ليبيا .. مبعوث أمنى جديد

د. وفاء صندي

 

مع استمرار الانقسام الدولى حول الازمة الليبية، وبعد خلاف داخل مجلس الأمن حول اختيار مبعوث اممى جديد فى ليبيا ورفض عدة شخصيات مرشحة، تم مؤخرا تعيين السنغالى عبدالله باتيلى، خلفا للمبعوث الأخير يان كوبيتش، الذى تولت مهامه مؤقتا الدبلوماسية الأمريكية ستيفانى وليامز. ولعل من اهم الملفات التى تنتظر المبعوث الجديد هناك ملف الانتخابات، وازمة السلطة التنفيذية القادرة على الاشراف على العملية الانتخابية وتأمينها، وتوفير البيئة المناسبة لإجرائها، فى ظل وجود حكومتين متنازعتين على السلطة.

فى محاولة لحسم الصراع حول السلطة، فشل فتحى باشاغا، فى 27 أغسطس الماضى، للمرة الثالثة، من دخول العاصمة طرابلس، التى تسيطر عليها حكومة عبدالحميد الدبيبة، ويتمحور فيها النفوذ السياسى وسلطة المال، وهو ما يفتقر إليهما باشاغا، مما يجعل حكومته على الهامش وخارج ساحة التأثير. الهجوم الذى اودى بحياة أكثر من 32 شخصا، وإصابة نحو 150 آخرين، ربما لم يكن مدروسا من قبل باشاغا وحلفائه بشكل كاف، وربما كان الهدف منه تحريك المياه الراكدة والضغط على قوى الداخل والخارج من اجل الاهتمام اكثربالنزاع الحكومى الراهن الذى تم تهميشه لمصلحة التوافق على الأساس الدستورى والقانونى للانتخابات، خاصة ان باشاغا يعلم مسبقا ان الدخول لطرابلس ليس بالأمر السهل.

أيا كانت نوايا باشاغا، فإن فشل العملية الأخيرة سيكون له تداعيات كبيرة عليه وعلى حكومته. من ناحية، سيخسر بعض حلفائه ضمن جبهة طبرق-الرجمة، وهو ما ترجمه تصريح الناطق باسم القيادة العامة للجيش التابع لمجلس النواب الذى أعلن أن قيادة الجيش لم تشارك فى العملية العسكرية ولم تكن طرفا فيها.كما صرح عدد من أعضاء مجلس النواب بأن باشاغا، كرئيس حكومة، قد فشل وانتهى دوره، وأن المجلس قد يعيد النظر فيه وفى الحكومة. ومن ناحية أخرى، سيستفيد الدبيبة من هذا الإخفاق الذى سيكسبه مزيدا من القوة، وتعزيز موقعه التفاوضى، وتقوية موقفه امام الأطراف الاقليمية والدولية المتداخلة فى الشأن الليبى. هذا الوضع الجديد يمكن ان يدفع الدبيبةالى تشكيل نفوذ مستقل عن القيادة السياسية للمنطقة الغربية، التى يترأَّسها المجلس الأعلى للدولة، مما يعنى تعقد المسار التفاوضى أكثر وإطالة عمر الأزمة وتأخير الانتخابات إلى أجل غير مسمى.

لتفادى سيناريو تأخير الانتخابات، تضغط الإدارة الامريكية على الأطراف الليبية من أجل حسم الخلاف الحكومى بأى شكل كان، دون أن تبدى رأيا واضحا فى شرعية أى من الحكومتين المتنازعتين على الشرعية، أو مقترح تشكيل حكومة ثالثة. لكنها، على الأقل، تشددعلى منع العودة للخيار العسكرى واستخدام السلاح لمصلحة أى من الأطراف المتصارعة، بما فيها الحكومتان. فى المقابل، شهدت الأسابيع الأخيرة تحركات مكثفة للقادة الليبيين للعواصم العربية والإقليمية، فى محاولة لتخفيف الضغط الأمريكى لدفعهم نحو إجراء انتخابات قريبة، بحيث يحاول كل طرف تمرير رؤيته التى تصب فى تحقيق مصالحه.

بعيدا عن المصالح الشخصية لكل فصيل، لا شك ان الليبيين قد فقدوا الثقة بالكامل فى الطبقة السياسية، والميليشيات المتحالفة معها. هم يرون أن الساسة والمسلحين لا يرغبون فى التوقف عن نهب ثروات البلاد، بينماالشعب محروم من الخدمات العامة الأساسية، وعائدات النفط لا توزع بالشكل المناسب على الشعب، لكن بشكل يحابى الفصائل المختلفة، والميليشيات الموالية لها.لم يعد الشعب الليبى قادرا على الصمت على سرقة ثروات البلاد او على المتسببين فى الفساد المستشرى.

امام هذا الوضع المعقد، لا يبدو ان المبعوث الاممى الجديد فى مقدوره حل كل مشكلات ليبيا، وإن كان منوطا به اعداد الأطراف الليبية لقبول اجراء الانتخابات وفق جدول زمنى محدد. نجاح هذه المهمة سيكون مرتبطا أولا، بوضوح الموقف الدولى من تحديد مصير الانتخابات أو الوضع السياسى الحالى. ثانيا، قدرة باتيلى على دعم توجه غالبية الليبيين لتأسيس حكومة مركزية يتوافقون عليها ويمكنها الاضطلاع بالمهام والوظائف الدولية السيادية فى ظل الانقسام المؤسساتى والعسكرى والجغرافى الذى يضع البلاد على حافة التقسيم الفعلى. هذه المهمة ليست سهلة ولا يمكن تحقيقها بنفس الحلول التى جربها المبعوث السابق، خاصة فيما يتعلق بالرهان على التوافق بين مجلسى النواب والدولة للوصول إلى حل. الحل فى ليبيا يحتاج الى البحث عن بدائل من خارج الصندوق.

نقلا عن جريدة الأهرام بتاريخ 8 سبتمبر 2022 

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/20841/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M