التمثيل في الأمم المتحدة، وعلى قراراتها، ومع انهيار الاتحاد السوفييتي، وانفراد الولايات المتحدة وداعميها الغربيين بقيادة العالم، بدأت معايير التعاطي مع قضايا العالم، وبخاصة العالم الثالث تختل، وتتحكم فيها المصالح الغربية، فراحت المؤسسات الأممية تَزن في تقاريرها وقراراتها ومواقفها، بموازين المصالح الغربية، وتميز بين الدول المعنية، فعلى سبيل المثال كان الموقف الأممي، مع حرب الـ “تجراي” الإثيوبية، وحرب الدعم السريع السودانية متخاذلًا، فيم تمَّ تفعيل الحد الأقصى للتدابير التي يُتيحها مبدأ مسؤولية الحماية، في حالات مثل كوت ديفوار 2010م، وليبيا 2011م، ومالي 2012م، وهو ما حدا بالأفارقة إلى قطع الرجاء في الحصول على مواقف عادلة ومنصفة من المنظمة الأممية.([45])
ثالثا: أسباب تنامي ظاهرة الانقلابات العسكرية في إفريقيا
أسهمت خصائص البيئتين الداخلية والخارجية سالفة البيان، بدرجة كبيرة وبشكل مباشر وغير مباشر، في تحفيز النزعات الانقلابية لدى العسكريين الأفارقة، ما أدَّى إلى تصاعد وتيرة وكثافة ظاهرة الانقلابات العسكرية، خلال السنوات الخمس الأخيرة، وتفسير ذلك فيما يلي.
1- على الصعيد السياسي
كانت النتيجة الحتمية للممارسات، الني مارستها الأنظمة الإفريقية الحاكمة، لإحكام قبضتها على السلطة؛ أن فقدت هذه الأنظمة شرعيتها السياسية، وبات من السهل على الجماهير قبول فكرة الانقلاب على هذه الأنظمة، بل ودعم الإجراءات الانقلابية التي يتخذها العسكريون.
ومن ناحية أخرى، أغلقت هذه الممارسات كل نافذة أمل، لدى النخب السياسية المعارضة للأنظمة الحاكمة، في التغيير الدستوري السلمي للسلطة، ومن هنا رحَّبت هذه النخب في كثير من الحالات، بالانقلاب على الأنظمة الحاكمة، بل ونادى بها بعضهم، وروّج لها ودعمها بعضهم، ودبّر لها بعضهم بالاتفاق مع العسكريين.
2- على الصعيد الأمني
أدَّى تزايد معدلات الجريمة، والجريمة المنظمة، والأنشطة والعمليات الإرهابية، والإخفاقات الأمنية المتكررة، إلى إرهاق الأجهزة الأمنية والجيوش، وألحق بها خسائر مادية وبشرية كبيرة، فانتفضت نخبٌ عسكرية، اعتراضًا على تراخي بعص الحكام، في تطوير وتدريب هذه الجيوش، ونزعت نحو الانقلاب على هؤلاء الحكام.
من ناحية أخرى، تفاقمت الأضرار التي لحقت بالمواطنين، من قتلٍ وخطفٍ ونهبٍ وتدمير ممتلكات وتهجير، وزادت أعداد النازحين واللاجئين، وواجهوا ظروفًا معيشية لا إنسانية، أودت بحياة الكثيرين منهم، الأمر الذي زاد معاناتهم، ومعاناة سكان المناطق التي تستقبلهم، فتقبل الجميع مسألة الانقلابات العسكرية، بل ونادوا بها ودعموها.
3- على الصعيد الاقتصادي
أدّى إخفاق الحكومات في إدارة الملف الاقتصادي، والإهدار المتعمد للموارد، إلى موجات متتالية من التضخم وغلاء المعيشة، وهو ما أدّى في النهاية، في ظل الاختلالات الاقتصادية الأخرى، وانعدام الخدمات الحكومية أو سوئها، إلى تنامي الرغبة لدى النخب والجماهير، في تغيير الأنظمة الحاكمة، ولو بانقلابات عسكرية.
4- على الصعيد الاجتماعي
على نفس المنوال، أدّى تفشّي الآفات الاجتماعية سالفة البيان، إلى تنامي مشاعر الكراهية والسخط، على الحكام والحكومات، ورفض سياساتهم والعزوف عن تأييدهم، ومن هنا وجد العسكريون ترحيبًا، بل ودعمًا جماهيريًّا واسعًا، وقبولًا في أوساط النخب السياسية لانقلاباتهم العسكرية.
5- على الصعيد الخارجي
نتج عن تراكم المظالم الإفريقية من الهيمنة الغربية، وصعود القوى الدولية والإقليمية المناوئة للغرب، اشتداد الصراع الدولي، واتساع هامش المناورة، أمام النخب العسكرية، والتي وجدت داعمين في المعسكر الشرقي في مقدمتهم روسيا، يدعمون بل وقد يُخطِّطون ويُدبِّرون، لانقلاب هؤلاء العسكريين على النخب الموالية الغرب.
ومن ناحية أخرى، نجد أنّ التحولات والأحداث الكبرى، مثل جائحة “كوفيد-19″، والحرب الروسية على أوكرانيا، شغلت العالم أجمع، بما في ذلك القوى الكبرى، والأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، والمنظمات الإقليمية، عما يجري من انقلابات عسكرية في إفريقيا، فكانت ردة أفعالهم ضعيفة غير رادعة، ولم تتعدَّ بعض العقوبات الاقتصادية، والتي لا تلبث أن تُرفَع، ومِن ثَم تستقر السلطة في نهاية المطاف للعسكريين المنقلبين، ولقد كان لردة الأفعال الضعيفة هذه، إسهام آخر في تنامي ظاهرة الانقلابات العسكرية عن طريق العدوى، فلسان حال العسكريين يقول: لِمَ لَا والعالم مشغول، والأمور تمضي في كل الأحوال، في الاتجاه الذي نريد.
رابعًا: نظرة مستقبلية
في ضوء التحليل والتفسير السابقين، يمكن القول بصحة ما افترضه الباحث، بين يدي هذه الدراسة، من أن تصاعد وتيرة وكثافة ظاهرة الانقلابات العسكرية، يُعزَى في آنٍ واحدٍ وبدرجات متفاوتة، إلى جملة من الأسباب الداخلية والخارجية، المعقدة والمركبة والمتداخلة.
كما يمكن القول بأن جُلّ المؤشرات، تنبئ بأن ظاهرة الانقلابات العسكرية في إفريقيا، مُرشَّحة للتنامي رأسيًّا وأفقيًّا، فمن الممكن تكرار الانقلابات في بعض الدُّوَل، التي شهدت انقلابات عسكرية مؤخرًا، وتحكمها أنظمة عسكرية انتقالية، وبخاصة تلك المعادية للوجود الفرنسي، متل مالي وبوركينا فاسو، وليس أدلّ على ذلك مِن وقوع محاولتين انقلابيتين متتاليتين، على نظام الكابتن إبراهيم تراوري العسكري الانتقالي في بوركينا فاسو، كما أن جُلّ أسباب الانقلاب على السلطات الحاكمة، مُتحقِّقة وبدرجة كبيرة، في كتير من الدول التي تقف على شفير الانقلابات العسكرية، مثل: سيراليون، وغينيا الاستوائية، وكوت ديفوار وغيرهم.
ومن خلال الخبرة الإفريقية، يمكن القول بأن معالجة أسباب تنامي ظاهرة الانقلابات العسكرية، لن تكون ميسورة أو مرغوبة من الأنظمة الحاكمة التقليدية الحالية، وحتى لو توافرت الإرادة السياسية، والمقومات المادية، للتخلص من هذه الأسباب أو الحد منها، فالأمر لن يتم بين عشية وضحاها، بل يحتاج إلى مزيد من الوقت، على قدر تجذُّر وترسُّخ الأسباب في المجتمعات الإفريقية؛ ذلك بأن معالجة هذه الأسباب، تستوجب تغييرًا جذريًّا في الثقافة المجتمعية الإفريقية، وبخاصة في الثقافة السياسية، لدى النخب والجماهير على حدّ سواء.
ومن هنا بات واجبًا على العلماء والساسة الأفارقة، المبادرة إلى تطوير نماذج تنموية سياسية واقتصادية واجتماعية، تراعي الطبيعة الخاصة للبيئات الإفريقية بكل أبعادها، وتتسق مع القيم الثقافية الإفريقية الأصيلة، وتتفادى عيوب النماذج الشرقية والغربية الوافدة، وتستفيد من ميزاتها، فالعقد الاجتماعي الإفريقي، يحتاج إلى وقفات مطولة صادقة، تنقيحًا وتصحيحًا، من أجل التوافق على قواعد الممارسة السياسية وترسيخها، والعمل على الاستغلال الأمثل للموارد، وتحقيق التنمية المستدامة، ومِن ثَم تحقيق الرفاه للشعوب الإفريقية، وصولًا إلى ما يمكن أن يُطلق عليه الحكم الإفريقي الرشيد.
ومن نافلة القول: التأكيد على أن إصرار الأنظمة السياسية الإفريقية الحاكمة، على المضي قُدمًا بذات أفكارها وسياساتها الحالية، لا يعدو أن يكون دعوة صريحة للعسكريين للانقلاب عليهم، أو على الأقل منحهم المُحفِّزات والمبررات الكافية، إما لإشباع أطماعهم الذاتية في السلطة، أو الانصياع للمخططات الخارجية للهيمنة على السلطة والتحكم فيها، أو تدخُّل الوطنيين الصادقين منهم، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أوطانهم.
………………………………………
(*) يري الباحث أن جُل -إن لم يكن كل- الدول الإفريقية لم تحصل على استقلالها الكامل حتي الآن، وأن ما حدث لا يعدو أن يكون جلاءً عسكريًّا وإداريًّا، واستبدالاً لاستعمار جديد باستعمار قديم.
([1]) د. سعيد ندا، دور النظام الانتخابي في إدارة التعددية الإثنية في إفريقيا (لندن: مركز أبحاث جنوب الصحراء، 2023) ص ص 68-90.
(**) يرى الباحث أن ما حدث في حالة جنوب السودان يُعدّ انفصالًا لا استقلالًا كما يزعم البعض؛ فجنوب السودان جزء أصيل من السودان تضافرت كثير من العوامل على فَصْله عن السودان في مقدمتها العامل الخارجي الذي سعى ولا يزال إلى بَلْقَنة الدول المحورية مثل السودان والصومال وليبيا واليمن وغيرها من الدول العربية.
([4]) سعيد إسماعيل ندا، “الصراع في جنوب السودان: مستقبل التسوية” (غازي عنتاب: مركز حرمون للدراسات المعاصرة، أبحاث اجتماعية، 5 مايو 2017م) ص ص 10-16.
([5]) د. سعيد ندا، “تتابع سردية الانقلابات العسكرية في الغرب الإفريقي: الأسباب والمآلات” (أنقرة: مركز أبعاد للدراسات الاستراتيجية، تقرير تحليلي، سبتمبر 2023م) ص ص 1-18.
([6]) د. حمدي عبد الرحمن، “نحو صياغة منظور جديد للعلاقات المدنية العسكرية: إفريقيا نموذجًا”، في مجلة البيان، التقرير الارتيادي (الاستراتيجي) الإصدار 10 (الرياض: مجلة البيان، 2013) ص ص 127-149.
([7]) د. دلال محمود، “مفهوم العلاقات المدنية – العسكرية”، في الأمن القومي والاستراتيجية (القاهرة: أكاديمية ناصر العسكرية للدراسات العليا، المجلد 1، العدد 2، يوليو 2023) ص ص 160-161.
([8]) مونتسكيو، عادل زعيتر(ترجمة)، روح الشرائع (وندسور، بيركشاير، إنجلترا: مؤسسة هنداوي سي آي سي، 2018) ص ص 59، 70.
([9]) عبد الوهاب الكيالي (وآخرون)، موسوعة السياسة (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ج1، 1995م) ص166.
([10]) عبد الرحمن الكواكبي، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد (بيروت: دار النفائس، ط3، 2006م)، ص7.
([11]) د. بهاء الدين مكاوي، العلاقة بين المؤسسية والحكم الصالح: دراسة نظرية، في المنارة للدراسات القانونية والإدارية (الدار البيضاء: مركز المنارة للدراسات والأبحاث، المجلد 2016، العدد 12، فبراير 2016م)، ص ص 93-104.
المصدر : https://qiraatafrican.com/15775/