قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، يوم السادس من مايو الجاري إن إدارة الرئيس جو بايدن قد فرضت منذ مجيئها في يناير 2021 عقوباتٍ كبيرة على الحرس الثوري الإيراني تبلغ 86 حالة من بين 107 عقوبات إجمالية ضد طهران على مختلف الأصعدة.
تُعد هذه التصريحات جديرة بالاهتمام والتدقيق؛ ذلك لأن بعض النواب الجمهوريين والديمقراطيين أيضًا في الكونجرس الأمريكي قد أبدوا استياءهم خلال الأشهر الماضية من مسار المفاوضات النووية مع إيران والتي انطلقت بعد حوالي أشهر ثلاث فقط من دخول جو بايدن البيت الأبيض في واشنطن. إذ يرفض هؤلاء النواب تركيز المفاوضات مع إيران على الملف النووي فقط، بل يرون ضرورة أن تتطرق المحادثات إلى قضايا أخرى رئيسة يجيء على رأسها ملفُ الصواريخ الباليستية الإيرانية وأنشطة طهران العسكرية في إقليم الشرق الأوسط.
ويؤكد نواب الكونجرس المعنيون في الوقت نفسه على أن الحرس الثوري هو مرتكز ومحور هذه الملفات، حتى الملف النووي، ما دفعهم إلى المطالبة بعدم حذفه من قائمة المنظمات الإرهابية التي تصنفها وزارة الخارجية الأمريكية.
ولكن المثير في الأمر هو أن مطالب النواب الأمريكيين المُشار إليها هي ذاتها تلك التي تحدثت عنها الحملة الانتخابية للمرشح الديمقراطي آنذاك جو بايدن، أي أن الطرفين لا يختلفان بشأنها. فقد أكد الرئيس الأمريكي بايدن قبل وبعد توليه منصبه على ضرورة طرح الملف الصاروخي والأنشطة العسكرية الإيرانية في إقليم الشرق الأوسط على طاولة أي مفاوضات مقبلة.
ومع ذلك، يبدو أن إطالة أمد المفاوضات النووية في فيينا والعثرات الكبيرة والجمة التي واجهتها منذ بدئها قد قيّدت من إمكانية التطرق لملفات جديدة “رئيسة” يصر الجانب الإيراني بشدة على عدم طرحها للنقاش بينما كانت إدارة بايدن تخطط لوضعها على أجندة المحادثات الفعلية. وقد زاد من تعقيد الأمر وقلق الغربيين أن إيران تستغل الوقت لصالحها في سبيل إحراز تقدم نووي، بعد توصلها إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، أي أنها صارت أكثر من أي وقت مضى أقرب إلى التوصل إلى سلاح نووي. وقد يكون هذا سببًا آخر لعدم دخول هذه الملفات الأخرى على خط المفاوضات النووية.
مقترحا مجلس الشيوخ الجديدان وبرنامج بايدن الانتخابي
وكانت تصريحات نيد برايس المذكورة بالأساس رد فعل على إجراءين اتخذهما مجلسُ الشيوخ الأمريكي وجاءا في الواقع في سياق رفض كثيرٍ من النواب الجمهوريين والديمقراطيين لحيثيات المفاوضات الجارية مع إيران، وعبّرا أيضًا عن الرغبة في إضافة ملفات جديدة للحديث بشأنها في فيينا مع إيران. وتتمثل هذه الملفات كما سبق القول في الأنشطة الصاروخية والإقليمية لإيران.
– مقترح “جيمس لانكفورد”:
فقد صوتت أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي قبل تصريحات برايس بيومين اثنين، في 4 مايو، لصالح مقترح يعارض الانخراط في صفقة مع إيران على النحو الجاري حاليًا، والذي يرونه يركز على البرنامج النووي الإيراني ولا يتناول الملفين الآخرين المُشار إليهما. كما يرفض المقترح إزالة اسم الحرس الثوري من قائمة الإرهاب. وقد قدّم هذا المشروع في البداية السيناتور الجمهوري جيمس لانكفورد. ولاقى في النهاية موافقة 62 نائبًا مقابل رفض 33 آخرين.
ويُعد لانكفورد من أبرز السياسيين الأمريكيين المعارضين لنهج السياسة الإيرانية، بما تشمله من أنشطة نووية وتصنيع صواريخ باليستية وأنشطة عسكرية خارج أراضيها، خاصة في منطقة الشرق الأوسط. ودعا لانكفورد منذ بداية المفاوضات النووية مع إيران العام الماضي إلى عدم التركيز فقط على برنامج طهران النووي.
فقد شدد في تغريدة له على “تويتر” في الشهر التالي لبدء المفاوضات على أنه “لا يمكن للرئيس بايدن أن يتفاوض مع إيران بشأن طموحاتها النووية، وأن يغض الطرف عن أنشطتها الإرهابية”. بل إن جيمس قال آنذاك إن هذا السيناريو “فشل عندما قام به باراك أوباما وسيفشل الآن. إن إيران تهاجم حليفنا الأقرب في المنطقة”.
– مقترح “تيد كروز”:
وقبل ساعات من هذا التصويت، كان مجلس الشيوخ الأمريكي قد وافق على مقترح آخر من قِبل السيناتور الجمهوري تيد كروز ينص على فرض عقوبات تتعلق بالإرهاب على البنك المركزي الإيراني وذلك بأغلبية 86 صوتًا مقابل 12 صوتًا. وانتقد كروز، المرشح الرئاسي السابق في انتخابات 2016 أمام دونالد ترامب، في اليوم نفسه سياسة بايدن إزاء إيران واصفًا إياها بـ”الضعف”، ومؤكدًا أن إيران من “أخطر أعداء الولايات المتحدة”.
كيف يمكن أن يؤثر هذان المقترحان على مستقبل المفاوضات النووية مع إيران؟
ينبغي التأكيد أولًا على أن هذين الإجراءين اللذين اتُّخِذا مؤخرًا في مجلس الشيوخ الأمريكي مطلع مايو 2022 لم يمثلا بداية الإعلان عن اعتراض كثير من نواب الكونجرس على مسار المفاوضات النووية مع إيران والقضايا المطروحة للنقاش به.
فقد سبق ذلك إجراءاتٌ أخرى مماثلة، كان من بينها:
– إخطار 33 عضوًا جمهوريًا في مجلس الشيوخ الأمريكي الرئيسَ بايدن يوم 8 فبراير الماضي بعزمهم منع التوصل إلى أي اتفاق نووي جديد مع إيران ما لم تسمح الإدارة في واشنطن للكونجرس بالاطلاع والتصويت عليه.
– تقديم 200 عضو جمهوري في مجلس النواب الأمريكي منتصف الشهر نفسه رسالة إلى جو بايدن في فبراير الماضي يحثون إدارته فيها على عدم تقديم أي ضمانات لإيران بشأن برنامجها النووي، محذرين من التوقيع على اتفاق نووي جديد مع طهران من دون موافقة مشرعي الكونجرس. حيث قالوا إن مثل هذا الاتفاق سيلقى بهذه الطريقة “نفس مصير” الاتفاق الأصلي المبرم في عام 2015.
– تشديد النائب الأمريكي “جو ويلسون” في أبريل 2022 على أن “الجمهوريين لديهم بدائل عن الاتفاق النووي مع إيران، حيث لدينا القانون الخاص بحملة الضغوط القصوى وذلك بدلًا من سياسات استرضاء النظام الإيراني، كما يجب أن نعلم أن رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب يُعد أمرًا غير معقول”.
وعليه، فإن خطوات جيمس لانكفورد وتيد كروز تندرج في هذا الإطار الكلي الذي يشمل معارضة نواب كثر في الكونجرس الأمريكي لاتفاق نووي مع طهران يصبح البرنامج النووي ركيزته الوحيدة. ومع ذلك، تُعد هذه الإجراءات والخطوات التي اتخذها النواب الأمريكيون مجرد مقترحاتٍ غير ملزمة قانونًا لإدارة الرئيس الأمريكي بايدن، حيث يمكنه المضي قدمًا في المفاوضات مع إيران والتوصل إلى اتفاق نووي حتى في ظل وجود هذه المعارضة.
ولكن ومن ناحية أخرى، يستطيع هؤلاء النواب المعارضون في الولايات المتحدة القيام بأمرين في هذا الشأن على مرحلتين مختلفتين:
– الأولى، قبل التوصل لاتفاق نووي:
حيث يمكنهم مواصلة حملة الضغط الداخلية على الرئيس بايدن من أجل طرح ملف الصواريخ الباليستية والأنشطة الإقليمية لإيران على طاولة مفاوضات فيينا، علاوة على منع حذف الحرس الثوري من قائمة الإرهاب، ما يعني إجمالًا إطالة أمد التفاوض إلى وقت غير معلوم أو انهيار المحادثات برمتها؛ نظرًا لرفض إيران القاطع للتفاوض بشأن هذين الملفين.
– الثانية، بعد التوصل لاتفاق نووي:
بحيث ينفذون ما حذّروا منه من حيث تفعيلهم لحملة الضغط القصوى مجددًا على إيران، وأن يتحركوا سويًا في سبيل أن يلقى الاتفاق النووي الجديد “نفس مصير” اتفاق عام 2015، على حد تعبير بعضهم.
الخلاصة
لا يجب الاعتقاد بأن مقترحات النواب الأمريكيين الأخيرة تعني أنهم لا يريدون عقد صفقة مع إيران، بل ما يريدونه هو التوصل إلى صفقة “شاملة” مع طهران لا تركز فقط على أنشطة إيران النووية، بل وتتطرق بنودها بشكل صريح إلى ملف الصواريخ الباليستية والأنشطة الإقليمية لإيران. ولكن، يبدو أنهم يرفضون بشكل قاطع رفع الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية.
وعلى أي حال، فإن مجمل هذه الضغوط التي تواجهها الإدارة الأمريكية الحالية من الداخل تحديدًا سوف تصبح عاملًا مساهمًا في إطالة أمد المفاوضات التي تواجه عقبة رئيسة الآن تتمثل في المطلب الإيراني الرامي لحذف الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية. وسوف تضفي جميع هذه العوامل معًا المزيد من الغموض بشأن مستقبل المفاوضات النووية وإمكانية نجاحها والتوصل لاتفاق جديد.
.
رابط المصدر: