عمليات استباقية .. تطورات الجهود الأمنية لمكافحة الإرهاب في شمال أفريقيا

عبد المنعم علي

 

مثّلت الضربات الأمنية التي قامت بها الجزائر والمغرب المتعلقة بتفكيك خلايا تتبع تنظيم داعش الإرهابية مطلع يناير 2023، نقطة تحول في خضم ملف مواجهة الإرهاب في هذه المنطقة الاستراتيجية، خاصة وأن هناك غيابًا ملحوظًا للأنشطة الإرهابية، سواء أكان داخل الجزائر أو المغرب خلال الفترة الماضية، ولعل هذا الظهور لشبكات عنقودية تنتمي لتنظيم داعش والتي كانت تعتزم استهداف شخصيات سياسية وضرب منشآت نفطية، تأتي في أعقاب حالة خمول وسكون انتهجتها التنظيمات الإرهابية في الآونة الأخيرة، وتبعث في الوقت ذاته برسالة هامة حول إمكانية تفعيل الخلايا التابعة للتنظيم في هذه المنطقة الحيوية. وتفتح هذه التطورات المجال مرة أخرى لعودة محتملة لجماعة ولاية غرب أفريقيا التي تتبع تنظيم الدولة الإسلامية، خاصة في ضوء سياق إقليمي يشهد جملة من المتغيرات، بالرغم من فشل تنظيم داعش من ترسيخ موطئ قدم له في الجزائر.

عوامل محفزة لنجاح المكافحة الاستباقية للإرهاب

إن مساعي تنظيم داعش لتبني فكرة الخلايا الفرعية الموالية له واستراتيجية الذئاب المنفردة لضرب أهداف محددة كما هو الحال بالنسبة للمنشآت النفطية وشخصيات عامة داخل دول المغرب العربي، يأتي في ضوء حالة من التأزم الأمني والسياسي في الجوار الجغرافي للجزائر والمغرب مثلما هو الحال بالنسبة ليبيا ومالي من ناحية، وأيضًا يأتي في ضوء التوترات السياسية والأمنية الجزائرية المغربية وما تبعها من تقلص مساحة التنسيق الأمني والاستخباراتي مما يضع أمام التنظيم فرصة لإحياء تواجده داخل تلك الدائرة، ولعل هذا الأمر يُعزز من مسار اللا مركزية لتنظيم داعش وتنشيط الفرع الخاص به في منطقة المغرب العربي والساحل والصحراء، خاصة في ظل تراجع قدراته التأثيرية في المركز (سوريا والعراق).

ويستهدف التنظيم تشبيك المصالح مع التنظيمات المتواجدة بالفعل كما هو الحال بالنسبة لجماعة ولاية غرب أفريقيا التابعة لتنظيم داعش، لتعظيم الاستفادة واستغلالها في عمليات التجنيد، وكذلك شنّ الهجمات الإرهابية لإقرار تواجده في دائرة المغرب العربي، ناهيك عن تراجع منظومة الشراكة الساحلية على خلفية الانقلابات العسكرية المتلاحقة في مالي وبوركينافاسو خلال عامي 2021 و2022، إلى جانب أن انسحاب مالي من المنظمة الخماسية أوجد مساحة تحرك هامة للتنظيمات الإرهابية في تلك المنطقة، والدفع إلى إيجاد مسار استراتيجي آخر لتحقيق مكاسب ميدانية. وعلى الرغم من ذلك فإن عاملين أساسيين قد كشفا عن قدرة كبيرة في وقف تمدد تلك التنظيمات أو اختراق المجتمعات المغاربية كالتالي:

  • العامل الأول: التعاون الدولي الأمني والاستخباراتي في مكافحة الإرهاب: أحد عوامل تقزم الجماعات الإرهابية في الدائرة المغاربية هو التحرك المتبادل لتصفية وتفكيك الخلايا الإرهابية، ليس فقط في الجزائر والمغرب ولكن في تونس التي نجحت في تصفية ثلاثة إرهابيين تابعين لتنظيم داعش في جبال السلوم التابعة لمحافظة القصرين على الحدود الجزائرية في سبتمبر 2022، تلك الضربات تحول دون استغلال ظهير صحراوي حدودي بين دول الشمال لتدشين نطاق سيطرة لتنظيم داعش، ولعل هذا برز بصورة كبيرة فيما تم عرضه من بيانات بشأن الخلية الإرهابية التي تم تفكيكها في إسبانيا والمغرب في الحادي عشر من يناير 2023 والتي رصدت مساعي العناصر الثلاثة المنتمين لتلك الخلية للالتحاق بفرع تنظيم داعش داخل منطقة الساحل والصحراء، ونتيجة لهذا الفشل فقد تبنوا استراتيجية الخلايا العنقودية التي تنشط في الدائرة المغاربية والدائرة اللصيقة بها من الدول الأوروبية (إسبانيا)، كما سبق ذلك تفكيك خلية إرهابية بالاشتراك بين المغرب وإسبانيا في أكتوبر 2022.
  • العامل الثاني: تطور القدرات العسكرية لدول المنطقة: بغض النظر عن الحالة الليبية، لكن في مجمل المنطقة المغاربية باتت الجيوش النظامية تتسم بالقدرة العالية على مواجهة التهديدات الأمنية المحتملة، وهناك توجه عام لإعادة بناء وتدريب الجيوش داخل تلك المنطقة، وآخرها ما يحدث في موريتانيا في ضوء الشراكة الموريتانية مع حلف الناتو، والمتمثلة في تطوير القدرات العسكرية للجيش الموريتاني من حيث التكوين والتسليح، مع العمل على إعادة تصور منظومة الساحل الإقليمية من خلال العمل على دخول المغرب والجزائر والسنغال في تلك المعادلة لتعويض غياب دولة مالي، وهذه التحولات من شأنها أن تعزز الأمني الجيوسياسي في إطار إقليم المغرب العربي وتحقق مواجهة لظاهرة الإرهاب.

تداعيات متوقعة

إن نجاح العمليات الاستباقية في الحد من فاعلية مساعي تنظيم داعش للعودة مرة أخرى للمشهد داخل دائرة المغرب العربي سيترتب عليها أبعاد مختلفة على مستويات الأمن الداخلي أو التنسيق الخارجي، وذلك كالآتي:

  • تعزيز التعاون المغربي الإسباني: بالنظر إلى عملية تفكيك الخلية الثلاثية في الحادي عشر من يناير 2023، لوحظ تنسيق استخباراتي مغربي إسباني أدى إلى سقوط أحد الكوادر التنظيمية لتنظيم داعش، حيث أدى التنسيق بين المكتب المركزي للأبحاث القضائية الذي يتبع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني في المغرب بالاشتراك مع المفوضية العامة للاستعلامات الإسبانية من تفكيك خلية إرهابية موالية لتنظيم داعش تتكون من ثلاثة عناصر تنشط بصورة كبيرة داخل إسبانيا والمغرب، ولعل هذا التنسيق قد نشط بصورة كبيرة في ضوء التقارب المغربي الإسباني على ضوء اعتراف الأخيرة بالسيادة المغربية على قضية الصحراء وبما يعزز في الوقت ذاته من رصيد الرباط لدى مدريد ويحقق تحييدًا لكافة المخاطر والتهديدات الإرهابية المشتركة، وتبع ذلك اعتراف رسمي من إسبانيا بالدور المحوري الذي تقوم به المغرب في محاربة الظاهرة الإرهابية، خاصة وأن هذه المرة الثانية لتفكيك خلايا إرهابية مشتركة بين مدريد والرباط في أقل من ثلاثة أشهر، حيث تم تفكيك خلية مماثلة مكونة من 12 عنصرًا في أكتوبر 2022 كانت تنشط في مدينتي الناظور ومليلية.
  • تعزيز التعاون الجزائري الفرنسي: على مستوى آخر، فقد كثّفت الجزائر من تفاعلاتها الأمنية الإقليمية، وبرز ذلك في زيارة قائد أركان الجيش الجزائري “سعيد شنقريحة” لفرنسا التي تُعد الأولى من نوعها منذ 17 عامًا وذلك في 23 يناير 2023 وكان من بين نتائجها الأولية التوقيع على ورقة طريق مشتركة لتعزيز التعاون العسكري والأمني، إلى جانب المباحثات الجزائرية الموريتانية التي تمت في ضوء الاجتماع الرابع عشر للجنة المشتركة الجزائرية – الموريتانية وذلك في الخامس عشر من يناير الجاري، وبحث التعاون العسكري لمواجهة التهديدات الأمنية الإقليمية، وسبقتها مباحثات جمعت بين رئيس الأركان الجزائري وبين المستشار الأعلى لوزارة الدفاع البريطانية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
  • تكثيف الضربات الاستباقية والحد من الانتشار: ستشهد المرحلة المقبلة حالة من الاستنفار الأمني داخل المغرب العربي وذلك لتقويض أي تحركات محتملة لعناصر تنتمي لتنظيم داعش وتحول دون فرض سياسة الأمر الواقع من جانب ذلك التنظيم ودون تدشين تنظيم داعش لقواعد ثابتة داخل بلدان تلك المنطقة، فالجزائر تمتاز بقدرات أمنية هائلة، ولديها تجربة ناجحة في مواجهة التنظيمات المسلحة خاصة في فترة التسعينيات، وحققت نجاحات على صعيد التنظيمات حديثة النشأة وتمكّنت في عام 2022 من تحييد 39 إرهابيًا وتوقيف 371 عنصرًا داعمًا للجماعات الإرهابية، فضلًا عن تدمير 64 مخبأ لتلك التنظيمات. تلك القدرات حالت دون تأسيس فرع لتنظيم داعش داخل الجزائر، وكذلك أفشلت المحاولات المختلفة لشن هجمات إرهابية على الأراضي الجزائرية. ولعل ذلك برز في تصريحات زعيم الخلية التي تم ضبطها في الرابع من يناير 2023، علاوة على أن هذا التصاعد في وتيرة تأسيس شبكات إرهابية سيدفع لإعادة إحياء الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب في الجزائر بالاستناد إلى المقاربة الأمنية والحوارية التي تقوم من خلالها بتفكيك هذه التهديدات.

وفي التقدير؛ فإن تعدد الخلايا التي تم تفكيكها مؤخرًا في الجزائر والمغرب يؤشر إلى مساعي تنظيم داعش ورغبته في استعادة نشاطه بالنطاق الجغرافي الشمالي لأفريقيا كجزء من الاستراتيجية الشاملة لإحياء تواجده في المغرب الإسلامي وشمال أفريقيا، ولكن على الناحية الأخرى فإن تلك الضربات الأمنية تبرهن على الجاهزية الأمنية داخل دول الشمال لإحباط وتفكيك الخلايا العنقودية الموالية للتنظيمات الإرهابية، كما ستعزز في الوقت ذاته التنسيقات الأمنية المغاربية الأوروبية نظرًا لما تمثله الجزائر والمغرب من أهمية جيواستراتيجية على صعيد ملف الأمن والطاقة للجنوب الأوروبي، كما أن رغبة التنظيم في توظيف الخلايا النائمة الموالية له سيدفع نحو التنسيق الأمني الجزائري المغربي للحد من التهديدات الناجمة عن صعود هذا التنظيم مرة أخرى، ولعل هذا الأمر أيضًا يتطلب تنسيقًا أوسع بشأن العائدين من داعش، وأهمية وضع استراتيجية استباقية لتدارك هذا الملف.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/32816/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M