عدوى النزعة الحمائية في زمن فيروس كورونا

 

  • أديتيا ماتو
  • ميشيل روتا

بات مشهد الأرفف الخالية في المتاجر الكبيرة والصيدليات، حيث اعتدنا على وجود الأقنعة وأجهزة التنفس والقفازات، مألوفا الآن. فالخوف والاكتناز يضخمان مشكلة شح الموارد.

وتجري الديناميكيات نفسها لكن على نحو أقل وضوحا على المستوى العالمي- مع قيام بعض الدول بادخار إمداداتها لمواطنيها فحسب. لكن عواقب تلك التحركات ذات مدى بعيد وتشكل تهديدا للحياة. وحتي في أوجها، واجهت منظمة التجارة العالمية صعوبات لمنع ذلك السلوك. ويعد وجود مبادرات جديدة أمرا ضروريا.

فانتشار فيروس كورونا يقود أسعار الإمدادات الطبية للارتفاع في ظل صعوبات يواجهها الإنتاج لتلبية الطلب.  وتشير تقارير لوسائل الإعلام إلى أن أسعار أقنعة الوجه وأجهزة التنفس على موقع أمازون زادت إلى خمسة أمثالها منذ يناير/كانون الثاني.

ومن أجل الحفاظ على إنتاج الإمدادات الضرورية للمستهلكين المحليين، فرضت العديد من الدول قيودا على صادراتها من المنتجات الطبية. وتأمل تلك الدول في تفادي حدوث نقص محلي والإبقاء على الأسعار مستقرة خلال أزمة فيروس كورونا. ومع تفاقم الفيروس، من المرجح أن تصاب المزيد من الدول بعدوى نزعة الحماية التجارية للصادرات. 

ويفيد علم الاقتصاد والخبرة في الآونة الأخيرة إلى أن تلك الإجراءات ستلحق في نهاية المطاف الضرر بجميع الدول، على الأخص تلك الأكثر هشاشة. فالإجراءات المقيدة من جانب المصدرين تقلص الإمدادات العالمية، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. ويثير هذا فرض قيود جديدة على الصادرات لعزل الأسواق المحلية، مما يؤدي إلى “تأثير مضاعف” على الأسعار العالمية.

 ويفيد علم الاقتصاد والخبرة في الآونة الأخيرة إلى أن تلك الإجراءات ستلحق في نهاية المطاف الضرر بجميع الدول، على الأخص تلك الأكثر هشاشة. فالإجراءات المقيدة من جانب المصدرين تقلص الإمدادات العالمية، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. ويثير هذا فرض قيود جديدة على الصادرات لعزل الأسواق المحلية، مما يؤدي إلى “تأثير مضاعف” على الأسعار العالمية.

إن مثل هذا التسلسل هو الأرجح في الأسواق المركزة فيما يتعلق بمنتجات طبية محددة. دعونا هنا نضرب مثالا، حيث تصدّر سبع دول 70% من أجهزة التنفس الصناعي على مستوى العالم – وهي ذات دور حيوي في علاج مصابي فيروس كورونا. وإذا حظرت دولة واحدة الصادرات، فإن الأسعار قد ترتفع 10% في الأمد القصير، وقد تصعد أكثر بكثير من ذلك إذا قامت بقية الدول بالرد.

وسيعاني قطاع الرعاية الصحية في الدول المستوردة فورا بسبب حالة الشح الناتجة وارتفاع الأسعار.  وفي الدول الأفقر على وجه الخصوص، ومع محدودية الطاقة الإنتاجية المحلية، فإن فرض قيود على صادرات الأدوية والمعدات قد يكون مميتا. لكن المصدرين ربما يتكبدون خسارة في نهاية الأمر أيضا حين ترتفع الأسعار العالمية. وكما هو الحال في مُدَرَّج الملعب، إذا وقف جميع الحاضرين لكي يروا على نحو أفضل، فإن الجميع سيشعرون بالانزعاج كما أن لا أحد منهم سيحصل على رؤية أفضل. فالأسعار سترتفع أعلى من المطلوب، ولن تُوزع الإمدادات على نحو يتسم بالكفاءة والإنصاف.

كان ينبغي علينا أن نتعلم من التجارب الحديثة بشأن تلك الآثار العكسية. فحين ارتفعت الأسعار العالمية في 2008-2011، فرضت الحكومات في أنحاء العالم 85 قيدا جديدا على تصدير منتجات الأغذية. ويظهر بحث أن تلك التحركات دفعت أسعار الأغذية العالمية للارتفاع بنسبة 13% أخرى في المتوسط- وبنسبة 45% بالنسبة للأرز.

ففي أوقات الشدة، إذا استبعدت الدول المنتجة تلك المستوردة، سينظر إلى التجارة على أنها وسيلة غير موثوقة لضمان الحصول على المنتجات الأساسية.

وهناك أيضا تبعات أطول أجلا. ففي أوقات الشدة، إذا استبعدت الدول المنتجة تلك المستوردة، سينظر إلى التجارة على أنها وسيلة غير موثوقة لضمان الحصول على المنتجات الأساسية. وسيبدو أن الاكتفاء الذاتي عبر الحماية في أوقات الرخاء هو أفضل ضمانة في مواجهة الشح في أوقات الشدة، كما يرى البعض بالفعل في حالة الأدوية الأساسية.

لكن أي تحول بعيدا عن الانفتاح سيكون مكلفا للجميع. إذ سترتفع تكلفة الإمدادات الطبية، وسيتضرر التنوع والجودة، في الوقت الذي سنخسر فيه مزايا الحجم الكبير والتخصص في التجارة.  فعلى سبيل المثال، أدى إنتاج المواد الفعالة للأدوية على نطاق واسع في الصين وإدخالها في تركيبات محددة في الهند إلى انخفاض الأسعار وتحسين الحصول عليها عالميا.

ويجب علينا أن نضمن تدفق التجارة بحرية في أوقات الشدة والرخاء.  وفي حين وضعت منظمة التجارة العالمية قواعد لتنظيم حواجز الاستيراد، فإن الدول تظل حرة إلى حد كبير في تقييد الصادرات. ومن أجل معالجة هذه الفجوة، يمكن أن يتفق أعضاء منظمة التجارة العالمية- أو على الأقل دول مجموعة العشرين، على عدم فرض قيود على صادرات المنتجات الطبية المرتبطة بمكافحة فيروس كورونا. ويمكن للدول المستهلكة أن تقوم بدورها أيضا عبر تحرير الواردات. فعلي سبيل المثال، تحصل 46 دولة نامية ضرائب على الرعاية الصحية بها عبر فرض رسوم جمركية على أجهزة التنفس بنسبة تتراوح بين 5 و25%. ويمكن أن يؤدي إلغاء القيود على الصادرات والرسوم الجمركية على المنتجات الطبية إلى تحقيق مكاسب كبيرة طويلة الأمد.

لكن الانفتاح على التجارة ربما لا يكون كافيا. فبالتوازي مع ذلك، قد يمكن تكييف سابقة في صناعة الأدوية في الوضع الحالي. فعلى نحو تقليدي، جرى تأسيس شراكات بين القطاعين العام والخاص مثل مشروع لقاح التهاب السحايا لابتكار عقاقير جديدة أو تحسين الحصول على العقاقير حيث ترتفع الأسعار بسبب حقوق الملكية الفكرية. ومن الممكن أن تحفز المنظمات العالمية تعاونا مماثلا لتوسيع إمدادات المنتجات الطبية الأساسية لمواجهة فيروس كورونا.

كما يمكن التعاقد بشكل مباشر مع الشركات الخاصة لتعزيز الإنتاج لتلبية احتياجات الدول النامية. وهناك بعض تلك المبادرات قيد التنفيذ بالفعل. لكن من أجل تحقيق أعظم فائدة، يجب منح الدعم اللازم للإنتاج للدول لا على أساس احتياجات المستهلك لكن استنادا إلى الميزة النسبية للمنتج. وستستفيد المواقع المختارة من الاستثمارات والوظائف الجديدة، لكنها ستكون مطالبة بالإبقاء على حرية التجارة بالكامل. فالانفتاح سيضمن إنتاج المنتجات الطبية الأساسية في أكثر الأماكن كفاءة وتدفقها إلى حيث تشتد الحاجة إليها.

فتعزيز التعاون الدولي سيكون اللقاح الأكثر فعالية لعلاج عدوى النزعة الحمائية. 

 

رابط المصدر:

https://blogs.worldbank.org/ar/voices/viral-protectionism-time-coronavirus?cid=ecr_tt_worldbank_ar_ext

 

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M