تقى النجار
أعلن تنظيم “داعش”، الاثنين الماضي الموافق 5 سبتمبر 2022، مسئوليته عن الهجوم الانتحاري الذي وقع بالقرب من السفارة الروسية في العاصمة الأفغانية كابول، وقد أسفر الهجوم عن مقتل اثنين من موظفي البعثة الدبلوماسية الروسية، الأمر الذي يُثير جملةً من التساؤلات حول طبيعة العملية ودوافعها في ضوء الرؤية التي يتبناها التنظيم تجاه روسيا.
كيف ينظر تنظيم “داعش” لروسيا؟
تاريخيًا، تتمتع روسيا بموروث سيئ لدى كافة التنظيمات الإرهابية منذ الغزو السوفيتي لأفغانستان. وأيديولوجيًا، تعد روسيا دولة ملحدة طبقًا لقناعات التنظيمات الإرهابية فيما يتعلق بالفكر الشيوعي، وذلك على الرغم من اعتناقها المذهب الأرثوذكسي. وعليه، اعتبر تنظيم “داعش” منذ اللحظة الأولى لتدشين خلافته المزعومة في يونيو 2014، أن روسيا عدو له وهدف ذو أولوية لعناصره، حيث أعلنت قيادته مرارًا وتكرارًا الحرب على روسيا ودعت مقاتليه لشن هجمات ضد المواطنين الروس.
تبلور هذا الطرح مع أول خطاب لـــ”أبي بكر البغدادي” (الزعيم الأسبق لتنظيم داعش) بعد تأسيس الخلافة، والذي جاء تحت عنوان “رسالة إلى المجاهدين والأمة الإسلامية في شهر رمضان”، في 1 يوليو 2014، حيث أعلن “البغدادي” أن العالم منقسم إلى معسكرين متعارضين “بات العالم اليوم في فسطاطين اثنين ليس لهما ثالث، فسطاط المسلمين والمجاهدين، وفسطاط اليهود والصليبيين وحلفائهم ومعهم باقي أمم الكفر، تقودهم أمريكا وروسيا”.
وقد أكد هذا التوجه “أبو محمد العدناني ” (المتحدث الرسمي الأسبق لتنظيم داعش) في خطاب بعنوان “فيقتلون ويقتلون” في مارس 2015، حيث قال: “لن تتمكن أمريكا ولا أوروبا ولا روسيا ولا الصين ولا إيران من الوقوف أمام جحافل الدولة الإسلامية، وسوف تدك عروشهم جنودها”.
وتوسع التنظيم في مهاجمة روسيا، وكثف تهديداته لها، مع التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015، حيث صورها باعتبارها محتلة لأراضي المسلمين، فندد التنظيم بالتدخل الروسي على لسان “أبو محمد العدناني” في خطاب بعنوان “ويحيى من حيَّ عن بينة ” في مايو 2016، قائلًا: “لا يبكي العالم من مجازر الروس والنصيرية كل يوم في المسلمين”، “ولا تقشعر أبدان أوروبا وأمم الكفر لتدمير الروس للمشافي والأحياء السكنية”.
كذلك تحدث “أبو بكر البغدادي” في خطاب بعنوان “وبشر الصابرين”، في أغسطس 2018، عن الدمار الذي تعرضت له إدلب من قبل القصف الروسي قائلًا: “إدلب اليوم على شفا جرف هار يطالها قصف الروس والنصيرية يرومون اقتحامها”.
وقد حرص التنظيم على ترجمة محتوى قنواته إلى اللغة الروسية بهدف التجنيد، ومن ثم أطلق قناة إعلامية ناطقة بالروسية على تطبيقات التواصل الاجتماعي باسم “Iznutri” وتعني “من الداخل” في أواخر عام 2015، تم دمجها بعد ذلك في قناة جديده باسم “Irshad” وتعني “إرشاد” في عام 2018، ويتضمن محتواها أخبارًا عن الهجمات الأخيرة التي نفذها عناصر التنظيم في مختلف أنحاء العالم.
وبالتوازي مع الحرب الإعلامية والدعائية التي شنها التنظيم على روسيا، عمل التنظيم على الاستهداف الفعلي للمصالح الروسية، حيث هاجم القوات الروسية في سوريا من ناحية، وشرع في تنفيذ عمليات إرهابية في القوقاز من ناحية أخرى، ناهيك عن عملياته ضد قوات شركة “فاغنر” في موزمبيق من ناحية ثالثة.
دوافع متعددة
في ضوء ما تقدم، هناك جملة من الدوافع تقف خلف استهداف تنظيم “داعش” للسفارة الروسية في أفغانستان، ويمكن تناولها على النحو التالي:
1.تهديد المصالح الروسية: تنظر التنظيمات الإرهابية، لا سيما “داعش”، نظرة عدائية إلى روسيا نتيجة للإرث التاريخي المتعلق بالغزو الروسي لأفغانستان، والحرب الروسية في الشيشان، ناهيك عن العداء العقائدي. وفي ضوء تلك المعطيات شرع التنظيم في استهداف المصالح الروسية في مناطق متفرقة، وتأتي العملية الأخيرة المتعلقة باستهداف السفارة الروسية، كامتداد لذلك التوجه من قبل التنظيم تجاه روسيا، خاصة أن الساحة الأفغانية تشهد جملة من الاضطرابات الأمنية والسياسية مما يجعلها ساحة مناسبة للاستهداف.
2.إحراج “طالبان”: يهدف “داعش” من تلك العملية إلى إحراج حركة “طالبان” عبر كشف عجزها عن فرض الأمان في أفغانستان، من أجل الحيلولة دون حصولها على اعتراف دولي هذا من جهة. ومن جهة أخرى، يعمل على تقويض التقارب بين طالبان وروسيا، إذ يجمعهما خطر مشترك متمثل في تنامي نشاط “داعش” في أفغانستان. وفي هذا السياق، قال “عبد القهار بلخي” (المتحدث باسم وزارة الخارجية في حكومة “طالبان”) “إن وزارة الخارجية الأفغانية تأمل ألا يؤثر الهجوم الإرهابي الذي وقع بالقرب من السفارة الروسية بشكل سلبي على العلاقات مع موسكو”.
3.تعزيز النفوذ: فمع سيطرة “طالبان” على الحكم في أفغانستان، صعّد “داعش” من كثافة عملياته، ووسع من جغرافيا نشاطه، بهدف التأكيد على وجوده وإثبات أنه فاعل رئيسي وأساسي في الساحة الأفغانية لا يمكن تجاوزه. وفي ضوء ذلك النهج الاستراتيجي والعملياتي من قبل التنظيم جاءت عملية استهداف السفارة الروسية في أفغانستان من أجل تعزيز نفوذه وتأكيد قدرته على التهديد.
4.استقطاب عناصر: يهدف “داعش” من تنفيذ عملية إرهابية ضد روسيا إلى استقطاب عناصر جديدة، سواء من “طالبان” أو من تنظيم “القاعدة” في ضوء التحديات التي يشهدها كل منهما؛ فبالنسبة لــ”طالبان”، تعاني في الوقت الحالي من حالة من الصراع الداخلي بين الفصائل والعرقيات المختلفة. أما بالنسبة لتنظيم “القاعدة” فيواجه خللًا هيكليًا متمثلًا في غياب قيادة واضحة له بعد مقتل زعيمه “أيمن الظواهري”، ومن ثم تمثل تلك التحديات مدخلًا لتنظيم “داعش” من أجل استقطاب عناصر منهما عبر تقديم نفسه كمتصدر لساحة الإرهاب العالمي.
مجمل القول، تُعد عملية استهداف السفارة الروسية في كابول عملية دعائية للتنظيم يسعى من خلالها إلى إرسال جملة من الرسائل إلى الأطراف الفاعلة في الساحة الأفغانية؛ يتعلق أولها بتحدي حركة طالبان وإحراجها أمام المجتمع الدولي، وينصرف ثانيها إلى تهديد روسيا واستهداف أمنها القومي، ويتصل ثالثها بتعزيز سمعته الجهادية كرقم فعال على رأس ساحة الإرهاب المعولم.
.
رابط المصدر: