فتح الأبواب المُغلَقَة: كيف أعادت كارثة الزلزال تشكيل المواقف الإقليمية والدولية إزاء سورية؟

  • أرميناك توكماجيان
  • عمرو بهاء الدين

 

في صباح يوم السادس من فبراير 2023 تعرَّضت مناطق من جنوب تركيا وشمال سورية لزلزال شديد، بلغ 7.7 على مقياس ريختر، كان مركزه ولاية قهرمان مرعش التركية. وأدى الزلزال، الذي وصفته الأمم المتحدة بأنه “أزمة داخل أزمة”، إلى تزايُد الوضع الحرج للسوريين، الذين يعانون أساساً من تبعات أزمة اقتصادية خانقة، سواء في مناطق النظام أو مناطق المعارضة.

 

خلّف الزلزال دماراً واسعاً في المحافظات الشمالية لسورية، بينما شعر كامل سكان البلاد بالزلزال الذي تبعته أكثر من 1500 هزة ارتدادية. وتركزت الأضرار المباشرة للزلزال في محافظات حلب وإدلب واللاذقية وجبلة وحماة. وأدى الزلزال حتى لحظة إعداد هذه الورقة إلى وفاة حوالي 5,814 شخص في مناطق سورية كافة (4400 شخص في شمال غرب سورية، و1414 في مناطق الحكومة السورية). وإلى جانب العدد الكبير من الوفيات، تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى تأثُّر حوالي 4 مليون نسمة بشكل مباشر وغير مباشر في مناطق سيطرة الحكومة السورية، وحوالي 3 ملايين نسمة في مناطق شمال غرب سورية. كما أدى الزلزال إلى انهيار حوالي 170 مبنى، وتضرُّر حوالي 500 مبنى ومدرسة في العديد من المدن في مناطق سيطرة الحكومة، وتهدم حوالي 1600 مبنى في مناطق شمال غرب سورية، وتضرر 7500 مبنى. تركزت الأضرار في مناطق سيطرة الحكومة في محافظتي حلب واللاذقية، أما إدلب وأريافها فكانت الأشد تأثُّراً في مناطق سيطرة المعارضة.

 

وفضلاً عن التداعيات الإنسانية الهائلة، نتج عن الزلزال، ولا يزال، تداعيات وارتدادات سياسية، من المتوقع أن تُلقي بظلالها على الأزمة السورية وآفاق التعامل الإقليمي والدولي معها خلال المدى المنظور. فقد شكَّلت كارثة الزلزال فرصةً لحكومة دمشق، ولكل الأطراف الخارجية، لإبداء مرونة معينة تجاه مواقفها في الأزمة السورية، وأدت الكارثة إلى تحريك المياه الراكدة في الملف السوري بعد تراجع أولويته على الصعيد العالمي، وتولَّدت لحظة سياسية (political momentum) تحمل في طياتها بعض الفرص لكسر حالة الجمود القائمة. فبالنظر للطبيعة الإنسانية للكارثة، وضع العديد من الأطراف الدولية خلافاتها السياسية جانباً وقدَّمت مساعدات إنسانية كبيرة إلى سورية، كما وجد بعض الدول في الظرف الإنساني الراهن مدخلاً مواتياً للانفتاح على دمشق، وتواصل العديد من القادة العرب وغيرهم مع الرئيس بشار الأسد، وأُرسِلَت عشرات طائرات المساعدات إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية لأول مرة منذ بدء الأزمة في هذا البلد، الأمر الذي أدى عملياً إلى كسر عزلة دمشق المفروضة منذ ذلك الحين. من جهته، استثمرت دمشق الكارثة بنجاح على الصُّعُد الإعلامية والإنسانية والسياسية، وأظهرت ليونة في بعض القضايا ما ساهم في تحريك مسارات كانت راكدة.

 

دمشق تقتنص الفرصة

استثمر نظام الرئيس بشار الأسد كارثة الزلزال من أجل الترويج لخطابه الإعلامي الذي يُحمِّل العقوبات الغربية، في شكل أساسي، المسؤولية للمشكلات الاقتصادية والمعيشية التي تُعاني منها المناطق التي يُسيطر عليها، وسعى إلى استغلال التعاطف الشعبي نحو ضحايا الزلزال وتوظيفه للدعوة إلى رفع العقوبات على سورية. لقد ضرب الزلزال البلاد في ظل أزمة اقتصادية خانقة تعصف بمناطق سيطرة الحكومة، وأبرز معالمها انخفاض سعر صرف الليرة السورية، والنقص الحاد في المشتقات النفطية. ومع اتضاح حجم الخسائر البشرية والمادية الكبيرة للزلزال، وعلى الرغم من محاولات النظام توجيه إمكانياته لانقاذ العالقين تحت الركام، اتضح بشكل جلي أنّ الحكومة السورية غير قادرة لوحدها على الاستجابة لكارثة بهذا الحجم نتيجة عدم توفر الموارد والقدرات الفنية والإمكانية المادية الضرورية للتعامل معها.

 

ومن ثمَّ فقد استبق النظام السوري منتقديه وخصومه، بمن فيهم الاتحاد الأوروبي، وأعلن طلبه من الأمم المتحدة والدول الأعضاء والصليب الأحمر الدولي تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة إلى سورية. وفي مفارقة سياسية، بادر النظام إلى طلب المساعدة من الاتحاد الأوروبي عبر آلية الحماية المدنية التي تتيح لأي دولة طلب المساعدة في حال حدوث كوارث تفوق حجم قدرتها على الاستجابة. كما ناشد على لسان جميع مسؤوليه رفع العقوبات الغربية على سورية من أجل توفير الإمكانيات اللازمة والمساعدات للاستجابة لآثار الزلزال.

 

ويبدو أن دمشق حاولت أيضاً من خلال هذا الطلب تجنُّب انتقادات قد توجه إليها من المجتمع الدولي باستغلال الظرف الإنساني الذي سببته كارثة طبيعية وليس نزاعاً مسلحاً من أجل تحشيد دعم إنساني وسياسي لسورية مُشابه لما حدث مع تركيا. وفي هذا السياق، حَرصت القيادة السورية على إبراز الطابع المؤسساتي والمنظم في تعاطيها مع الكارثة، إعلامياً على الأقل، حيث أبرزت وسائل الإعلام الرسمية خبر عقد الرئيس الأسد اجتماعاً طارئاً لمجلس الوزراء في الصباح الباكر من يوم الزلزال، وإطلاقه خطة تحرك سريع للتعامل مع الكارثة، فيما واظبت وسائل الإعلام الرسمية على بث معلومات مستمرة عن الاستجابة الحكومية للحدث. وبهذا، أظهر النظام نفسه بوصفه مؤسسة رسمية فعّالة وقادرة على التحرك واتخاذ القرارات وطلب الدعم الدولي من منطلق كونه حكومة شرعية قادرة على ضبط إيقاعها والتحكم بعناصرها. ومن خلال هذا التعاطي، فإن دمشق بعثت رسائل واضحة لكل الأطراف الدولية تُفيد بأن نظام الرئيس الأسد قادر على التصرف بمسؤولية، وأنَّه أمر واقع وسلطة متجذرة، وعلى كل من يريد أن يُساعد سورية أن يتحدث معه.

 

وبهذا، فقد رأى نظام الرئيس الأسد في كارثة الزلزال والتعاطف الدولي الذي صاحبها فرصة مهمة تساعده في إعادة تعويم نفسه وشرعيته عربياً ودولياً، من حيث طرح نفسه طرفاً أصيلاً في استلام المساعدات الدولية التي أُرسِلَت إلى سورية، والتنسيق مع مختلف الجهات الدولية والمنظمات الإنسانية من أجل استلام تلك المساعدات والمواد الإغاثية، وتقديم العون اللازم للسوريين المتضررين في مناطقه. وحتى الآن، ما فتئ النظام يُظهِر توظيفه كارثة الزلزال باعتبارها سبباً يُمكِّنه من التواصل مع العالم الخارجي، ليس من أجل بحث حل سياسي للأزمة السورية، وإنما بهدف احتواء ومعالجة التداعيات الإنسانية للزلزال على سورية. وفي إطار ذلك، عمل النظام على إظهار حجم المعاناة التي يُعانيها السوريون القابعون تحت سيطرته، مُلوحاً بورقة الكتلة البشرية التائقة للخروج من سورية واللجوء إلى بلدان أخرى، من منطلق إدراكه بأن الدول الأوروبية والغربية تعي أنه يُسيطر على كتلة بشرية كبيرة يُمكن أن تُغرِق دول الجوار، وأوروبا نفسها، باللاجئين.

 

عودة الحرارة إلى خطوط التواصل المنقطعة

مثَّلت كارثة الزلزال، والدمار الهائل الذي نتج عنه، مُنعطفاً في التعاطي الإقليمي والدولي مع الحالة السورية، كما وفَّر هذا الحدث المأساوي فرصة لإعادة النظر في طريقة التعامل مع الملف السوري، بما في ذلك بحث إمكانية الانفتاح أكثر إزاء نظام دمشق، والتواصل مباشرة مع القيادة السورية، وإن من بوابة تقديم واجب العزاء للشعب السوري في الكارثة التي حلَّت به.

 

وفي هذا الإطار تلقى الرئيس بشار الأسد العديد من المكالمات الهاتفية المعزية بحادثة الزلزال من ملوك وأمراء ورؤساء لم يسبق لهم أن تواصلوا معه إما منذ بدء الأزمة السورية أو منذ فترة طويلة، بمن فيهم الرئيس المصري، والملك الأردني، وملك البحرين، وسلطان عُمان، والرئيس التونسي، والرئيس الفلسطيني، وغيرهم من الرؤساء والقادة. كما شهدت دمشق زيارات سياسية مهمة تصدَّرتها زيارة الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي، ثم وزيري خارجية لبنان والأردن، التقوا خلالها بالرئيس الأسد. واستقبلت مناطق الحكومة السورية، حتى يوم 19 فبراير، 164 طائرة مساعدات مُقدَّمة من 26 دولة، وتصدّرت دولة الإمارات (76 طائرة)، والعراق (24 طائرة)، وليبيا (13 طائرة) قائمة الدول الأكثر إرسالاً للمساعدات الإنسانية إلى سورية.

 

كما استقبل الرئيس الأسد، في 26 فبراير، وفداً برلمانياً رفيع المستوى يمثل 8 دول عربية (هي الإمارات، والعراق، والأردن، وفلسطين، وليبيا، ومصر، وعُمان، ولبنان)، فضلًا عن رئيس الاتحاد البرلماني العربي وأمينه العام. وهي المرة الأولى التي يزور فيها وفد برلماني عربي موسَّع سورية، منذ تجميد عضويتها في الجامعة العربية عام 2011. ونقلت وكالة الأنباء السورية عن رئيس مجلس النواب المصري حنفي الجبالي، قوله إن “سورية ستعود إلى مكانها الطبيعي في الجامعة العربية، وأن هذه الزيارة هي لدعم سورية قيادة وحكومة وشعباً”.

 

وفي ظل هذا التوجه الإقليمي، عمدت دمشق إلى توجيه رسائل سياسية مُرحّبة بالتواصل العربي معها، فمثلاً صرَّحت الرئاسة السورية إثر لقاء الرئيس بشار الأسد بوزير الخارجية الأردني بأن “الشعب السوري يرحب ويتفاعل مع أي موقف إيجابي تجاهه وخاصة من الأشقاء العرب”. كما توجه الرئيس الأسد إلى سلطنة عُمان في العشرين من شهر فبراير، في زيارة رسمية هي الثانية من نوعها إلى دولة خليجية بعد زيارته إلى دولة الإمارات العام الماضي. ومن جهته، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد رفع التمثيل الدبلوماسي لبلاده في دمشق، فيما بدا أنه خطوة نحو استعادة العلاقات الرسمية بين الجانبين.

 

صفقة مع الإدارة الأمريكية

مع طلب الحكومة السورية دعم منظمات الأمم المتحدة في اليوم الأول الذي تلا الزلزال، وتزايد الحاجة للمساعدات الإنسانية في مناطق شمال غرب سورية، اتخذت دمشق موقفاً متشدداً في بداية الاستجابة للكارثة عبَّر عنه المندوب السوري في الأمم المتحدة الذي أعلن بأن جميع المساعدات يجب أن تكون تحت إشراف الحكومة السورية، والتي بدورها سوف تنقلها إلى مناطق المعارضة عبر خطوط المواجهة. وأثارت تصريحات المندوب السوري انتقادات عديدة على الصعيد الدولي نتيجة تراكمات الأزمة وانعدام ثقة العديد من الأطراف الدولية في النظام. وما لبث أن عدّلت دمشق موقفها السياسي في اليوم التالي من خلال رئيس منظمة الهلال الأحمر السوري -التي تنفذ عادةً عمليات ادخال المساعدات عبر خطوط المواجهة- الذي أعلن استعداد المنظمة لإيصال المساعدات إلى جميع المناطق السورية، داعياً الأمم المتحدة إلى تنسيق ايصال المساعدات إلى شمال غرب البلاد عبر الهلال الأحمر السوري.

 

ومن الواضح أن مناورة دمشق السياسية في مجلس الأمن، والتصريحات التي تلتها وإبداء النظام مرونة في موقفه تجاه ادخال المساعدات إلى مناطق المعارضة، كان هدفه الأساسي كسب نقاط سياسية لصالحه على الصعيد الدولي، وسحب ورقة المساعدات من المعارضة السورية، وضمان عدم استخدامها ضده. وتبعاً لذلك، فقد أعلن مجلس الوزراء السوري في العاشر من فبراير (أي بعد يوم فقط من تصريحات رئيس الهلال الأحمر السوري) على موافقة دمشق بشكل كامل على إدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق الخارجة عن السيطرة الحكومية نظراً للظروف الإنسانية. وفي اليوم التالي أعلن النظام عن تجهيزه قافلة مساعدات إنسانية لإدخالها إلى ريف إدلب، وطلب من الأمم المتحدة مرافقة الشاحنات وفق الآليات المعتمدة، إلّا أن فصائل المعارضة رفضت استلام المساعدات، في ما بدا لاحقاً أنه خطأ تكتيكي ارتكبته المعارضة في ظل سعيها الدؤوب لمنع حصول النظام على أي مكاسب سياسية لصالحه. وفي المقابل، سعت قوى المعارضة السورية إلى تحشيد الدعم الدولي لفتح معابر إضافية لادخال المساعدات العابرة للحدود من تركيا.

 

لقد ربط النظام والمعارضة في شمال سورية تاريخ طويل من انعدام الثقة والخلافات السياسية فيما يخص ملف المساعدات الإنسانية، في ظل اتهام النظام من قبل المعارضة بممارسة الحصار والتجويع لمناطق المعارضة خلال سنوات الأزمة. وقد شكلت الحاجة إلى دخول المساعدات إلى شمال غرب سورية عبر منافذ حدودية جديدة لم يشملها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2672 لعام 2023، والذي شمل معبراً حدودياً واحداً هو “باب الهوى” الذي تضرر بسبب الزلزال، أولوية ملحّة للأمم المتحدة والدول الغربية، نظراً إلى أن هذه المناطق تضررت بشكل كبير نتيجة الزلزال، وبسبب الحاجة المُلحّة للمساعدات الإنسانية لهذه المناطق. وقد تصاعدت الأصوات الغربية المطالبة بعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن من أجل تضمين منافذ حدودية جديدة في القرار الدولي، في ضوء عدم دخول أي مساعدات إنسانية لشمال غرب سورية، سواء عبر الحدود أو عبر خطوط التماس.

 

واستبقت الحكومة السورية محاولات الدول الغربية والمعارضة للضغط لاستصدار قرار أممي جديد يسمح بدخول المساعدات عبر منافذ حدودية جديدة، من خلال إبرام اتفاق سياسي على هامش مجلس الأمن مع الولايات المتحدة وروسيا. وتشير المعلومات المتوافرة إلى توصل مندوبو الولايات المتحدة وروسيا وسورية في مجلس الأمن إلى اتفاق ثلاثي أفضى إلى تجميد العقوبات الأمريكية على الأنشطة المالية المرتبطة بالزلزال لمدة ستة أشهر (مقابلة للباحث مع مسؤول أممي في واشنطن، 15 فبراير 2023). وفي مقابل ذلك، تعين على النظام السوري القيام بخطوات ثلاث، تتمثل الأولى في رفع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة السورية للمنظمات الدولية في سورية لتصبح مُقاربة من سعر صرف الدولار في السوق السوداء، حيث كان يتم صرف تحويلات الأمم المتحدة حسب سعر صرف رسمي منخفض. والخطوة الثانية تتمثَّل في إعلان المناطق التي تضررت بالزلزال، والتي شملت حلب واللاذقية وحماة وإدلب، “مناطق منكوبة”، إذ يترتب على إعلان كهذا جملة التزامات أممية لإغاثة الدولة التي طلبت المساعدة كجزء من اختصاص مجلس الأمن للحفاظ على السلم والامن الدوليين، ويمنح ذلك حرية أكبر لعمل المنظمات الإنسانية. وكانت الخطوة الثالثة إبلاغ الرئيس الأسد مارتن غريفيث، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، خلال لقائهما في دمشق، في 13 فبراير، بموافقة الحكومة السورية على فتح معبر باب السلام والراعي بين تركيا وشمال غرب سوريا لفترة أولية مدّتها ثلاثة أشهر.

 

لقد أظهر قرار الإدارة الأمريكية تجميد العقوبات المفروضة على سورية لمدة ستة أشهر، والخطوات التي اتخذها النظام السوري من طرفه ثمناً لهذا التجميد، إمكانية حدوث خطوات صغيرة ولكنها مهمة في الملف السوري، بحيث يُمكن البناء عليها في المستقبل القريب، واستغلال اللحظة السياسية والفرص التي تولَّدت بعد كارثة الزلزال لتحقيق اختراقات سياسية جزئية في الملف السوري يُمكن أن تُساعِد في تحريك الجمود الذي يُسيطر على هذا الملف.

 

استنتاجات

من المؤكد أن الآثار الإنسانية لكارثة الزلزال سوف تكون مؤلمة جداً على المجتمع السوري الذي يعاني أصلاً من أزمات اقتصادية ومالية عميقة، ومن المرجح أن تستمر التبعات الإنسانية للزلزال لفترة طويلة نتيجة الدمار الكبير الذي أحدثه، وعدم قدرة الدولة السورية أو فصائل المعارضة على النهوض لوحدهما بإدارة الأزمة وإعادة إعمار المناطق المتأثرة بالزلزال، وانعدام وجود آلية دولية لتوجيه الدعم الاقتصادي في ظل غياب الحل السياسي وسيطرة العديد من القوى على الأراضي السورية. وتذهب التقديرات إلى أن سورية سوف تغرق بشكل متزايد في مشاكلها الاقتصادية والإنسانية المتفاقمة، الأمر الذي سيزيد من حاجة المجتمع السوري إلى المساعدات الخارجية.

 

لكن معظم المؤشرات الراهنة تُظهِر أن هذه الكارثة كانت بمثابة فرصة مهمة للنظام السوري، وأنها ستسهم في دفع محاولات إعادة تأهيله إقليمياً ودولياً عبر إيجاد بعض الحلول الجزئية للأزمة السورية. وحتى الآن، بدا أن النظام، من خلال الطريقة التي أدار بها أزمة الزلزال، قد تمكَّن من تحقيق مكاسب سياسية عديدة في فترة زمنية قصيرة؛ إذ استطاع تحريك مسار الانفتاح العربي تجاهه، ونجح في تحسين صورته على الصعيد الدولي، وتقديم نفسه بصفته حكومة شرعية تضع أولوية إغاثة مواطنيها الخاضعين لسيطرة المعارضة على الخلافات السياسية والعسكرية. وعبر تجميد العقوبات الأمريكية عليه لمدة ستة أشهر، وفتح خطوط مباشرة للتواصل مع واشنطن، طرح النظام نفسه لاعباً سياسياً مرناً، لديه القابلية لتقديم تنازلات للمجتمع الدولي مقابل حوافز سياسية تُخرِجه من عزلته الطويلة.

 

.

رابط المصدر:

https://epc.ae/ar/details/featured/kayf-aadat-karithat-alzilzal-tashkil-almawaqif-al-iiqlimia-waldawlia-iiza-suria

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M