عقدة هاريس: لماذا تزايدت الانتقادات الداخلية لنائبة الرئيس الأمريكي؟

د. رغدة البهي

تعرضت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، لتغطية إعلامية سلبية على مدار الأسابيع والأشهر القليلة الماضية، في الوقت الذي تتراجع فيه شعبيتها تبعاً لعدد من استطلاعات الرأي البارزة؛ فقد أظهر استطلاع رأي جديد لشبكة “هيل– هاريس إكس”، تم إجراؤه في 6–7 ديسمبر 2021 عبر الإنترنت بين 926 ناخباً مسجلاً؛ أن 43% فقط يوافقون على الأداء الوظيفي لـ”هاريس” للرئيس، في مقابل رفض 50% من المستطلعة آراؤهم. وقد أرجع بعض الرافضين السبب المباشر في ذلك إلى أسباب عنصرية تتعلق بخلفيتها العرقية ولون بشرتها، فيما أرجعه آخرون إلى محاولات متعمدة لتهميشها وإظهار عدم قدرتها على إحداث تغيير حقيقي في عدد من الملفات الأساسية المنوطة بها. وعلى الرغم من تعدد تلك التفسيرات، فإن استقالة بعض الشخصيات البارزة في فريق “هاريس” قد أثارت بدوها جملة من الشكوك حول طبيعة عملها وأسلوب إدارتها.

عوامل مفسرة

يمكن إجمال أسباب الانتقادات الموجهة إلى “هاريس” في عدة نقاط يمكن الوقوف عليها تفصيلياً على النحو التالي:

1– تهاوي فريق مساعدي “هاريس”: تعرضت هاريس لانتقادات حادة عقب استقالة المتحدثة باسمها سايمون ساندرز، لتلحق بمدير الاتصالات آشلي إتيان، واثنين من الموظفين الآخرين. وعلى الرغم من تأكيد المسؤولين علناً أن تلك المغادرة كانت مقررة منذ فترة طويلة وليست دليلاً على وجود انقسامات داخلية، فإن عدداً من مساعدي هاريس أكدوا لبعض الصحف الأمريكية رغبتهم في المغادرة؛ فتبعاً لصحيفة “واشنطن بوست”، على سبيل المثال، ترجع تلك الاستقالات إلى رفض هاريس الاطلاع على المواد الإعلامية التي يتم إعدادها، وإلى توبيخها الموظفين، وتعرُّض الفريق لانتقادات لاذعة، وإحباط الموهوبين ممن يتظاهرون بأنهم يغادرون لأسباب إيجابية.

2– أصول “هاريس” الأفرو–آسيوية: وصف كثيرون الانتقادات الموجهة إلى “هاريس” بالعنصرية، وأرجعوها إلى التمييز الجنسي؛ لكونها أول سيدة تتولى منصب نائب الرئيس، وهي الانتقادات التي ترجع بدورها إلى كونها “الوريث الأبرز” لأكبر رئيس في تاريخ الولايات المتحدة عمراً. وقد واجهت “هاريس” أيضاً هجمات منتظمة على وسائل التواصل الاجتماعي على شكل تعليقات سلبية ونكات معادية للمرأة، فضلاً عن انتقادات من داخل البيت الأبيض، كما كشف استراتيجيون ديمقراطيون عن تدقيق حاد على نائبة الرئيس تجلَّى في صورة تغطية صحفية سيئة لمختلف أنشطتها، بيد أن أنصارها في البيت الأبيض يرون أنها توصيفات غير عادلة لنائبة الرئيس التي دخلت التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى هذا المنصب من غير البيض. ولهذا السبب تخضع لمعايير مختلفة عن أسلافها من الذكور البيض.

وفي هذا السياق، قالت كارن فيني كبيرة مساعدي بيل وهيلاري كلينتون، إن “هذا شيء تواجهه المرأة التي تترشح لمنصب سياسي.. هذه هجمات على أساس الجنس؛ لأن تلك النساء يصعدن إلى المناصب التي كان يشغلها الرجال تقليدياً”، فيما قالت جين بساكي المتحدثة باسم البيت الأبيض، إن “ما تواجهه هاريس من انتقادات متنامية إنما هو بسبب بشرتها السمراء، أو لكونها أول أمريكية من أصول أفرو–آسيوية تتولى هذا المنصب”.

3– رحلة “هاريس غير المؤثرة إلى باريس: لقد طالت الانتقادات “هاريس” بسبب رحلتها الأخيرة إلى باريس، وهي الرحلة التي وصفتها الصحف الأمريكية بأنها لم تكن مؤثرة، وشنت على إثرها تغطية صحفية سلبية واسعة، حتى ذكرت “هاريس”، في مقابلة مع صحيفة سان فرانسيسكو كرونيكل، أن “عناوين الأخبار، مثل تلك التي تتحدث عن عملية شراء قامت بها في متجر أواني الطبخ خلال رحلتها إلى فرنسا الشهر الماضي؛ كانت سخيفة ومشتتة عن جوهر مهمتها الدبلوماسية”.

ومن الجدير بالذكر أن “هاريس” كانت قد سافرت إلى باريس، في نوفمبر 2021، للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإعادة العلاقات الأمريكية–الفرنسية إلى سابق عهدها، بعد أزمة الغواصات الأمريكية لأستراليا. وسلطت “هاريس” خلال الزيارة الضوء على عدد من القضايا المهمة بالنيابة عن إدارة “بايدن”. وتوقفت هاريس خلال الزيارة لفترة وجيزة في أحد متاجر الطهي الشهيرة في باريس، المعروفة باسم “E. Dehillerin”، لتسلط وسائل الإعلام الضوء على مشترياتها وأسعارها؛ لكونها لا تتسق مع مناقشة قضايا الأمن القومي والمناخ والقواعد الدولية وغير ذلك.

4– تهميش متعمد لنائبة الرئيس: غابت “هاريس” عن واشنطن خلال موافقة الكونجرس على مشروع قانون البنية التحتية الذي اقترحته إدارة “بايدن”. وتحدثت تقارير إخبارية عدة في الإعلام الأمريكي عن توترات وانقسامات داخلية في البيت الأبيض، بشكل أدى إلى تجاهل “هاريس” في كثير من المناسبات، فضلاً عن عدم مشاركتها في أحداث أساسية، على الرغم من جهودها في الترويج لأجندة “بايدن” لإصلاح البنية التحتية والاجتماعية والمناخية.

وفي هذا الإطار، نوهت بعض التحليلات بأن على “هاريس” التحرك لكسب القلوب والعقول وسط مخاوف من أنها قد تعاني من مصير وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون أمام الرئيس السابق دونالد ترامب؛ حين واجهت الأولى تمييزاً على أساس الجنس ومعايير مزدوجة، لا سيما بعد اتضاح أن شعبية “هاريس” منخفضة بوجه عام في استطلاعات الرأي، وتزايد المزاعم بشأن كونها “مهمشة” من قبل البيت الأبيض.

5– تذبذب أداء “هاريس” داخل الإدارة: أشارت شبكة “سي إن إن” الإخبارية إلى أن التوترات تزداد سوءاً في البيت الأبيض مع “إساءة استغلال” مساعدي الرئيس لمناصبهم في الجناح الغربي؛ بسبب الخلل الراسخ وعدم تركيز “هاريس”، وهو الأمر الذي نفته الأخيرة، مؤكدةً أنها لا تشعر “بأي خلل في مهامها” أو “ضآلة لدورها”، كما أشار أحد المذيعين في شبكة فوكس نيوز إلى أن التوترات المُبلَّغ عنها في البيت الأبيض، قد تشير إلى الاستعداد “للإطاحة” بنائبة الرئيس التي بات منصبها متأرجحاً، في وقت تتراجع فيه شعبيتها. ومن غير المرجح أن تتزايد شعبية “هاريس” في وقت تتراجع فيه شعبية إدارة “بايدن” ككل؛ إذ لا تتجاوز نسبة تأييد “هاريس” 28%، في حين تتراجع معدلات تأييد “بايدن” إلى 46%. ويرجع هذا الأمر في مجمله إلى تردي الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع معدلات الإصابة بفيروس كورونا من بين عوامل أخرى.

6– مخاوف البعض من تنامي دور “هاريس”: إن تراجع شعبية “بايدن” كانت من الأسباب التي قادت البعض إلى الاعتقاد بأن “هاريس” في طريقها للعب دور أكبر؛ ولهذا تواتر الحديث عن إهمال مقصود وإبعاد لهاريس عن الأضواء، بالتوازي مع انتقادات علنية لأدائها السياسي، وفي المقابل، يعول الكثيرون على دورٍ متنامٍ لـ”هاريس” بسبب انتخابها الاستثنائي، وصغر سنها نسبياً، واحتمال أن تمثل الوجه الجديد في الحزب الديمقراطي، إلا أن البعض الخبراء يشككون في قدرتها على أن تكون واجهة الحزب.

7– عجز “هاريس” أمام الملفات الرئيسية: عجزت “هاريس” عن تحقيق اختراق في ملفَّي حماية حقوق التصويت، ووقف الهجرة من أمريكا الوسطى، وهما ملفان شائكان كلَّفها “بايدن” بهما. وقد أشارت شبكة “سي إن إن”، في أحد تقاريرها، إلى السخط المتبادل بين “هاريس” ومكتب الرئيس “بايدن” مع شعور بعض موظفي “هاريس” بأنها تتعامل مع مهام مستحيلة وغير مرغوبة من دون غطاء ودعم كافيَين من البيت الأبيض. كما تعرضت “هاريس” لهجمات متعددة من الجمهوريين؛ لفشلها في زيارة الحدود الجنوبية، في ظل الفوضى التي شهدتها البلاد مع تدفق آلاف المهاجرين غير الشرعيين إلى الحدود مع المكسيك، على الرغم من إدارتها ملف الهجرة.

كما عبَّر بعض النشطاء الديمقراطيين عن استيائهم من أن “هاريس” تولت مسؤولية قضية حقوق التصويت دون أي تغيير يُذكَر، على الرغم من مضي عام على رئاسة “بايدن”. ويرى فريق “هاريس” أن إدارة “بايدن” تركتها غير قادرة على تحريك ملف حقوق التصويت؛ لأنه يتطلب تغيير آلية التصويت في مجلس الشيوخ كي يمرر مشروع القانون بالأغلبية البسيطة، وهو ما يرفضه الرئيس “بايدن” وعدد من أعضاء مجلس الشيوخ المعتدلين في الحزب الديمقراطي حتى الآن.

8– عدم الدفاع عن نساء أفغانستان: تعرضت “هاريس” لموجة من الانتقادات السياسية والحقوقية والأدبية؛ بسبب تقاعسها في الدفاع عن النساء والأطفال في أفغانستان، عقب سيطرة حركة طالبان على البلاد. وقد ركزت انتقادات نائبة الرئيس على هويتها وأصولها ومهنتها؛ فهي محامية ومدعية عامة وشخصية حقوقية ذات مكانة بارزة؛ هذا بخلاف تعهداتها بالدفاع عن النساء والأطفال ومناهضة العنف، بيد أنها لم تظهر أي اهتمام خاص بالنساء والأطفال في أفغانستان، باستثناء تصريحها ليلة سقوط العاصمة الأفغانية كابول؛ حيث قالت: “ذهبنا إلى أفغانستان منذ ما يقرب من 20 عاماً. الآن، مهمتنا هي نقل شعبنا وحلفائنا والأفغان المعرضين للخطر إلى أماكن آمنة خارج البلاد”. ولاحقاً كتبت على تويتر: “نراقب عن كثب الوضع في أفغانستان.. أولويتنا هي الاستمرار في إجلاء المواطنين الأمريكيين والمتقدمين لطلبات الحماية والأفغان المستضعفين إلى خارج البلاد”.

فرصة قائمة

ختاماً، على الرغم من كثرة الانتقادات الموجهة لها، يرى كبار مسؤولي “بايدن” أن “هاريس” لديها الفرصة لتجاوز عثراتها عبر إعادة النظر في فريقها وأسلوب إدارتها له، لا سيما مع جهودها المستمرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هرباً من تراجع شعبيتها من ناحية، ورغبة الإدارة الديمقراطية في زيادة شعبيتها والفوز بانتخابات التجديد النصفي في عام 2022 من ناحية ثانية.

 

.

رابط المصدر:

https://www.politics-dz.com/%d8%b9%d9%82%d8%af%d8%a9-%d9%87%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%b3-%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%aa%d8%b2%d8%a7%d9%8a%d8%af%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%86%d8%aa%d9%82%d8%a7%d8%af%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M